شرح زاد المستقنع باب مقادير ديات النفس [3]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله: [ ودية الكتابي نصف دية المسلم ]:

قوله: (ودية الكتابي): قد تقدم معنا الكتابي أنه هو اليهودي والنصراني، لقوله تعالى: أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ [الأنعام:156] .

فأخبر تعالى أنهم أهل كتاب، وبينّا هذه المسألة، ومنهم الذين ينطبق عليهم أنهم أهل الكتاب فيما تقدم معنا في كتاب الذمة.

إذا قتل المسلم كتابياً فقد يكون القتل عمداً، وقد يكون خطأً، وإذا قتله قتل عمد غلظت الدية، وحفظ تغليظ الدية في قتل الذمي عمداً عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأيضاً حكي عن عمر بن الخطاب لكن عثمان السند عنه صحيح فيما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وغلظ الدية فيه ونزله منـزلة المسلم؛ لأن له ذمة وعهداً بينه وبين المسلمين، فغلظ فيه الدية إذا قتل عمداً، وأما إذا قتل خطأً فلا إشكال.

النقصان في الدية وأسبابه

شرع المصنف رحمه الله بهذه الجملة في مسألة تعرف عند العلماء رحمهم الله في باب الديات بمسألة: النقصان في الدية.

المنقصات للدية والتي توجب نقص الدية لها أسباب، والدية مائة من الإبل، لكن يعدل عن هذا الأصل إلى النقص فتجعلها على النصف أو على الثلث، أو تجعل عُشر الدية (الغرة) في الجنين إذا أسقط بالشروط التي سنذكرها، والتفصيل الذي سنبينه إن شاء الله تعالى، أو نصف العشر كما يقول بعض العلماء رحمة الله عليهم، هذا كله يسمى: نقصان الدية.

ونقصان الدية له أربعة أسباب:

السبب الأول: الكفر.

والسبب الثاني: الرق.

والسبب الثالث: الجنين.

والسبب الرابع: الأنوثة.

فحينئذٍ تعدل من الكمال في الدية الذي هو المائة وتنقص الدية، ثم يفصل في هذا النقصان: هل تشطّر الدية بالنصف؟ أم هل يُحكم بنقصانها إلى الثلث؟ كل هذا سنبينه إن شاء الله تعالى.

فابتدأ المصنف رحمه الله بالنقصان من جهة الكفر: أن يكون المقتول كافراً، ثم هذا الكافر على أقسام:

قسم: محقون الدم، وله عهد وذمة بين المسلمين، وله دين سماوي وهم الكتابيون، ولذلك فرقت الشريعة بين الكتابيين وغير الكتابيين كالمشركين والمرتدين والوثنيين والملحدين، هؤلاء فرقت الشريعة بينهم؛ لأن الكتابيين لهم أصل من الدين السماوي، ولأن الكتابيين يؤمنون بوجود الله عز وجل، ولكن والعياذ بالله بعض الكفار يقول: لا يوجد إله. أو يجعل مألوهه حجراً أو شجراً أو بقرة نسأل الله السلامة والعافية، فيعبد غير الله سبحانه وتعالى.

فالشاهد من هذا أن أهل الكتاب الذين لهم دين سماوي خولف في أحكامهم عن الكفار من سائر الملل الأخرى والطوائف، فالكتابي إذا قتله المسلم اختلف فيه العلماء رحمة الله عليهم على ثلاثة أقوال مشهورة:

القول الأول يقول: الكتابي ديته نصف دية المسلم، وهذا على ما اختاره المصنف رحمه الله، وهو مذهب طائفة من السلف، وأيضاً مروي عن طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أجمعين.

القول الثاني يقول: دية الكتابي مثل دية المسلم، فإذا قتل المسلم كتابياً، فالواجب أن تدفع الدية لأوليائه وأهله كاملة مثل المسلم، وهذا مذهب الحنفية رحمة الله عليهم.

والقول الثالث يقول: دية الكتابي على الثلث، وهو مذهب الشافعية، والأول مذهب الحنابلة والمالكية رحمة الله على الجميع.

فالذين قالوا: إن دية الكتابي مثل دية المسلم استدلوا بقوله تعالى: فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92] وسوى في هذا الوصف بين دية المسلم ودية الكتابي، وقالوا: هذا يدل على أن ديته كدية المسلم، واستدلوا بحديث استظهر بعض العلماء عدم صحته، وبعضهم يقول: لا نعرف له أصلاً (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية الكتابي مثل دية المسلم).

قالوا: هذان الدليلان من الكتاب والسنة يقتضيان أن الكافر الكتابي إذا قتله المسلم وجب دفع الدية إليه كاملة كالمسلم سواءً بسواء، ثم قالوا: إنه لما أصبح ذمياً في بلاد المسلمين، له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، فتكون ديته مثل دية المسلم إذا اعتدي عليه.

