أرشيف المقالات

مسألة نفخة البعث

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
مسألة نفخة البعث


هل هناك نفخة أخرى غير هذه النفخة التي يموت بعدها الناس؟
الجواب: نعم - أحسن الله لك الختام -؛ هناك نفخة أخرى يقوم الناس منها لرب العالمين؛ وهي: نفخة البعث.
 
واعلم - رحمك الله - أن أهل العلم اختلفوا في عدد النَّفخات، وإليك البيان:
اختلف أهل العلم في عدد النفخات على قولين:
القول الأول:
أنها نفختان: نفخة يُصعَق فيها الناس فيموتون، ونفخة أخرى يبعثون بها من قبورهم، فهما نفختان: نفخة الصعق، ونفخة البعث.
 
واستدلوا بـ:
أ- قول الله تعالى: ﴿ مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾ [يس: ٤٩ – ٥١]، ووجه الدلالة: أن في الآية نفختين فقط، الأولى: وهي نفخة (الصعق)، في قوله: ﴿ مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ﴾ [يس: ٤٩]، والثانية في قوله: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾ [يس: ٥١]، وهذه نفخة: (البعث).
 
ب.
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: " مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ " قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ "[1].
 
وموطن الشاهد: " مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ "، وهذا يدل على أنهما نفختان فقط، واختار هذا القول القرطبي[2]، وابن حجر[3] - رحمهما الله -.
 
والقول الثاني:
أنهما ثلاث نفخات: نفخة: (الفزع)، ونفخة: (الصعق )، ونفخة: (البعث).
 
وقالوا: نفخة (الفزع) هي التي يفزع الناس منها، ثم تأتي نفخة (الصعق) فيموتون، ثم تأتي نفخة (البعث) بعد ذلـك.
 
واستدلوا بـ: قوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ وَكُلٌّ أَتَـوْهُ دَاخِرِينَ ﴾ [النمل: ٨٧]، فقالوا هذه نفخة (الفزع).
 
وقوله تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾ [الزمر: ٦٨]، ففي هذه الآية نفختان نفخة (الصعق)، ونفخة (البعث)، ومجموع النفخات ثلاث.
 
واختار هذا القولَ: ابنُ العربي، وابن تيمية[4]، وابن كثير[5]، والسفاريني[6] رحمهم الله.
 
وردَّ أصحاب القول الأول: بأنه لا يمنع أن يكون فزع في نفخة (الصعق)، وليست نفخة مستقلة، فهذا جواب الآيـة.
 
قال ابن حجر رحمه الله: " ولا يلزم من مغايرة الصعق الفزع أن لا يحصلا معًا من النفخة الأولى "[7].
 
وقال القرطبي رحمه الله: " ونفخة الفزع هي نفخة الصعق؛ لأن الأمرين لازمين لها، أي: فزعوا فزعًا ماتوا منه"[8].
 
• فائدة: ذهب ابن حزم رحمه الله إلى أن عدد النفخات أربعة: نفخة إماتة، ثم نفخة إحياء، ثم نفخة فزع وصعق يفيقون منها كالمغشي عليه، ثم نفخة إفاقة من ذلك الغشيان[9].
 
مستلة من: "فقه الانتقال من دار الفرار إلى دار القرار"

[1] رواه أحمد برقم (11039)، رواه الترمذي برقم (3243) وقال: " حديث حسن "، وذكره الألباني في الصحيحة، انظر السلسلة الصحيحة (3/66) حديث (1079).

[2] انظر: التذكرة (ص183).

[3] انظر: الفتح (11 /369).

[4] انظر: مجموع الفتاوى (4/ 260).

[5] انظر: النهاية (1 /253).

[6] انظر: لوامع الأنهار البهية (2 /161).

[7] انظر الفتح (11 /369).

[8] انظر: التذكرة (ص 184).

[9] انظر: الفتح (6 /446).

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير