كتاب أحكام الميت [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد:

فقد كنا رجحنا مذهب الشافعي في أن الميت يغسل في القميص، ولكن رجعنا عن هذا الترجيح بعد أن اطلعنا وطالعنا ورأينا ترجيحاً آخر, ولهذا سنعيد شيئاً من قراءة الفصل الرابع فنقول:

قال المصنف رحمه الله: [ الفصل الرابع: في صفة الغسل. نزع القميص في الغسل، وفي هذا الفصل مسائل:

إحداها: هل ينزع عن الميت قميصه إذا غسل, أم يغسل في قميصه؟

اختلفوا في ذلك, فقال مالك : إذا غسل الميت نزع ثوبه, وتسترت عورته، وبه قال أبو حنيفة . وقال الشافعي : يغسل في قميصه], أقول: الراجح مذهب مالك و أبي حنيفة , في أن الميت يجرد من ثيابه كلها, وتستر عورته؛ لأن هذا هو العمل المعهود فعله بالأموات في زمن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون من سنة التقرير, سواءً اطلع على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الأقرب، لأنه لا يمكن أن يكون ذلك الفعل مستمراً في زمنه ولم يَطلع عليه أو لم يُطلع عليه؛ لأن الله علم أنهم يجردونه، ولو كان غير جائزٍ لأنزل فيه وحياً.

إذاً فهذه السنة تعتبر سنة تقريرية, أما ما فعل به صلى الله عليه وسلم من عدم تجريده من ثيابه كما ورد في حديث عائشة فشيء خاص به, أجمع من حضر غسله من الصحابة على فعله, استناداً، على الصوت الذي سمعوه، ولا تشريع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، والهواتف والرؤى ليستا من مصادر التشريع, لا سيما إذا كانوا نائمين فمصادر التشريع الكتاب والسنة, وما استند عليهما من إجماع أو قياس, وهذا فعل فعله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تأدباً منهم، ولكنه لا يعتبر تشريعاً, فهذا ما توصلنا إليه بعد البحث, وذاك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي.

الاستدلال على تجريد الميت عند غسله بفعل الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم

فإن قيل: ألا يكون هذا الذي فعله الصحابة من باب الاجتهاد؟

فيقال: هو من باب الاجتهاد وهم فيهم معذورون، وقد يكونون مصيبين.

فهذا شيء فعل خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم فلا نأخذ منه كما قال الشافعي و أحمد شرعاً نطبقه في غير الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أن غير الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاءت فيه سنة تقريرية.

فإن قيل: كيف عرفنا أن تجريد الميت معهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟

فيقال: ورد في حديث عائشة أنا كنا نجرد فلما جاء كذا تكلموا في هذا, فهم كانوا يجردون, وفي أحكام الجنائز أشار إشارة لطيفة إلى هذا -لأن أحكام الجنائز كتاب لم يذكر الخلافات ولا التفريعات, إنما يثبت ما يراه صحيحاً- فقال: ويجرد الميت من ثيابه؛ لأنه الفعل الذي كان في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكر في حديث عائشة .

غسل الميت من غير تجريده

فإن قيل: وهل التجريد واجب أو مندوب؟

فيقال: مشروع, ويجوز تغسيله في ثيابه, لكن لا نقول: سنة.

فإن قيل: ألا يكون هذا الذي فعله الصحابة من باب الاجتهاد؟

فيقال: هو من باب الاجتهاد وهم فيهم معذورون، وقد يكونون مصيبين.

فهذا شيء فعل خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم فلا نأخذ منه كما قال الشافعي و أحمد شرعاً نطبقه في غير الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أن غير الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاءت فيه سنة تقريرية.

فإن قيل: كيف عرفنا أن تجريد الميت معهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟

فيقال: ورد في حديث عائشة أنا كنا نجرد فلما جاء كذا تكلموا في هذا, فهم كانوا يجردون, وفي أحكام الجنائز أشار إشارة لطيفة إلى هذا -لأن أحكام الجنائز كتاب لم يذكر الخلافات ولا التفريعات, إنما يثبت ما يراه صحيحاً- فقال: ويجرد الميت من ثيابه؛ لأنه الفعل الذي كان في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكر في حديث عائشة .

