والذين يجتنبون الطاغوت أن يعبدوها - مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - أبو الهيثم محمد درويش
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى} :أهل البشرى والرضوان هم أولئك الذين قدموا الله على غيره و قدموا أمر الله على أمر غيره , فصفت قلوبهم وصلحت أعمالهم واجتنبوا كل شريك لله في القلوب والأعمال حتى لو كان هذا الشريك هو هوى النفس وشهوتها , أهل التوحيد الخالص الذي لم يقدموا غير الله في العبادة والطاعة والاتباع.
الذين يستمعون إلى كلمات الله فيعملون بها ويسارعون في تنفيذ أوامر الله ويبادرون بالانتهاء عما نهى الله وحرم , ويؤمنون بما في كلامه من عقائد ويتعظون بما فيه من عظات وأخبار وقصص ويوقرون ما فيه من أحكام وتعاليم.
أولئك أصحاب القلوب النقية والفطر السليمة والعقول الصحيحة التي تميز بين الحق والباطل وبين النور والظلام.
قال تعالى:
{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ } [الزمر 17 – 18]
قال السعدي في تفسيره :
لما ذكر حال المجرمين ذكر حال المنيبين وثوابهم، فقال: { { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا } } والمراد بالطاغوت في هذا الموضع، عبادة غير اللّه، فاجتنبوها في عبادتها.
وهذا من أحسن الاحتراز من الحكيم العليم، لأن المدح إنما يتناول المجتنب لها في عبادتها.
{ {وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ } } بعبادته وإخلاص الدين له، فانصرفت دواعيهم من عبادة الأصنام إلى عبادة الملك العلام، ومن الشرك والمعاصي إلى التوحيد والطاعات، { {لَهُمُ الْبُشْرَى} } التي لا يقادر قدرها، ولا يعلم وصفها، إلا من أكرمهم بها، وهذا شامل للبشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن، والرؤيا الصالحة، والعناية الربانية من اللّه، التي يرون في خلالها، أنه مريد لإكرامهم في الدنيا والآخرة، ولهم البشرى في الآخرة عند الموت ، وفي القبر ، وفي القيامة ، وخاتمة البشرى ما يبشرهم به الرب الكريم، من دوام رضوانه وبره وإحسانه وحلول أمانه في الجنة .
ولما أخبر أن لهم البشرى، أمره اللّه ببشارتهم، وذكر الوصف الذي استحقوا به البشارة فقال: { {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ } }
وهذا جنس يشمل كل قول فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره مما ينبغي اجتنابه، فلهذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسنه، وأحسنه على الإطلاق كلام اللّه وكلام رسوله، كما قال في هذه السورة: { { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} } الآية.
وفي هذه الآية نكتة، وهي: أنه لما أخبر عن هؤلاء الممدوحين أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه، كأنه قيل: هل من طريق إلى معرفة أحسنه حتى نتصف بصفات أولي الألباب، وحتى نعرف أن من أثره علمنا أنه من أولي الألباب؟
قيل: نعم، أحسنه ما نص اللّه عليه { {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} } الآية.
{ { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ } } لأحسن الأخلاق والأعمال { {وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} } أي: العقول الزاكية.
ومن لبهم وحزمهم، أنهم عرفوا الحسن من غيره، وآثروا ما ينبغي إيثاره، على ما سواه، وهذا علامة العقل، بل لا علامة للعقل سوى ذلك، فإن الذي لا يميز بين الأقوال، حسنها، وقبيحها، ليس من أهل العقول الصحيحة، أو الذى يميز، لكن غلبت شهوته عقله، فبقي عقله تابعا لشهوته فلم يؤثر الأحسن، كان ناقص العقل.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن