أرشيف المقالات

أهمية الدعوة إلى الله ومضامينها التربوية

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
أهمية الدعوة إلى الله ومضامينها التربوية
 
قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].
 
قال ابن كثير رحمه الله: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾؛ أي: دعا عباد الله إليـه، ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾؛ أي: هو في نفسه مهتدٍ بما يقوله، فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعدٍّ، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، وينهون عن المنكر ويأتونه؛ بل يأتمر بالخير، ويترك الشر، ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى، وهذه عامة في كل من دعا إلى خير وهو في نفسه مهتدٍ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك[1].
 
المضامين التربوية:
يُوجِّه الله تعالى عباده إلى إحسان القول مطلقًا، وأحسن ما يقوله الإنسان أن يدعو إلى الله تعالى وحده لا شريك له، ويطبق ذلك في نفسه قولًا وفعلًا، فتلك مهمة جليلة؛ تلكم هي مهمة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36].
 
ويجب على من يتولَّى الدعوة إلى الله تعالى أن يكون صالحًا في نفسه وجميع تصرُّفاته وسلوكه يشهد له بذلك؛ فالإسلام بتوجيهاته السامية يحضُّ على هذا ويُؤكِّده، وقد أخبر الله عز وجل عن نبيِّه شعيب عليه السلام بقوله: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88].
 
والهدف من ذلك واضح وجليٌّ، وهو حتى تكون الدعوة إلى الله تعالى ذات تأثير أبلغ، وقبول أسرع، فالذي يدعو وهو لا يستجيب لما يقوله ولا يتبعه فأنَّى يُستجاب له؟! لأن الناس بطبعهم يتأثرون ويستجيبون لمن يوافق فعلُه قولَه، والعكس صحيح.
 
ومن المضامين التي تتضمنها الآية الكريمة، ما يلي:
أولًا: أهمية الدعوة إلى الله تعالى، وأنها من أفضل وأجلِّ أعمال الإنسان التي يتقرَّب بها إلى الله تعالى، ولا يخفى على الجميع ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر: ((فو الله لأن يُهدَى بكَ رجلٌ واحدٌ خيرٌ لكَ من حُمْر النَّعَم))[2].
 
وقال الشيخ سليمان بن عبدالله رحمه الله في شرح كتاب التوحيد: "أي: خيرٌ لك من الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، قيل: المراد: خيرٌ من أن تكون لك فتَتَصدَّق بها، وقيل: تقتنيها وتملكها، قلت: هذا هو الأظهر، والأولُ لا دليلَ عليه؛ أي: إنكم تحبُّون متاع الدنيا، وهذا خيرٌ منه"[3].
 
وقال النووي رحمه الله: "وتشبيه أمور الآخرة بأمور الدنيا إنما هو للتقريب إلى الأفهام، وإلا فذَرَّةٌ من الآخرة خيرٌ من الأرض بأسرها وأمثالها معها، وفيه فضيلة الدعوة إلى الله، وفضيلة من اهتدى على يديه رجلٌ واحدٌ"[4].
 
وعلى المربِّين والمرشدين والوعَّاظ والمصلحين توجيه الناس بأهمية الدعوة إلى الله تعالى وبيان أثرها في حياة الناس وخصوصًا هذه الأيام التي فيها المسلمون أشدُّ حاجة إلى الدعوة؛ لكثرة المؤثِّرات السلبية التي تبثُّها وسائل الاتصال المختلفة؛ ومن أبرزها الإنترنت والهواتف الذكية المحمولة، وكذلك ما تبثُّه الكثير من القنوات الفضائية.
 
كما أنه من الأفضل عقد الاجتماعات والندوات المتوالية؛ لبيان خطر هذه المؤثِّرات الوافدة على السلوك والقيم والعادات والتقاليد، والعمل سريعًا بالتخطيط الجيد؛ لوضع ضوابط للبرامج التي تبثُّها القنوات العربية والإسلامية، والتوجيه بإنشاء قنوات فضائية ذات صبغة إسلامية متميِّزة، وأيضًا العمل على إعداد مواقع إسلامية في كافة التخصصات على شبكة الإنترنت لمواجهة المواقع المنحرفة والضالَّة.
 
ثانيًا: إن الكثير من الشعوب الغربية في ذهنها صورة مشوَّهة عن الإسلام والمسلمين؛ مما يتطلَّب من المهتمين بأمر الإسلام والمسلمين - سواء كانوا مؤسسات حكومية أو أهلية أو أفرادًا - العناية التامَّة بأمور الدعوة أيما اهتمام، والعمل على توفير كل الإمكانات البشرية والمادية لذلك.
 
ومن باب التعاون على البر والتقوى والدلالة على الخير، فيجب على المسلمين عمومًا أن يُقدِّموا الدعم المادي والمعنوي للجهات الخيرية الموثوق فيها، حتى تقوم بتأدية رسالتها الدعوية خدمة للإسلام والمسلمين.
 
ثالثًا: لا تقتصر الدعوة فقط على العلماء وطلاب العلم، فأُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم أُمَّة دعوة ورسالة؛ قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110].
 
فكُلٌّ بحسب ما أُوتي من العلم يدعو إلى الله تعالى، وهذا يُصدِّقه الحديث الشريف عن عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بلِّغُوا عني ولو آيةً، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأ مقعَدَه من النار))[5].
 
وقال ابن حجر رحمه الله على الشاهد ((بلِّغُوا عني ولو آية))؛ أي: ليُسارع كلُّ سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي ولو قلَّ؛ ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم[6].
 
رابعًا: ترك وهجر الأقوال الفاسدة والفاحشة والخبيثة التي تُصدِّع حياة الأفراد والجماعات، وتُزلزل وَحدة الأُمَّة، سواء قلَّت تلك الأقوال أو كثُرت، فهي ممقوتة ومبغوضة، والتوجيهات الشرعية من القرآن والسنة كثيرة جدًّا في هذا الصدد؛ منها قوله تعـالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 70]، وفي الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها، "أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليك، قال: ((وعليكم))، فقالت عائشة: السام عليكم، ولعنكم الله، وغضب عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مهلًا يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف أو الفحش))، قالت: أولم تسمع ما قالوا، قال: ((أولم تسمعي ما قلت، رددت عليهم فيُستجاب لي فيهم، ولا يُستجاب لهم فيَّ))"[7].
 
خامسًا: من الوسائل التي ينبغي للداعية إلى الله تعالى التسلُّح بها الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن؛ قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين ﴾ [النحل: 125]، وكذلك الدعـوة على بصيرة؛ قـال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].


وقال السعدي رحمه الله في تفسيره للبصيرة "أنها تتضمن: العلم بالحق والعمل به، وإيثاره وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له"[8].
 
أسأل الله أن يهدينا ويُسدِّدنا في القول والعمل، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



[1] ابن كثير؛ تفسير القرآن العظيم، ج4، ص 102،101.


[2] البخاري؛ صحيح البخاري، باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة، وألَّا يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله، حديث 2942، ج10، 436.


[3] سليمان آل الشيخ؛ تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد؛ للشيخ محمد بن عبدالوهاب، ص 111.


[4] النووي؛ شرح صحيح مسلم، ج15، ص 178.


[5] البخاري؛ صحيح البخاري، باب: ما ذكر عن بنى إسرائيل، حديث رقم 3461، ج12، ص 174.


[6] ابن حجر؛ فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج6، ص 498.


[7] البخاري؛ صحيح البخاري، باب: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحِّشًا، حديث رقم 6038، ج20، ص 152.


[8] السعدي؛ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 406.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١