شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس السادس)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

اسمع كلام محققٍ في قوله     لا ينثني عنه ولا يتبدل

معاني السمع في اللغة

السمع هنا يراد على ظاهره, ويقصد شيخ الإسلام رحمه الله تعالى بهذا أنه ينبغي لك الإنصات والإصغاء لما سأقوله عن عقيدتي ومذهبي؛ ولأن فائدة السمع هو العمل بالمسموع, فمن سمع الحق ولم يعمل به فهو والذي لا يسمع سواء لا فرق بينهما، وكم من الناس يسمعون وكأنهم لا يسمعون كما سنبـين ذلك.

رتب الله السماع الذي يؤدي إلى الامتثال والعمل على قضية سماع الحس وهو سماع الأذن وهذا الحكم في الجملة، ولهذا من لا يسمع سماعاً كلياً إطلاقاً يصعب عليه أن يفهم ويعمل، وكانت حاسة السمع من أعظم الوسائل في إيصال المعلومات للإنسان؛ ولأن يفقد الإنسان بصره خير له من أن يفقد سمعه، ولهذا كم نجد من علمائنا من فقدوا البصر، ولكنهم برزوا على الناس كلهم، ولكن لا نجد من العلماء من فقدوا السمع وتميزوا على سائر الناس.

وقد يطلق السمع ويراد به غير ظاهره، وإنما هو كناية عن الانتفاع بالمسموع، ولهذا ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال:22] وهذا تشبيه للكفار، فإن الكفار صم بكم، أنهم يسمعون ويبصرون ويتكلمون، ولِمَ وصفوا بهذا الوصف؟

الجواب: هذا كناية عن عدم انتفاعهم بما جاءهم من الآيات والنذر، وأنهم كمن لم يسمع شيئاً.

ولذلك فإن هذه الآية ظاهرها أن الدابة الصماء البكماء تعتبر أخس الدواب كلها، ولهذا شبهوا بالصم في عدم الانتفاع بما سمعوا به؛ لأنه مما ينبغي على المسلم إذا سمع شيئاً وعرف مدلوله أن ينقاد إليه ويعمله، وشبهوا بالبكم بناءً على انقطاع الحجة في المناقشة وفي العجز عن رد الحق الذي وصل إليهم، وهو مما جاءهم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال رب العزة سبحانه وتعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23] مع أن عندهم آذاناً يسمعون ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن قصد هنا: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ [الأنفال:23] أي: أن قلوبهم لا تستفيد من الآيات ولا مما جاءهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول الله: وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:101].

جاء المؤلف رحمه الله لما قال: (اسمع) بصيغة الأمر لأن ذلك من أساليب التشويق لما يراد أن يقال بعد هذه الكلمة، فقد سأله عن عقيدته ومذهبه ودعا له بأن يرزق الهداية.

قال له: (اسمع) من باب تنبيه الإنسان، مثلما أقول: أيها الإخوة! اسمعوا ما سأقول لكم، ومعلوم أنني ما جلست إلا لتسمعوا أصلاً، فلماذا جئت بـ(اسمع)؟ من باب جذب قلب السامع، ومن باب تهيئته لما سيلقى إليه، وهذا أسلوب من الأساليب التي تستعمل في لغة العرب.

معنى الكلام والقول

قال شيخ الإسلام رحمه الله:

اسمع كلام محققٍ في قوله

قال أهل اللغة: الكلام هو ما تركب من كلمتين فأكثر، وله معنى مفيد مستقل.

قد يتركب الكلام من كلمتين لكن لا يفيد شيئاً ولا يسمى كلاماً، وإنما يسميه أهل اللغة: (القول) كما سيأتي الكلام على ذلك، والكلام يتركب من كلمتين، وأصل الكلام كلمة، والكلمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: اسم، وفعل، وحرف، ومنها يتركب الكلام ويتركب القول.

قوله: (في قوله) قال في لسان العرب : القول هو الكلام على الترتيب، وهو كل لفظ قال به اللسان تاماً كان أو ناقصاً، ويدلنا على هذا الكلام ما قاله صاحب اللسان: أن القول أعم من الكلام، الكلام المفيد: قام زيد، هذا كلام مفيد ركب من كلمتين، وله معنىً مفيد مستقل، أما القول فقد يكون من كلمتين بينهما تنافر، وهي في اللغة تعتبر تركبت من كلام اللغة، مثل: قام، صار، لو ركبنا هذا ما تم شيء عندنا، وتعتبر هذه الكلمة لا تفيد شيئاً، وإنما جاء في كتب النحو أن تعريف القول: كل لفظ نطق به الإنسان سواء كان لفظاً مركباً أو لفظاً مفرداً، وسواء كان مفيداً أو غير مفيد، ويُعني بالقول: الألفاظ المفردة التي ينبني منها الكلام.

القول له إطلاقات متعددة ومن إطلاقاته: المسائل الاعتقادية، ولهذا تجد العلماء رحمهم الله تعالى يقولون: وهذا قول المعتزلة ، وهذا قول الخوارج ، دل على أن هذا هو معتقد المعتزلة أو معتقد الخوارج .

