عنوان الفتوى : مدى صحة قصة خوات بن جبير
أريد تفصيلاً عن صحة قصة خوات بن جبير، التي رواها الطبراني -ومِن طريقه أبو نُعيم في "معرفة الصحابة" مِن طريق جَرِير بن حَازِم. قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بن أَسْلَمَ يُحَدِّثُ، أَنَّ خَوَّاتَ بن جُبَيْرٍ، قَالَ: نَزَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ الظَّهْرَانِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ خِبَائِي فَإِذَا أَنَا بنسْوَةٍ يَتَحَدَّثْنَ، فَأَعْجَبْنَنِي، فَرَجَعْتُ فَاسْتَخْرَجْتُ… إلى آخر القصة.
أريد معرفة صحة هذا القصة، فهناك اختلاف كبير فيها؟
وإن كانت ضعيفة، فهل يصح روايتها، واستخراج الفوائد من متنها، وتعامل النبي -عليه الصلاة والسلام- العظيم مع خوات، واستخراج الفوائد التربوية من ذلك؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلفظ تلك القصة هكذا: عن خوات بن جبير قال: نزلنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- َمرَّ الظهران، فخرجت من خبائي، فإذا أنا بنسوة يتحدثن؛ فأعجبنني، فرجعت فاستخرجت عيْبَتي، فاستخرجت منها حُلة فلبستها، وجئت فجلست معهن. وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قبته فقال: أبا عبد الله، ما يجلسك معهن؟ فلما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هبته، واختلطت. قلت: يا رسول الله جمل لي شرد، وأنا أبتغي له قيدا، فمضى، واتبعته، فألقى رداءه ودخل الأراك، كأني أنظر إلى بياض متنه في خضرة الأراك، فقضى حاجته وتوضأ، فأقبل والماء يسيل من لحيته على صدره. فقال: أبا عبد الله ما فعل شراد جملك؟ ثم ارتحلنا، فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال: السلام عليك يا أبا عبد الله، ما فعل شراد ذلك الجمل؟ فلما رأيت ذلك تعجلت إلى المدينة، واجتنبت المسجد، والمجالسة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما طال ذلك تحينت ساعة خلوة المسجد، فأتيت المسجد فقمت أصلي، وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بعض حجره، فجاء فصلى ركعتين خفيفتين، وطولت رجاء أن يذهب ويدعني، فقال: طول أبا عبد الله ما شئت أن تطول، فلست ذاهبا حتى تنصرف، فقلت في نفسي: والله لأعتذرن إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولأبرئن صدره، فلما انصرفت، قال: السلام عليك أبا عبد الله ما فعل شراد ذلك الجمل؟ فقلت: والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت، فقال: رحمك الله (ثلاثا)، ثم لم يعد لشيء مما كان. وهذا الحديث أخرجه الطبراني كما ذكرت.
قال الهيثمي: رواه الطبراني من طريقين، ورجال أحدهما رجال الصحيح، غير الجراح بن مخلد وهو ثقة. انتهى.
وأورد هذه القصة بهذا السياق ابن الجوزي في المنتظم، وابن عساكر في تاريخ دمشق، والمزي في تهذيب الكمال، وابن حجر في الإصابة، وكلهم سكت عنها.
وهذا الخبر يشتمل على طرف من حسن خُلق النبي -صلوات الله عليه-، ولينه لأصحابه، ونهيه عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة.
ومن ثمَّ، فلا نرى مانعا من حيث الأصل من التحديث بها. وقد عرفت ما قاله الهيثمي وهو من كبار المحدثين في سندها، وأن رجال الخبر رجال الصحيح، خلا راوية ثقة.
والله أعلم.