خطب ومحاضرات
كتاب الصلاة [33]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد, وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد:
قال المصنف رحمه الله: [ الباب التاسع في سجود القرآن: والكلام في هذا الباب ينحصر في خمسة فصول: في حكم السجود، وفي عدد السجدات التي هي عزائم - أعني: التي يسجد لها - وفي الأوقات التي يسجد لها، وعلى من يجب السجود، وفي صفة السجود.
حكم سجود التلاوة
فأما حكم سجود التلاوة: فإن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: هو واجب، وقال مالك و الشافعي ]. وكذلك هو قول أحمد
[ هو مسنون وليس بواجب. وسبب الخلاف: اختلافهم في مفهوم الأوامر بالسجود، والأخبار التي معناها معنى الأوامر بالسجود، مثل قوله تعالى: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا[مريم:58], هل هي محمولة على الوجوب، أو على الندب، فـأبو حنيفة حملها على ظاهرها من الوجوب، و مالك و الشافعي اتبعا في مفهومهما الصحابة إذ كانوا هم أقعد بفهمهم الأوامر الشرعية ].
المعنى أن: مالكاً و الشافعي قالا: أن الصحابة لم يفهموا منها الوجوب, فنحن نتبع الصحابة.
ثم قال: [ وذلك أنه لما ثبت: أن عمر بن الخطاب قرأ السجدة يوم الجمعة، فنزل وسجد، وسجد الناس معه، فلما كان يوم الجمعة الثانية وقرأها وتهيأ الناس للسجود فقال: على رسلكم إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء، قالوا: وهذا بمحضر الصحابة، فلم ينقل عن أحد منهم خلاف، وهم أفهم بمغزى الشرع، وهذا إنما يحتج به من يرى قول الصحابي -إذا لم يكن له مخالف- حجة ] وهو كذلك.
قال: [وقد احتج أصحاب الشافعي في ذلك بحديث زيد بن ثابت أنه قال: ( كنت أقرأ القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأت سورة الحج فلم يسجد ولم نسجد )].
والحديث أخرجه البخاري و مسلم .
[ وكذلك أيضاً يحتج لهؤلاء بما روي عنه صلى الله عليه وسلم: أنه لم يسجد في المفصل ].
وهو حديث أخرجه أبو داود وفيه ضعف.
[ وبما روي: أنه سجد فيها ].
وهو كذلك حديث أخرجه أبو داود وفيه ضعف. فقالوا: إن رواية السجود وعدم السجود تدل على أن السجود ليس بواجب, لكن الحديثين ضعيفان.
قال: [ لأن وجه الجمع بين ذلك يقتضي أن لا يكون السجود واجباً، وذلك بأن يكون كل واحد منهم حدث بما رأى، من قال: إنه سجد، ومن قال: إنه لم يسجد.
وأما أبو حنيفة فتمسك في ذلك بأن الأصل هو حمل الأوامر على الوجوب أو الأخبار التي تنزل منزلة الأوامر. وقال أبو المعالي : إن احتجاج أبي حنيفة بالأوامر الواردة بالسجود في ذلك لا معنى له، فإن إيجاب السجود مطلقاً ليس يقتضي وجوبه مقيداً ].
يعني: جاء الأمر بالسجود ليس مقيداً عند القراءة.
[وهو عند القراءة -أعني: قراءة آية السجود-. قال: ولو كان الأمر كما زعم أبو حنيفة لكانت الصلاة تجب عند قراءة الآية التي فيها الأمر بالصلاة].
وكذلك الآية التي فيها الأمر بالسجود بحيث يكون واجباً في الصلاة.
قال: [ وإذا لم يجب ذلك فليس يجب السجود عند قراءة الآية التي فيها الأمر بالسجود من الأمر بالسجود.
ولـأبي حنيفة أن يقول: قد أجمع المسلمون على أن الأخبار الواردة في السجود عند تلاوة القرآن هي بمعنى الأمر وذلك في أكثر المواضع ].
هذا معنى الأمر بالسجود عند التلاوة.
[ وإذا كان ذلك كذلك فقد ورد الأمر بالسجود مقيداً بالتلاوة -أعني: عند التلاوة-، وورد به الأمر مطلقاً فوجب حمل المطلق على المقيد ].
يعني: ورد الأمر بالسجود مطلقاً, وورد الأمر بالسجود عند التلاوة مقيداً, فنحمل المطلق على المقيد.