فإن قيل: وهل التجريد واجب أو مندوب؟

فيقال: مشروع, ويجوز تغسيله في ثيابه, لكن لا نقول: سنة.

قال: [ المسألة الثالثة: الاختلاف في التوقيت في الغسل ], التوقيت يعني: التحديد.

[ اختلفوا في التوقيت في الغسل، فمنهم من أوجبه ], يعني: أوجب أعداداً معروفة, [ومنهم من استحسنه واستحبه, والذين أوجبوا التوقيت منهم من أوجب الوتر], فقال: يجب العدد ويجب أن يكون وتراً, ثلاثاً خمساً سبعاً، [ وبه قال ابن سيرين .

ومنهم من أوجب الثلاث فقط وهو أبو حنيفة .

ومنهم من حد أقل الوتر في ذلك، فقال: لا ينقص عن الثلاث, ولم يحدد الأكثر وهو الشافعي ]، قال: لا ينقص عن ثلاث وله أن يزيد، ولم يحدد الزيادة, [ومنهم من حد الأكثر في ذلك، فقال: لا يتجاوز به السبع, وهو أحمد بن حنبل .

وممن قال باستحباب الوتر ولم يحد فيه حداً مالك بن أنس وأصحابه ].

سبب اختلاف العلماء في تحديد غسل الميت

قال: [ وسبب الخلاف بين من اشترط التوقيت ومن لم يشترطه بل استحبه, معارضة القياس للآثار, وذلك أن ظاهر حديث أم عطية -هذا أثر- يقتضي التوقيت, لأن فيه: (اغسلنها, ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن)], أكثر من ذلك, [وفي رواية: (أو سبعاً).

وأما قياس الميت على الحي في الطهارة, فيقتضي أن لا توقيت فيها]؛ لأن غسل الجنب ما فيه توقيت, [ كما ليس في طهارة الحي توقيت, فمن رجح الأثر على النظر قال بالتوقيت, ومن رأى الجمع بين الأثر والنظر حمل التوقيت على الاستحباب.

فأما الشافعي فإنه رأى أنه لا ينقص عن ثلاث, لأنه أقل وتر نطق به في حديث أم عطية ، ورأى أن ما فوق ذلك مباح؛ لقوله: (أو أكثر من ذلك إن رأيتن)], فأخذ من قوله: (إن رأيتن), الإباحة لا السنة.

[ وأما أحمد فأخذ بأكثر وتر نطق به في بعض روايات الحديث, وهو قوله: (أو سبعاً).

وأما أبو حنيفة فصار في قصره في الوتر على الثلاث؛ لما روي أن محمد بن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثاً, يغسل بالسدر مرتين، والثالثة بالماء والكافور], فأخذ بهذا.

[ وأيضاً فالوتر الشرعي عند أبي حنيفة إنما ينطبق على الثلاث فقط], لأن صلاة الوتر ثلاثاً, [ وكان مالك يستحب أن يغسل في الأولى بالماء القراح، وفي الثانية بالسدر، وفي الثالثة بالكافور].

الخلاصة: الراجح أن أصل الغسل يحصل بغسل الميت مرةً واحدة، وما زاد على ذلك فإنه من كمال الغسل؛ لحديث ابن عباس المتفق عليه: (اغسلوه بماءٍ وسدر وكفنوه في ثوبيه)، فلو كان الواجب أكثر من ذلك لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

إعادة غسل الميت إذا خرج من بطنه حدث

قال: [ واختلفوا إذا خرج من بطنه حدث ], يعني: بول أو غائط, [هل يعاد غسله أم لا؟ فقيل: لا يعاد, وبه قال مالك ، وقيل: يعاد, والذين رأوا أنه يعاد اختلفوا في العدد الذي تجب فيه الإعادة إن تكرر خروج الحدث, فقيل: يعاد الغسل عليه واحدة, وبه قال الشافعي ، وقيل: يعاد ثلاثاً، وقيل: يعاد سبعاً. وأجمعوا أنه لا يزاد على السبع شيء].

أولاً: أريد أن أوضح أن الخارج من السبيلين لا يوجب الغسل, الغائط أو البول ونحوهما لا يوجب الغسل.