والذين قالوا: إن الدية تكون على الثلث استدلوا بقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك أنه جعل دية الكتابي على الثلث من دية المسلم، وعلى هذا يقولون: إنه تثلث الدية ولا يعطى على التشطير، وقالوا: إن عمر بن الخطاب من الخلفاء الراشدين المأمور باتباع سنتهم وهديهم، فيصبح هذا الحكم لازماً وسنة متبعة.

والذين قالوا: إن دية الكتابي على النصف من دية المسلم كما اختاره المصنف رحمه الله، وهو قول طائفة من السلف كما ذكرنا استدلوا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن عقل الكتابي على النصف من عقل المسلم) وهذا الحديث حسن إسناده غير واحد من أهل العلم رحمة الله عليهم، وهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جعل دية الكتابي نصف دية المسلم.

وبناءً على ذلك لما قال: (الكتابي) شمل اليهود والنصارى، فتكون ديتهم نصف دية المسلم؛ خمسين من الإبل في ذكورهم، وخمس وعشرين من الإبل في إناثهم كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وخمسمائة دينار بالنسبة للذهب، وستة آلاف درهم بالنسبة للفضة، ومائة بقرة وألف شاة بالنسبة للبقية، ومائة حلة من الثياب على القول بأن الحلل تدخل في أصول الديات.

وهذا الحديث هو أصح، والقول به أرجح، ويجاب لما ورد في القرآن في قوله تعالى: فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92] أن هذا مطلق، وجاءت السنة فقيدته، والقاعدة: (إن المطلق يحمل على المقيد). وكم قيدت السنن من إطلاقات القرآن وخصصت من عموماته وبيّنت من إجمالاته، فلا إشكال أن السنة تبين القرآن.

ثانياً: الاستدلال بأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه نقول: تعارض المرفوع والموقوف، فيقدم المرفوع على الموقوف، ويعتذر لـعمر بأنه يحتمل أنه لم يبلغه قضاء النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن الرواية عنه ضعفها بعض العلماء رحمة الله عليهم في كونه قضى بالثلث الذي ذكروه.

وعلى هذا يترجح القول الذي اختاره المصنف: أن الكتابي ديته تكون على النصف من دية المسلم.

شرع المصنف رحمه الله بهذه الجملة في مسألة تعرف عند العلماء رحمهم الله في باب الديات بمسألة: النقصان في الدية.

المنقصات للدية والتي توجب نقص الدية لها أسباب، والدية مائة من الإبل، لكن يعدل عن هذا الأصل إلى النقص فتجعلها على النصف أو على الثلث، أو تجعل عُشر الدية (الغرة) في الجنين إذا أسقط بالشروط التي سنذكرها، والتفصيل الذي سنبينه إن شاء الله تعالى، أو نصف العشر كما يقول بعض العلماء رحمة الله عليهم، هذا كله يسمى: نقصان الدية.

ونقصان الدية له أربعة أسباب:

السبب الأول: الكفر.

والسبب الثاني: الرق.

والسبب الثالث: الجنين.

والسبب الرابع: الأنوثة.

فحينئذٍ تعدل من الكمال في الدية الذي هو المائة وتنقص الدية، ثم يفصل في هذا النقصان: هل تشطّر الدية بالنصف؟ أم هل يُحكم بنقصانها إلى الثلث؟ كل هذا سنبينه إن شاء الله تعالى.

فابتدأ المصنف رحمه الله بالنقصان من جهة الكفر: أن يكون المقتول كافراً، ثم هذا الكافر على أقسام:

قسم: محقون الدم، وله عهد وذمة بين المسلمين، وله دين سماوي وهم الكتابيون، ولذلك فرقت الشريعة بين الكتابيين وغير الكتابيين كالمشركين والمرتدين والوثنيين والملحدين، هؤلاء فرقت الشريعة بينهم؛ لأن الكتابيين لهم أصل من الدين السماوي، ولأن الكتابيين يؤمنون بوجود الله عز وجل، ولكن والعياذ بالله بعض الكفار يقول: لا يوجد إله. أو يجعل مألوهه حجراً أو شجراً أو بقرة نسأل الله السلامة والعافية، فيعبد غير الله سبحانه وتعالى.

فالشاهد من هذا أن أهل الكتاب الذين لهم دين سماوي خولف في أحكامهم عن الكفار من سائر الملل الأخرى والطوائف، فالكتابي إذا قتله المسلم اختلف فيه العلماء رحمة الله عليهم على ثلاثة أقوال مشهورة:

القول الأول يقول: الكتابي ديته نصف دية المسلم، وهذا على ما اختاره المصنف رحمه الله، وهو مذهب طائفة من السلف، وأيضاً مروي عن طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أجمعين.

القول الثاني يقول: دية الكتابي مثل دية المسلم، فإذا قتل المسلم كتابياً، فالواجب أن تدفع الدية لأوليائه وأهله كاملة مثل المسلم، وهذا مذهب الحنفية رحمة الله عليهم.

