عمدة الفقه - كتاب الحج [8]


الحلقة مفرغة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

مشاهدينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في درس جديد من دروس متن عمدة الفقه, والذي يأتيكم على الهواء مباشرة من استوديوهاتنا بمدينة الرياض, ضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. يسرني باسمكم جميعاً أن أستهل لقاءنا مرحباً بضيفنا, فحياكم الله يا شيخ عبد الله .

الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.

المقدم: أيضاً أرحب بجميع الأحبة والإخوة الذين حضروا في الأستوديو فأهلاً ومرحباً بكم, والترحيب موصول للإخوة والأخوات على موقع الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، والذي من خلاله أسعد باستقبال أسئلتكم ومشاركاتكم وعرضها على ضيفنا الكريم, كما أسعد باستقبال اتصالات الإخوة المشاهدين والأخوات المشاهدات على أرقام الهواتف التي ستعرض على الشاشة تباعاً بين الفينة والأخرى، فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء وفي كل لقاء، وعلى بركة الله نستهل درسنا.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً, اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

وبعد:

أحبتي الكرام! وصلنا إلى قول المؤلف: [ التاسع ], ولم نكمل بقية مسائله، وهو من محظورات الإحرام.

[التاسع: الوطء في الفرج], وذكرنا أنه إن كان قبل التحلل الأول فسد الحج ووجب المضي في فاسده، والحج من قابل وقلنا: هذا إجماع من الصحابة خلافاً لأهل الظاهر، وعليه بدنة بفتوى الصحابة.

ما يلزم على من وطئ بعد التحلل الأول

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

يقول ابن قدامة رحمه الله تعالى: [ وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة ويحرم من التنعيم ليطوف محرماً، وإن وطئ في العمرة أفسدها وعليه شاة، ولا يفسد النسك بغيره, والمرأة كالرجل إلا أن إحرامها في وجهها ولها لبس المخيط ].

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

قول المؤلف: ( وإن كان بعد التحلل الأول ), يعني: وإن جامع الرجل بعد التحلل الأول, فإنه ذكر في ذلك أحكاماً: الحكم الأول: أن فيه شاة، وهذا لفتوى ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في الذي يصيب من أهله قبل أن يطوف، قال: يعتمر ويهدي, يعني: عليه شاة, ولم يوجب المؤلف هنا البدنة؛ لأنها أخف من قبل التحلل الأول؛ لأنه بعد التحلل الأول قد حل من جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء، فيكون إحرامه حينئذ أخف من الإحرام السابق, وقد قلنا: إن هذا أيضاً هو فتوى الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

مدى فساد الحج بالوطء بعد التحلل الأول

الشيخ: ولم يتحدث المؤلف هنا على مسألة فساد الحج أو غيره؛ لكنه قال: [ فإن كان قبل التحلل الأول فسد الحج ], فمفهومه أنه بعد التحلل الأول لا يفسد الحج، وهذا هو قول عامة أهل العلم, وهو قول ابن عباس وغيره, وهو قول الأئمة الأربعة رضي الله عنهم أجمعين, وإن كان ابن عمر روي عنه أن حجه يفسد إن كان قد جامع قبل الطواف بالبيت, فلو تحلل التحلل الأول ولم يطف بالبيت، فإن جامع قبل أن يطوف طواف الإفاضة فإن حجه يفسد عند ابن عمر , ولكن الروايات عن ابن عمر مختلفة، والأقرب هو قول عامة الفقهاء؛ لأمور:

أولاً: لما روى مالك في الموطأ عن عكرمة قال: لا أظنه إلا عن ابن عباس أنه قال في الرجل يصيب من أهله قبل أن يفيض -يعني: قبل أن يطوف- أن عليه أن يعتمر ويهدي, وقال رضي الله عنه في رجل أصاب أهله قبل أن يطوف: اقضيا نسككما وعليكما الحج من قابل, وانحرا جزواً بينكما, كما رواه البيهقي وغيره, وهذا يفيد على أن من جامع بعد التحلل الأول فإن حجه صحيح ولا يفسد، ولا يلزمه أن يحج من قابل, ومما يدل على ذلك أن أهل العلم قالوا: لأنه بعد التحلل الأول جاز له جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء, فخف بذلك إحرامه، وهذا الأقرب، والله أعلم.

وجوب إحرام من وطئ بعد التحلل الأول من الحل

الشيخ: قول المؤلف رحمه الله: (ويحرم من التنعيم), يعني: أن كل من جامع بعد التحلل الأول فإنه يجب عليه أن يحرم من التنعيم, وقوله: (من التنعيم) لم يقصد التنعيم قصداً, إنما أراد بذلك أنه يجب عليه أن يحرم من الحل، حتى يكون قد طاف بالبيت طواف الإفاضة، ويجمع فيها بين الحل والحرم, فهو الآن في الحرم فإذا جامع بعد التحلل الأول فالمؤلف يقول: (ويحرم من التنعيم), يعني: يحرم من الحل؛ ليجمع في طوافه بين الحل والحرم.