وقد يطلق ويراد به الرأي، كما يقال: هذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أي: هذا رأي لـأبي حنيفة رحمه الله تعالى.

معنى قول الناظم: (محقق)

قول المؤلف في مسألة:

اسمع كلام محقق قي قوله

المحقق قال في اللسان : أحققت الشيء أي: أوجبته، وتحقق عنده الخبر أي: صح، وحقق قوله وظنه تحقيقاً أي: صدق، وكلام محقق أي: رصين.

وقالوا: يصل الإنسان إلى مرتبة التحقيق بحيث لا يعتريه شك ولا تردد ولا رجوع عما اعتقده، وهذا يؤخذ من معنى: محقق، أي أن هذا كلام موثق ويقين وجزم لا تردد فيه أبداً، وشيخ الإسلام إذ يعرض عقيدته ليس عنده تردد في مسألة الاعتقاد، بل هو جازم حق الجزم.

ولعلنا ننبه هنا تنبيهاً لطيفاً عند قوله:

اسمع كلام محقق في قوله     لا ينثني عنه ولا يتبدل

يقول العلماء رحمهم الله تعالى: إن أهل البدع دائماً لا ينقلبون عن مذاهبهم، ولعل هذا ينطبق على أهل الكلام والنظر، ولقد اتفق سلف الأمة رحمهم الله تعالى على النهي عن الجدال والخصومات على منهاج أهل الكلام والبدع، خاصة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، ونهوا عن ذلك أشد النهي، ولعل السبب في ذلك: أن أهل الكلام والنظر سرعان ما يتقلبون يمنة ويسرة فلا ينضبطون في معتقدهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، فهذا الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله قالوا: إنه كان ربيباً عند القاضي أبي علي الجبائي رباه على الاعتزال أربعين سنة، ثم قيض الله له أن أضاء الله قلبه، وكانت النتيجة أن رجع عن مذهب الاعتزال ورد عليهم رداً قوياً، وغير مذهبه إلى الكلابية ، ثم بعد فترة انتقل وكتب كتابه (الإبانة عن أصول الديانة)، وأعلن فيه رجوعه عن معتقد أهل الكلام كله، وقال: إنه في باب الأسماء والصفات يسير على عقيدة الإمام أحمد رحمه الله ورضي عنه، واعتبر الإمام أحمد مرجعاً ورمزاً لـأهل السنة والجماعة دائماً يعتمدون عليه، ويفخر الإنسان أنه على عقيدة الإمام أحمد .

السمع هنا يراد على ظاهره, ويقصد شيخ الإسلام رحمه الله تعالى بهذا أنه ينبغي لك الإنصات والإصغاء لما سأقوله عن عقيدتي ومذهبي؛ ولأن فائدة السمع هو العمل بالمسموع, فمن سمع الحق ولم يعمل به فهو والذي لا يسمع سواء لا فرق بينهما، وكم من الناس يسمعون وكأنهم لا يسمعون كما سنبـين ذلك.

رتب الله السماع الذي يؤدي إلى الامتثال والعمل على قضية سماع الحس وهو سماع الأذن وهذا الحكم في الجملة، ولهذا من لا يسمع سماعاً كلياً إطلاقاً يصعب عليه أن يفهم ويعمل، وكانت حاسة السمع من أعظم الوسائل في إيصال المعلومات للإنسان؛ ولأن يفقد الإنسان بصره خير له من أن يفقد سمعه، ولهذا كم نجد من علمائنا من فقدوا البصر، ولكنهم برزوا على الناس كلهم، ولكن لا نجد من العلماء من فقدوا السمع وتميزوا على سائر الناس.

وقد يطلق السمع ويراد به غير ظاهره، وإنما هو كناية عن الانتفاع بالمسموع، ولهذا ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال:22] وهذا تشبيه للكفار، فإن الكفار صم بكم، أنهم يسمعون ويبصرون ويتكلمون، ولِمَ وصفوا بهذا الوصف؟

الجواب: هذا كناية عن عدم انتفاعهم بما جاءهم من الآيات والنذر، وأنهم كمن لم يسمع شيئاً.

ولذلك فإن هذه الآية ظاهرها أن الدابة الصماء البكماء تعتبر أخس الدواب كلها، ولهذا شبهوا بالصم في عدم الانتفاع بما سمعوا به؛ لأنه مما ينبغي على المسلم إذا سمع شيئاً وعرف مدلوله أن ينقاد إليه ويعمله، وشبهوا بالبكم بناءً على انقطاع الحجة في المناقشة وفي العجز عن رد الحق الذي وصل إليهم، وهو مما جاءهم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال رب العزة سبحانه وتعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23] مع أن عندهم آذاناً يسمعون ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن قصد هنا: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ [الأنفال:23] أي: أن قلوبهم لا تستفيد من الآيات ولا مما جاءهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول الله: وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:101].

جاء المؤلف رحمه الله لما قال: (اسمع) بصيغة الأمر لأن ذلك من أساليب التشويق لما يراد أن يقال بعد هذه الكلمة، فقد سأله عن عقيدته ومذهبه ودعا له بأن يرزق الهداية.

