كتاب الطهارة [29]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [ الباب الرابع في صفة هذه الطهارة ]، يعني: كيفية الطهارة بالتيمم.

أقوال العلماء في حد مسح اليدين في التيمم

[ وأما صفة هذه الطهارة فيتعلق بها ثلاث مسائل هي قواعد هذا الباب:

المسألة الأولى: اختلف الفقهاء في حد الأيدي التي أمر الله بمسحها في التيمم في قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ[المائدة:6]، على أربعة أقوال:

القول الأول: أن الحد الواجب في ذلك هو الحد الواجب بعينه في الوضوء، وهو إلى المرافق، وهو مشهور المذهب ] يعني مذهب مالك [ وبه قال فقهاء الأمصار ]، ومنهم: الشافعي .

[ والقول الثاني: أن الفرض هو مسح الكف فقط، وبه قال أهل الظاهر وأهل الحديث ]، ومنهم أحمد .

[ والقول الثالث: الاستحباب إلى المرفقين، والفرض الكفان، وهو مروي عن مالك .

والقول الرابع: أن الفرض إلى المناكب، وهو شاذ روي عن الزهري و محمد بن مسلمة ].

إذاً الأقوال أربعة.

أسباب الخلاف في حد مسح اليدين في طهارة التيمم

قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: اشتراك اسم اليد في لسان العرب، وذلك أن اليد في كلام العرب يقال على ثلاثة معان: على الكف فقط، وهو أظهرها استعمالاً، ويقال على الكف والذراع، ويقال على الكف والساعد والعضد ]. وهذا يعني اشتراك اسم اليد بين هذه المعاني كلها، وهي قد أطلقت هنا.

[ والسبب الثاني: اختلاف الآثار في ذلك ]، فالآثار منها ما قالت: إلى الكفين، ومنها ما قالت: إلى المرافق.

[ وذلك أن حديث عمار المشهور، فيه من طرقه الثابتة.. ] يعني في الصحيحين [ ( إنما يكفيك أن تضرب بيدك، ثم تنفخ فيها، ثم تمسح بها وجهك وكفيك ). وورد في بعض طرقه أنه قال له عليه الصلاة والسلام: ( وأن تمسح بيديك إلى المرفقين ) ]، ولكن هذه الطريق ضعيفة.

[ وروي أيضاً عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين ) ]، وهو حديث فيه ضعف.

[ وروي أيضاً من طريق ابن عباس ]، وهو كذلك ضعيف، وقد صححه الألباني في صحيح أبي داود ، [ ومن طريق غيره ]، والطرق التي وردت عن غيره جاءت من حديث جابر و أبي أمامة و عائشة و أبي هريرة و أبي جهيم .

وقد قال صاحب الهداية في تخريج أحاديث البداية: وكلها ضعيفة جداً لا تنهض إلى معارضة ما ثبت في حديث عمار المتفق عليه.

وكتاب الهداية للغماري كتاب جيد في تخريج أحاديث البداية.

[ فذهب الجمهور إلى ترجيح هذه الأحاديث على حديث عمار الثابت من جهة عضد القياس لها، أعني: من جهة قياس التيمم على الوضوء، وهو بعينه حملهم على أن عدلوا بلفظ اسم اليد عن الكف الذي هو فيه أظهر إلى الكف والساعد.

ومن زعم أنه ينطلق عليهما بالسواء.. ] يعني: ينطلق على الكف والساعد [ وأنه ليس في أحدهما أظهر منه في الثاني فقط أخطأ ] بل هو أظهر في الكف [ فإن اليد وإن كانت اسماً مشتركاً فهي في الكف حقيقة، وفيما فوق الكف مجاز، وليس كل اسم مشترك هو مجمل، وإنما المشترك المجمل الذي وضع من أول أمره مشتركاً ].

ومعنى كلامه: أن المشترك الذي وضع من أول أمره مشترك، أما إذا كان أولاً أطلق على شيء ثم أطلق ثانياً على شيء، فإن الأول يكون حقيقة، والثاني يكون مجازاً، فاليد أطلقت أولاً على الكف، ثم بعد ذلك أطلقها العرب على الساعد، فهي حقيقة في الكف، مجاز في الكف والساعد.

على كل حال، هكذا يقولون في الحقيقة والمجاز، ولكن شيخنا الشنقيطي يقول: عليهم أن يأتوا بالتاريخ أنهم أولاً أطلقوا هذا ثم أطلقوا هذا، ولو قلنا نحن كذلك: أنهم أولاً أطلقوا على الثاني ثم أطلقوا على الأول، لكنا وإياهم سواء؛ لأن الجميع من غير معرفة بالتاريخ.

