القلق .. أسبابه وعلاجه


الحلقة مفرغة

الحمد لله ولي الصالحين، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، خلق فسوى، وقدَّر فهدى، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله وخيرته من خلقه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فعليه من الله أزكى صلاة وأتم تسليم، وعلى آله وأصحابه ومن سار على ملته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد:

فبادئ ذي بدء أوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله سبحانه في السر والعلن، والمنشط والمكره، فما خاب من اتقاه، ولا أفلح من قلاه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال:29].

أيها الناس! البال الرخي، والنفس الرضية، والصدر المنشرح، مطالب جليلة تصبوا إليها أفئدة بني آدم، وتروم نوالها كل نفسٍ لم تكتنفها دواعي الخذلان، أو مكابرة العاجز وبطر المستنكف، والمرء في هذه الحياة ما دام ذا روحٍ يقلبها فهو يعيش على أمرٍ قد قدر، وحينما يشب عن الطوق بعد نضارة الصبا ينهج في البحث عن الهنا لحياته نهجاً مستتباً، يرج نفسه رجاً شديداً، يظن أنه بين الرياحين السرمدية، يتهادى في دروبها كيف ما يحلو له، لا يذعره شيء حتى يبلغ نهايته المكتوبة، دون أن يُفكِّر هُنيهة أنَّ من عاش لم يخل من المصيبة، وقلَّما ينفك عن عجيبة، فيشاء الله غير ما يشاء هو، ويقدر غير ما قدر هو، وتخيب ظنون المرء في جُلِّ ما كان يؤمل، وتنقلب آحادها رأساً على عقب، متخطفاً عن السير إما في أوائله أو أواسطه، بله بلوغ نهايته المشرئب إليها، ثم يكون ما يكون، ولقد صدق من قال:

ما عند يومي ثقة لي بغدِ      لا بد من دار خلود الأبدِ

صح عند مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً ) لقد صدق رسول الله -بأبي هو وأمي- صلوات الله وسلامه عليه، نعم! لقد صدق، فأين هم الذواقون لطعم الإيمان؟ وأين في الذواقين من يظهر أثر الذوق لهذا الطعم في نفسه وروحه وسلوكه بل وحياته كلها؟

ألا وإن حملة الأدوية التي ينفعون بها ولا ينتفعون منها كثرة كاثرة على هذه البسيطة، وهم:

كالعيس في البيداء يقتلها الظما     والماء فوق ظهورها محمول

(ورب مبلغٍ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ).

والحق -عباد الله- أن الإيمان والسعادة لا يضيرهما شيءٌ البتة إذا كان بعض حملتها ومنسوبيها أول الناس خروجاً عليها، ونأياً عنها، وإلا فأين الذين لم يعد منهم في حياته فاقد السعادة، ملتاثاً بلوعة القلق والاكتئاب، أين صاحب المنصب والشرف، الذي لم يعد قلقاً في أوج تكأته وسلطانه، يتوجس فقده كل لحظة عُرياً من خلاله عن معاني الإحساس بطعمه، أو استتمام رائحته المركبة؟!

وأين الأبوان اللذان لم يعد أحدهما يخشى على أولاده القوارع بالمدلهمات.. في كسوة هذا، وإعفاف تلك، وتوظيف هذه، وتزويج ذاك؟

بل أين.. وأين.. وأين؟

إنه عصرٌ موحشٌ على كثرة مؤنسيه، مقلقٌ على كثرة مهرجيه ومروجيه.

إنه مليء بكل مسببات القلق لفاقدي الهدف، ومعصوبي البصائر، الذين يتخبطون كالعشراء، وجل من لم يصب بمثل هذا السيل الطام فلا أقل من أن يناله رشاشه المتناثر هنا أو هناك.

بالطبع -أيها المسلم- أنا وأنت، وهو وهي، وغيرنا جميعاً، نحن أعضاء في هذا المجتمع الفسيح، كل فردٍ منا عرضة للقلق أو الغضب، مثلما هو عرضة للسعادة أو الهناء، الكل يريد السعادة، ولكن لا أحد يريد أن يرى نفسه قلقاً أو كئيبا، وإن كان ثَمَّ وقوعٌ في حمأة القلق لفردٍ ما، فقد لا يُحسن التصرف أمام هذه البلية العظمى؛ إما عن جهل منه بطرق الخلاص والنجاة من هذا المأزق الحرج، وإما عن سلوك طُرقٍ وهمية مصحوبةٍ بغفلة، ووثبة يحسنان له القبيح، فيظن جاهلاً أنه مكمن الدواء، وكان كالمتسعسل إذا ثمل، وإما أن يكون المتصرف مع هذا الداء يعلم خطورته وسحق هوته، ولكنه يصر على البقاء فيه، أو يتعمد بتقطيع ألمه بكيوفات مهدئة أياً كانت ذوائبها مما لا يقرها الشارع الحكيم، ويا لله! ويا لله!