والقول الثالث يقول: دية الكتابي على الثلث، وهو مذهب الشافعية، والأول مذهب الحنابلة والمالكية رحمة الله على الجميع.

فالذين قالوا: إن دية الكتابي مثل دية المسلم استدلوا بقوله تعالى: فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92] وسوى في هذا الوصف بين دية المسلم ودية الكتابي، وقالوا: هذا يدل على أن ديته كدية المسلم، واستدلوا بحديث استظهر بعض العلماء عدم صحته، وبعضهم يقول: لا نعرف له أصلاً (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية الكتابي مثل دية المسلم).

قالوا: هذان الدليلان من الكتاب والسنة يقتضيان أن الكافر الكتابي إذا قتله المسلم وجب دفع الدية إليه كاملة كالمسلم سواءً بسواء، ثم قالوا: إنه لما أصبح ذمياً في بلاد المسلمين، له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، فتكون ديته مثل دية المسلم إذا اعتدي عليه.

والذين قالوا: إن الدية تكون على الثلث استدلوا بقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك أنه جعل دية الكتابي على الثلث من دية المسلم، وعلى هذا يقولون: إنه تثلث الدية ولا يعطى على التشطير، وقالوا: إن عمر بن الخطاب من الخلفاء الراشدين المأمور باتباع سنتهم وهديهم، فيصبح هذا الحكم لازماً وسنة متبعة.

والذين قالوا: إن دية الكتابي على النصف من دية المسلم كما اختاره المصنف رحمه الله، وهو قول طائفة من السلف كما ذكرنا استدلوا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن عقل الكتابي على النصف من عقل المسلم) وهذا الحديث حسن إسناده غير واحد من أهل العلم رحمة الله عليهم، وهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جعل دية الكتابي نصف دية المسلم.

وبناءً على ذلك لما قال: (الكتابي) شمل اليهود والنصارى، فتكون ديتهم نصف دية المسلم؛ خمسين من الإبل في ذكورهم، وخمس وعشرين من الإبل في إناثهم كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وخمسمائة دينار بالنسبة للذهب، وستة آلاف درهم بالنسبة للفضة، ومائة بقرة وألف شاة بالنسبة للبقية، ومائة حلة من الثياب على القول بأن الحلل تدخل في أصول الديات.

وهذا الحديث هو أصح، والقول به أرجح، ويجاب لما ورد في القرآن في قوله تعالى: فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92] أن هذا مطلق، وجاءت السنة فقيدته، والقاعدة: (إن المطلق يحمل على المقيد). وكم قيدت السنن من إطلاقات القرآن وخصصت من عموماته وبيّنت من إجمالاته، فلا إشكال أن السنة تبين القرآن.

ثانياً: الاستدلال بأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه نقول: تعارض المرفوع والموقوف، فيقدم المرفوع على الموقوف، ويعتذر لـعمر بأنه يحتمل أنه لم يبلغه قضاء النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن الرواية عنه ضعفها بعض العلماء رحمة الله عليهم في كونه قضى بالثلث الذي ذكروه.

وعلى هذا يترجح القول الذي اختاره المصنف: أن الكتابي ديته تكون على النصف من دية المسلم.

قال: [ ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم ]:

قوله: (ودية المجوسي): هم عبدة النار، وهم وثنيون في الأصل ومشركون، ولذلك سوى الكتاب العزيز بينهم وبين أهل مكة فقال: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم:1-5] .

هذا مبني على أن الروم غزوا الفرس، وكان الفرس عبدة للنار، ففرح المشركون بانتصار المجوس على الروم، وحزن المسلمون؛ لأن بيننا وبين أهل الكتاب أصل مشترك وهو الإيمان بوجود الله عز وجل، وهم أهل دين سماوي ونحن أهل دين سماوي، فبيننا وبينهم قاسم مشترك من هذا الوجه، ففرح المشركون بانتصار الفرس على الروم كما أخبر الله عز وجل أنهم من بعد غلبهم سيغلبون، وأخبر أنه إذا غلبت الروم الفرس فرح المؤمنون بنصر الله، وجعل انتصار الروم على الفرس نصراً من الله عز وجل؛ لأنهم أهل دين سماوي، والذي له دين سماوي أفضل من الذي لا دين له، وأفضل من الملحد، وأفضل من المشرك من جهة أن له أصلاً، وهذه من ناحية أن الله عز وجل جعل لكل شيء قدراً، وهذه حكمة في الشريعة الإسلامية.