وهذا القول هو قول الحنابلة وقول المالكية؛ فقد ذهبوا إلى أن كل من جامع بعد التحلل الأول فإن إحرامه يفسد ولا يفسد حجه، وحينئذ يلزمه أن يحرم من التنعيم، واستدلوا على ذلك بما رواه مالك في موطئه عن عكرمة أنه قال: ولا أظنه إلا عن ابن عباس في الرجل يأتي أهله قبل أن يفيض، قال: عليه أن يعتمر وأن يهدي. فالهدي لأجل فعل محظور وهو الجماع، قالوا: لفساد إحرامه حينئذ, ولأنه وطء صادف إحراماً فأفسده، مثلما لو جامع قبل التحلل الأول فيفسد إحرامه, وهذا القول فيه نظر, ولهذا اختلف العلماء في هذا، وذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يلزمه أن يذهب إلى التنعيم بل يبقى على إحرامه، إن كان لم يتحلل التحلل الكامل، واختلف العلماء متى يتحلل التحلل الكامل, هل هو بعد رمي جمرة العقبة أو بعد رمي جمرة العقبة والحلق والقول الثاني هو الراجح كما سوف يأتي إن شاء الله, لكن لو فرض أنه رمى ولم يحلق فهل يلزمه أن يعيد إحرامه أو يبقى على ما هو عليه كما هو مذهب الحنفية والشافعية؟ بمعنى أنه إن رمى جمرة العقبة وبقي على إحرامه ثم جامع قبل أن يحلق، فإن ابن قدامة ذكر إجماع أهل العلم على أنه قد جامع بعد التحلل الأول ولو لم يحلق, خلافاً للقاضي أبي يعلى وهذا قول الأئمة الأربعة كما سوف يأتي إن شاء الله.

على هذا لو جامع بعد التحلل الأول وتحلل من إحرامه بأن رمى وحلق فالمؤلف يقول: يجب عليه أن يخرج إلى التنعيم، وهو مذهب المالكية، وأما الحنفية والشافعية فقالوا: لا يجب عليه؛ لأنه لم يرد حديث صحيح بذلك؛ ولأن قول ابن عباس رضي الله عنه من باب الاستحباب لا من باب الوجوب, وهذا القول أظهر, وأما قولهم: لأنه صادف إحراماً جامع فيه فأفسده؟ نقول: من قال بإفساده خاصة وأنه قد تحلل من جميع المحظورات ما بقي إلا النساء، فكيف نقول له: يلزمك أن تحرم مرة ثانية؟!

فهو إذا تحلل التحلل الأول فما بقي عليه إلا النساء, فإذا جامع فهل نأخذ بالأكثر أم بالأقل؟ نأخذ بالأكثر وهو التحلل؛ لأنه تحلل من جميع إحرامه، وهذا هو الأقرب، والله أعلم.

يقول المؤلف رحمه الله: ( ويحرم من التنعيم ليطوف محرماً ), كلامه هذا أفادنا فائدة وهي أن إحرامه لا يلزم منه أخذ عمرة, وهذه هي الرواية الأولى عند الحنابلة، والرواية الثانية: أنه إن أحرم من التنعيم وجب عليه أن يأخذ عمرة ثم بعد ذلك يطوف للإفاضة, والأقرب -والله أعلم- أنه لا يلزمه، ولا يلزمه أيضاً لو أحرم أن يأخذ عمرة.

أحكام الوطء في العمرة

الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ وإن وطئ في العمرة أفسدها وعليه شاة ], الذي يطأ في إحرام العمرة لا يخلو من أحوال:

الحال الأولى: أن يطأ قبل الطواف بالبيت, يعني: بعد الإحرام وقبل الطواف بالبيت, فهنا يكون قد أفسد عمرته, وهذا محل إجماع عند القائلين بأن الوطء قبل التحلل الأول يفسد الحج أو العمرة, وحينئذ نقول: من جامع قبل الطواف فإن حجه أو عمرته حينئذ فاسدة.

الحال الثانية: أن يجامع بعد الطواف وقبل السعي والحلق, فالحنابلة رحمهم الله في المشهور عندهم أنهم يرون أنه أفسد عمرته؛ لأنه لم يتحلل من الركن الثالث من أركان العمرة؛ وهو السعي.

والرواية الثانية عند الحنابلة وهو اختيار ابن قدامة و ابن تيمية رحمهم الله أن السعي في الحج والعمرة ليس بركن ولكنه واجب, وحينئذ يكون قد جامع بعد إنهاء الأركان كلها؛ وهي الإحرام والطواف, فتكون حينئذ عمرته صحيحة, وهذا القول أظهر، كما سوف نأتي إليه إن شاء الله في إثبات أن السعي واجب وليس بركن.

الحال الثالثة: لو جامع بعد الطواف والسعي وقبل الحلق نقول حينئذ: لا تفسد عمرته، ونقله بعضهم إجماعاً، ولكن عليه محظور؛ لأنه تحلل بغير الحلق, وحينئذ يلزمه فدية أذى على الراجح, فحينئذ من جامع بعد الطواف والسعي فإنما يلزمه فدية أذى على قول، وعلى قول المؤلف يلزمه شاة.