إذا كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ     وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ

أيها المسلمون! إنَّ من الإنصاف التام ألا يهون من شأن هذه القضية، وألا نجعل الإحساس بالقلق جهلاً منا أو مكابرة حكراً على ذوي الضعف وملتحفي المسغبة والإملاق، ولا غرو فيما أقول عباد الله، فكم رأينا كبراء قلقين، وأغنياء مضطربين؟! إذ من الناس من يقلق من فراغ بطنه إبَّان إملاقه، والبعض الآخر ربما قلق بسبب التخمة التي تحويها بطنه إبَّان إغداقه، ألا وإن قلقاً ما في نفس فقير مدقع ليس بأقل في الخطورة من قلقٍ ما في نفسٍ ثري طائش.

أضرار القلق على المجتمع المسلم

وأقول مثل ذلك في الصبي والشيخ والشاب، والذكر والأنثى، والصحيح والسقيم.. قلقٌ في المال، وفزعٌ من المستقبل المجهول، وشعورٌ بالوهن عن حمل المتاعب، وميل الإنسان إلى التوجس حتى من أبعد الأمور احتمالاً، والتي سببت من خلاله الحضارة المادية الحديثة سوء الظن بالله، وزعزعة الثقة به وبحكمته وعدله إلا من رحم الله، مما هو في الحقيقة سرٌ ولا شك، في قيام الكهانة والدجل، والوقوف على أعتاب العرَّافين والمشعوذين بحثاً عن حلٍّ لمشكلاتٍ استيئسوا هم من حلها، فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولسان حالهم يقول: وداوني بالتي كانت هي الداء.

وهو كذلك! سر لقيام ما يُسمَّى شركات التأمين، وتغلغل فروعها، واستثمان ورمها في أرجاء الدنيا العامة، وكأنهم موكلون في حماية الناس من قدر الله جلَّ وعلا، فاستحوذت تلك الشركات على قناطير مقنطرة من الذهب والفضة، مستغلة بذلك خشية الخوافين على أعمارهم حيناً، وعلى أموالهم وممتلكاتهم حيناً آخر، والذي يُساورهم القلق من أجلها، والمستنكر هنا -عباد الله- استباحة التأمين لدى الجماهير من الناس على كافة أصقاعهم، في حين أن جمهور أهل العلم على تحريمها والمنع منها، لأدلةٍ ومسوغاتٍ ليس هذا محل بسطها.

ناهيكم -أيها المسلمون- عن الشين والعيب في المتاجرة بالذعر الناشئ عن خور اليقين، والفرث الذي استحوذ على ضعاف النفوس، عندما يدفعهم الشك وقلة الإيمان بقضاء الله وقدره إلى ارتقاب الموت أو الخسار كامناً لهم في كل أفق، فتفزعهم الهمسة، وتؤلمهم اللمسة، ولا يعرف السم إلا من كابده، وما راءٍ للسم كمن شرب.

الأطفال أكثر الفئات قلقاً

أيها المسلمون! لقد أكدَّت الدراسات الميدانية الحديثة على مستوى العلوم التطبيقية والطب النفسي، أن القلق والاكتئاب ينتشران بصورة فعالة بين الأطفال، لا سيما في دول الغرب أو دولٍ تسير في ركابه، وذلك على حدٍ سواء بين أطفال الفقراء وأطفال الأغنياء، بنسبة مفزعة تصل إلى ربع المائة، وأن أولئك المصابين لديهم الاستعداد المبكر لتعاطي المخدرات والكحول أكثر بمرات من غيرهم، كما أكدت الدراسات على أن مراهقي الإناث أكثر إصابة بالقلق من مراهقي الذكور، وأكدت بعض جولات الاستطلاع أن الخوف من الفشل والتسريح والبطالة من أهم أسباب القلق الذي يُسيطر على العاملين بصورة عامة، ويظهر أثر ذلك على صورة اضطراب في الدورة الدموية، وضعف المقدرة على التركيز، وخفقان القلب، وقرحة المعدة، وأرقٍ واكتئابٍ دائمين.

ولقد أكَّد خبراء متخصصون في مثل هذه الدراسات، أنهم استطلعوا ما يقارب المائتين من رجال الأعمال، أعمارهم متجانسة، فاتضح أن أكثر من ثلثهم يُعانون واحداً من ثلاثة أمراض كلها ناشئة عن القلق، وهي: اضطراب القلب، وقرحة المعدة، وضغط الدم.

