كتاب الطهارة [6]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [ المسألة السادسة: شروط المسح على الخفين: وأما شرط المسح على الخفين، فهو: أن تكون الرجلان طاهرتين بطهر الوضوء، وذلك شيء مجمع عليه إلا خلافاً شاذاً، وقد روي عن ابن القاسم عن مالك ذكره ابن لبابة في المنتخب، وإنما قال به الأكثر؛ لثبوته في حديث المغيرة ]، أي: أن الأكثر قالوا: إنه لا بد من وجوب الطهارة من الحدث بالوضوء، وأن يلبسها على طهارة كاملة، وذلك لحديث المغيرة [ وغيره إذ أراد أن ينزع الخف عنه فقال عليه الصلاة والسلام: ( دعهما فإني أدخلتهما وهما طاهرتان ) ]، وهو حديث صحيح.

[ والمخالف ] الذي يقول لا يشترط في الطهارة الوضوء، [ حمل الطهارة على الطهارة اللغوية ]، ومعنى أدخلتهما طاهرتين، يعني: من النجاسة. وهؤلاء هم الظاهرية، الذين قالوا أن المراد (بطاهرتين): الطهارة من النجاسة.

ولقولهم وجه من النظر؛ لأن لفظ: (طاهرتين) مشترك بين الطهارة من النجاسة، وبين الطهارة من الحدث، إلا أن التوقيت فيه تنويه دقيق؛ لأن المراد به الطهارة من الحدث.

فالخلاصة أن لفظ: (طاهرتين) مشترك بين الطهارة بالوضوء، أو الطهارة من النجاسة؛ ولهذا كان تعيينه في أحدهما تحكم. لكن لم نجد دليلاً ظاهراً يقول: إنهما طاهرتان من الوضوء، وإنما قوله في التوقيت، أنه وقت بثلاثة أيام ثم يغسلها ويتوضأ، فيه تنويه دقيق على أن المراد بطاهرتين: طاهرتين من الحدث؛ لأن مدة ثلاثة أيام، أو يوم وليلة ثم يخلسها ويتوضأ ويلبسها، دليل وتنويه على أن معنى طاهرتين أي: من الحدث، وهذا الذي يظهر منه.

والطهارة في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أدخلتهما طاهرتين ) اللفظ مشترك، بين الطهارة من النجاسة، والطهارة من الوضوء.

فإذا كانتا طاهرتين من النجاسة فلا معنى لتحديد المسح يوماً وليلة، أو ثلاثة أيام؛ لأنها ستستمر دائماً طاهرة من النجاسة، ويمسح دائماً ويكون التحديد ما له معنى، وإذا كانت طاهرتين من الحدث، فيكون للتحديد بيوم وليلة، أو ثلاثة أيام، ثم يتوضأ ويلبسها معنى، إلا أن التوقيت فيه تنبيه دقيق بأن المراد بها الطهارة من الحدث، وهو تنويه دقيق بعيد، لا يظهر إلا بالتأمل، فهذا الذي جعلنا نقول أن المراد بالطهارة الطهارة من الحدث.

وأما ما نقله ابن عبد البر في التمهيد عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يقولون: امسح ولو جئت من الغائط، وكذلك حديث المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بال استنجى، ثم جاء، فقال: ( دعمها فإني أدخلتهما طاهرتين )، وكذلك ما ورد عن عمر وغيره أنه قال: امسح ولو جئت من الغائط. فالمراد المسح وليس المعنى أنك تدخلهما قبل أن تتوضأ.

أقوال العلماء في مسح من غسل رجليه ولبس خفيه قبل أن يتم وضوءه

[ واختلف الفقهاء من هذا الباب فيمن غسل رجليه ولبس خفيه، ثم أتم وضوءه، هل يمسح عليهما؟ فمن لم ير أن الترتيب واجب، ورأى أن الطهارة تصح لكل عضو قبل أن تكمل الطهارة لجميع الأعضاء، قال بجواز ذلك، ومن رأى أن الترتيب واجب وأنه لا تصح بعد طهارة العضو إلا بعد طهارة جميع أعضاء الطهارة لم يجز ذلك، وبالقول الأول قال أبو حنيفة ، وبالقول الثاني قال الشافعي و مالك ، إلا أن مالكاً لم يمنع ذلك من جهة الترتيب، وإنما منعه من جهة أنه يرى أن الطهارة لا توجد للعضو إلا بعد كمال جميع الطهارة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( وهما طاهرتان )، فأخبر عن الطهارة الشرعية، وفي بعض روايات المغيرة : ( إذا أدخلت رجليك في الخف وهما طاهرتان فامسح عليهما ) ].