قول المؤلف: فيلزمه شاة؛ بناء على فتوى ابن عباس ، وقول ابن عباس رضي الله عنه اختلف عنه في الروايات, فمرة يقول: عليه دم, ومرة يخيره في ذلك, وعلى كل حال لو ذبح شاة فهو أولى خروجاً من الخلاف, ولو أخذ بعد التحلل الأول -يعني: بعد أن طاف وسعى- فدية الأذى بناء على أنه محظور لم يكن بعيداً، وهو الأقرب، والله أعلم.

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

يقول ابن قدامة رحمه الله تعالى: [ وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة ويحرم من التنعيم ليطوف محرماً، وإن وطئ في العمرة أفسدها وعليه شاة، ولا يفسد النسك بغيره, والمرأة كالرجل إلا أن إحرامها في وجهها ولها لبس المخيط ].

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

قول المؤلف: ( وإن كان بعد التحلل الأول ), يعني: وإن جامع الرجل بعد التحلل الأول, فإنه ذكر في ذلك أحكاماً: الحكم الأول: أن فيه شاة، وهذا لفتوى ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في الذي يصيب من أهله قبل أن يطوف، قال: يعتمر ويهدي, يعني: عليه شاة, ولم يوجب المؤلف هنا البدنة؛ لأنها أخف من قبل التحلل الأول؛ لأنه بعد التحلل الأول قد حل من جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء، فيكون إحرامه حينئذ أخف من الإحرام السابق, وقد قلنا: إن هذا أيضاً هو فتوى الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

الشيخ: ولم يتحدث المؤلف هنا على مسألة فساد الحج أو غيره؛ لكنه قال: [ فإن كان قبل التحلل الأول فسد الحج ], فمفهومه أنه بعد التحلل الأول لا يفسد الحج، وهذا هو قول عامة أهل العلم, وهو قول ابن عباس وغيره, وهو قول الأئمة الأربعة رضي الله عنهم أجمعين, وإن كان ابن عمر روي عنه أن حجه يفسد إن كان قد جامع قبل الطواف بالبيت, فلو تحلل التحلل الأول ولم يطف بالبيت، فإن جامع قبل أن يطوف طواف الإفاضة فإن حجه يفسد عند ابن عمر , ولكن الروايات عن ابن عمر مختلفة، والأقرب هو قول عامة الفقهاء؛ لأمور:

أولاً: لما روى مالك في الموطأ عن عكرمة قال: لا أظنه إلا عن ابن عباس أنه قال في الرجل يصيب من أهله قبل أن يفيض -يعني: قبل أن يطوف- أن عليه أن يعتمر ويهدي, وقال رضي الله عنه في رجل أصاب أهله قبل أن يطوف: اقضيا نسككما وعليكما الحج من قابل, وانحرا جزواً بينكما, كما رواه البيهقي وغيره, وهذا يفيد على أن من جامع بعد التحلل الأول فإن حجه صحيح ولا يفسد، ولا يلزمه أن يحج من قابل, ومما يدل على ذلك أن أهل العلم قالوا: لأنه بعد التحلل الأول جاز له جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء, فخف بذلك إحرامه، وهذا الأقرب، والله أعلم.

الشيخ: قول المؤلف رحمه الله: (ويحرم من التنعيم), يعني: أن كل من جامع بعد التحلل الأول فإنه يجب عليه أن يحرم من التنعيم, وقوله: (من التنعيم) لم يقصد التنعيم قصداً, إنما أراد بذلك أنه يجب عليه أن يحرم من الحل، حتى يكون قد طاف بالبيت طواف الإفاضة، ويجمع فيها بين الحل والحرم, فهو الآن في الحرم فإذا جامع بعد التحلل الأول فالمؤلف يقول: (ويحرم من التنعيم), يعني: يحرم من الحل؛ ليجمع في طوافه بين الحل والحرم.

وهذا القول هو قول الحنابلة وقول المالكية؛ فقد ذهبوا إلى أن كل من جامع بعد التحلل الأول فإن إحرامه يفسد ولا يفسد حجه، وحينئذ يلزمه أن يحرم من التنعيم، واستدلوا على ذلك بما رواه مالك في موطئه عن عكرمة أنه قال: ولا أظنه إلا عن ابن عباس في الرجل يأتي أهله قبل أن يفيض، قال: عليه أن يعتمر وأن يهدي. فالهدي لأجل فعل محظور وهو الجماع، قالوا: لفساد إحرامه حينئذ, ولأنه وطء صادف إحراماً فأفسده، مثلما لو جامع قبل التحلل الأول فيفسد إحرامه, وهذا القول فيه نظر, ولهذا اختلف العلماء في هذا، وذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يلزمه أن يذهب إلى التنعيم بل يبقى على إحرامه، إن كان لم يتحلل التحلل الكامل، واختلف العلماء متى يتحلل التحلل الكامل, هل هو بعد رمي جمرة العقبة أو بعد رمي جمرة العقبة والحلق والقول الثاني هو الراجح كما سوف يأتي إن شاء الله, لكن لو فرض أنه رمى ولم يحلق فهل يلزمه أن يعيد إحرامه أو يبقى على ما هو عليه كما هو مذهب الحنفية والشافعية؟ بمعنى أنه إن رمى جمرة العقبة وبقي على إحرامه ثم جامع قبل أن يحلق، فإن ابن قدامة ذكر إجماع أهل العلم على أنه قد جامع بعد التحلل الأول ولو لم يحلق, خلافاً للقاضي أبي يعلى وهذا قول الأئمة الأربعة كما سوف يأتي إن شاء الله.

