أرشيف المقالات

جهود العرب في علم الفلك

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
يعرف علم الفلك بأنه الدراسة العلمية للأجرام السماوية، أي دراسة الأجسام والمواد الموجودة خارج الغلاف الجوي مثل «النجوم والكواكب والمذنبات والمجرات»، ودراسة خصائصها الفيزيائية والكيميائية. وعلم الفلك من العلوم القليلة التي ساهم الهواة بدور هام فيها، فكان بعضهم من خلال متابعته الشخصية، يرصد أو يكتشف بعض الظواهر العابرة. وقد تطورت أساليب البحث وتقنيات الرصد، ففتحت الآفاق واسعة من الأرض إلى الفضاء، وبما أن علم الفلك يتكئ على العلوم الأخرى ويتداخل معها، لذلك وجب على الباحث فيه إتقان الرياضيات والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والإلكترون والحاسوب وغيرها من العلوم التي يحتاجها لأبحاثه. وحتى القرن العشرين كان علم الفلك شاملا، وبعدها تم الفصل بين علم الفلك الرصدي وعلم الفلك النظري، فكان الأول يدرس المراصد، سواء الموجودة على الأرض، أو التي أرسلت إلى الفضاء، ويتم فيه جمع المعلومات والصور وتحليل البيانات عبر أنواع التلسكوبات منها: «تلسكوب الأشعة تحت الحمراء، وتلسكوب أشعة غاما، وتلسكوب الأشعة السينية»، ومن نتائج هذه الدراسات ينشأ علم الفلك النظري الذي يهتم بصياغة النظريات، وتطوير نماذج العمليات الفيزيائية الحاصلة في النجوم والمجرات وسائر الأجرام السماوية، وبهذا يتم تفسير الظواهر الفلكية وعلاقتها بالأرض وساكنيها وتأثيرها عليهم.
فيمكن من خلال دراسة نشوء وحياة وموت النجوم، وضع نتائج محتملة لما يمكن أن يحدث لشمسنا في المستقبل. أهم فروع علم الفلك الحديث: 1- قياس مواقع النجوم: فقياس مواقع النجوم في السماء بدقة، كفيل برصد تحركاتها فيما بعد. 2- الميكانيكا السماوية: ويختص هذا الفرع برصد حركة الكواكب والأقمار في مجموعتنا الشمسية، ووفق قانون الجاذبية، يمكن التنبؤ بتلك الحركات قبل عشرات السنين من حدوثها، مثال ذلك حساب وتحديد زمن خسوف القمر. 3- الفيزياء الفلكية: وهي دراسة طبيعة الكواكب وفيزياء النجوم، ودراسة محيط ما بين النجوم. 4- فيزياء الكون: وهي دراسة الكون ومكوناته بمجملها، وما يمكن أن يحدث في مستقبله. جهود العلماء العرب في علم الفلك في العصر الجاهلي بقي الاهتمام بعلم الفلك في حدود الفطرة والفراسة، لحاجتهم للاعتماد على النجوم كدليل في صحرائهم المترامية الأطراف، وكانوا يشركون معه علم التنجيم بما لديهم من خرافات وشعوذة. بعد أن ثبتت الدولة الإسلامية أركانها، اهتم العلماء فيها بعلم الفلك، فجمعوا وترجموا ما كان منه عند اليونانيين والفرس والهنود والصينيين والكلدانيين والسريان، وأول ما ترجم من الكتب كتاب «مفاتيح النجوم» المنسوب إلى هرمس الحكيم من اليونانية إلى العربية أواخر عصر الدولة الأموية، ويعد كتاب المجسطي لبطليموس المترجم عن اليونانية أيضا في العصر العباسي من أهم الكتب المختصة في هذا العلم. ويعود الفضل للحضارة العربية الإسلامية بالنسبة لعلم الفلك، بحفظ علم من سبقها من أمم وحضارات وتصحيح ما كان فيه من مغالطات. كما كان لعلماء المسلمين الفضل في التفريق بين علم الفلك و«التنجيم» إذ اعتبروا أن علم الفلك علم يقينا والتنجيم تخمينا، فالتنجيم نظام يعتقد أن هناك علاقة بين الشؤون الإنسانية ومواضع الأجسام السماوية، ويشترك مع علم الفلك باستخدام التقويم الفلكي، وقد انحرف به الكثيرون إلى الدجل والشعوذة. بعد مرحلة الترجمة والتصحيح، بدأت مرحلة الإبداع والابتكار، فقد بنى بعض علماء الدولة الإسلامية مراصد خاصة