قال الله تعالى: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم:4-5] مع أنهم كفار لكن وجد القاسم المشترك بيننا وبينهم، فأنت حينما ترى أهل الأديان السماوية مثل اليهود والنصارى تجد أن أديانهم في الأصل فيها قواسم مشتركة؛ وتجد اللاديني إباحي، يرى الإباحية ويرى -والعياذ بالله- الفواحش والمحرمات أنها مباحة وأنه لا دين ولا خلق ولا قيم ولا تقاليد، لكن تجد اليهودي والنصراني أرحم من هذا الذي لا دين عنده، وهذا من جهة الفارق النسبي وليس من كل وجه، ولذلك تبغض من وجه وترى أصلاً توالي فيه من وجه آخر.

ومن هنا جعل الله عز وجل المحبة والفرح مبني على أصل وهو وجود القاسم المشترك؛ لأن المشركين شمتوا بالمسلمين حينما غلبت الفرس الروم.

وبين الله تعالى أنه سيمكن الروم من الفرس، وجعل ذلك نصراً؛ لأن الروم لهم دين سماوي كما ذكرنا.

إذا ثبت هذا فالشريعة تفرق بين الاثنين، فإن المجوس عبدة النار، وهم وثنيون، والأصل يقتضي أن الوثني والملحد والمشرك دمه لا قيمة له، وليس له دية في أصل الشرع، هؤلاء الذين لا دين لهم لم تجعل الشريعة لهم دية في الأصل.

لكن لو دخل المجوسي إلى بلاد المسلمين بأمان -مستأمن- أو دخل كرسول عنده رسالة يريد أن يؤديها، ثم قتله مسلم خطأً فحينئذٍ يرد الإشكال؛ لأنه دخل إلى بلاد المسلمين وله أمان، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم كما أخبر صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، فلو أنه قُتل خطأً مثلاً في بلاد المسلمين فقضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووافقه على هذا طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الدية؛ ثمانمائة درهم، وهذا القضاء لم يخالف فيه، ولذلك لم يرد شيء مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعارض هذا القضاء، فوجب العمل به، ومن هنا عمل بهذه السنة، وقال بها جمهور العلماء رحمة الله عليهم.

المجوسي إذا لم يكن له أمان وقتله مسلم خطأ، فهذا ليس له دية في الأصل، وإنما هذا القضاء وقع في الأحوال التي يكون له فيها ذمة وعهد بين المسلمين.

قال: [ ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم ]:

هذا في أحوال الأمان، ومن أهل العلم من قال: يختص الحكم بالمجوسي، وأما من عداه من الوثنيين والملحدين فهؤلاء ليس لهم شيء، ولو أن شخصاً ارتد عن الإسلام واستهزأ بالدين أو سب الله والعياذ بالله ثم ركب سيارته وصدمه مسلم فقتله خطأً، إذا شهد عدول أنه قال كلمة الكفر وحكم بكفره، لا دية على قاتله ولا ضمان عليه؛ لأنه ليس له حرمة، وليس له دية، وهذا بإجماع العلماء أن المرتد إذا قتله المسلم خطأً لا دية له.

وهكذا إذا قتله عمداً، لكن الأصل أنه يرد إلى ولي الأمر، وهو الذي يستتيبه، كما سيأتينا إن شاء الله في أحكام الردة، لكن من حيث الأصل ليس لهذا عصمة عند الله وعند رسوله صلوات الله وسلامه عليه وعند المؤمنين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله) .

مفهوم ذلك أنهم إذا لم يفعلوا ذلك سقطت عصمتهم فلا عصمة لهم، وإذا كان المقتول لا عصمة له فقد قدمنا أن الدية لا تثبت إلا لمعصومي الدم، وحينئذٍ يسقط اعتبارها.

قال رحمه الله: [ ونساؤهم على النصف كالمسلمين ]:

ونساء أهل الذمة على النصف من ديات ذكورهم، كما أن نساء المسلمين على النصف من دية ذكورهم، وهذا فيه أثر مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أيضاً مرسل عن سعيد بن المسيب في الصحيح رواه مالك في الموطأ: (عقل المرأة على النصف من عقل الرجل) .

وعليه سواد الأمة الأعظم على أن المرأة ديتها على نصف دية الذكر، وهذا هو السبب الثاني من النقصان: الأنوثة، أن يكون المقتول أنثى، السبب الأول: الكفر، والسبب الثاني: الأنوثة، فإذا كان المقتول أنثى فإن ديتها على النصف.

ذكر المصنف الكتابية ثم قال: [ كالمسلمين ] فأشار إلى أصل المسألة، فالمرأة المسلمة إذا قتلت خطأً فإن ديتها على النصف، وإذا قتلت عمداً أيضاً ديتها على النصف -تشطر ديتها- وهذا كما ذكرنا حكى بعض العلماء الإجماع عليه.

