خطب ومحاضرات
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [13]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
حديث حمران مولى عثمان قال ابن حجر رحمه الله: [ وعن حمران رضي الله عنه (أن
تخريج حديث عثمان في صفة الوضوء ودرجته
اعلم أن هذا الحديث عمدة في باب الوضوء، ولأجل هذا ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله، ولعل ذكر الحافظ له مع أن بعض ألفاظ الحديث لم تذكر فيه إلا لأنه ذكر فيها الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، والثواب الوارد فيه، فذكره وإلا فإن في حديث علي مسائل أكثر من مسائل حديث عثمان ، وقال عنه الترمذي كما سوف يأتي: إنه أحسن شيء في الباب وأصح، إلا أن الحافظ ابن حجر ذكر هذا لاشتماله على أمرين: الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، والثاني: الثواب في الركعتين التي بعده.
شرح ألفاظ حديث عثمان في صفة الوضوء
وقد ذكر الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار أنه لا بد من مجه، وهذا يحتاج إلى دليل، والله أعلم.
قوله: (واستنشق)، الاستنشاق: هو جذب الماء إلى داخل الأنف عن طريق التنفس، وأما الاستنثار: فهو إخراج الماء من الأنف، ولم يرد ذكر عدد المضمضة والاستنشاق في حديث عمران ، وإنما جاء ذلك عند أبي داود من طريقين، وإن كان بعضهم يتكلم فيها، وجاء من حديث أبي هريرة ، ومن حديث علي قال: (ثم تمضمض واستنشق من كف واحدة فعل ذلك ثلاثاً)، هذا حديث علي، ومثله حديث عبد الله بن زيد رضي الله عن الجميع.
قال: (ثم غسل وجهه) الوجه من الوجاهة، وهو ما يستقبل به المقابل، والوجه في الوضوء الواجب من منابت شعر الرأس المعتاد إلى اللحية والذقن طولاً ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، وعلى هذا فكل ما كان من الوجه فإنه يدخل، وهل يدخل البياض الذي يكون هنا؟ بعضهم قال: لا يدخل؛ لأنه ليس في مقابل الوجه، والذي يظهر والله أعلم أن البياض المعتاد الذي ليس فيه شعر فإنه داخل في الوضوء، والله أعلم.
وأما قوله: (لا يحدث فيهما نفسه) المراد لا يحدث نفسه بشيء من أمور الدنيا، وأما أن يتعظ ويتذكر الجنة والنار ويحدث نفسه في ذلك فهذا مقصود للشارع، وعلى هذا فالتحديث المنهي عنه هو كل ما لا يتعلق بأمر الصلاة، فإن تحدث في أمور الدنيا بشيء عارض ثم صرف نفسه في ذلك فإنه داخل في ثواب هذا الحديث والله أعلم؛ لأن الرسول قال: ( لا يحدث )، و (لا يحدث) فعل مضارع يفيد الاستمرار، فإن قطع وارده وهاجسه بشيء فلا حرج، والله أعلم.
وقوله: ( غفر له ما تقدم من ذنبه )، جاء في بعض رواية مسلم : ( ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء أو قال: فيسبغ الوضوء إلا غفر الله له ذلك ما لم تغش كبيرة )، وذهب عامة أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين إلى أن هذه الأعمال الصالحة تكفر الصغائر، وأما الكبائر فلا بد فيها من التوبة، هذا قول عامة أهل العلم، وقد ذكره الإمام أبو عمر بن عبد البر قال: ولولا أن يكون أحد قال ذلك وإلا فإن القول به جهل بين، قال الحافظ ابن رجب : وكأنه يريد الرد على ابن حزم ، والغريب أن ابن تيمية و ابن القيم نصروا قول ابن حزم ، والذي يظهر كما قال الحافظ ابن رجب أن قوله: (ما لم تغش كبيرة)، وقوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، دليل على أن الكبائر لا تكفر إلا بالتوبة، أو تحت المشيئة كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ومما يدل على هذا وجود النص ( ما لم تغش كبيرة ) فهو دليل على أن الكبيرة لا بد فيها من التوبة، ولكن يمكن ألا يعذب المرء بفعل الكبيرة ولو لم يتب وذلك بالموازنة، فلو أن عنده أعمالاً صالحة مثلاً عشرة وعنده كبيرة، فيقال: ذنب الكبيرة مقداره كذا، فيحذف من الحسنات بمقدارها ولا يثاب على الحسنات، فهذا قد يقال به كما أشار إلى ذلك الإمام ابن رجب ، وهذا هو مقصود حديث البطاقة، والله أعلم، وعليه يدل قوله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]، فمعناه أن الإنسان إذا كان عنده كبائر فإنه يؤخذ من حسناته بمقدارها، ومما يدل على ذلك حديث: (... فيأتي وقد شتم هذا وأكل مال هذا )، وكل هذه كبائر، ( فيؤخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته )، هذا من باب الموازنة، ( فإذا فنيت حسناته أخذ من سيئات هؤلاء فوضعت عليه فطرح في النار ) والعياذ بالله، وهذا هو الراجح.
