أرشيف المقالات

العمل في الترويحة

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
العمل في الترويحة

تقدم أنَّ الترويحة مأخوذة من الراحة، فهي فاصل لأجل الراحة، وفي مرسل الحسن البصري: قدرها بقضاء الحاجة والوضوء، وتقدم نهي الصحابة رضي الله عنهم عن الصلاة أثناء الترويحة، فصح النهي عن أبي الدرداء، ورُوي عن عبادة بن الصامت وعقبة بن عامر رضي الله عنهم، وتقدم عن أحمد: لم تَصِح الرخصة في الصلاة بين التراويح عنهم رضي الله عنهم.
 
واختلف التابعون فتقدَّم عن عبدالرحمن بن الأسود والحسن البصري الصلاة، وكرِهه ابن جبير.
 
وصلى أثناء الترويحة أتباع التابعين الأوزاعي وسعيد بن عبدالعزيز التنوخي، وعبدالرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، والليث بن سعد وبكر بن مضر المصريان.
 
وينص الأحناف على أنَّهم في الترويحة يسبِّحون أو يهللون، أو ينتظرون سكوتًا، أو يصلون أربعًا فرادى[1]، وعند المالكية لا بأس بالنفل في جلسات الإمام وبالذكر الفردي[2].
 
وقال بعض الشافعية: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو بين التسليمات ويصلي[3].
 
أمَّا الحنابلة فقال حنبل: كان أبو عبدالله يصلي معنا، فإذا فرغنا من الترويحة جلس وجلسنا، وربما تحدَّث ويُسأل عن الشيء فيُجيب...
وقال الفضل: رأيت أحمد يقعد بين التراويح ويردِّد هذا الكلام: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو، وقال ابن القيم: وجلوس أبي عبدالله للاستراحة؛ لأنَّ القيام إنَّما سمي تراويحَ لِما يتخلَّله من الاستراحة بعد كل ترويحة[4].
 
فالذي يظهر لي أنَّ العمل في الترويحة نوعان:
الأول: عمل مباح كقضاء الحاجة والأكل والشرب، والحديث المباح والنوم، فالأصل فيه الجواز، ويكون مستحبًّا إذا أعان على القيام، فالوسائل لها أحكام المقاصد، فالترويحة شُرعت لأجل الراحة وإعادة النشاط.
 
الثاني: عبادة مَحضة؛ من صلاةٍ وتعليم علمٍ ووعظٍ، واعتزال الناس للذكر والقراءة، فهو مستحبٌّ، لكن لا يداوم على شيء بخصوصه، والله أعلم.



[1] انظر: فتح القدير (1/ 408)، والمحيط البرهاني (1/ 457)، والبحر الرائق (2/ 122)، والبناية شرح الهداية (2/ 660).


[2] انظر: المدونة (1/ 224)، والحوادث والبدع ص (59)، والتاج والإكليل (2/ 382)، وأسهل المدارك (1/ 186)؛ قال ابن الحاج في المدخل (2/ 293 - 294) فصلٌ في الذكر بعد التسليمتين من صلاة التراويح، ينبغي له أن يتجنب ما أحدثوه من الذكر بعد كل تسليمتين من صلاة التراويح، ومن رفع أصواتهم بذلك، والمشي على صوت واحد، فإنَّ ذلك كله من البدع، وكذلك يُنهى عن قول المؤذن بعد ذكرهم بعد التسليمتين من صلاة التراويح: الصلاة يرحمكم الله فإنَّه محدث أيضًا.


[3] سئل ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية (1/ 266): هل تُسن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بين تسليمات التراويح، أو هي بدعة ينهى عنها؟
(فأجاب) بقوله: الصلاة في هذا المحل بخصوصه لم نرَ شيئًا في السنة ولا في كلام أصحابنا، فهي بدعة يُنهى عنها من يأتي بها بقصد كونها سنةً في هذا المحل بخصوصه، دون من يأتي بها لا بهذا القصد، كأن يقصد أنَّها في كل وقت سنة من حيث العموم ...
ومما يشهد للصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بين تسليمات التراويح أنَّه يُسن الدعاء عقب السلام من الصلاة، وقد تقرَّر أنَّ الداعي يُسن له لصلاة أول الدعاء وأوسطه وآخره، وهذا مما أجمع عليه العلماء في أوله وآخره.


[4] بدائع الفوائد (4/ 109، 110)، وانظر: الفروع (1/ 548)، والإنصاف (2/ 181)، وكشاف القناع (1/ 426)، ومطالب أولي النهى (2/ 63).

شارك الخبر

المرئيات-١