Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

عمدة الفقه - كتاب الحج [4]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنا قد توقفنا في شرحنا عند قول المؤلف: [ باب الإحرام ].

المقدم: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الإحرام: من أراد الإحرام استحب له أن يغتسل ويتنظف ويتطيب ويتجرد عن المخيط، ويلبس إزاراً ورداءً أبيضين، نظيفين، ثم يصلي ركعتين ويحرم عقبيهما؛ وهو أن ينوي الإحرام، ويستحب أن ينطق بما أحرم به، ويشترط، فيقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني، فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني].

الشيخ: يقول المؤلف: (باب الإحرام) يعني: باب الإحرام، والتلبية، وما يتعلق بهما.

معنى الإحرام

الشيخ: الإحرام في اللغة: نية الدخول في التحريم، وعلى هذا فالإحرام ليس هو لبس الإحرام كما يظنه كثير من العامة، فلو أن إنساناً لبس الإحرام وخرج من بيته مريداً الحج أو العمرة فهو لم يدخل في النسك، ولو خرج من بيته مريداً للحج والعمرة فإنه لم يدخل في النسك، فدل ذلك على أن الإحرام هو نية الدخول في أداء العبادة، فلو أن إنساناً خرج من بيته وهو مريد للحج والعمرة، لكنه لم يكن مريداً للدخول في النسك فإنه لا يكون محرماً، فدل ذلك على أن نية الدخول في النسك شيء، ونية الحج والعمرة شيء آخر، وعلى هذا فالذين يأتون عن طريق الطائرة هم قد لبسوا لباس الإحرام من بيوتهم، فإذا تعدى الميقات وهو لم يدخل في النسك يقول: أنا مريد للنسك منذ أن خرجت من بيتي، فهو لم يرد النسك ولكنه أراد الحج والعمرة، يعني: أراد فعل الحج والعمرة، لكنه لم يرد إرادة الدخول في النسك، بحيث يحرم عليه ما يحرم على الحاج والمعتمر.

الاغتسال

الشيخ: إذا ثبت هذا فإنه عند الإحرام يستحب للإنسان أمور ذكرها المؤلف: أولها الاغتسال، فيستحب للإنسان أن يغتسل، ودليل الاغتسال والاستحباب ما ثبت في الصحيح من حديث عائشة ومن حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما دخل عليها وهي تبكي فقال: ( ما شأنك؟ قالت: شأني أني قد حضت، وقد حل الناس، والناس يذهبون إلى عرفة، فقال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي وأهلي بالحج )، وفي رواية: ( فانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج )، فأمر عائشة رضي الله عنها أن تهل وأن تغتسل، ثم تهل بالحج، ومما يدل على استحباب الاغتسال هو ما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس أن تغتسل وتستثفر وتهل بالحج )، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر الحائض والنفساء أن تغتسل عند إرادة الحج مع أن الاغتسال لا يرفع حدثهما دل على استحباب ذلك في غيرهما من باب أولى.

وقد جاء حديث أصرح من ذلك وهو ما رواه أهل السنن من حديث عبد الله بن يعقوب المدني عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل )، وهذا الحديث بهذا الفعل دليل على الاستحباب، بيد أن هذا الحديث فيه كلام، فإن عبد الله بن يعقوب المدني مجهول الحال، فإن ابن القطان الفاسي يقول: أجهدت نفسي في أن أجد أحداً يعرفة فما أحد عرفه! وكذلك في إسناده عبد الرحمن بن أبي الزناد تكلموا فيه، واختلف فيه، فعلى هذا فالاستحباب ثابت بقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة ، وقوله لـأسماء.

أما ابن حزم فيوجب الاغتسال في حق الحائض والنفساء، ولا يستحب لغيرهما ذلك، فهو على ظاهريته، والصحيح هو قول عامة أهل العلم على أن الاغتسال مستحب.

التنظف

الشيخ: يقول المؤلف: (ويتنظف).