وخالف في هذه المسألة الأصم وابن علية، وخلافهما شذوذ، وللأصم وابن علية شذوذات عجيبة، فقد خالف في أشياء منصوص عليها، وخرجوا فيها إجماعات العلماء رحمهم الله، ولذلك لم يعتد بخلافه، حتى إن الإمام ابن العربي رحمه الله الفقيه المشهور لما ذكر مشروعية الإجارة وذكر نصوص الكتاب والسنة الواضحة على أن الإجارة مشروعة، وكان الأصم يقول: لا تجوز الإجارة؛ لأنها بيع لمعدوم، والمنفعة غير موجودة أثناء العقد، فشكك في جوازها مع ورود النصوص في الكتاب والسنة، فقال الإمام ابن العربي رحمه الله كلمته المشهورة: ولم يخالف فيها إلا الأصم فكان عن شرعها أصم.

وعند العلماء عبارات قد تكون ثقيلة في بعض الأحيان، لكنهم يريدون التشنيع على المخالف حتى لا يقتدي به غيره، مثل قول الإمام أحمد عن أبي ثور في مسألة أكل الذبيحة إذا لم يذكر عليها اسم الله عز وجل قال: أبو ثور في هذا كاسمه، ومع أنه يقول عن أبي ثور إبراهيم بن خالد بن يزيد الكلبي: أبو ثور أعرفه بالسنة منذ ثلاثين عاماً، فأثنى عليه هذا الثناء العظيم.

هذا منهج عند العلماء وهو فقه الفقه: إنه إذا كان القول شاذاً يشنعون فيه حتى تستبشع الناس اتباعه وينفر طالب العلم؛ لأن بعض طلاب العلم عندهم قصور في الفهم، فلربما قرأ الدليل لهذا القول الشاذ المخالف للإجماع فاغتر به، لكن لو وجد التشنيع من أئمة السلف والتقريع والتوبيخ صار أمراً زائداً على المسألة، وهذا فقه الفقه، أنه ينبغي النصيحة لعامة المسلمين ولكن لا يقصد بها التحقير، مع أن العلماء ذكروا خلافه واعتنوا بنقل قوله من باب التنبيه، والتحذير من متابعته في شذوذه.

على كل حال: هذه المسألة خالف فيها الأصم وابن علية فقالا: إن عقل المرأة كعقل الرجل، وهو خلاف من ذكرنا من السلف، حتى إن فتوى الصحابة وقضاءهم على ذلك، يعني على تشطير دية المرأة.

إذا ثبت أن دية المرأة نصف دية الرجل في المسلمين كذلك في الذميين والكتابيين، فلو قتل مسلم امرأة من اليهود أو نصرانية، أو قتلها يهودي مثلها خطأً أوجبنا عليه نصف الدية الواجبة في الكتابي، فيجب فيها خمس وعشرون من الإبل؛ لأن دية الكتابي خمسون.

يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ودية قن قيمته].

هذا السبب الثاني من المنقصات وهو: الرق، فإذا كان المجني عليه رقيقاً فإن هذا ينقص ديته، والأصل في الرقيق أنه ينظر إلى قيمته، فلو أنه قتل عبداً نظرنا إلى قيمة هذا العبد، سواء كان مملوكاً لسيده ولا زال عليه الرق حتى مات وقتل، أو كان مكاتباً أو كان مدبراً أو كان أم ولد، فجميع هؤلاء قيمتهم بالغة ما بلغت.

وعلى هذا جمهور العلماء رحمهم الله: أن دية العبد قيمته بالغة ما بلغت، واختلف في العبد، لكن من حيث الأصل أن العبد مملوك يباع ويشترى، ولذلك تكون ديته إذا قتله الإنسان خطأ أو قتله عمداً ولم يثبت القصاص لمانع أن يدفع قيمته بالغة ما بلغت.

قال: [وفي جراحه ما نقصه بعد البرء].

يعني: إذا جني عليه جناية فإننا ننظر إلى قيمته قبل الجناية وقيمته بعد الجناية والبرء، والناقص يدفعه ذلك الجاني، فلو كانت قيمته مائة ألف قبل الجناية، وبعد الجناية خمساً وتسعين يجب أن يدفع خمسة آلاف، فما أنقصته الجناية يجب ضمانه، وهذا أصل في جميع الأموال أنها تضمن بالنقص، كما تقدم معنا في باب الضمان.

هناك خلاف للعلماء رحمة الله عليهم: إذا جنى أحد على العبد جناية فقطع يده أو فقأ عينه، أو قطع أذنه، هل ننظر إلى نسبة هذا العضو من قيمته الأصلية؟ أم أننا نقدره فما نقص يدفع؟ وجهان لأهل العلم رحمة الله عليهم:

من أهل العلم من قال: إذا قطع يده نظرنا إلى نصف قيمته فأوجبناها على القاطع؛ قياساً على الحر.

ومنهم من قال: ينظر إلى قيمته قبل قطع يده وقيمته بعد قطع يده، ويدفع الفرق كما قدمنا في الجراح.