ومما يدل الحديث عليه: حرص الصحابة رضي الله عنهم على تعليم الناس العلم، وحرصهم على تعليم أمور دينهم العامة المهمة، وهذا هو العالم الرباني الذي يعلم صغار العلم قبل كباره كما قال تعالى: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79]، وهذا الحديث -كما قلنا- أصل في صفة الوضوء.
الاستعانة في الوضوء
الاستعانة بمعنى أن يستعين بشخص يأتي بالماء ويصب له، وهذا جائز وموجود في السنة، كما جاء في الصحيحين من حديث المغيرة قال: ( فأتيت إلى إداوة فصببت عليه ) الحديث.
النوع الثاني: أن يستعين بشخص ليقوم بفعل الوضوء عنه، وهذا لا يشرع ولا يستحب، بل هو بدعة إذا قصد بها التكبر أو غيره، ولكنه يجوز إذا كان الإنسان مريضاً محتاجاً إلى ذلك فأحب أن يعينه قريبه في ذلك فلا حرج والله أعلم.
غسل الكفين قبل الوضوء
ومعنى الغسل هو إمرار الماء على الكفين، وأما أن يغسل الكف من غير إمرار الأخرى فهذا واجب؛ لأن غسل اليد لا بد أن يكون من الأصابع إلى المرفق، والله أعلم.
الزيادة في الوضوء على ثلاث
صفة المضمضة والاستنشاق وحكمهما
واعلم أن السنة في المضمضة والاستنشاق -كما سوف يأتي- هو أن يأخذ من غرفة واحدة فيجعل بعضها في فمه وبعضها في أنفه، وأما الفصل كما يفعله العوام فهذا ليس من السنة، وأما ما جاء في حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده (أن النبي صلى الله عليه وسلم فصل بين المضمضة والاستنشاق)، فإن هذا الحديث منكر، يقول يحيى بن معين : لم يعرف طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده إلا في هذا الحديث، والله أعلم.
واستدل بهذا الحديث على وجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء وكذا الجنابة؛ لأنه إذا وجب في الوضوء فالجنابة من باب أولى؛ لأنه إذا وجب في الصغير فالكبير من باب أولى، كما أشار إلى ذلك الحفاظ والعلماء كما ذكر ذلك الإمام ابن رجب في كتاب القواعد رحمة الله تعالى على الجميع، وهذا هو مذهب الحنابلة: أن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الوضوء والغسل، وهذا هو قول ابن عباس ، فقد روى ابن المنذر بسند صحيح أن رجلاً سأل ابن عباس أنه أجنب فاغتسل ولم يتمضمض فقال: تمضمض الآن، فهذا يدل على وجوب المضمضة، ويدل على عدم اشتراط الموالاة بينهما في الغسل كما هو مذهب عامة أهل العلم، والله تبارك وتعالى أعلم.
واستدل الحنابلة على ذلك بما جاء عند أبي داود والإمام أحمد وغيرهما من حديث لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا توضأت فمضمض ) وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه ولا في حديث واحد أنه ترك المضمضة والاستنشاق، فهذه المداومة بيان لمطلق الأمر في القرآن، فيكون في حكم الوجوب والله أعلم، هذا مذهب الحنابلة، والمروي عن ابن عباس رضي الله عنه، وهو قول إسحاق و الزهري وغيرهما.
والقول الثاني في المسألة: مذهب مالك و الشافعي على أن المضمضة والاستنشاق مستحبتان في الوضوء والاغتسال، وقالوا: إنه لم يرد المضمضة والاستنشاق إلا من فعله عليه الصلاة والسلام، وإن القرآن لم يذكر فيه المضمضة والاستنشاق، وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء في صلاته: ( توضأ كما أمرك الله )، والله لم يأمره بالمضمضة والاستنشاق، ويمكن أن يجاب على هذا بأن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم قال: ( توضأ كما أمرك الله ) وما يأمره الله منه ما هو في القرآن، ومنه ما هو من السنة كما قال صلى الله عليه وسلم عند أبي داود : ( ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ).
والثاني: أن المضمضة والاستنشاق داخلان في الوجه، فكما أن المرء يجب عليه أن يغسل أواخر وجهه إلى أذنه؛ لأنه داخل في عموم الوجه، فكذلك يتمضمض ويستنشق لأنه داخل في عموم الوجه، وأما قولهم: أنه لم يرد، فهذا إنما قالوا ذلك على حسب ما بلغهم علمهم، وإلا فإن الحديث ثابت أن المضمضة مأمورة بها في الوضوء.