فمثلاً لو أن إنساناً غسل رجليه بنية الوضوء قبل أن يغسل بقية الأعضاء، وإنما بدأ برجليه فغسلها وأدخلهما في الخفين، ثم أتم وضوءه على أنه قد غسل رجليه أولاً -فهل طهارته صحيحة أو غير صحيحة- اختلف العلماء، منهم من قال أنه لا يشترط الترتيب في الوضوء، وأنه يجوز العكس، ابدأ برجليه ثم بقية الأعضاء وقال: إن الطهارة للعضوين تحصل وإن لم تكن بقية الأعضاء طاهرة وأجاز مسحهما ومن قال: لا بد من الترتيب، بحيث يبدأ بوجهه ثم يديه إلى آخره، قال: إن هذه الطهارة تلاعب كيف يبدأ من أسفل فعلى هذا لا يصح مسحه؛ لأنه أخل فيه بالترتيب، وكذلك من قال -وهو قول الإمام مالك - إن المراد بالطهارة: الطهارة الكاملة، فمن غسل رجليه لا يعتبر طاهراً طهارة كاملة.

إذاً الذي قال بالعكس هو أبو حنيفة وأما الأئمة الأربعة فقالوا: لا بد أن نبدأ بما بدأ الله به، وقالوا: لا بد من الطهارة الكاملة.

[ وعلى هذه الأصول يتفرع الجواب فيمن لبس أحد خفيه بعد أن غسل إحدى رجليه وقبل أن يغسل الأخرى، فقال مالك : لا يمسح على الخفين لأنه لابس للخف قبل تمام الطهارة وهو قول الشافعي و أحمد و إسحاق ]، فلو غسل رجلاً وأدخلها، فمذهب الشافعي و أحمد لم تحصل الطهارة كاملة، وليس متوضئاً ما دام بقي له رجل، فلم تحصل الطهارة، بل لا بد أن يغسل الثنتين، [ وقال أبو حنيفة و الثوري و المزي و الطبري و داود : يجوز له المسح، وبه قال جماعة من أصحاب مالك منهم مطرف وغيره، وكلهم أجمعوا على أنه لو نزع الخف الأول بعد غسل الرجل الثانية، ثم لبسها جاز له المسح ] لكن إذا غسل الأولى ولبس، وغسل الثانية ولبس، ولكنه بعد ذلك نزع الأولى ورجع، فقد أجمعوا على أنه أدخلهما طاهرتين.

قوله: (ثم لبسها جاز له المسح)، الراجح أنه يشترط في صحة المسح عليهما لبسهما بعد طهارة كاملة؛ لما يدل عليه ظاهر سياق حديث المغيرة .

أقوال العلماء في المسح على الخف إذا كان على خف آخر

قال رحمه الله: [ وهل من شرط المسح على الخف ألا يكون على خف آخر؟ عن مالك فيه قولان وسبب الخلاف: هل كما تنتقل طهارة القدم إلى الخف إذا ستره الخف كذلك تنتقل طهارة الخف الأسفل الواجبة إلى الخف الأعلى؟ فمن شبه النقلة الثانية بالأولى أجاز المسح على الخف الأعلى ومن لم يشبهها بها وظهر له الفرق لم يجز ذلك ]، يعني في البلاد الباردة يضعون خفين، وأنت تصلي بجوربين، جورب فوق جورب، وتلبسها على طهارة، فهل يصح المسح على هذا؟ أم لا بد من مسح الأسفل؟ للإمام مالك فيها قولان، ولم نذكر للأئمة الآخرين قول، وفي الكتاب، ذكر أن للإمام مالك قولان، وأنا أقول: بيان مذاهب العلماء في المسح على الجرموق ولا يجوز المسح على الجرموق، أما ما هو الجرموق؟ فهو خف فوق خف، أو شراب فوق شراب.

بيان مذاهب العلماء في المسح على الجرموق: القول الجديد والمعتمد في مذهب الشافعي المنع، والقول في المذهب القديم الجواز، لأن الشافعي معه مذهب في العراق ومذهب في مصر، ففي العراق كان يقول كلاماً ثم اتسعت مداركه فرأى ذلك المذهب فيه كلام ضعيف، فجاء بالمذهب الجديد، فالقول الجديد الذي قال في مصر، قال: لا يجوز أن يلبس جرموقين، إلا أن يمسح على الأسفل، فإذا أدخل يده ومسح على الأسفل فلا بأس، أما إذا مسح على الأعلى فلا يصح، وعلى المذهب القديم يجوز.

وبالجواز قال أبو حنيفة و أحمد و داود ، فوافقوا الشافعي في المذهب القديم، وبالقولين قال مالك ، فمرة قال في الكتاب يجوز، ومرة قال: لا يجوز، والراجح: الجواز؛ لأنه ملبوس كالأسفل، فكما أن الأسفل من ملبوس الرجل، فالأعلى من ملبوس الرجل أيضاً.