القول الأخير قيل: إنه هو المذهب، واختاره شيخ الإسلام رحمة الله عليه، وطائفة من أهل العلم، وصوبه المرداوي رحمه الله في (الإنصاف)، وهو أحد الأوجه عند الشافعية وينص هذا القول على: أننا ننظر إلى ما نقص من قيمته بعد الجناية بغض النظر عن كونه إتلافاً لما في الأصل، ينظر في نسبته إلى الدية مثلما ذكرنا في اليد، فإن فيها نصف الدية، والرجل فيها نصف الدية، والعين فيها نصف الدية كما قدمنا.

في هذه الحالة عندنا قولان: الصحيح منهما الذي اختاره طائفة من العلماء أنه ينظر إلى أرش الجناية وما نقصته الجناية.

فالفرق بين القولين: أنه في بعض الأحيان تنقصه الجناية ثلاثة أرباع القيمة، مثلاً: يكون خطاطاً بيده، أو عنده صنعة في يده، وتكون قيمته غالية، وقد تكون قيمته ضعفي قيمة العبد المعتاد، ولكن بعد الجناية قد تنقص ثلاثة أرباع القيمة، وحينئذٍ يكون ضمان هذا أكثر من ضمانه بنسبته لأصل القيمة، فهناك فرق بين ثلاثة أرباع القيمة وبين نصف القيمة، وهذا القول كما ذكرنا اختاره جمع من المحققين رحمهم الله.

قال رحمه الله: [ويجب في الجنين ذكراً كان أو أنثى عشر دية أمه غرة].

هذا النوع الثالث من المنقصات وهو: الجنين، والجنين: من جن الشيء إذا استتر، وتوارى عن الأنظار فلم يرَ، ومنه سمي البستان جنة؛ لأن من دخل البستان سترته أشجاره وزروعه.

وسمي الجن جناً؛ لأنه مستور عن الأنظار ولا يرى، قال تعالى: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27].

فأصل الجن هو: الاستتار، وسمي المجن وهو الدرع؛ لأنه يقي الإنسان ويحفظه من الضربات أثناء القتال، وقال صلى الله عليه وسلم: (الصيام جنة) أي: أنه وقاية للعبد من النار، قال بعض العلماء: المراد بقوله: (الصيام جنة) أنه إذا ضرب الصراط على متن جهنم، وأمر الناس أن يجتازوا كان الصوم وقاية من كلاليب النار، فمن حفظ صومه تاماً كاملاً حفظه الله من ناره، ومن ضيع خطفته الكلاليب على حسب ضعف هذه الجنة؛ لأنها وقاية، فالجن والمجن هو الساتر.. هو الاستتار.

لو حصلت جناية على نفس فإنها تضمن بديتها كاملة، هذا الأصل، لكن الجنين نقص عن هذا، وجاء فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء، والجناية على الجنين لها صور.

تارة تكون جناية عمد مثل المرأة الحامل تختصم مع غيرها -ذكراً أو أنثى- فيضربها على بطنها، فيقتل جنينها فتسقطه، هذه صورة من صور العمد، أو يكون الطبيب قاصداً إسقاط هذا الجنين متعمداً لقتله بعد ثبوت حياته, فيعطيها دواء ليقتل الجنين في بطنها ثم تسلبه وتسقطه، هذه جناية عمد كذلك إذا تحقق وثبت أنه حي.

ومن الجنايات: جناية الخطأ وشبه العمد في الاختصام، مثل أن تقع خصومة بين امرأتين ولا تقصد قتل جنينها فتضربها، فمن أثر الضربة تسقط المرأة، أو تأتي الضربة في مكان قريب من الجنين فلا تتمالك المرأة فتسقط جنينها، فهذه تعتبر عند العلماء رحمهم الله والجمهور شبه عمد .

ومن قتل الجنين والاعتداء عليه: الاعتداء على سبيل الخطأ؛ مثل أن يعطيها أحد دواءً ولا يعلم أن هذا الدواء يترتب عليه إسقاط الجنين، فتسقط جنينها. كذلك المرأة نفسها تستعمل الدواء فتخطئ في الدواء فيسلب هذا الدواء جنينها، كل هذه صور من صور إسقاط الأجنة والاعتداء عليها.

هذه المسألة -الاعتداء على الجنين- فيها قضاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقعت حادثتان -فيما شهر- الحادثة الأولى: لمرأتين من هذيل، والحديث في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن امرأتين من هذيل اختصمتا، فضربت إحداهما الأخرى فقتلتها فأسقطت ما في بطنها وقتلت الجنين) .

كذلك أيضاً في الحديث الآخر وهو صحيح: في اختصام امرأتين من بني لحيان اقتتلتا فضربت إحداهما الأخرى فأملصت وأسقطت جنينها.

وجاء عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين أنهم عملوا بهذا القضاء، فـعمر رضي الله عنه وقعت في عهده هذه الحادثة -وهي الاعتداء على الجنين- فقام رضي الله عنه خطيباً في الناس وقال: أحرج بالله على من سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر قضاء أن يخبرنا، فقام له المغيرة بن شعبة فقال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول... وذكر له الحديث، فقال له: لتأتيني بمن يشهد معك، فقام محمد بن مسلمة رضي الله عنه وأرضاه وشهد معه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في إملاص المرأة بغرة وليدة عبد أو أمة.

الغرة هي من أنفس المماليك، وأصل الغرة: البياض في جبين الفرس، وفي قوائمه: التحجيل، ومنه الحديث: (إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء).

والقضاء بثبوت الغرة شبه مجمع عليه، وفيه بعض الخلاف الشاذ لكن لثبوت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضى به جماهير السلف والخلف رحمهم الله.

ولابد من وجود أمور حتى نحكم بهذا القضاء، فإذا اعتدى أحد على الجنين لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن تسقط المرأة الجنين حياً ثم يموت.

الحالة الثانية: أن تسقط الجنين ميتاً.

فإذا أسقطت الجنين حياً من أثر الضربة، فلا يخلو إما أن يعيش فترة وجيزة جداً أو يموت مباشرة بعد سقوطه، والضابط عندهم في ثبوت الحياة: أن يتحرك حركة قوية أو يصيح؛ مثل رفع اليد ورفع الرجل، هذه تثبت الحياة، ولذلك يثبت له الإرث، وتترتب عليه أحكام الحي.

فإذا سقط الجنين حياً وثبت بقول أهل الخبرة، أو ظهرت الدلائل على أن موته وسبب موته بفعل الجناية، فهذا فيه دية كاملة ذكراً كان أو أنثى، على نفس التفصيل الذي تقدم معنا.

وإذا قصد قتله فهذا قتل عمد، فإذا ثبت وأقر أنه قصد قتله عمداً وعدواناً فلا إشكال، فيه القصاص على التفصيل الذي تقدم معنا.

من حيث الأصل عند أهل العلم رحمهم الله: أنه إذا نزل الجنين وسقط مباشرة بعد الضربة أو وجدت الآثار والدلائل الواضحة على أن هذا السقوط كان بفعل الضربة، وأنه أثر في الجنين حتى مات، وكان موته بسبب الإسقاط والإملاص، فإنه حينئذٍ يكون حكمه ثبوت الدية كاملة إذا عدل عن القصاص، على التفصيل من حيث كونه عمداً أو خطأً.

لكن لو عاش هذا الجنين بعد الإسقاط وبقي فترة ثم مات، وقال الأطباء: إن موته الغالب فيه ليس بسبب الإسقاط، فحينئذٍ لا ضمان فيه.

إذاً: إذا سقط حياً ومات بفعل السقوط بسبب الإملاص والضرب والاعتداء ففيه ما فيه من الاعتداء على الحي؛ لأنه اعتدى على جنين حي وأضر به وأزهق روحه إن كان أدى إلى موته، وحينئذٍ يضمنه بما يضمن به الزهوق في حال الاعتداء والقصاص، وإذا عفوا فالدية.

لكن الذي يهمنا: أن الدية لا تنقص؛ لأنه في هذه الحالة جناية على روح ونفس لها ما للأنفس، سواء كان الجنين ذكراً أو كان أنثى، هذا الأصل.

الحالة الأولى: أن يعيش فترة ويثبت أن موته بعد عيشه بسبب آخر، فحينئذٍ لا ضمان عليه؛ لأنه مات بسبب لا دخل للجاني فيه.

الحالة الثانية: أن يسقط الجنين ميتاً؛ فإما أن يكون كامل الخلقة أو يكون ناقص الخلقة، فإذا أسقطت جنيناً كامل الخلقة أو ناقص الخلقة بل حتى لو أسقطت وليس فيه من صور الآدمي -كما لو أسقطت قطعة لحم فيها تخلق يد أو رأس أو رجل- فهذا هو الذي يضمن بالغرة.

وهذه الغرة: عبد أو أمة وليدة، واختلف العلماء، فبعضهم يقول: ما بين سبع سنوات إلى عشرين سنة، والأنثى لا تبلغ أكثر من عشرين، وهو أحد القولين عن الشافعي ، وقيل في الذكر: لا يزيد عن خمسة عشر سنة، وقال بعض العلماء: إنه غرة وليدة أو عبد سواء حتى ولو كانت كبيرة، لكن يشترط في هذه الغرة أن تكون سالمة من العيوب، فلا يجزئ أن تكون هرمة، أو يكون شيخاً هرماً، ولا يجزئ أن تكون معيبة بنقص في الخلقة: كالعور، والعرج، والشلل، والصمم والبكم ونحو ذلك من العيوب التي تقدمت معنا.