[ وفي هذا قال الفقهاء: إنه لا يصح الاستدلال به؛ ولذلك ما نقول: إن الصواب هو أن يعتقد أن الفرض إنما هو الكفان فقط، وذلك أن اسم اليد لا يخلو من أن يكون في الكف أظهر منه في سائر الأجزاء، أو يكون دلالته على سائر أجزاء الذراع والعضد بالسواء، فإن كان أظهر فيجب المصير إلى الأخذ بالأثر الثابت ] وهو حديث عمار [ فأما أن يغلب القياس هاهنا على الأثر فلا معنى له ] أي: أن نغلب القياس على حديث عمار [ ولا أن ترجح به أيضاً أحاديث لم تثبت بعد ]، فإن هذه الأحاديث ترجح بالقياس ولو كانت ضعيفة، ومن قواعد علماء المصطلح أنه إذا كان الحديث ضعيفاً في طريقه وجاء القياس يعضده فإنا نقول: إن الحديث صحيح؛ لأن القياس يعضده، وهذه من طرق التصحيح.

[ فالقول في هذه المسألة بين من الكتاب والسنة فتأمله ]. أن هذا القول.

أي: أن الكتاب إذا أطلق اليد جاءت السنة فقيدته فعلاً وقولاً، فلما أطلقها في السرقة قيدتها السنة بالقطع من الكف، ولما أطلقها هنا في التيمم كذلك جاءت السنة فقيدتها بالكفين.

أما إذا أراد الشارع منها غير الكفين فإنه يقيده؛ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ[المائدة:6]، هذا معنى كلامه.

[ وأما من ذهب إلى الآباط فإنما ذهب إلى ذلك لأنه روي في بعض طرق حديث عمار أنه قال: ( تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب ) ]، وهو حديث صحيح، صححه الألباني ، وهذا الحديث قالوا عليه: إنه كان في أول نزول آية التيمم وأنهم تيمموا من غير سؤال، فهو اجتهاد منهم، ثم بين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إلى الكفين، وإذا كان أقرهم على ذلك في أول الأمر، فإنه منسوخ بالبيان الأخير، وهذا الحديث تكلم فيه، وإن صح فالكلام عليه من وجهين:

إما أنهم اجتهدوا أخطئوا فبين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أنه منسوخ بالبيان.

[ ومن ذهب إلى أن يحمل تلك الأحاديث على الندب، وحديث عمار على الوجوب فهو مذهب حسن، إذ كان الجمع أولى من الترجيح عند أهل الكلام الفقهي، إلا أن هذا إنما ينبغي أن يصار إليه إن صحت تلك الأحاديث ]، لكنها لم تصح.

الراجح في مسألة حد مسح اليدين في التيمم

الراجح ما رجحه المؤلف من أن التيمم إلى الكفين؛ بدليل الكتاب والسنة، فأما الكتاب فحيث أطلق الأيدي، فإنها تطلق على الكفين، وإذا أراد الشارع غير ذلك قيدها كما في آية الوضوء، أما السنة فإنها بينت بالفعل والقول أن مطلق الأيدي يطلق إلى الكفين.

ولذلك لما أطلقت الأيدي في آية السرقة بين الرسول صلى الله عليه وسلم بالفعل حد قطع يد السارق، من أنها تقطع من الرسغ، ولما أطلقت الأيدي في آية التيمم بين في حديث عمار بالقول أن التيمم إلى الكفين.

وقياس التيمم على الوضوء بالمسح إلى المرفقين يطلق عليه عند أهل أصول الفقه: بأنه فاسد الاعتبار؛ لأنه قياس في مقابلة النص حديث عمار .

[ وأما صفة هذه الطهارة فيتعلق بها ثلاث مسائل هي قواعد هذا الباب:

المسألة الأولى: اختلف الفقهاء في حد الأيدي التي أمر الله بمسحها في التيمم في قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ[المائدة:6]، على أربعة أقوال:

القول الأول: أن الحد الواجب في ذلك هو الحد الواجب بعينه في الوضوء، وهو إلى المرافق، وهو مشهور المذهب ] يعني مذهب مالك [ وبه قال فقهاء الأمصار ]، ومنهم: الشافعي .

[ والقول الثاني: أن الفرض هو مسح الكف فقط، وبه قال أهل الظاهر وأهل الحديث ]، ومنهم أحمد .

[ والقول الثالث: الاستحباب إلى المرفقين، والفرض الكفان، وهو مروي عن مالك .

والقول الرابع: أن الفرض إلى المناكب، وهو شاذ روي عن الزهري و محمد بن مسلمة ].

إذاً الأقوال أربعة.

قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: اشتراك اسم اليد في لسان العرب، وذلك أن اليد في كلام العرب يقال على ثلاثة معان: على الكف فقط، وهو أظهرها استعمالاً، ويقال على الكف والذراع، ويقال على الكف والساعد والعضد ]. وهذا يعني اشتراك اسم اليد بين هذه المعاني كلها، وهي قد أطلقت هنا.

[ والسبب الثاني: اختلاف الآثار في ذلك ]، فالآثار منها ما قالت: إلى الكفين، ومنها ما قالت: إلى المرافق.

[ وذلك أن حديث عمار المشهور، فيه من طرقه الثابتة.. ] يعني في الصحيحين [ ( إنما يكفيك أن تضرب بيدك، ثم تنفخ فيها، ثم تمسح بها وجهك وكفيك ). وورد في بعض طرقه أنه قال له عليه الصلاة والسلام: ( وأن تمسح بيديك إلى المرفقين ) ]، ولكن هذه الطريق ضعيفة.