قال له: (اسمع) من باب تنبيه الإنسان، مثلما أقول: أيها الإخوة! اسمعوا ما سأقول لكم، ومعلوم أنني ما جلست إلا لتسمعوا أصلاً، فلماذا جئت بـ(اسمع)؟ من باب جذب قلب السامع، ومن باب تهيئته لما سيلقى إليه، وهذا أسلوب من الأساليب التي تستعمل في لغة العرب.

قال شيخ الإسلام رحمه الله:

اسمع كلام محققٍ في قوله

قال أهل اللغة: الكلام هو ما تركب من كلمتين فأكثر، وله معنى مفيد مستقل.

قد يتركب الكلام من كلمتين لكن لا يفيد شيئاً ولا يسمى كلاماً، وإنما يسميه أهل اللغة: (القول) كما سيأتي الكلام على ذلك، والكلام يتركب من كلمتين، وأصل الكلام كلمة، والكلمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: اسم، وفعل، وحرف، ومنها يتركب الكلام ويتركب القول.

قوله: (في قوله) قال في لسان العرب : القول هو الكلام على الترتيب، وهو كل لفظ قال به اللسان تاماً كان أو ناقصاً، ويدلنا على هذا الكلام ما قاله صاحب اللسان: أن القول أعم من الكلام، الكلام المفيد: قام زيد، هذا كلام مفيد ركب من كلمتين، وله معنىً مفيد مستقل، أما القول فقد يكون من كلمتين بينهما تنافر، وهي في اللغة تعتبر تركبت من كلام اللغة، مثل: قام، صار، لو ركبنا هذا ما تم شيء عندنا، وتعتبر هذه الكلمة لا تفيد شيئاً، وإنما جاء في كتب النحو أن تعريف القول: كل لفظ نطق به الإنسان سواء كان لفظاً مركباً أو لفظاً مفرداً، وسواء كان مفيداً أو غير مفيد، ويُعني بالقول: الألفاظ المفردة التي ينبني منها الكلام.

القول له إطلاقات متعددة ومن إطلاقاته: المسائل الاعتقادية، ولهذا تجد العلماء رحمهم الله تعالى يقولون: وهذا قول المعتزلة ، وهذا قول الخوارج ، دل على أن هذا هو معتقد المعتزلة أو معتقد الخوارج .

وقد يطلق ويراد به الرأي، كما يقال: هذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أي: هذا رأي لـأبي حنيفة رحمه الله تعالى.

قول المؤلف في مسألة:

اسمع كلام محقق قي قوله

المحقق قال في اللسان : أحققت الشيء أي: أوجبته، وتحقق عنده الخبر أي: صح، وحقق قوله وظنه تحقيقاً أي: صدق، وكلام محقق أي: رصين.

وقالوا: يصل الإنسان إلى مرتبة التحقيق بحيث لا يعتريه شك ولا تردد ولا رجوع عما اعتقده، وهذا يؤخذ من معنى: محقق، أي أن هذا كلام موثق ويقين وجزم لا تردد فيه أبداً، وشيخ الإسلام إذ يعرض عقيدته ليس عنده تردد في مسألة الاعتقاد، بل هو جازم حق الجزم.

ولعلنا ننبه هنا تنبيهاً لطيفاً عند قوله:

اسمع كلام محقق في قوله     لا ينثني عنه ولا يتبدل

يقول العلماء رحمهم الله تعالى: إن أهل البدع دائماً لا ينقلبون عن مذاهبهم، ولعل هذا ينطبق على أهل الكلام والنظر، ولقد اتفق سلف الأمة رحمهم الله تعالى على النهي عن الجدال والخصومات على منهاج أهل الكلام والبدع، خاصة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، ونهوا عن ذلك أشد النهي، ولعل السبب في ذلك: أن أهل الكلام والنظر سرعان ما يتقلبون يمنة ويسرة فلا ينضبطون في معتقدهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، فهذا الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله قالوا: إنه كان ربيباً عند القاضي أبي علي الجبائي رباه على الاعتزال أربعين سنة، ثم قيض الله له أن أضاء الله قلبه، وكانت النتيجة أن رجع عن مذهب الاعتزال ورد عليهم رداً قوياً، وغير مذهبه إلى الكلابية ، ثم بعد فترة انتقل وكتب كتابه (الإبانة عن أصول الديانة)، وأعلن فيه رجوعه عن معتقد أهل الكلام كله، وقال: إنه في باب الأسماء والصفات يسير على عقيدة الإمام أحمد رحمه الله ورضي عنه، واعتبر الإمام أحمد مرجعاً ورمزاً لـأهل السنة والجماعة دائماً يعتمدون عليه، ويفخر الإنسان أنه على عقيدة الإمام أحمد .


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عمر سعود العيد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الأول) 2465 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثامن) 2411 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الخامس) 2365 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الخامس عشر) 2221 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس السادس عشر) 2207 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثاني عشر) 2101 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس التاسع) 2086 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الرابع) 2068 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الثامن عشر) 2001 استماع
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس الحادي عشر) 1941 استماع