كتاب الزكاة [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد, وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد:

تعريف الزكاة: الزكاة اسم لما يخرجه الإنسان من حق الله تعالى إلى الفقراء.

وسميت بالزكاة لما يكون فيها من رجاء البركة، وتزكية النفس، وتنميتها بالخيرات, فإنها مأخوذة من الزكا، وهو النماء والطهارة والبركة، قال الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة, وقرنت بالصلاة في اثنتين وثمانين آية, وقد فرضها الله تعالى في كتابه وسنة رسوله, وإجماع الأمة.

روى الجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن, قال: إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله, وأني رسول الله, فإن هم أطاعوك لذلك, فأعلمهم أن الله عز وجل افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة, فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم, فإن هم أطاعوك لذلك, فإياك وكرائم أموالهم, واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).

وكانت فريضة الزكاة بمكة في أول الإسلام مطلقة لم يحدد فيها المال الذي تجب فيه، ولا مقدار ما ينفق منه، وإنما ترك ذلك لشعور المسلمين وكرمهم.

وفي السنة الثانية من الهجرة على المشهور فرض مقدارها من كل نوع من أنواع المال وثبتت، وبينت بياناً مفصلاً.

الترغيب في أداء الزكاة

الترغيب في أدائها: قال الله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا[التوبة:103]، أي: خذ أيها الرسول من أموال المؤمنين صدقة معينة، كالزكاة المفروضة، أو غير معينة وهي التطوع، (تطهرهم وتزكيهم بها)، أي: تطهرهم بها من دنس البخل والطمع والدناءة والقسوة على الفقراء والبائسين, وما يتصل بذلك من الرذائل, وتزكي أنفسهم بها، أي: تنميها وترفعها بالخيرات والبركات, وحتى تكون بها أهلاً للسعادة الدنيوية والأخروية.

وقال الله تعالى: إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ[الذاريات:15-19]، فجعل الله أخص صفات الأبرار الإحسان، وأن مظهر إحسانهم يتجلى في القيام من الليل، والاستغفار بالسحر تعبداً لله وتقرباً إليه، كما يتجلى في إعطاء الفقير حقه رحمة وحنواً عليه.

وقال الله تعالى: وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ [التوبة:71]، أي: إن الجماعة التي يباركها الله ويشملها برحمته هي الجماعة التي تؤمن بالله, ويتولى بعضها بعضاً بالنصر والحب, وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر, وتصل ما بينها وبين الله بالصلاة، وتقوي صلتها ببعضها بإيتاء الزكاة.

وقال الله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41]، فجعل الله إيتاء الزكاة غاية من غايات التمكين في الأرض.

ومما ورد من الترغيب في أداء الزكاة من السنة: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وحج البيت, وصوم رمضان ), رواه البخاري و مسلم .

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن, وصام رمضان, وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً, وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه )، رواه الطبراني وإسناده حسن.

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ( كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة, ويباعدني من النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه؛ تعبد الله لا تشرك به شيئاً, وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت ), رواه أحمد و الترمذي وإسناده صحيح.

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث أحلف عليهن لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له, وأسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة والصوم والزكاة, ولا يتولى الله عبداً في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة ), رواه أحمد بإسناد حسن.

وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: ( قال رجل: يا رسول الله! أرأيت إن أدى الرجل زكاة ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره ), رواه الطبراني في الأوسط، و ابن خزيمة في صحيحه، و الحاكم وإسناده حسن، ورواه الحاكم بقوله: ( إذا أديت زكاة مالك فقد ذهب عنك شره ), وقال: صحيح على شرط مسلم .

وعن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( داووا مرضاكم بالصدقة )، رواه أبو داود في المراسيل ورواه الطبراني و البيهقي وغيرهما عن جماعة من الصحابة مرفوعاً متصلاً، والمرسل أشبه، وإسناده حسن.

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة, وحجوا، واعتمروا, واستقيموا يستقم بكم ), رواه الطبراني وإسناده حسن.

وعن أبي أيوب رضي الله عنه، ( أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل يدخلني الجنة؟ قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم ), رواه البخاري و مسلم .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، ( أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة, وتؤتي الزكاة المفروضة, وتصوم رمضان، قال: والذي نفسي بيده! لا أزيد على هذا ولا أنقص منه, فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ), رواه البخاري و مسلم.

وعن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه قال: ( جاء رجل من قضاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت رمضان وقمته, وآتيت الزكاة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء ), رواه البزار و ابن خزيمة بإسناد حسن.