على هذا لو جامع بعد التحلل الأول وتحلل من إحرامه بأن رمى وحلق فالمؤلف يقول: يجب عليه أن يخرج إلى التنعيم، وهو مذهب المالكية، وأما الحنفية والشافعية فقالوا: لا يجب عليه؛ لأنه لم يرد حديث صحيح بذلك؛ ولأن قول ابن عباس رضي الله عنه من باب الاستحباب لا من باب الوجوب, وهذا القول أظهر, وأما قولهم: لأنه صادف إحراماً جامع فيه فأفسده؟ نقول: من قال بإفساده خاصة وأنه قد تحلل من جميع المحظورات ما بقي إلا النساء، فكيف نقول له: يلزمك أن تحرم مرة ثانية؟!

فهو إذا تحلل التحلل الأول فما بقي عليه إلا النساء, فإذا جامع فهل نأخذ بالأكثر أم بالأقل؟ نأخذ بالأكثر وهو التحلل؛ لأنه تحلل من جميع إحرامه، وهذا هو الأقرب، والله أعلم.

يقول المؤلف رحمه الله: ( ويحرم من التنعيم ليطوف محرماً ), كلامه هذا أفادنا فائدة وهي أن إحرامه لا يلزم منه أخذ عمرة, وهذه هي الرواية الأولى عند الحنابلة، والرواية الثانية: أنه إن أحرم من التنعيم وجب عليه أن يأخذ عمرة ثم بعد ذلك يطوف للإفاضة, والأقرب -والله أعلم- أنه لا يلزمه، ولا يلزمه أيضاً لو أحرم أن يأخذ عمرة.

الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ وإن وطئ في العمرة أفسدها وعليه شاة ], الذي يطأ في إحرام العمرة لا يخلو من أحوال:

الحال الأولى: أن يطأ قبل الطواف بالبيت, يعني: بعد الإحرام وقبل الطواف بالبيت, فهنا يكون قد أفسد عمرته, وهذا محل إجماع عند القائلين بأن الوطء قبل التحلل الأول يفسد الحج أو العمرة, وحينئذ نقول: من جامع قبل الطواف فإن حجه أو عمرته حينئذ فاسدة.

الحال الثانية: أن يجامع بعد الطواف وقبل السعي والحلق, فالحنابلة رحمهم الله في المشهور عندهم أنهم يرون أنه أفسد عمرته؛ لأنه لم يتحلل من الركن الثالث من أركان العمرة؛ وهو السعي.

والرواية الثانية عند الحنابلة وهو اختيار ابن قدامة و ابن تيمية رحمهم الله أن السعي في الحج والعمرة ليس بركن ولكنه واجب, وحينئذ يكون قد جامع بعد إنهاء الأركان كلها؛ وهي الإحرام والطواف, فتكون حينئذ عمرته صحيحة, وهذا القول أظهر، كما سوف نأتي إليه إن شاء الله في إثبات أن السعي واجب وليس بركن.

الحال الثالثة: لو جامع بعد الطواف والسعي وقبل الحلق نقول حينئذ: لا تفسد عمرته، ونقله بعضهم إجماعاً، ولكن عليه محظور؛ لأنه تحلل بغير الحلق, وحينئذ يلزمه فدية أذى على الراجح, فحينئذ من جامع بعد الطواف والسعي فإنما يلزمه فدية أذى على قول، وعلى قول المؤلف يلزمه شاة.

قول المؤلف: فيلزمه شاة؛ بناء على فتوى ابن عباس ، وقول ابن عباس رضي الله عنه اختلف عنه في الروايات, فمرة يقول: عليه دم, ومرة يخيره في ذلك, وعلى كل حال لو ذبح شاة فهو أولى خروجاً من الخلاف, ولو أخذ بعد التحلل الأول -يعني: بعد أن طاف وسعى- فدية الأذى بناء على أنه محظور لم يكن بعيداً، وهو الأقرب، والله أعلم.

الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ولا يفسد النسك بغيره], يعني: أجمع أهل العلم على أن النسك لا يفسد بغير الجماع, وهذا قول عامة الفقهاء، ولا عبرة بالمخالف, بل نقله بعضهم إجماعاً وهو الأصح، ولا عبرة بخلاف الشوكاني رحمه الله, حيث أنه قال: لا يفسد حجه ولا عمرته حتى لو كان قبل التحلل الأول أو قبل الطواف بالبيت! وهذا القول ضعيف جداً.

وعلى هذا فلو أنه رفض إحرامه هل يفسد حجه؟ لا يفسد.

لو أن أحداً أحرم بالعمرة ثم بعدما أحرم وطاف أو قبل أن يطوف قال: والله لا أريد أن آخذ عمرة لا أستطيع, أو امرأة لم تشترط في إحرامها فلما أرادت أن تطوف حاضت, فقالت: أنا لا أريد أن أكمل عمرتي فخلعت ثياب الإحرام أو خلع الرجل ثياب الإحرام, فهنا هل يفسد حجها أو تفسد عمرتها؟ لا, بل ما زالت باقية في إحرامها, هذا هو الصحيح، وعليه إجماع أهل العلم.

الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [والمرأة كالرجل], يعني: المرأة في محظورات الإحرام وفي الحج وفي العمرة كالرجل إلا ما ثبت الدليل بخلافه؛ لأمور:

أولاً: لأن الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إذا خاطبا الرجل فإن الحكم يشمل الرجل والمرأة على حد سواء كما ثبت عند أهل السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما النساء شقائق الرجال ).

قال المؤلف رحمه الله: [إلا أن إحرامها في وجهها], يعني: أنها لا يسوغ لها أن تغطي وجهها بغطاء, ومعنى الغطاء هنا أن تلبس على وجهها شيئاً كالبرقع وكالنقاب وكاللثام، كما قالت عائشة رضي الله عنها: ولا تتبرقع ولا تتلثم؛ لأن تلثهما وتبرقعها ونقابها يعد لباساً للوجه فتمنع منه المرأة, أما الغطاء العادي الذي ليس لباساً على الوجه بأن تضع المرأة خمارها من رأسها إلى وسط صدرها، فإن هذا لا بأس به إذا مر بها الرجال الأجانب, كما جاء في حديث أبي داود وإن كان في سنده ضعف، تقول عائشة : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن محرمات، فيمر بنا الركبان فتضع المرأة جلبابها في وسطها فإذا حاذونا -يعني: ابتعدوا عنا- رفعت ), وهذا الحديث فيه ضعف، ولكن عليه العمل, قال ابن قدامة : ولا نعلم خلافاً في جواز أن تغطي المرأة وجهها.

لو أن المرأة غطت وجهها أمام محارمها وأمام النساء نقول: تمنع من ذلك, ولكن ليس فيه فدية؛ لأنه ليس غطاءً للوجه ولكنه تخمير للرأس مع الوجه.

قال القاضي أبو يعلى رحمه الله: إن المرأة إذا غطت وجهها الغطاء العادي, ولم ترفعه مع القدرة, ومع افتراض عدم وجود أجانب فإنها تفتدي, يعني: عليها الفدية, قال ابن قدامة : وأما قول القاضي أبي يعلى فلا أعلمه عن أحمد , وكونه اشترط هذا الشرط فلا أعلمه عن أحمد ، ولا هو في الخبر بل الظاهر خلافه، وهذا هو الأقرب؛ لأننا نقول: إن أهل العلم قد أجمعوا على جواز تغطية المرأة وجهها أمام الأجانب، أو يجب عليها على الخلاف، فكونه يجوز لها ذلك فهذا دليل على أنه ليس بمحظور, ولكنها ينبغي لها ألا تغطي وجهها فيما لا حاجة فيه, فلو غطت فقد وقعت في المكروه، ولكنه ليس بمحظور على الراجح، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ ولها أن تغطي رأسها ولها أن تلبس القمص من الثياب, ولها أن تلبس الجوارب والخفاف، ولكن ليس لها أن تنتقب، وليس لها أن تلبس القفازين ]؛ لما جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين ), وهل لها أن تكتحل؟ نقول: الأولى ألا تكتحل؛ لأنه زينة، والمحرمة ممنوعة من التجمل والزينة؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر ( أن علياً دخل على فاطمة وقد لبست ثوباً صبيغاً واكتحلت وقد حلت, فنهاها عن ذلك, قال علي : فأنكرت ذلك عليها, فقالت: أبي أمرني بهذا صلى الله عليه وسلم ), فكون علي ينكر عليها فهذا دليل على أن المحرم ممنوع من الاكتحال، ولكن لو فعل فلا فدية فيه, وذهب بعض أهل العلم إلى أن للمرأة أن تكتحل؛ لما جاء عن شميسة أنها سألت عائشة عن الاكتحال؛ لأنها اشتكت عينيها فقالت عائشة : لا عليك إلا أن يكون له طيب, أما إنه ليس بحرام ولكنا نكرهه، وهذا الأظهر، والله أعلم.

وهل لها أن تلبس الحلي؟

نقول: ثبت عن عائشة و ابن عمر أنهما قالا: ولتلبس بعد ما شاءت من معصفر وخز وحلي وغير ذلك, وروي مرفوعاً من حديث ابن عمر وفي سنده محمد بن إسحاق وقد دلس, والصحيح وقفه على عائشة و ابن عمر .

المقدم: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الفدية وهي على ضربين: أحدهما: على التخيير؛ وهي فدية الأذى واللبس والطيب فله الخيار: بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين، أو ذبح شاة. وكذلك الحكم في كل دم وجب لترك واجب. وجزاء الصيد مثل ما قتل من النعم إلا الطائر فإن فيه قيمته, إلا الحمامة ففيها شاة، والنعامة ففيها بدنة, ويخير بين إخراج المثل أو تقويمه بطعام، فيطعم كل مسكين مداً من بر، أو يصوم عن كل مد يوماً ].

