أرشيف المقالات

الشعب السوري المحاصر - محمد العبدة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .

لايدرك خطورة مايجري في سورية من ثورة على الظلم والاستبداد واستيلاء طائفة معينة على مقاليد الحكم، كما لايدرك الأبعاد الكبرى لهذه الثورة المباركة إن شاء الله إلا من يعي دروس التاريخ ويعلم ماجرى من مراحل حاسمة، وخاصة في القرنين الخامس والسادس الهجريين حيث تتشكل حقبة جديدة في تاريخ المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام.


لايدرك الأبعاد الحقيقية إلا من يعلم واقع المعركة التي تدار على أرض الشام بعمومها وتفاصيلها، مايجري كل يوم وكل ساعة.
إنها ليست معركة ضد طاغوت واحد، ولا طغيان أسرة واحدة، ولاطغيان حزب واحد، إنها معركة تواجه مشروعا صفويا فارسيا طائفيا تقوده إيران والنظام السوري وما يسمى (حزب الله) في لبنان، وإذا لم يكن الأمر كذلك فكيف نفسر هذا الحقد الدفين وهذه البشاعة في القتل وهذه اللا إنسانية في قطع الماء والدواء والغذاء عن الناس كل الناس المعارضين في حمص وحماة ودرعا وريف دمشق وريف حلب.


لماذا بعد القتل تشوه الجثث، ولماذا تنهب البيوت وتكسر النوافذ ويمنع الكهرباء (ونحن في فصل الشتاء) ولماذا ينهبون البيوت ويخلطون المواد التموينية بعضها ببعض حتى لا يستفيد منها أصحابها؟ هذه التصرفات لم يغعلها أحد قبلهم ولا يفعلها أحد بعدهم، فهذا أمر بعيد حتى عن أخلاق القتال والحروب، وما يراه المشاهد العربي على شاشات القنوات الفضائية ليس إلا شيئا يسيرا مما يحدث على الأرض.


ومن الحقائق في هذه الثورة ظهور بطولات نادرة من الشباب الثائر، وظهور تضحيات ومؤاخاة بين الناس لانبالغ إذا قلنا: إنها ذكرتنا بأفعال السلف الصالح في القرون الأولى، ومن بركات هذه الثورة أن انكشف الغطاء عن أعين كثير من الناس الذين كانوا مخدوعين بالدجل الإيراني عن مقاومة أمريكا و"إسرائيل".
أمام هذه البطولات التي سطرها الشعب السوري في مواجهة المشروع الباطني كان الدعم العربي ضعيفا، وما قصة المراقبين إلا مهزلة ومسرحية مبتذلة، ولكن مع استمرار الإجرام الأسدي وصمود الشعب السوري تغير الموقف وقررت بعض الدول العربية مقاطعة النظام دبلوماسيا وكانت البداية من تونس ثم دول الخليج العربي، وهي خطوة مشكورة ونحتاج بعدها إلى خطوات، وكنا نأمل ان تكون مصر من السباقين إلى ذلك وقد عانت طويلا من الظلم، فكان الأحرى أن تدعم الشعب السوري، وجاءت خطوتها متأخرة ولم تكتمل بعد.


لا نستغرب موقف النظام في الجزائر وهو الذي وقف مع القذافي ويقف الآن مع الإجرام الأسدي فالديكتاتوريات أخوة أشقاء، ولكننا نستغرب موقف السودان الضبابي المائع وهو الذي يحكم من قبل ثورة الإنقاذ ومن الجبهة الإسلامية، وكان غريبا أيضا منع حكومة غزة لمظاهرة خرجت تأييدا للشعب السوري، مع أن خيار قادة غزة يجب أن يكون مع الشعب السوري وليس مع النظام.


إن موقف الغرب من القضية السورية موقف ملتبس فهو يدعو إلى تنحي رئيس النظام ويقرر بعض العقوبات، ولكنه لم يتخذ الخطوات القوية لإضعاف النظام، فمرة يحتج بموضوع الأقليات والحاجة إلى ضمانات لهم، وهي حجة واهية لأن الأقليات لم تظلم سابقا فلماذا تظلم اليوم؟! ومرة يحتج بعدم توحد المعارضة وهي حجة واهية أيضا لأن في كل بلد هناك أكثر من معارضة، إنه في الواقع لا يريد مساعدة الشعب السوري، وهو قادر على الضغط على النظام أكثر مما هو عليه الآن، ولو أن هذه المجازر التي ترتكب في حق الشعب السوري كانت في منطقة أخرى من العالم لقامت قيامة الغرب وتحدث عن حقوق الإنسان ليلا نهارا، ولاشك أن وجود "إسرائيل" في المنطقة هو أحد الأسباب لهذا الموقف، ومع ذلك فإن موقفه أفضل من موقف بعض الدول العربية.


أما روسيا فلا يستبعد من دولة بقودها بوتين القادم من مخابرات الاتحاد السوفييتي أن تقف مع نظام يقوم على أجهزة المخابرات التي لا ينتهي عددها، روسيا الجزء الأكبر من الاتحاد السوفييتي حيث شرد (ستالين) ملايين المسلمين إلى سيبريا، روسيا تريد أن يكون لها موطئ قدم في هذه المنطقة وليس لها إلا النظام السوري وتريد أن تثبت للغرب أنها ماتزال دولة كبرى، ولذلك لا أمل في تراجعها عن موقفها إلا بصفقة كبيرة مع الغرب.


إن الشعب السوري مصمم على الإستمرار في جهاده ضد الظلم والإحتلال مهما كانت التكاليف، وكلما أمعن النظام في إجرامه كلما ازداد اليقين عند الناس أنه لا يمكن بعد الآن التعايش أو القبول بهذه العصابة.
إن الشعب السوري مع أنه يرحب ويفرح بأي تأييد معنوي أو مادي من الشعوب العربية أو أحرار العالم ولكنه يشعر أنه محاصر وهو يعلم أن النصر من عند الله ولذلك كان صوت المظاهرات (مالنا غيرك ياالله) وكان من الشعارات ( الموت ولا المذلة)


لن ينتصر النظام بإذن الله على شعب مسلم يطالب بحقوقه، ولكنه يريد أن يقتل أكثر عدد ممكن حقدا وسادية وعراقة في الإجرام .
إن دعم الثورة السورية لا يحتمل التأجيل أو التردد، إنها معركة كبرى من معارك التاريخ.


د.
محمد العبدة - 30/3/1433 هـ
 

شارك الخبر

المرئيات-١