كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [13]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

قال رحمه الله تعالى: [ باب العارية والوديعة:

وهي إباحة المنافع، وهي مستحبة في المعروف، قال صلى الله عليه وسلم: ( كل معروف صدقة )، وإن شرط ضمانها ضمنها وإن تعدى أو فرط فيها ضمنها وإلا فلا ].

تعريف العارية ومشروعيتها

يقول المؤلف: (باب العارية)، وعرفها بقوله: (إباحة المنافع)، والعارية: هي أخذ مال بإذن صاحبه للانتفاع به مدة مع بقاء عينه، فإذا أراد أن يستعير فواكه فهل يمكن ذلك؟ لا؛ لأن الفواكه انتفاعها يكون بأكلها، فلا بد من انتفاع مع بقاء العين.

ودليل العارية أن الله يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وقال صلى الله عليه وسلم في الإبل: ( ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة -الحديث- قالوا: يا رسول الله! وما حقها؟ قال: إعارة حلبها )، أو قال: ( دلوها ).

إذاً: الإعارة حق يبذله المالك، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فنفذ بعض الزاد، فقال صلى الله عليه وسلم: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، قال: حتى ذكر من أصناف المال حتى رأينا أنه لا حق لأحدنا في فضل )، يعني: فيما زاد.

فضل العارية

اعلم أن الإعارة للشيء فيها أجر عظيم، قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث ميمونة (حيث كان لها وليدة -يعني أمة- فأعتقتها، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عما صنعت، فقالت: يا رسول الله أعتقتها، قال: لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك )، وهذا يدل على أن العارية أعظم أحياناً من العتق، وقد ثبت فضل العتق مما يدل على أن الإنسان ينبغي له أن يعير، وإذا منع مالاً ينتفع به من ماله فإنه على خطر قال الله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7]، قال ابن عباس: هو الميزان والدلو والقدر، وكذا قال ابن مسعود .

العارية لها أحكام، أحكامها:

واحد للمعير، وهو صاحب العين، والمستعير: وهو الذي ينتفع.

الرجوع في العارية

المسألة الأولى: أن للمعير أن يرجع في عاريته متى شاء، ما لم يتضرر المستعير، مثال التضرر: لو استأجر المستعير من المعير يختاً أو سفينة (قارب) فوضع متاعه فيه، فلما كان وسط البحر قال: أريد سفينتي قال: إن فيه الآن على بضاعة، قال: لا، أريدها الآن، فنقول: لا يجوز له ذلك؛ لأن ثمة ضرراً، فلا يحق له الرجوع إلا بعد أن ترسي في الميناء.

وكذلك إذا استعار منه أرضاً على أن يزرعها، وعلم المعير بأنه سوف يزرعها ثم زرعها، فقال: أريد أرضي، قال: لكن أنا عندي زرع، قال: لا شأن لي بذلك، فهل يقبل؟

الذي يظهر والله أعلم أنه لا يقبل قوله، ولكن هل إذا طلب المعير أرضه فهل له أجرة المثل في الزرع من حين طلب الأجرة؟

مثاله: رجل استعار من آخر أرضاً، وقال له: أريد أن أزرعها، قال: نعم، فزرعها فلما ربت الزروع قال صاحب الأرض: أريدك أن ترد لي أرضي، قال المستعير: والله أنا الآن لا أقدر أن أرد عليك أرضك إلا أن أقلع الزرع، قال: لا شأن لي بذلك، فقال له: أنا لا أستطيع أن أقلعه، قال: إذاً سآخذ عليك أجرة فما الحكم الآن؟

الحنابلة رحمهم الله يقولون: إن طلب رد الأرض وكان فيها زرع فإنه له أجرة المثل من حين طلبه، والذي يظهر والله أعلم التفريق، وهو أن نقول: إن كان المعير يعلم أن المستعير سوف ينتفع بها مما يصعب رده عاجلاً فلا يستحق المعير شيئاً، وإن كان يعلم أنه يمكن رده عاجلاً فانتفع به فيما يطول فحينئذ يكون له أجرة المثل.

خذ مثالاً: شخص عنده أرض ما ينتفع بها ويعرف أن هناك رجلاً تاجراً يدخل على الصوامع دخلاً طيباً من القمح، فأراد أن يحتال عليه، فقال صاحب الأرض لهذا التاجر: خذ هذه الأرض فيها ثلاث آبار، ولا أريد منك شيئاً أبداً، وعندما زرع هذا التاجر الأرض واشتد الزرع قال صاحب الأرض: والله إني قد احتجت إلى أرضي، فهذه حيلة؟ مع أن الأرض المذكورة ليس فيها فائدة.

وعلى هذا فنقول: إن كان يعلم المعير أن المستعير سوف ينتفع بها مدة لا يصعب إرجاعها إلا بعد انتهائه فليس له أجرة. والله أعلم.

ضابط انتفاع المستعير

المسألة الثانية: أن للمستعير أن ينتفع من العين مثل انتفاع أمثاله إلا بالشرط، يعني لو أن عندي سيارة في البيت فجاء أحد الناس فقال: أريد أن أنتفع بها فأعطيتها إياها، فالأصل أن له أن ينتفع بها مثل انتفاع أمثالها.