فيجب أن تكون سالمة من العيوب، ولا تضمن الجناية بغرة معيبة، ويشترط في إثبات الضمان بالغرة أن ينفصل هذا الجزء، فلو أنها أخرجت يداً أو رجلاً أو قطعاً من اللحم فيها صورة تخلق الآدمي يشترط أن تنفصل، ولا تكون متصلة، لكن لو أنها أخرجت يداً ثم ماتت ولم ينفصل، وجاء عن بعض العلماء أنه لا ضمان عليه، والضمان على النفس التي هي الأم، ويفصل فيها إذا كان الاعتداء بالجناية عمداً أو خطأ، هذا من حيث الأصل.

(فيها وليدة) الوليدة تعادل عشر دية الأم، ولذلك قضى الخلفاء الراشدون ومنهم عمر رضي الله عنه بأن الغرة تعادل خمساً من الإبل؛ لأن الدية مائة بالنسبة للذكر، وخمسون بالنسبة للأنثى، وعشر الخمسين خمس من الإبل، ولذلك تضمن بهذا القدر (خمس من الإبل) وهناك رواية صححها بعض العلماء عن عمر رضي الله عنه أنه جعل العدل خمسين ديناراً أو ستمائة درهم، وهذا على نفس الأصل؛ لأنها تعادل خمساً من الإبل، وهذا عشر الدية، فإذا ثبت أنها عشر الدية فبعض العلماء يخصها بالإبل، وإذا قلنا: إن الذهب والفضة أصول يصبح عشر دية المرأة من الذهب هو خمسون ديناراً؛ لأننا بينا أن ألف دينار هي الدية، والمرأة ديتها خمسمائة دينار، وعشر الخمسمائة خمسون، وبالنسبة للفضة فهي اثنا عشر ألف درهم، ونصفها ستة آلاف درهم دية المرأة، وعشر الستة آلاف درهم ستمائة درهم، وبعض العلماء يقول: لا نعطي إلا خمساً من الإبل، والخمس من الإبل تعادل الوليدة.

الجواري والعبيد ما عادوا موجودين في الوقت الحاضر، ففي هذه الحالة إذا قلنا: إن الإبل أصول والذهب والفضة عدل الإبل، ينظر قيمة الخمس من الإبل كم تعادل، وإذا قلنا: إن الذهب والفضة أصول، فحينئذٍ ننظر كم تعادل الخمسون ديناراً؟ وكم تعادل الستمائة درهم؟

لكن إذا قلنا: إنها عدل عن الإبل فحينئذٍ تنظر إلى قيمة الخمس من الإبل، ولربما كانت قيمة الخمس من الإبل مائة دينار، ولا تعادل خمسين ديناراً، وهذا هو الفرق؛ فأنك إذا جعلت الإبل هي الأصل وألغيت الذهب والفضة في الغرة فحينئذٍ تقول: انظر إلى قيمة الخمس من الإبل بالغة ما بلغت، إذا ما تيسر وجودها يدفع عدلها.

من حيث الأصل قالوا: إن خمساً من الإبل تعادل الغرة، وهي عشر دية الأم.

قوله: [وعشر قيمتها إن كان مملوكاً].

أي: قيمة الأم، إن كان الجنين مملوكاً، صورة المسألة: أن يعتق سيد أمة ويستثني ما في بطنها، فيكون ما في بطنها وهو الولد مملوكاً له، فمثلاً: لو أذن لأمته أن تتزوج وتزوجت عبداً، فلما تزوجت عبداً أعتقها، وإذا أعتقها يكون لها الخيار -كما تقدم معنا في النكاح- فإذا حملت من هذا المملوك فالولد تابع لأمه رقاً وحرية؛ لكن المولى استثنى هذا الجنين وقال: هذا الجنين ملك لي، يعني: أعتقها وأستثني جنينها الذي تحمله في بطنها، وهذا وجه عند العلماء، فيجوز أن يعتق الأمة ويستثني ما في بطنها، فإذا استثنى ما في بطنها فحينئذٍ تنزل الأم -التي قد أعتقت وأصبحت حرة- منزلة الأمة فتقوم كأنها أمة، وينظر كم قيمتها فيدفع عشر القيمة، والسبب في هذا واضح؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم قالوا: إن الغرة تعادل الخمس من الإبل كما ذكرنا، وهي بهذه الحالة تعادل عشر دية المرأة.

وفي الرقيق قلنا: إن المعتبر في ديته النظر إلى ما أنقصته الجناية من قيمته.

قوله: [وتقدر الحرة أمة].

التقدير: تنزيل المعدوم منزلة الموجود، وتنزيل الموجود منزلة المعدوم، هنا نزلنا المعدوم وهي كونها أمة منزلة الموجودة أنها أمة، وقدرنا قيمتها، وأيضاً تنزيل الموجود منزلة المعدوم وهذا فيه صور لكن الذي يعنينا هنا أنه تقدر الأم أنها أمة مع أنها في الواقع حرة، فتقدر على أنها أمة وينظر كم قيمتها أمة، ثم بعد ذلك يلزمه أن يدفع عشر قيمتها.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3704 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3620 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3441 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3374 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3339 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3320 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3273 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3228 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3186 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3169 استماع