وقد قالوا عن هذا القلق: إنه شعورٌ عاطفي، يعتري الإنسان، يمنعه من التمتع بحالة الاستقرار النفسي والبدني، بحيث يفقد أمرين عظيمين من أمور الاستقرار، وهما: الصبر، والسكينة، ويسميه بعض علماء القلوب اكتئاباً.

وأقول مثل ذلك في الصبي والشيخ والشاب، والذكر والأنثى، والصحيح والسقيم.. قلقٌ في المال، وفزعٌ من المستقبل المجهول، وشعورٌ بالوهن عن حمل المتاعب، وميل الإنسان إلى التوجس حتى من أبعد الأمور احتمالاً، والتي سببت من خلاله الحضارة المادية الحديثة سوء الظن بالله، وزعزعة الثقة به وبحكمته وعدله إلا من رحم الله، مما هو في الحقيقة سرٌ ولا شك، في قيام الكهانة والدجل، والوقوف على أعتاب العرَّافين والمشعوذين بحثاً عن حلٍّ لمشكلاتٍ استيئسوا هم من حلها، فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولسان حالهم يقول: وداوني بالتي كانت هي الداء.

وهو كذلك! سر لقيام ما يُسمَّى شركات التأمين، وتغلغل فروعها، واستثمان ورمها في أرجاء الدنيا العامة، وكأنهم موكلون في حماية الناس من قدر الله جلَّ وعلا، فاستحوذت تلك الشركات على قناطير مقنطرة من الذهب والفضة، مستغلة بذلك خشية الخوافين على أعمارهم حيناً، وعلى أموالهم وممتلكاتهم حيناً آخر، والذي يُساورهم القلق من أجلها، والمستنكر هنا -عباد الله- استباحة التأمين لدى الجماهير من الناس على كافة أصقاعهم، في حين أن جمهور أهل العلم على تحريمها والمنع منها، لأدلةٍ ومسوغاتٍ ليس هذا محل بسطها.

ناهيكم -أيها المسلمون- عن الشين والعيب في المتاجرة بالذعر الناشئ عن خور اليقين، والفرث الذي استحوذ على ضعاف النفوس، عندما يدفعهم الشك وقلة الإيمان بقضاء الله وقدره إلى ارتقاب الموت أو الخسار كامناً لهم في كل أفق، فتفزعهم الهمسة، وتؤلمهم اللمسة، ولا يعرف السم إلا من كابده، وما راءٍ للسم كمن شرب.

أيها المسلمون! لقد أكدَّت الدراسات الميدانية الحديثة على مستوى العلوم التطبيقية والطب النفسي، أن القلق والاكتئاب ينتشران بصورة فعالة بين الأطفال، لا سيما في دول الغرب أو دولٍ تسير في ركابه، وذلك على حدٍ سواء بين أطفال الفقراء وأطفال الأغنياء، بنسبة مفزعة تصل إلى ربع المائة، وأن أولئك المصابين لديهم الاستعداد المبكر لتعاطي المخدرات والكحول أكثر بمرات من غيرهم، كما أكدت الدراسات على أن مراهقي الإناث أكثر إصابة بالقلق من مراهقي الذكور، وأكدت بعض جولات الاستطلاع أن الخوف من الفشل والتسريح والبطالة من أهم أسباب القلق الذي يُسيطر على العاملين بصورة عامة، ويظهر أثر ذلك على صورة اضطراب في الدورة الدموية، وضعف المقدرة على التركيز، وخفقان القلب، وقرحة المعدة، وأرقٍ واكتئابٍ دائمين.

ولقد أكَّد خبراء متخصصون في مثل هذه الدراسات، أنهم استطلعوا ما يقارب المائتين من رجال الأعمال، أعمارهم متجانسة، فاتضح أن أكثر من ثلثهم يُعانون واحداً من ثلاثة أمراض كلها ناشئة عن القلق، وهي: اضطراب القلب، وقرحة المعدة، وضغط الدم.

وقد قالوا عن هذا القلق: إنه شعورٌ عاطفي، يعتري الإنسان، يمنعه من التمتع بحالة الاستقرار النفسي والبدني، بحيث يفقد أمرين عظيمين من أمور الاستقرار، وهما: الصبر، والسكينة، ويسميه بعض علماء القلوب اكتئاباً.




استمع المزيد من الشيخ سعود الشريم - عنوان الحلقة اسٌتمع
ربما تصح الأجسام بالعلل 2770 استماع
السياحة من منظور إسلامي 2558 استماع
لا أمن إلا في الإيمان!! 2472 استماع
حاسبوا أنفسكم 2429 استماع
العين حق 2387 استماع
كيف نفرح؟ 2353 استماع
مفهوم السياحة ومخاطرها [1] 2301 استماع
رحيل رمضان 2247 استماع
مخاصمة السنة 2192 استماع
مفاهيم رمضانية 2172 استماع