كما لو لبس فنيلة صوف تحت ثوب، وجعل من فوقها جبة، فكلها ملبوس وهذه كذلك؛ لأنها ملبوسة كالأسفل؛ ولأن الحاجة قد تدعو إليه في البلاد الباردة، إذاً فيجوز المسح على الجرموق.

فالخلاصة أن جواز المسح على الجرموق قال به أبو حنيفة و أحمد و الشافعي في القديم، وهو أحد قولي مالك .

[ واختلف الفقهاء من هذا الباب فيمن غسل رجليه ولبس خفيه، ثم أتم وضوءه، هل يمسح عليهما؟ فمن لم ير أن الترتيب واجب، ورأى أن الطهارة تصح لكل عضو قبل أن تكمل الطهارة لجميع الأعضاء، قال بجواز ذلك، ومن رأى أن الترتيب واجب وأنه لا تصح بعد طهارة العضو إلا بعد طهارة جميع أعضاء الطهارة لم يجز ذلك، وبالقول الأول قال أبو حنيفة ، وبالقول الثاني قال الشافعي و مالك ، إلا أن مالكاً لم يمنع ذلك من جهة الترتيب، وإنما منعه من جهة أنه يرى أن الطهارة لا توجد للعضو إلا بعد كمال جميع الطهارة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( وهما طاهرتان )، فأخبر عن الطهارة الشرعية، وفي بعض روايات المغيرة : ( إذا أدخلت رجليك في الخف وهما طاهرتان فامسح عليهما ) ].

فمثلاً لو أن إنساناً غسل رجليه بنية الوضوء قبل أن يغسل بقية الأعضاء، وإنما بدأ برجليه فغسلها وأدخلهما في الخفين، ثم أتم وضوءه على أنه قد غسل رجليه أولاً -فهل طهارته صحيحة أو غير صحيحة- اختلف العلماء، منهم من قال أنه لا يشترط الترتيب في الوضوء، وأنه يجوز العكس، ابدأ برجليه ثم بقية الأعضاء وقال: إن الطهارة للعضوين تحصل وإن لم تكن بقية الأعضاء طاهرة وأجاز مسحهما ومن قال: لا بد من الترتيب، بحيث يبدأ بوجهه ثم يديه إلى آخره، قال: إن هذه الطهارة تلاعب كيف يبدأ من أسفل فعلى هذا لا يصح مسحه؛ لأنه أخل فيه بالترتيب، وكذلك من قال -وهو قول الإمام مالك - إن المراد بالطهارة: الطهارة الكاملة، فمن غسل رجليه لا يعتبر طاهراً طهارة كاملة.

إذاً الذي قال بالعكس هو أبو حنيفة وأما الأئمة الأربعة فقالوا: لا بد أن نبدأ بما بدأ الله به، وقالوا: لا بد من الطهارة الكاملة.

[ وعلى هذه الأصول يتفرع الجواب فيمن لبس أحد خفيه بعد أن غسل إحدى رجليه وقبل أن يغسل الأخرى، فقال مالك : لا يمسح على الخفين لأنه لابس للخف قبل تمام الطهارة وهو قول الشافعي و أحمد و إسحاق ]، فلو غسل رجلاً وأدخلها، فمذهب الشافعي و أحمد لم تحصل الطهارة كاملة، وليس متوضئاً ما دام بقي له رجل، فلم تحصل الطهارة، بل لا بد أن يغسل الثنتين، [ وقال أبو حنيفة و الثوري و المزي و الطبري و داود : يجوز له المسح، وبه قال جماعة من أصحاب مالك منهم مطرف وغيره، وكلهم أجمعوا على أنه لو نزع الخف الأول بعد غسل الرجل الثانية، ثم لبسها جاز له المسح ] لكن إذا غسل الأولى ولبس، وغسل الثانية ولبس، ولكنه بعد ذلك نزع الأولى ورجع، فقد أجمعوا على أنه أدخلهما طاهرتين.

قوله: (ثم لبسها جاز له المسح)، الراجح أنه يشترط في صحة المسح عليهما لبسهما بعد طهارة كاملة؛ لما يدل عليه ظاهر سياق حديث المغيرة .


استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2956 استماع
كتاب الزكاة [1] 2913 استماع
كتاب الطهارة [15] 2905 استماع
كتاب الطهارة [3] 2619 استماع
كتاب الصلاة [33] 2566 استماع
كتاب الصلاة [29] 2416 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2388 استماع
كتاب الطهارة [2] 2365 استماع
كتاب الصلاة [1] 2328 استماع
كتاب الطهارة [22] 2234 استماع