معنى الفدية وأقسام محظورات الإحرام من حيث الفدية

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم, قول المؤلف: ( باب الفدية ), الفدية: هي ما يعطى فداء لشيء, ومنه فدية الأسير حيث يعطى حاجزيه شيئاً من المال أو الطعام حتى يتركوه, وسميت فدية؛ لقوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196].

ومحظورات الإحرام من حيث الفدية تنقسم إلى أربعة أقسام, وهذا التقسيم غير تقسيم المؤلف, فالمؤلف قسم الفدية إلى قسمين, أما نحن فنقسم محظورات الإحرام من حيث الفدية إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: ما لا فدية فيه, كعقد النكاح للمحرم, فلو عقد فإنه يأثم، ولكن لا يلزمه فدية, وقلنا: مثل ذلك لو احتاج إلى لبس السراويل من لم يجد الإزار، فليلبس السراويل ولا فدية على الراجح, وكذلك قلنا في من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ولا فدية.

القسم الثاني: ما فديته مغلظة؛ وهو الجماع في الإحرام.

القسم الثالث: ما فديته الجزاء أو بدله؛ وهو قتل الصيد.

الرابع: ما فديته فدية أذى, وهذا في جميع المحظورات ما عدا ما سبق, من النكاح والوطء وقتل الصيد.

وفدية الأذى هي: إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع, أو صيام ثلاثة أيام, أو ذبح شاة؛ لقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196].

أدلة القائلين باختصاص فدية الأذى بالحلق والرد عليهم

الشيخ: كل من فعل محظوراً من محظورات الإحرام غير الوطء والصيد وعقد النكاح فإنه يلزمه فدية الأذى, وهذا هو قول عامة الفقهاء, بل نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على ذلك, كما نقل ابن قدامة و النووي و ابن المنذر وغيرهم الإجماع على أن من فعل محظوراً من محظورات الإحرام غير الوطء والصيد والنكاح أنه يلزمه فدية الأذى, وخالف في ذلك ابن حزم , وبعض المعاصرين كـالشوكاني ومن تبعه إلى ذلك, فقالوا: لا يلزم إلا في الحلق خاصة؛ لأنها هي المرادة في الآية وكذا في الحديث؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكم مسكين نصف صاع, أو انسك شاة ), فقالوا: وما عدا الحلق فلا يجب فيه فدية أذى, واستدلوا على ذلك بأدلة.

إذاً: ابن حزم وبعض طلاب العلم المعاصرين يرون أن من فعل محظوراً من محظورات الإحرام غير الحلق يستغفر ربه ويتوب إليه وليس عليه شيء, واستدلوا بأدلة.

الدليل الأول: قالوا: لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم, قالوا: ونحن متعبدون بقول الله وقول رسوله, فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59].

الدليل الثاني: ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ), قالوا: وعليه فلا يسوغ أن نأمر المرء بمال -وهي الفدية- إلا بما ثبت بنص شرعي من كتاب أو سنة, وإلا كنا قد غرمناه ما لم يغرمه الشرع. قالوا: ولا يصح قياس الحلق على غيره من المحظورات.

هذه أظهر أدلة القائلين بأنه لا فدية أذى في محظورات الإحرام, وهذا القول انتشر مع الأسف في هذا الزمان وأصبح الناس لا يبالون, إذا فعل محظوراً قيل له: استغفر ربك, قال: أنا أستغفر ولا حرج. ومناط الحكم في فدية الأذى ليس لتصرف الناس أو نقول: عليه الفدية خوفاً من أن يتساهلوا, لا، ليس هذا المناط, بل مناط الحكم أعظم من ذلك؛ لأننا متعبدون بقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه أهل العلم.

وعتبي ليس على ابن حزم حينما يرى هذا القول ويختاره؛ لأن ابن حزم نعرف طريقته حيث أنه لا يأخذ بالقياس، ولا يأخذ بقول الصحابة إلا أن يكون إجماعاً صحيحاً, أما أن يقول: قول صحابي أو واحد أو اثنين فلا يعول عليه ابن حزم , فنقول: وهذا مرادنا, إذا كان بعض الإخوة حينما تسأله, هل ترى القياس؟ فيقول: نعم, فتتعجب حينما يرى القياس ويترك القياس هنا! وهنا القياس واضح, ولهذا لم يختلف أئمة الإسلام في عصورهم القديمة والحديثة في أن كل من فعل محظوراً من محظورات الإحرام أنه يجب عليه الفدية, ودليل ذلك أنهم قالوا: كل هذا قياس واضح، فقالوا: كل من فعل محظوراً من محظورات الإحرام فعليه الفدية, فمن حلق فعليه الفدية, ومن لبس فعليه الفدية, ومن تطيب فعليه الفدية, فالقياس واضح وهو قياس جميع المحظورات على الحلق بجامع فعل المحظور, وخرج غيره بالنص الذي هو الصيد, وكذا الوطء أي: الجماع, وهذا أحسب أنه قياس واضح, هذا واحد.