فإذا أراد أن يسافر فالأصل أن ينتفع بها، فهل يسافر فيها أم لا يسافر؟

الأصل أنه لا يسافر؛ لأن السفر عند الأجرة، والعرف عند العامة أنه لا يسافر فيها إلا بإذن صاحبها يعني: الأجرة تضر، لكن لو لم يسافر بها، لكنه لما رأى رآها أن نوع السيارة جيب، ونزل المطر، فقال: دعنا نذهب نطعس، فهل له ذلك؟ ليس له ذلك، لماذا؟ لأنه لم ينتفع بها بمثل انتفاع أمثالها، لأنه تتضرر السيارة بهذا العمل، وهذا مع الأسف الشديد ما نراه؛ فإن كثيراً من الإخوة حينما يأخذ سيارات من الناس فيرجعها أحياناً ولا يغسلها، وهذا كله من عدم المروءة والكرم، لكن هل للمعير أو المستعير أن يعيرها للغير؟

مثال ذلك: قلت لمحمد: أنا أريد سيارة، فليس معي سيارة الآن، فسيارتي في الورشة، فقال محمد: والله -يا عبد الله- ما عندي شيء، لكن أنا أعرف أن عيسى عنده سيارات ولا يعرفك، أنا سآخذها، فذهب محمد إلى عيسى وقال: أنا أريد سيارتك جزاك الله خيراً، أريد أن أنتفع بها، فقال عيسى: خذها على الرحب والسعة، فأعطاها محمداً، ومحمد قال: خذها يا عبد الله جزاك الله خيراً، فهل لمحمد أن يعيرها أم لا؟

نقول: ليس للمستعير أن يعيرها للغير إلا بإذن المعير المالك وإلا ضمن، أي: المستعير الأول، فإن كان المستعير الثاني يعلم أن المستعير الأول تصرف بغير إذن المالك ثم تلفت، فللمعير أن يطالب الاثنين: المستعير الأول والمستعير الثاني، وإن كان المستعير الثاني لا يعلم، فللمعير الأول الذي هو المالك أن يضمن المستعير الأول؛ لأنه تعدى.

المؤلف يقول: (وهي مستحبة لدخولها في الإحسان والمعروف، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري و مسلم : ( كل معروف صدقة ) ) رواه البخاري من حديث عائشة ورواه مسلم من حديث حذيفة .

ضمان العارية

يقول المؤلف: [وإن شرط ضمانها ضمنها].

هنا أفادنا المؤلف بأن الأصل في العارية أنها غير مضمونة، وهذا خلاف المذهب عند الحنابلة والشافعية، فإن الشافعية والحنابلة يقولون: العارية مضمونة؛ لحديث : ( العارية مؤداة )، كما في حديث يعلى بن أمية .

وذهب المؤلف إلى أنها ليست مضمونة ولكنها تضمن بالشرط، وهذا قول عند الحنابلة ورواية عندهم اختارها ابن تيمية ، وأما مالك بن أنس فهو يرى أن العارية لا تضمن ولا يصح الشرط، أما ابن تيمية فيصحح الشرط، والله أعلم.

وهذه المسألة لو تكلمنا فيها لأطلنا؛ لأنها واقعة في الإجارة المنتهية بالتمليك، والحنابلة والشافعية يقولون: كل شرط يعود على العقد بالإبطال فلا يصح، الآن العارية مضمونة، فإذا اشترط عدم الضمان صار الشرط يخالف أصل العقد، فيرون أن الشرط باطل، و ابن تيمية يخالف في هذا، وهذا هو الراجح والله أعلم.

لكن إن تعدى أو فرط فإنه يضمن؛ لأنه لم يتصرف فيها تصرف الملاك. والله أعلم.

يقول المؤلف: (باب العارية)، وعرفها بقوله: (إباحة المنافع)، والعارية: هي أخذ مال بإذن صاحبه للانتفاع به مدة مع بقاء عينه، فإذا أراد أن يستعير فواكه فهل يمكن ذلك؟ لا؛ لأن الفواكه انتفاعها يكون بأكلها، فلا بد من انتفاع مع بقاء العين.

ودليل العارية أن الله يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وقال صلى الله عليه وسلم في الإبل: ( ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة -الحديث- قالوا: يا رسول الله! وما حقها؟ قال: إعارة حلبها )، أو قال: ( دلوها ).

إذاً: الإعارة حق يبذله المالك، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فنفذ بعض الزاد، فقال صلى الله عليه وسلم: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، قال: حتى ذكر من أصناف المال حتى رأينا أنه لا حق لأحدنا في فضل )، يعني: فيما زاد.

اعلم أن الإعارة للشيء فيها أجر عظيم، قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث ميمونة (حيث كان لها وليدة -يعني أمة- فأعتقتها، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عما صنعت، فقالت: يا رسول الله أعتقتها، قال: لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك )، وهذا يدل على أن العارية أعظم أحياناً من العتق، وقد ثبت فضل العتق مما يدل على أن الإنسان ينبغي له أن يعير، وإذا منع مالاً ينتفع به من ماله فإنه على خطر قال الله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7]، قال ابن عباس: هو الميزان والدلو والقدر، وكذا قال ابن مسعود .

العارية لها أحكام، أحكامها:

واحد للمعير، وهو صاحب العين، والمستعير: وهو الذي ينتفع.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [11] 2191 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [12] 2045 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الصداق [2] 2034 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الأطعمة 1990 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [4] 1746 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [6] 1712 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الجنايات والحدود 1671 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [7] 1614 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [9] 1607 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الطلاق 1543 استماع