[وليس الأمر في ذلك بالسجود كالأمر بالصلاة].
لأن الأمر في الصلاة وردت مقيدة في أوقاتها.
[فإن الصلاة قيد وجوبها بقيود أخرى، وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد سجد فيها].
يعني: عند تلاوة الآية.
[فبين لنا بذلك معنى الأمر بالسجود الوارد فيها -أعني: أنه عند التلاوة-].
يعني: معنى الأمر بالسجود عند قراءة آية فيها سجدة.
[ فوجب أن يحمل مقتضى الأمر في الوجوب عليه ].
يعني: هذا التوجيه للحنفية, لكن أقول: الراجح مذهب الجمهور, ويدل على ذلك حديث زيد بن ثابت في الباب؛ لأنه نص في عدم السجود, فهو يحمل ما ورد في ذلك على الندب.
أقوال العلماء في عدد سجدات التلاوة
قال: [وأما عدد عزائم سجود القرآن: فإن مالكاً قال في الموطأ: الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة، ليس في المفصل منها شيء.
وقال أصحابه: أولها: خاتمة الأعراف. وثانيها: في الرعد عند قوله تعالى: بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ[الرعد:15].
وثالثها: في النحل عند قوله تعالى: وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[النحل:50].
ورابعها: في بني إسرائيل عند قوله تعالى: وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا[الإسراء:109].
وخامسها: في مريم عند قوله تعالى: خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا[مريم:58].
وسادسها: الأولى من الحج عند قوله تعالى: إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ[الحج:18].
وسابعها: في الفرقان عند قوله تعالى: وَزَادَهُمْ نُفُورًا[الفرقان:60].
وثامنها: في النمل عند قوله تعالى: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ[النمل:26].
وتاسعها: في ((أَلم )) ((تَنزِيلُ)), عند قوله تعالى: وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ[السجدة:15].
وعاشرها: في (ص) عند قوله تعالى: وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ[ص:24].
والحادية عشرة: في ((حم)) ((تَنزِيلٌ)), عند قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[فصلت:37], وقيل: عند قوله تعالى: وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ[فصلت:38]].
هذا التفصيل على مذهب مالك لسجدات التلاوة.
قال المصنف رحمه الله: [ وقال الشافعي : أربع عشرة سجدة: ثلاث منها في المفصل: في الانشقاق، وفي النجم، وفي ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)). ولم ير في (ص) سجدة؛ لأنها عنده من باب الشكر.
وقال أحمد : هي خمس عشرة سجدة، أثبت فيها الثانية من الحج، وسجدة (ص).
وقال أبو حنيفة : هي اثنتا عشرة سجدة، قال الطحاوي : وهي كل سجدة جاءت بلفظ الخبر ].
إذاً الشافعي لما حذف سجدة ص أثبت ثلاثاً في المفصل، فتكون ثلاث عشرة سجدة, وتكملة الأربعة عشرة سجدة بالسجدة الثانية في سورة الحج.
سبب اختلاف الأئمة في عدد سجدات التلاوة
قال: [ والسبب في اختلافهم: اختلافهم في المذاهب التي اعتمدوها في تصحيح عددها، وذلك أن منهم من اعتمد عمل أهل المدينة، ومنهم من اعتمد القياس، ومنهم من اعتمد السماع.
أما الذين اعتمدوا العمل فـمالك وأصحابه.
وأما الذين اعتمدوا القياس فـأبو حنيفة وأصحابه، وذلك أنهم قالوا: وجدنا السجدات التي أجمع عليها جاءت بصيغة الخبر. وهي: سجدة الأعراف والنحل والرعد والإسراء ومريم، وأول الحج والفرقان والنمل و(ألم) (تنزيل)، فوجب أن يلحق بها سائر السجدات التي جاءت بصيغة الخبر، وهي التي في (ص) والانشقاق، ويسقط ثلاث جاءت بلفظ الأمر وهي: التي في ((وَالنَّجْمِ)), وفي الثانية من الحج، وفي ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)).
وأما الذين اعتمدوا السماع فإنهم صاروا إلى ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من سجوده في الانشقاق وفي ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)) وفي ((وَالنَّجْمِ)) خرج ذلك مسلم ، وقال الأثرم : سئل أحمد : كم في الحج من سجدة؟ قال: سجدتان.
وصحح حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( في الحج سجدتان). وهو قول عمر و علي . قال القاضي : خرجه أبو داود ].