ثانياً: أن الميت قد سقط عنه التكليف, فوجوب الغسل هو علينا أمر تعبدنا الله به.

فالراجح أنه لا يعاد الغسل؛ أولاً لأن الخارج من السبيلين لا يوجب الغسل في الحي بل الوضوء فقط ما عدا المني.

ثانياً: أن الميت ليس من أهل التكليف, والذي يشرع أن يغسل موضع الأذى إن أمكن.

قال: [ وسبب الخلاف بين من اشترط التوقيت ومن لم يشترطه بل استحبه, معارضة القياس للآثار, وذلك أن ظاهر حديث أم عطية -هذا أثر- يقتضي التوقيت, لأن فيه: (اغسلنها, ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن)], أكثر من ذلك, [وفي رواية: (أو سبعاً).

وأما قياس الميت على الحي في الطهارة, فيقتضي أن لا توقيت فيها]؛ لأن غسل الجنب ما فيه توقيت, [ كما ليس في طهارة الحي توقيت, فمن رجح الأثر على النظر قال بالتوقيت, ومن رأى الجمع بين الأثر والنظر حمل التوقيت على الاستحباب.

فأما الشافعي فإنه رأى أنه لا ينقص عن ثلاث, لأنه أقل وتر نطق به في حديث أم عطية ، ورأى أن ما فوق ذلك مباح؛ لقوله: (أو أكثر من ذلك إن رأيتن)], فأخذ من قوله: (إن رأيتن), الإباحة لا السنة.

[ وأما أحمد فأخذ بأكثر وتر نطق به في بعض روايات الحديث, وهو قوله: (أو سبعاً).

وأما أبو حنيفة فصار في قصره في الوتر على الثلاث؛ لما روي أن محمد بن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثاً, يغسل بالسدر مرتين، والثالثة بالماء والكافور], فأخذ بهذا.

[ وأيضاً فالوتر الشرعي عند أبي حنيفة إنما ينطبق على الثلاث فقط], لأن صلاة الوتر ثلاثاً, [ وكان مالك يستحب أن يغسل في الأولى بالماء القراح، وفي الثانية بالسدر، وفي الثالثة بالكافور].

الخلاصة: الراجح أن أصل الغسل يحصل بغسل الميت مرةً واحدة، وما زاد على ذلك فإنه من كمال الغسل؛ لحديث ابن عباس المتفق عليه: (اغسلوه بماءٍ وسدر وكفنوه في ثوبيه)، فلو كان الواجب أكثر من ذلك لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

قال: [ واختلفوا إذا خرج من بطنه حدث ], يعني: بول أو غائط, [هل يعاد غسله أم لا؟ فقيل: لا يعاد, وبه قال مالك ، وقيل: يعاد, والذين رأوا أنه يعاد اختلفوا في العدد الذي تجب فيه الإعادة إن تكرر خروج الحدث, فقيل: يعاد الغسل عليه واحدة, وبه قال الشافعي ، وقيل: يعاد ثلاثاً، وقيل: يعاد سبعاً. وأجمعوا أنه لا يزاد على السبع شيء].

أولاً: أريد أن أوضح أن الخارج من السبيلين لا يوجب الغسل, الغائط أو البول ونحوهما لا يوجب الغسل.

ثانياً: أن الميت قد سقط عنه التكليف, فوجوب الغسل هو علينا أمر تعبدنا الله به.

فالراجح أنه لا يعاد الغسل؛ أولاً لأن الخارج من السبيلين لا يوجب الغسل في الحي بل الوضوء فقط ما عدا المني.

ثانياً: أن الميت ليس من أهل التكليف, والذي يشرع أن يغسل موضع الأذى إن أمكن.


استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2958 استماع
كتاب الزكاة [1] 2914 استماع
كتاب الطهارة [15] 2907 استماع
كتاب الطهارة [3] 2620 استماع
كتاب الصلاة [33] 2568 استماع
كتاب الصلاة [29] 2417 استماع
كتاب الطهارة [6] 2398 استماع
كتاب الطهارة [2] 2367 استماع
كتاب الصلاة [1] 2330 استماع
كتاب الطهارة [22] 2237 استماع