وعن عبد الله بن معاوية الْغَاضِرِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وعلم أن لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه, رافدة عليه كل عام )، قوله: (رافدة عليه)، من الرفد, وهو الإعانة, ومعناه: أنه يعطي الزكاة ونفسه تعينه على أدائها بطيبها، وعدم حديثها له بالمن, ( رافدة عليه كل عام، ولم يعط الهرمة، ولا الدرنة, ولا المريضة, ولا شرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم, فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره ), ومعنى (ولا الشرط) -بفتح الشين المعجمة والراء- هي الرذيلة من المال, و(الدرنة), هي الجرباء, والحديث رواه أبو داود وإسناده صحيح.

وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: ( بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم ), رواه البخاري و مسلم وغيرهما.

وعن زر بن حبيش أن ابن عباس رضي الله عنه كان عنده غلام يقرأ في المصحف، وعنده أصحابه، فجاء رجل يقال له: حضرمة ، فقال: يا أبا عبد الرحمن ! أي درجات الإسلام أفضل؟ قال: الصلاة، ثم أي؟ قال: الزكاة. رواه الطبراني بإسناد لا بأس به، أو قال: بإسناد صحيح.

الترهيب من منع الزكاة

الترهيب من منع الزكاة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها, إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم, فيكوى بها جنبه وجبينه, وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة), هذا قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة, وأهل النار النار, (حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة, وإما إلى النار, قيل: يا رسول الله! فالإبل؟ قال: ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقرٍ)، يعني واسع، (أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلاً واحداً, تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها, كلما مر عليه أولها رد عليه آخرها, في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة, حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار, قيل: يا رسول الله! فالبقر والغنم؟ قال: ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقرٍ أوفر ما كانت لا يفقد منها شيئاً, ليس فيها قعصاء)، أي: ملتوية القرن, (ولا جلحاء), أي: لا قرن لها، (ولا عضباء)، أي: مكسورة القرن، (تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها, كلما مر عليه أولها رد عليه آخرها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد, فيرى سبيله إما إلى الجنة, وإما إلى النار, قال: يا رسول الله! فالخيل؟ قال: الخيل ثلاثة, هي لرجل وزر, ولرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأما التي هي له وزر فرجل ربطها رياءً وفخراً ونواءً لأهل الإسلام، فهي له وزر, وأما التي هي له ستر, فرجل ربطها في سبيل الله لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها, فهي له ستر, وأما التي هي له أجر, فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج ٍأو روضة, فما أكلت من ذلك المرج, أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات, وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات, ولا تقطع طولها), يعني: الحبل المربوطة به, (فاستنت شرفاً أو شرفين إلا كتب له عدد آثارها وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه، ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد ما شربت من حسنات, قيل: يا رسول الله! فالحمر؟ قال: ما أنزل علي في الحمر إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه [الزلزلة:7]، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه [الزلزلة:8]).

هذا الحديث حديث صحيح رواه البخاري و مسلم .

وفي رواية للنسائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جاء يوم القيامة شجاعاً من نارٍ (يعني ثعبان) فيكوى به جبهته وجنبه وظهره, في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس)، وسنده صحيح.

وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاعٍ قررٍ تستن عليه بقوائمها وأخفافها, ولا صاحب بقرٍ لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر مما كانت, وقعد لها بقاع قرقر, تنطحه بقرونها, وتطؤه بقوائمها, ولا صاحب غنم لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاعٍ قرقرٍ تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، ليس فيها جماء ولا مكسور قرنها, ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه, إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعاً أقرع), الشجاع الثعبان، والأقرع الذي قد ذهب رأسه من كثرة السم, (يتبعه فاتحاً فاه, فإذا أتاه فر منه، فيناديه: خذ كنزك الذي خبأته فأنا عنه غني, فإذا رأى أنه لا بد له منه, سلك يده في فيه فيعظه قضب الفحل), رواه الإمام مسلم .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع, حتى يطوق به عنقه، (أي: يكون على عنقه)، ثم قرأ علينا النبي صلى الله عليه وسلم مصداق قوله من كتاب الله: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ[آل عمران:180] )، الآية ، رواه ابن ماجه واللفط له, و النسائي بإسناد صحيح.

وعن مسروق قال: قال عبد الله : ( آكل الربا وموكله وشاهده إذا علمه, والواشمة والمستوشمة, ولاوي الصدقة, والمرتد أعرابياً بعد الهجرة، ملعون على لسان محمد يوم القيامة ). رواه ابن خزيمة في صحيحه بإسناد حسن, ومعنى (لاوي الصدقة) هو المماطل بها, الممتنع من أدائها.