ولكن حديث ( في الحج سجدتان ) فيه ضعف.
[ وأما الشافعي : فإنه إنما صار إلى إسقاط سجدة (ص)؛ لما رواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ وهو على المنبر آية السجود من سورة (ص) فنزل وسجد، فلما كان يوم آخر قرأها فتهيأ الناس للسجود فقال: إنما هي توبة نبي، ولكن رأيتكم تشيرون للسجود فنزلت فسجدت ) ].
وهذا الحديث أخرجه أصحاب السنن, وهو حديث صحيح.
قال: [ وفي هذا ضرب من الحجة لـأبي حنيفة في قوله بوجوب السجود؛ لأنه علل ترك السجود في هذه السجدة بعلة انتفت في غيرها من السجدات، فوجب أن يكون حكم التي انتفت عنها العلة بخلاف التي ثبتت لها العلة، وهو نوع من الاستدلال وفيه اختلاف؛ لأنه من باب تجويز دليل الخطاب ].
يقول: إن هذا الكلام فيه حجة لـأبي حنيفة على أن السجدات التي لا تكون سجدة شكر فهي واجبة, أما سجدة الشكر ففيهم منها بمفهوم المخالفة, لكن أبا حنيفة لا يقول بمفهوم المخالفة.
[ وقد احتج بعض من لم ير السجود في المفصل بحديث عكرمة عن ابن عباس خرجه أبو داود : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ هاجر إلى المدينة ) ].
لكن هذا الحديث ضعيف.
[ قال أبو عمر : وهو منكر؛ لأن أبا هريرة الذي روى سجوده في المفصل لم يصحبه صلى الله عليه وسلم إلا بالمدينة وقد روى الثقات عنه: أنه سجد صلى الله عليه وسلم في ((وَالنَّجْمِ)) ].
الذي ثبت عن أبي هريرة بأحاديث صحيحة أنه روى السجود في المفصل، وهو ما أسلم إلا والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة, وحديث ( لم يسجد في المفصل ) ضعيف وفيه نكارة.
إذاً الراجح أن السجود ثابت فيما عدا السجدة الثانية من سورة الحج، وفيما عدا سورة (ص) لصحة الحديث, بأنها سجدة شكر، وليست من عزائم السجود.
فأما حكم سجود التلاوة: فإن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: هو واجب، وقال مالك و الشافعي ]. وكذلك هو قول أحمد
[ هو مسنون وليس بواجب. وسبب الخلاف: اختلافهم في مفهوم الأوامر بالسجود، والأخبار التي معناها معنى الأوامر بالسجود، مثل قوله تعالى: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا[مريم:58], هل هي محمولة على الوجوب، أو على الندب، فـأبو حنيفة حملها على ظاهرها من الوجوب، و مالك و الشافعي اتبعا في مفهومهما الصحابة إذ كانوا هم أقعد بفهمهم الأوامر الشرعية ].
المعنى أن: مالكاً و الشافعي قالا: أن الصحابة لم يفهموا منها الوجوب, فنحن نتبع الصحابة.
ثم قال: [ وذلك أنه لما ثبت: أن عمر بن الخطاب قرأ السجدة يوم الجمعة، فنزل وسجد، وسجد الناس معه، فلما كان يوم الجمعة الثانية وقرأها وتهيأ الناس للسجود فقال: على رسلكم إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء، قالوا: وهذا بمحضر الصحابة، فلم ينقل عن أحد منهم خلاف، وهم أفهم بمغزى الشرع، وهذا إنما يحتج به من يرى قول الصحابي -إذا لم يكن له مخالف- حجة ] وهو كذلك.
قال: [وقد احتج أصحاب الشافعي في ذلك بحديث زيد بن ثابت أنه قال: ( كنت أقرأ القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأت سورة الحج فلم يسجد ولم نسجد )].
والحديث أخرجه البخاري و مسلم .
[ وكذلك أيضاً يحتج لهؤلاء بما روي عنه صلى الله عليه وسلم: أنه لم يسجد في المفصل ].
وهو حديث أخرجه أبو داود وفيه ضعف.
[ وبما روي: أنه سجد فيها ].
وهو كذلك حديث أخرجه أبو داود وفيه ضعف. فقالوا: إن رواية السجود وعدم السجود تدل على أن السجود ليس بواجب, لكن الحديثين ضعيفان.
قال: [ لأن وجه الجمع بين ذلك يقتضي أن لا يكون السجود واجباً، وذلك بأن يكون كل واحد منهم حدث بما رأى، من قال: إنه سجد، ومن قال: إنه لم يسجد.
وأما أبو حنيفة فتمسك في ذلك بأن الأصل هو حمل الأوامر على الوجوب أو الأخبار التي تنزل منزلة الأوامر. وقال أبو المعالي : إن احتجاج أبي حنيفة بالأوامر الواردة بالسجود في ذلك لا معنى له، فإن إيجاب السجود مطلقاً ليس يقتضي وجوبه مقيداً ].
يعني: جاء الأمر بالسجود ليس مقيداً عند القراءة.
[وهو عند القراءة -أعني: قراءة آية السجود-. قال: ولو كان الأمر كما زعم أبو حنيفة لكانت الصلاة تجب عند قراءة الآية التي فيها الأمر بالصلاة].
وكذلك الآية التي فيها الأمر بالسجود بحيث يكون واجباً في الصلاة.
قال: [ وإذا لم يجب ذلك فليس يجب السجود عند قراءة الآية التي فيها الأمر بالسجود من الأمر بالسجود.
ولـأبي حنيفة أن يقول: قد أجمع المسلمون على أن الأخبار الواردة في السجود عند تلاوة القرآن هي بمعنى الأمر وذلك في أكثر المواضع ].
هذا معنى الأمر بالسجود عند التلاوة.
[ وإذا كان ذلك كذلك فقد ورد الأمر بالسجود مقيداً بالتلاوة -أعني: عند التلاوة-، وورد به الأمر مطلقاً فوجب حمل المطلق على المقيد ].
يعني: ورد الأمر بالسجود مطلقاً, وورد الأمر بالسجود عند التلاوة مقيداً, فنحمل المطلق على المقيد.
[وليس الأمر في ذلك بالسجود كالأمر بالصلاة].
لأن الأمر في الصلاة وردت مقيدة في أوقاتها.
[فإن الصلاة قيد وجوبها بقيود أخرى، وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد سجد فيها].
يعني: عند تلاوة الآية.
[فبين لنا بذلك معنى الأمر بالسجود الوارد فيها -أعني: أنه عند التلاوة-].
يعني: معنى الأمر بالسجود عند قراءة آية فيها سجدة.
[ فوجب أن يحمل مقتضى الأمر في الوجوب عليه ].
يعني: هذا التوجيه للحنفية, لكن أقول: الراجح مذهب الجمهور, ويدل على ذلك حديث زيد بن ثابت في الباب؛ لأنه نص في عدم السجود, فهو يحمل ما ورد في ذلك على الندب.
قال: [وأما عدد عزائم سجود القرآن: فإن مالكاً قال في الموطأ: الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة، ليس في المفصل منها شيء.
وقال أصحابه: أولها: خاتمة الأعراف. وثانيها: في الرعد عند قوله تعالى: بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ[الرعد:15].
وثالثها: في النحل عند قوله تعالى: وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[النحل:50].
ورابعها: في بني إسرائيل عند قوله تعالى: وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا[الإسراء:109].
وخامسها: في مريم عند قوله تعالى: خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا[مريم:58].
وسادسها: الأولى من الحج عند قوله تعالى: إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ[الحج:18].
وسابعها: في الفرقان عند قوله تعالى: وَزَادَهُمْ نُفُورًا[الفرقان:60].
وثامنها: في النمل عند قوله تعالى: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ[النمل:26].
وتاسعها: في ((أَلم )) ((تَنزِيلُ)), عند قوله تعالى: وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ[السجدة:15].
وعاشرها: في (ص) عند قوله تعالى: وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ[ص:24].
والحادية عشرة: في ((حم)) ((تَنزِيلٌ)), عند قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[فصلت:37], وقيل: عند قوله تعالى: وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ[فصلت:38]].
هذا التفصيل على مذهب مالك لسجدات التلاوة.
قال المصنف رحمه الله: [ وقال الشافعي : أربع عشرة سجدة: ثلاث منها في المفصل: في الانشقاق، وفي النجم، وفي ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)). ولم ير في (ص) سجدة؛ لأنها عنده من باب الشكر.
وقال أحمد : هي خمس عشرة سجدة، أثبت فيها الثانية من الحج، وسجدة (ص).
وقال أبو حنيفة : هي اثنتا عشرة سجدة، قال الطحاوي : وهي كل سجدة جاءت بلفظ الخبر ].