يعني: يستحب للإنسان عند إرادة الإحرام أن يتنظف بأن يأخذ من عانته، وأن يأخذ من أظفاره، وأن يأخذ من شواربه، وأن يأخذ مما يحتاج إليه فيما لو دخل في النسك لأجل ألا يحتاج إليه، ولا شك أن هذا الاستحداد حكم شرعي، لا يثبت إلا بدليل شرعي، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالاستحداد -يعني بأخذ العانة- عند الإحرام، ولم يثبت أنه أمر بتقليم الأظفار، فدل ذلك على أن هذه الأشياء ليست من خصائص الإحرام كما يقول أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وإنما يأخذ إذا كان مريداً له -يعني محتاجاً له- وأما من لم يكن محتاجاً فإنه لا يتقصد الأخذ، وقد روى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي أنه قال: كانوا يستحبون الأخذ من شواربهم، وأن يستحدوا، وهذا قول إبراهيم إنما يريد به أصحاب ابن مسعود، وهذا أحسن شيء روي في هذا الباب، وهو قول إبراهيم النخعي ، وأما من الصحابة أو من النبي صلى الله عليه وسلم فلم يثبت فيه شيء، وعليه: فإن التنظف ليس مستحباً في ذات الإحرام، وإنما يفعله الإنسان إذا احتاج إلى ذلك، والله أعلم.

التطيب

الشيخ: ثم قال المؤلف: (ويتطيب).

يستحب للإنسان أن يتطيب عند إرادة الإحرام، فيطيب بدنه كما قالت عائشة رضي الله عنها: ( كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم )، فدل هذا على أنه كان يتطيب قبل ذلك، وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت )، فدل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم كان يتطيب.

وهذا هو قول الجمهور، وهو أنه يتطيب ببدنه، وأما ما جاء عن ابن عمر أنه قال: لئن أطلى بالقطران خير لي وأحب من أن أصبح محرماً وأنا متضمخ بالطيب، فهذا اجتهاد ابن عمر ، ولهذا أنكرت أم المؤمنين عائشة على ابن عمر وقالت: ( رحم الله أبا عبد الرحمن ، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح محرماً وقد طاف بنسائه، ثم يصبح محرماً، وأثر الطيب على رأسه ) فهذا يدل على أن ابن عمر لم يبلغه الحديث، وعلى هذا فإنه صلى الله عليه وسلم ثبت أنه أحرم بالطيب لكن هل يدل ذلك على الاستحباب أم على الجواز؟

ثلاثة أقوال: المنع، والاستحباب، والجواز، فذهب أبو العباس ابن تيمية إلى جواز الطيب وليس لاستحبابه، وذهب الحنابلة إلى استحبابه، ولعل الاستحباب أقرب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: ( خذوا عني مناسككم )، وقد تطيب، وأقل ما يقال فيه الاستحباب.

ثم إنه إذا ثبت الاستحباب بتطييب البدن كالرأس والإبطين واللحية، فهل يطيب ثيابه؟ الحنابلة رحمهم الله يقولون: إن طيب بدنه ثم لبسه، ثم أحرم جاز، ولكنه يكره، فإن خلعه فلا يعيده؛ لأن لبسه بعد ذلك يعد لابساً بثوب فيه طيب.

والراجح والله أعلم: أنه لا ينبغي للإنسان أن يطيب ثيابه، سواء قبل الإحرام أو بعده، أما بعده فإنه صلى الله عليه وسلم ثبت أن الطيب من محظورات الإحرام كما سوف يأتي، ولهذا قال في حديث يعلى بن أمية : ( اخلع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الخلوق )، ومما يدل على أن المرء ممنوع من لبس ثوب فيه طيب قبل الإحرام ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس )، فدل ذلك على أن المرء ممنوع من لبس ثوب فيه طيب، سواء قبل الإحرام أو بعده، وأنه ممنوع أن يطيب ثيابه، سواء قبل الإحرام أو بعده، كما سوف يأتي أيضاً تفصيل ذلك إن شاء الله، وعلى هذا فالتطيب إنما يكون في الرأس، وفي اللحية، وفي البدن، وفي اليدين، ونحوهما.

التجرد عن المخيط قبل الدخول في النسك

الشيخ: ثم قال المؤلف: ويتجرد عن المخيط من إزار ورداء أبيضين نظيفين ، المؤلف يقول: يستحب أن يتجرد عن المخيط في إزار ورداء، ومن المعلوم أن لبس المخيط محظور، فكيف الجمع بين هذا وذاك؟

الجواب: أنه يستحب للإنسان قبل الدخول في النسك أن يكون متجرداً من لباس المخيط، فيستحب له أن يلبس إزاراً ورداء قبل أن يدخل في النسك، فإن دخل في النسك وعليه لباس المخيط فيجب عليه أن ينزع، وليس عليه شيء، وعلى هذا فالاستحباب أن يلبس الإزار والرداء قبل الدخول في النسك، يقول المؤلف: في إزار ورداء أبيضين؛ لما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين )، ويستحب أن يكون ذلك أبيض؛ لما جاء عند الإمام أحمد وغيره من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم )، فهذا يدل على استحباب الأبيض، وأما لو لبس غير الأبيض فلا حرج، وقد جاء في حديث يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم ببرد أخضر، ولكن هذا الحديث الظاهر -والله أعلم- والأقرب أنه ضعيف، والله أعلم.