وروى الأصبهاني عن علي رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله, وشاهده، وكاتبه, والواشمة، والمستوشمة, ومانع الصدقة، والمحلل، والمحلل له), وإسناده حسن.

وعن ثوبان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك بعده كنزاً مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يتبعه فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذي خلفت، فلا يزال يتبعه يلقمه يده فيقضمها، ثم يتبعه سائر جسده)، رواه البزار بإسناد صحيح.

وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يخيل إليه ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان، قال: فيلزمه أو يطوقه, يقول: أنا كنزك)، رواه النسائي بإسناد صحيح, ومعنى (له زبيبتان) هما الزبدتان في الشدقين, وقيل: هما نكتتان سوداوان فوق عينيه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (من آتاه الله مالاً ولم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان, يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه -يعني بشدقيه- ثم يقول: أنا مالك! أنا كنزك! ثم تلا هذه الآية: ((وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ٌ))) [آل عمران:180] الآية, رواه البخاري و مسلم و النسائي .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مانع الزكاة يوم القيامة في النار), رواه الطبراني بإسناد حسن.

وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين), رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.

و الحاكم و البيهقي في حديث إلا أنهما قالا: (ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر)، (وهو تفسير لقوله: ابتلاهم الله بالسنين، قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم .

وروى ابن ماجه و البزار و البيهقي من حديث ابن عمر واللفط للبيهقي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر المهاجرين! خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم، وأعوذ بالله أن تدركوهن؛ لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها, إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم, ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان, ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء, ولولا البهائم لم يمطروا, ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم, ومالم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم), رواه البيهقي وإسناده صحيح.

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (خمس بخمس, قيل: يا رسول الله! ما خمس بخمس؟ قال: ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم, وما حكموا بغير ما أنزل الله, إلا فشا فيهم الفقر, ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت, ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر, ولا طففوا المكيال, إلا حبس عنهم النبات وأخذوا بالسنين), رواه الطبراني في الكبير, وإسناده حسن.

وعن عبد الله بن مسعود قال: لا يكوى رجل بكنز فيمس درهم درهماً ولا دينارٌ ديناراً, يوسع جلده حتى يوضع كل ذي دينار ودرهم على حدة. رواه الطبراني موقوفاً بإسناد صحيح.

وعن الأحنف بن قيس قال: ( جلست إلى ملأ من قريش، فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة, حتى قام عليهم فسلم, ثم قال: بشر الكانزين برضفٍ يحمى عليه في نار جهنم- يعني: حجارة- ثم يوضع في حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نضغ كتفه-أي: أعلى كتفه- ويوضع على نضغ كتفه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل، ثم ولى وجلس إلى ساريه, وتبعته, وجلست إليه, وأنا لا أدري من هو، فقلت: لا أرى القوم إلا قد كرهوا الذي قلت, قال: إنهم لا يعقلون شيئاً، قال لي خليلي، قلت: من خليلك؟ قال: النبي صلى الله عليه وسلم، يا أبا ذر ! أتبصر أحداً؟ قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار, وأنا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرسلني في حاجة، قلت: نعم، قال: ما أحب أن لي مثل أحد ذهباً أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير, وإن هؤلاء لا يعقلون، وإنما يجمعون الدنيا, لا، والله! لا أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين, حتى ألقى الله عز وجل), رواه البخاري و مسلم .

وفي رواية لـمسلم أنه قال: (بشر الكانزين بكي في ظهورهم يخرج من جنوبهم، وبكي من قبل أقفائهم يخرج من جباههم, ثم تنحى فقعد، قال: فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذر ، قال: فقمت عليه, فقلت: ما شيء سمعته تقول قبيل؟ قال: ما قلت إلا شيئاً قد سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: ما تقول في هذا العطاء؟ (يعني الذي يعطوه الملوك)، قال: خذه، فإن فيه اليوم معونة, فإذا كان ثمناً لدينك فدعه ), أي: إذا كانوا يعطونك؛ لتقوم لنصرهم في الباطل, فدعه, وهذه رواية مسلم .

فهذه الأحاديث في الترغيب والترهيب من كتاب صحيح الترغيب والترهيب للحافظ المنذري ، وهو كتاب جليل, وله مقدمة طيبة في مصطلح الحديث, للشيخ ناصر الدين الألباني ، وهو كتاب جيد.

سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.