إذاً الشافعي لما حذف سجدة ص أثبت ثلاثاً في المفصل، فتكون ثلاث عشرة سجدة, وتكملة الأربعة عشرة سجدة بالسجدة الثانية في سورة الحج.
قال: [ والسبب في اختلافهم: اختلافهم في المذاهب التي اعتمدوها في تصحيح عددها، وذلك أن منهم من اعتمد عمل أهل المدينة، ومنهم من اعتمد القياس، ومنهم من اعتمد السماع.
أما الذين اعتمدوا العمل فـمالك وأصحابه.
وأما الذين اعتمدوا القياس فـأبو حنيفة وأصحابه، وذلك أنهم قالوا: وجدنا السجدات التي أجمع عليها جاءت بصيغة الخبر. وهي: سجدة الأعراف والنحل والرعد والإسراء ومريم، وأول الحج والفرقان والنمل و(ألم) (تنزيل)، فوجب أن يلحق بها سائر السجدات التي جاءت بصيغة الخبر، وهي التي في (ص) والانشقاق، ويسقط ثلاث جاءت بلفظ الأمر وهي: التي في ((وَالنَّجْمِ)), وفي الثانية من الحج، وفي ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)).
وأما الذين اعتمدوا السماع فإنهم صاروا إلى ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من سجوده في الانشقاق وفي ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)) وفي ((وَالنَّجْمِ)) خرج ذلك مسلم ، وقال الأثرم : سئل أحمد : كم في الحج من سجدة؟ قال: سجدتان.
وصحح حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( في الحج سجدتان). وهو قول عمر و علي . قال القاضي : خرجه أبو داود ].
ولكن حديث ( في الحج سجدتان ) فيه ضعف.
[ وأما الشافعي : فإنه إنما صار إلى إسقاط سجدة (ص)؛ لما رواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ وهو على المنبر آية السجود من سورة (ص) فنزل وسجد، فلما كان يوم آخر قرأها فتهيأ الناس للسجود فقال: إنما هي توبة نبي، ولكن رأيتكم تشيرون للسجود فنزلت فسجدت ) ].
وهذا الحديث أخرجه أصحاب السنن, وهو حديث صحيح.
قال: [ وفي هذا ضرب من الحجة لـأبي حنيفة في قوله بوجوب السجود؛ لأنه علل ترك السجود في هذه السجدة بعلة انتفت في غيرها من السجدات، فوجب أن يكون حكم التي انتفت عنها العلة بخلاف التي ثبتت لها العلة، وهو نوع من الاستدلال وفيه اختلاف؛ لأنه من باب تجويز دليل الخطاب ].
يقول: إن هذا الكلام فيه حجة لـأبي حنيفة على أن السجدات التي لا تكون سجدة شكر فهي واجبة, أما سجدة الشكر ففيهم منها بمفهوم المخالفة, لكن أبا حنيفة لا يقول بمفهوم المخالفة.
[ وقد احتج بعض من لم ير السجود في المفصل بحديث عكرمة عن ابن عباس خرجه أبو داود : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ هاجر إلى المدينة ) ].
لكن هذا الحديث ضعيف.
[ قال أبو عمر : وهو منكر؛ لأن أبا هريرة الذي روى سجوده في المفصل لم يصحبه صلى الله عليه وسلم إلا بالمدينة وقد روى الثقات عنه: أنه سجد صلى الله عليه وسلم في ((وَالنَّجْمِ)) ].
الذي ثبت عن أبي هريرة بأحاديث صحيحة أنه روى السجود في المفصل، وهو ما أسلم إلا والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة, وحديث ( لم يسجد في المفصل ) ضعيف وفيه نكارة.
إذاً الراجح أن السجود ثابت فيما عدا السجدة الثانية من سورة الحج، وفيما عدا سورة (ص) لصحة الحديث, بأنها سجدة شكر، وليست من عزائم السجود.
استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
كتاب الزكاة [9] | 2957 استماع |
كتاب الزكاة [1] | 2913 استماع |
كتاب الطهارة [15] | 2905 استماع |
كتاب الطهارة [3] | 2619 استماع |
كتاب الصلاة [29] | 2416 استماع |
كتاب الطهارة [6] | 2397 استماع |
كتاب أحكام الميت [3] | 2389 استماع |
كتاب الطهارة [2] | 2365 استماع |
كتاب الصلاة [1] | 2328 استماع |
كتاب الطهارة [22] | 2234 استماع |