القول الثالث في المسألة: أن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الغسل لا في الوضوء، واستدلوا بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن تحت كل شعرة جنابة؛ ألا فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة )، وهذا الحديث منكر لا يصح، ضعفه جمع كثير من أهل العلم في كـالدارقطني وغيره و أبي داود وغيره، وروي عن علي رضي الله عنه نحوه، ولا يصح أيضاً.
والقول الرابع: أن الاستنشاق واجب، وأن المضمضة مستحبة، وهذا رواية عند الإمام أحمد قالوا: لأن الأحاديث التي جاءت في الأمر بالاستنشاق آكد وأكثر من أحاديث المضمضة فإن أحاديث المضمضة لا تخلو من ضعف، وأما الاستنشاق فقد جاء الأمر بها كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم لينتثر )، وهذا هو الاستنشاق والاستنثار، وبعضهم تكلم: يلزم من ذلك الاستنثار، ولا داعي للدخول في التفاصيل؛ لأن المقصد هو ذكر المسألة.
إذا عرفت هذا فاعلم أنه لا يعرف القول عند الأئمة أن المضمضة والاستنشاق واجبة في الوضوء دون الغسل، وإنما ذكرت هذا لأن بعض الفضلاء المعاصرين يقول بها، وهذا قول محدث لا يعرف عند المتقدمين، ولا يعرف هذا القول عند العلماء الذين ذكروا الخلاف في المسائل.
والراجح هو مذهب الحنابلة أن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الغسل والوضوء، والدليل على ذلك أن الأمر بالمضمضة ثابت، والاستنشاق ثابت، وإذا ثبت في الوضوء فالغسل من باب أولى، وهو قول ابن عباس ولا يعرف عن الصحابة بإسناد صحيح خلاف قول ابن عباس عندما أمر الرجل الذي سأله أن يتمضمض، والله أعلم.
الشيخ: هذا الحديث كما قال المؤلف: (متفق عليه) يرويه البخاري و مسلم وله ألفاظ متعددة، وفي آخر هذا الحديث كما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين )، وفي رواية: ( ثم قام فصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه إلا غفر له ما تقدم من ذنبه )، زاد مسلم : قال الزهري : وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة.
اعلم أن هذا الحديث عمدة في باب الوضوء، ولأجل هذا ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله، ولعل ذكر الحافظ له مع أن بعض ألفاظ الحديث لم تذكر فيه إلا لأنه ذكر فيها الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، والثواب الوارد فيه، فذكره وإلا فإن في حديث علي مسائل أكثر من مسائل حديث عثمان ، وقال عنه الترمذي كما سوف يأتي: إنه أحسن شيء في الباب وأصح، إلا أن الحافظ ابن حجر ذكر هذا لاشتماله على أمرين: الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، والثاني: الثواب في الركعتين التي بعده.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ( ثم مضمض ) المضمضة: هي إدارة الماء في الفم، كذا قال أكثر علماء اللغة، وهل يشترط مجه أم لو أنه ابتلعه يكفي؟ جمهور أهل العلم قالوا: إن المقصود إدخال الماء في الفم، والأفضل الإدارة، والأفضل المج، فإن أدخل الماء في فمه، ولم يدره، أو لم يمجه فإن وضوءه صحيح والله أعلم؛ لدخوله في أصل المضمضة وإن لم يدخل في المضمضة المطلقة، ولكنه دخل أصل المضمضة؛ لأننا نقول نحن: ثمة فرق بين مطلق الشيء والشيء المطلق، فالشيء المطلق هو الكامل، ومطلق الشيء هو وجود شيء منه، والله أعلم.
وقد ذكر الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار أنه لا بد من مجه، وهذا يحتاج إلى دليل، والله أعلم.
قوله: (واستنشق)، الاستنشاق: هو جذب الماء إلى داخل الأنف عن طريق التنفس، وأما الاستنثار: فهو إخراج الماء من الأنف، ولم يرد ذكر عدد المضمضة والاستنشاق في حديث عمران ، وإنما جاء ذلك عند أبي داود من طريقين، وإن كان بعضهم يتكلم فيها، وجاء من حديث أبي هريرة ، ومن حديث علي قال: (ثم تمضمض واستنشق من كف واحدة فعل ذلك ثلاثاً)، هذا حديث علي، ومثله حديث عبد الله بن زيد رضي الله عن الجميع.