الثاني: أنه قول الصحابة، ولا يعلم لهم مخالف, فقد صح عن ابن عمر كما روى مالك في موطئه بإسناده قال: حدثنا الزهري عن سالم عن ابن عمر في الرجل الذي يجرح ويصاب ويحصر قال: فإن احتاج إلى شيء من الثياب فعل ثم افتدى, وقول ابن عمر : (ثم افتدى) دليل على أنه يرى الفدية في محظورات الإحرام وهذا إسناد كالشمس, بل هو سلسلة ذهبية: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري حدثنا سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر من قوله, وهل خالف أحد من الصحابة ابن عمر ؟ نقول: لم يخالفه بل وافقه, فقد روى الطحاوي بإسناد صحيح عن عمرو بن دينار عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه قال: يا أبا معبد, ناولني طيالستي -والطيالسة هي التي نسميها في هذه الأيام الجبة, أو الكوت- قال: أولست كنت تنهى عن ذلك؟ يعني: ظن أبو معبد أنها لا بأس بها للمحرم, قال: لا, ولكني سأفتدي, وهذا قياس صريح من ابن عباس على أنه جعل الألبسة حكمها حكم الحلق, حيث قال: ولكني سأفتدي, وروى ابن أبي شيبة بسند جيد عن عبد الرحمن بن أبي بكر أنه سئل عن الإثمد للمحرم, قال: يهريق دماً؛ لأن الإثمد طيب, وهؤلاء ثلاثة من الصحابة، وكون عبد الرحمن بن أبي بكر يأمر بالهدي فهذا معروف عند السلف أنهم أحياناً يأمرون الشخص بأعلى مراتب التخيير, وهذا واضح لمن تدبر أقوالهم في الأيمان وفي النذور وفي الكفارات وغيرها, فهؤلاء ثلاثة من الصحابة.

ولا نعلم أحداً من أئمة الإسلام في تاريخهم المجيد على اختلاف مدارسهم؛ مدرسة الشام ومدرسة العراق ومدرسة مصر ومدرسة الحجاز يخالف، فكلهم يرون هذا القول, ومن أتى بغير هذا فإنما الخطأ منه هو؛ لأن بعض الإخوة يأتي بمثال فيقول: عطاء بن أبي رباح لا يرى الفدية في كذا, فنقول: هل عطاء لا يرى الفدية مطلقاً أو أنه لا يرى لبس القباء محظور؟ فهو لا يرى أن لبس القباء محظوراً, وبالتالي لا يرى فيه الفدية, لا لأنه لا يرى الفدية ابتداء في كل محظور من محظورات الإحرام, هذا واضح, وحينئذ نقول: كل من فعل محظوراً من محظورات الإحرام فيجب عليه أن يفتدي, سواء كان احتاج إليه أو لم يحتج إليه, مثل الذين يدخلون المناطق التي لا يسوغ لهم أن يدخلوها وهم محرمون، تجدهم أنهم يلبون من الميقات وهم على ثيابهم، ثم يدخلون ثم يغيرون إحرامهم، ولا يأمرهم أحد بشيء, نقول: يلزمكم مع الإثم فدية الأذى؛ لأنكم فعلتم محظوراً من محظورات الإحرام قل أو كثر, هذا هو الأقرب، والله أعلم.

وقد نقل ابن قدامة و النووي وغير واحد من أهل العلم الإجماع على أن كل من فعل محظوراً من محظورات الإحرام غير الوطء والصيد والنكاح فعليه فدية.

التخيير في فدية الأذى

الشيخ: إذا ثبت هذا فإن المؤلف يقول: (وهي على ضربين: أحدهما على التخيير), يعني: الفدية على ضربين:

القسم الأول: فدية على التخيير.

والقسم الثاني: فدية على الترتيب.

والمؤلف بدأ في الفدية التي هي على التخيير, فقال: (أحدهما على التخيير وهي فدية الأذى), وسميت فدية الأذى؛ لأنها شرعت بسبب الأذى الذي أصاب كعب بن عجرة قال: ( حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي, قال: ما كنت أرى أن الجهد بلغ ما أرى, أتجد شاة؟ قال: قلت: لا, قال: فأنزل الله هذه الآية ).

قول المؤلف: (وهي فدية الأذى واللبس والطيب), وهذه محظورات الإحرام: فدية الأذى واللبس والطيب, واللبس يشمل تغطية الرأس ولباس المخيط ولبس الخفين مع وجود النعلين.

قول المؤلف: (فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين), الصاع أربعة أمداد, ونصف الصاع مدان, والمأمور به في الإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع, يعني: لكل مسكين مدان, فإذا كانوا ستة فلكل مسكين نصف صاع, فصار عدد الآصع ثلاثة.

قوله: (أو ذبح شاة)، لقوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196], والنسك: هو النسيكة يعني: الذبيحة وهي الشاة التي تجزئ في الأضحية والعقيقة, وهي ما يبلغ لها سن معين وهي من الثني سنة ومن الجذع ستة أشهر, والماعز والإبل خمسة وغير ذلك كما سوف يأتي إليه مفصلاً, وأن تكون سليمة من العيوب الأربعة، وهذه هي شروط الهدي.

إذا ثبت هذا فإن المرء مخير بين إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع, أو صيام ثلاثة أيام أو ذبح شاة, والصيام ثلاثة أيام يصومها إن شاء في مكة أو خارج مكة, وإطعام ستة مساكين الأفضل أن يطعهما في مكة.