[ وروي أيضاً عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين ) ]، وهو حديث فيه ضعف.

[ وروي أيضاً من طريق ابن عباس ]، وهو كذلك ضعيف، وقد صححه الألباني في صحيح أبي داود ، [ ومن طريق غيره ]، والطرق التي وردت عن غيره جاءت من حديث جابر و أبي أمامة و عائشة و أبي هريرة و أبي جهيم .

وقد قال صاحب الهداية في تخريج أحاديث البداية: وكلها ضعيفة جداً لا تنهض إلى معارضة ما ثبت في حديث عمار المتفق عليه.

وكتاب الهداية للغماري كتاب جيد في تخريج أحاديث البداية.

[ فذهب الجمهور إلى ترجيح هذه الأحاديث على حديث عمار الثابت من جهة عضد القياس لها، أعني: من جهة قياس التيمم على الوضوء، وهو بعينه حملهم على أن عدلوا بلفظ اسم اليد عن الكف الذي هو فيه أظهر إلى الكف والساعد.

ومن زعم أنه ينطلق عليهما بالسواء.. ] يعني: ينطلق على الكف والساعد [ وأنه ليس في أحدهما أظهر منه في الثاني فقط أخطأ ] بل هو أظهر في الكف [ فإن اليد وإن كانت اسماً مشتركاً فهي في الكف حقيقة، وفيما فوق الكف مجاز، وليس كل اسم مشترك هو مجمل، وإنما المشترك المجمل الذي وضع من أول أمره مشتركاً ].

ومعنى كلامه: أن المشترك الذي وضع من أول أمره مشترك، أما إذا كان أولاً أطلق على شيء ثم أطلق ثانياً على شيء، فإن الأول يكون حقيقة، والثاني يكون مجازاً، فاليد أطلقت أولاً على الكف، ثم بعد ذلك أطلقها العرب على الساعد، فهي حقيقة في الكف، مجاز في الكف والساعد.

على كل حال، هكذا يقولون في الحقيقة والمجاز، ولكن شيخنا الشنقيطي يقول: عليهم أن يأتوا بالتاريخ أنهم أولاً أطلقوا هذا ثم أطلقوا هذا، ولو قلنا نحن كذلك: أنهم أولاً أطلقوا على الثاني ثم أطلقوا على الأول، لكنا وإياهم سواء؛ لأن الجميع من غير معرفة بالتاريخ.

[ وفي هذا قال الفقهاء: إنه لا يصح الاستدلال به؛ ولذلك ما نقول: إن الصواب هو أن يعتقد أن الفرض إنما هو الكفان فقط، وذلك أن اسم اليد لا يخلو من أن يكون في الكف أظهر منه في سائر الأجزاء، أو يكون دلالته على سائر أجزاء الذراع والعضد بالسواء، فإن كان أظهر فيجب المصير إلى الأخذ بالأثر الثابت ] وهو حديث عمار [ فأما أن يغلب القياس هاهنا على الأثر فلا معنى له ] أي: أن نغلب القياس على حديث عمار [ ولا أن ترجح به أيضاً أحاديث لم تثبت بعد ]، فإن هذه الأحاديث ترجح بالقياس ولو كانت ضعيفة، ومن قواعد علماء المصطلح أنه إذا كان الحديث ضعيفاً في طريقه وجاء القياس يعضده فإنا نقول: إن الحديث صحيح؛ لأن القياس يعضده، وهذه من طرق التصحيح.

[ فالقول في هذه المسألة بين من الكتاب والسنة فتأمله ]. أن هذا القول.

أي: أن الكتاب إذا أطلق اليد جاءت السنة فقيدته فعلاً وقولاً، فلما أطلقها في السرقة قيدتها السنة بالقطع من الكف، ولما أطلقها هنا في التيمم كذلك جاءت السنة فقيدتها بالكفين.

أما إذا أراد الشارع منها غير الكفين فإنه يقيده؛ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ[المائدة:6]، هذا معنى كلامه.

[ وأما من ذهب إلى الآباط فإنما ذهب إلى ذلك لأنه روي في بعض طرق حديث عمار أنه قال: ( تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب ) ]، وهو حديث صحيح، صححه الألباني ، وهذا الحديث قالوا عليه: إنه كان في أول نزول آية التيمم وأنهم تيمموا من غير سؤال، فهو اجتهاد منهم، ثم بين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إلى الكفين، وإذا كان أقرهم على ذلك في أول الأمر، فإنه منسوخ بالبيان الأخير، وهذا الحديث تكلم فيه، وإن صح فالكلام عليه من وجهين:

إما أنهم اجتهدوا أخطئوا فبين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أنه منسوخ بالبيان.

[ ومن ذهب إلى أن يحمل تلك الأحاديث على الندب، وحديث عمار على الوجوب فهو مذهب حسن، إذ كان الجمع أولى من الترجيح عند أهل الكلام الفقهي، إلا أن هذا إنما ينبغي أن يصار إليه إن صحت تلك الأحاديث ]، لكنها لم تصح.