قال: (ثم غسل وجهه) الوجه من الوجاهة، وهو ما يستقبل به المقابل، والوجه في الوضوء الواجب من منابت شعر الرأس المعتاد إلى اللحية والذقن طولاً ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، وعلى هذا فكل ما كان من الوجه فإنه يدخل، وهل يدخل البياض الذي يكون هنا؟ بعضهم قال: لا يدخل؛ لأنه ليس في مقابل الوجه، والذي يظهر والله أعلم أن البياض المعتاد الذي ليس فيه شعر فإنه داخل في الوضوء، والله أعلم.
وأما قوله: (لا يحدث فيهما نفسه) المراد لا يحدث نفسه بشيء من أمور الدنيا، وأما أن يتعظ ويتذكر الجنة والنار ويحدث نفسه في ذلك فهذا مقصود للشارع، وعلى هذا فالتحديث المنهي عنه هو كل ما لا يتعلق بأمر الصلاة، فإن تحدث في أمور الدنيا بشيء عارض ثم صرف نفسه في ذلك فإنه داخل في ثواب هذا الحديث والله أعلم؛ لأن الرسول قال: ( لا يحدث )، و (لا يحدث) فعل مضارع يفيد الاستمرار، فإن قطع وارده وهاجسه بشيء فلا حرج، والله أعلم.
وقوله: ( غفر له ما تقدم من ذنبه )، جاء في بعض رواية مسلم : ( ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء أو قال: فيسبغ الوضوء إلا غفر الله له ذلك ما لم تغش كبيرة )، وذهب عامة أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين إلى أن هذه الأعمال الصالحة تكفر الصغائر، وأما الكبائر فلا بد فيها من التوبة، هذا قول عامة أهل العلم، وقد ذكره الإمام أبو عمر بن عبد البر قال: ولولا أن يكون أحد قال ذلك وإلا فإن القول به جهل بين، قال الحافظ ابن رجب : وكأنه يريد الرد على ابن حزم ، والغريب أن ابن تيمية و ابن القيم نصروا قول ابن حزم ، والذي يظهر كما قال الحافظ ابن رجب أن قوله: (ما لم تغش كبيرة)، وقوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، دليل على أن الكبائر لا تكفر إلا بالتوبة، أو تحت المشيئة كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ومما يدل على هذا وجود النص ( ما لم تغش كبيرة ) فهو دليل على أن الكبيرة لا بد فيها من التوبة، ولكن يمكن ألا يعذب المرء بفعل الكبيرة ولو لم يتب وذلك بالموازنة، فلو أن عنده أعمالاً صالحة مثلاً عشرة وعنده كبيرة، فيقال: ذنب الكبيرة مقداره كذا، فيحذف من الحسنات بمقدارها ولا يثاب على الحسنات، فهذا قد يقال به كما أشار إلى ذلك الإمام ابن رجب ، وهذا هو مقصود حديث البطاقة، والله أعلم، وعليه يدل قوله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]، فمعناه أن الإنسان إذا كان عنده كبائر فإنه يؤخذ من حسناته بمقدارها، ومما يدل على ذلك حديث: (... فيأتي وقد شتم هذا وأكل مال هذا )، وكل هذه كبائر، ( فيؤخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته )، هذا من باب الموازنة، ( فإذا فنيت حسناته أخذ من سيئات هؤلاء فوضعت عليه فطرح في النار ) والعياذ بالله، وهذا هو الراجح.
ومما يدل الحديث عليه: حرص الصحابة رضي الله عنهم على تعليم الناس العلم، وحرصهم على تعليم أمور دينهم العامة المهمة، وهذا هو العالم الرباني الذي يعلم صغار العلم قبل كباره كما قال تعالى: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79]، وهذا الحديث -كما قلنا- أصل في صفة الوضوء.
ويستفاد من هذا الحديث: جواز الاستعانة في الوضوء، والاستعانة تنقسم إلى قسمين:
الاستعانة بمعنى أن يستعين بشخص يأتي بالماء ويصب له، وهذا جائز وموجود في السنة، كما جاء في الصحيحين من حديث المغيرة قال: ( فأتيت إلى إداوة فصببت عليه ) الحديث.
النوع الثاني: أن يستعين بشخص ليقوم بفعل الوضوء عنه، وهذا لا يشرع ولا يستحب، بل هو بدعة إذا قصد بها التكبر أو غيره، ولكنه يجوز إذا كان الإنسان مريضاً محتاجاً إلى ذلك فأحب أن يعينه قريبه في ذلك فلا حرج والله أعلم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [21] | 2514 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [8] | 2426 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [24] | 2327 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [14] | 2131 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [22] | 2117 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [15] | 2098 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [4] | 2093 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [26] | 2034 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [23] | 2023 استماع |
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [16] | 1825 استماع |