وهل له أن يطعمها خارج مكة؟

نقول: الأولى -وهو قول الجمهور- أن يطعهما في مكة, وله أن يطعهما في مكان الفقراء الذي فعل المحظور فيه. ولو ذبح الشاة في غير منطقة الحرم هل يجزئه أو لا يجزئه؟ قولان عند أهل العلم، والأقرب -والله أعلم- أنه يجزئه لو لم يذبحها في الحرم؛ لأنه لم يرد دليل صحيح صريح في وجوب ذبحها في الحرم, وأما قوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33], أو هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95], إنما ذلك في هدي التمتع, فإن هدي التمتع والقران يجب أن يذبحه في الحرم, وبعضهم يفرق بين هدي التمتع والقران وبين هدي الإحصار، وبين فعل المحظور, وعلى كل حال الأولى أن يذبحها في الحرم, وأن يطعم بها فقراء الحرم, هذا الأولى، والله أعلم.

والخلاف القوي هو في الذبح, أما الإطعام فالأقرب -وهو الأظهر- أنه يطعهما فقراء الحرم, فلو ذبحها خارج الحرم أجزأته إذا وزعها في فقراء الحرم مع أن المسألة ليس فيها دليل صحيح في هذا كما مر معنا لكننا نحتاط.

مدى إلزام من ترك واجباً من واجبات الحج بفدية الأذى

الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ وكذلك الحكم في كل دم وجب لترك واجب ].

المؤلف هنا الآن أدخل بين ما لو فعل محظوراً، وبين ما لو ترك واجباً كالرمي أيام التشريق, فظاهر كلام المؤلف أنه على التخيير فيمن ترك واجباً أنه إما أن يذبح شاة وإما أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع, وإما أن يصوم ثلاثة أيام, وهذا القول بعيد.

والراجح -والله أعلم- أن من ترك واجباً من واجبات الحج فيجب عليه أن يذبح شاة, فإذا لم يجد فإنها تبقى في ذمته حتى يجد, والحنابلة يرون أنه إذا لم يجد صام عشرة أيام، وفي هذا القياس نظر، والأقرب أنها تبقى في ذمته حتى يجد هدياً, أما أن نقول: إذا لم تجد هدياً فأنت بالخيار بين الدم وبين الإطعام وبين الصيام، نقول: لا, هذا إنما هو في فدية الأذى, وبالمناسبة فإن بعض الفقهاء حينما يقع بعض الحجاج في محظور من محظورات الإحرام يقولون: عليك فدية, وحينما يترك واجباً من واجبات الحج يقولون: عليك فدية, هذا القول إنما ذكر للتجوز, ومثله حينما يقع في محظور من محظورات الإحرام يقولون: عليك دم, وحينما يترك واجباً من واجبات الحج يقولون: عليك دم, نقول: لا, الأقرب أن هذا التجوز ينبغي أن يبين للسائل؛ لأن السائل ربما لا يفقه, فيقال: كل من فعل محظوراً من محظورات الإحرام فيجب عليه الفدية وهي الثلاث بالخيار, وكل من ترك واجباً من واجبات الحج فإنه يجب عليه أن يذبح شاة هدياً, فإن لم يجد بقيت في ذمته إلى أن يجد, والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [وجزاء الصيد مثل ما قتل من النعم], لو أن شخصاً غطى رأسه متعمداً بملاصق وترك واجباً, وترك الرمي أيام التشريق فإن عليه فدية الأذى بسبب تغطية رأسه, وعليه دم لتركه واجباً.

الفدية في جزاء الصيد

الشيخ: قول المؤلف رحمه الله: (وجزاء الصيد مثل ما قتل من النعم).

الآن المؤلف رحمه الله دخل في قتل الصيد, يقول المؤلف قتل الصيد فيه ثلاثة خيارات: إما الجزاء؛ جزاء الصيد مثل ما قتل, يعني: المثلية، وإما عدل ذلك من الإطعام، وإما الصيام, يقول الله تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95]، هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ [المائدة:95], هذه الثانية, أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة:95], ثلاثة أشياء هو مخير فيها, المؤلف يقول: (وجزاء الصيد مثل ما قتل من النعم) كما روى ابن ماجه من حديث جابر أنه قال: ( قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع بكبش ), والضبع صيد كما جاء في صحيح مسلم : ( الضبع صيد ). فالضبعة هذه مثلها الشاة.

وقل مثل ذلك في غيرها, فالحمار الوحشي مثله بقرة.

وقول المؤلف رحمه الله: (وجزاء الصيد مثل ما قتل من النعم) خصص ذلك بالنعم وهي بهيمة الأنعام, فلا يسوغ أن يأتي بجزاء غير هذا, فلو كان عنده غزال، وقد قتل غزالاً هل له ذلك إذا كان عنده في الحل؟ المؤلف يقول: (فجزاء مثل ما قتل من النعم), وذلك لقضاء الصحابة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] 2651 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] 2533 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] 2450 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] 2396 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] 2316 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] 2169 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] 2166 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] 2128 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] 2110 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] 2107 استماع