صلاة ركعتين

الشيخ: ثم قال المؤلف: (ثم يصلي ركعتين).

استحب المؤلف أن يصلي ركعتين للإحرام قبل الدخول في النسك، وهذا قول الأئمة الأربعة، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ( أتاني الليلة آت من ربي وقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة )، رواه البخاري و مسلم من حديث عمر ، ولا شك أن هذا الحديث لا يمكن أن يستدل به في هذا الباب؛ وذلك لأنه إنما أمر أن يصلي لأجل أنه واد مبارك؛ وهو ذو الحليفة، وأما غير ذي الحليفة فليس وادياً مباركاً، وعلى هذا فالاستدلال بهذا الحديث محل نظر.

واستدلوا أيضاً: بأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم عقب صلاته، كما جاء ذلك من حديث ابن عمر : ( أنه عندما خرج من المسجد ركب دابته فأهل بالحج )، وقد جاء من حديث ابن عباس وإن كان في سنده بعض الضعف ولكن جاء أيضاً من حديث المسور بن مخرمة : ( أحرم بعد الظهر، وقد صلى الظهر في ذي الحليفة ركعتين ).

قال شيخ الإسلام: أبو العباس ابن تيمية، وهو صاحب القول: ليس للإحرام صلاة تخصه، فإن أحرم عقب فريضة -كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم- كان ذلك له، وهو أفضل، وإلا فليس للإحرام سنة تخصه، أقول: وهذا أقرب، ومما يدل على ذلك: أن حديث: ( أتاني الليلة آت من ربي وقال: صل في هذا الوادي المبارك )، نزل عليه ليلاً، يعني من الفجر، والرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بعد الظهر، فدل ذلك على أن هذا المقصود غير وقت الإحرام؛ لكن لو كان من عادته أنه يتوضأ فيصلي كما كان بلال يصنع، فهذا حسن جيد، والله أعلم.

ثم قال المؤلف: (ويحرم عقبيهما).

يعني: يستحب أن يحرم عقب الصلاة استدلالاً بما جاء عند أبي داود من حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم أحرم فسمعه قوم فذكروا، فلما استوت به ناقته من عند المسجد أحرم، فسمعه قوم فذكروا)، وهذا الحديث يرويه خصيف بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، و خصيف بن عبد الرحمن ضعيف، ولهذا فالراجح والله أعلم أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح أنه أحرم عقب الصلاة، و (إنما صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم ركب دابته حتى إذا استوت به ناقته من عند المسجد أهل بالحج)، كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر ، ولهذا فقول المؤلف: (ويحرم عقبيهما) الراجح أن الحديث الوارد فيه ضعيف، وأنه إذا صلى ثم ركب دابته متوجهاً إلى مكة أحرم، والله أعلم؛ لحديث ابن عمر ، وأما الحديث الذي استنبط منه المؤلف فحديث ضعيف، في سنده خصيف بن عبد الرحمن .

ثم قال المؤلف: (وهو أن ينوي الإحرام)، يعني أن ينوي نية الدخول في النسك.

لعلنا نقف عند هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

الشيخ: الإحرام في اللغة: نية الدخول في التحريم، وعلى هذا فالإحرام ليس هو لبس الإحرام كما يظنه كثير من العامة، فلو أن إنساناً لبس الإحرام وخرج من بيته مريداً الحج أو العمرة فهو لم يدخل في النسك، ولو خرج من بيته مريداً للحج والعمرة فإنه لم يدخل في النسك، فدل ذلك على أن الإحرام هو نية الدخول في أداء العبادة، فلو أن إنساناً خرج من بيته وهو مريد للحج والعمرة، لكنه لم يكن مريداً للدخول في النسك فإنه لا يكون محرماً، فدل ذلك على أن نية الدخول في النسك شيء، ونية الحج والعمرة شيء آخر، وعلى هذا فالذين يأتون عن طريق الطائرة هم قد لبسوا لباس الإحرام من بيوتهم، فإذا تعدى الميقات وهو لم يدخل في النسك يقول: أنا مريد للنسك منذ أن خرجت من بيتي، فهو لم يرد النسك ولكنه أراد الحج والعمرة، يعني: أراد فعل الحج والعمرة، لكنه لم يرد إرادة الدخول في النسك، بحيث يحرم عليه ما يحرم على الحاج والمعتمر.