بهم، كانوا يتابعون بواسطتها حركة الكواكب والنجوم، ويسجلون مشاهداتهم بدقة علمية جعلتهم فيما بعد مراجع لعلماء أوروبا والغرب، حيث اعتمد علماء أوروبا في عصر النهضة وما بعده على البحوث الفلكية التي قامت بها المراصد الفلكية العربية والإسلامية بدقة قريبة جدا من الاكتشافات الحديثة. أشهر المراصد الفلكية العربية والإسلامية: - مرصد جبل قاسيون في دمشق، الذي أمر بإنشائه الخليفة المأمون. - مرصد باب الشماسية في أعلى ضاحية من بغداد، أيضا أنشئ في عهد الخليفة المأمون. - مرصد ابن الشاطر في الشام. - مرصد الدينوري في أصفهان. - مرصد أولغ بك في سمرقند. - المرصد الذي أقامه أبناء موسى بن شاكر في بغداد، وفيه استخرجوا حساب العرض الأكبر. - مرصد نصير الدين الطوسي في مراغة في بلاد فارس، الذي يعد من أشهر المراصد وأكبرها، فقد اشتهر بدقة آلاته وتفوق المشتغلين فيه على غيرهم. وهنالك ما يزيد عن مئة وخمسين اسما ومصطلحا أطلقها العلماء العرب على نجوم وكواكب كثيرة، مازالت معروفة حتى عصرنا الحالي بالأسماء العربية القديمة ذاتها، منها: العنقاء: Anka بيت الجوزاء: Bet - Elgeuse الدبران: Aldebran المقنطرة: Al – Mucantar السموت: Azimuth الطائر: Altair فم الحوت: Familheut الذنب: Deneb العلماء العرب وجهودهم في علم الفلك: يعتبرعبدالرحمن بن عمر بن محمد ابن سهل الصوفي الرازي (ت 376هـ/ 986م) ثالث ثلاثة من العلماء العظماء الذين كتبوا في الكواكب الثابتة.
فمنزلته بين بطليموس وأرغلندر، ولم يكتف في كتابه «الكواكب الثابتة» من متابعة بطليموس في كتابه «المجسطي» لكنه قام برصد النجوم نجما نجما وبدقة شُهد له بها فيما بعد، فقد عين أقدار النجوم وأماكنها، ووضح بالرسوم الملونة للأبراج والأجسام السماوية - على شكل أناس وحيوانات - ما كان قد ذكره في كتابه، وسماها بأسماء عربية مازالت مستعملة حتى الآن، منها: الحوت، العقرب، الدب الأكبر، الدب الأصغر. ولمحمد بن الحسن بن الهيثم (ت 432هـ/ 1041م) مؤلف «مقالة في علم الهيئة» الذي يعد النسخة الأصلية لنظرية بويرباخ النمساوي التي أخذ عنها تلميذه رجيومونتان ومن بعده كوبرنيكوس.
ولقد أُطلق عليه بطليموس الثاني لما أبدعه في علم الهيئة من مقالات؛ وصل منها سبع عشرة مقالة، كتب فيها عن أحجام وأبعاد الأجرام السماوية وكيفية رؤيتها، وعن ارتفاع القطب والرصد النجومي...إلخ.
وهو من اخترع أول كاميرا في التاريخ وسماها «الخزانة المظلمة ذات الثقب»، وقد استعملها علماء الفلك العرب في مراصدهم، مما ساعدهم على معرفة نسب النجوم والكواكب وأحجامها، وعلى اكتشاف نجوم جديدة نتيجة متابعتهم واهتمامهم بهذا العلم. أما أبوالريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي (ت 440هـ/ 1048م)، فقد كان يجيد إضافة للغة العربية الفارسية واليونانية والسنسكريتية والسريانية، لذلك فقد اطلع على المراجع الفلكية من مصادرها وليس من ترجماتها.
ومن أهم كتبه في علم الفلك الكتاب الذي ألفه للسلطان مسعود بن محمود بن سبكتكين في الهيئة والنجوم والجغرافيا، بعنوان «كتاب القانون المسعودي»، وتعود أهمية هذا الكتاب للجهد الذي بذله مؤلفه في ذكر ما توصل إليه علماء الفلك في الحضارات السابقة والمعاصرين له، إذ لم يكتف بما قرأه عنهم، بل كان يتحقق من ذلك، سواء بقيامه بإعادة الحسابات بنفسه، أو بالرصد من جديد ولأكثر من مرة.
وكان أول من استحدث المنهج التجريبي في علم الفلك، فقاد أبحاثا تجريبية متعلقة بظواهر فلكية، واكتشف أن مجرة درب التبانة هي عبارة عن مجموعة نجوم سديمية، كما اكتشف أن التجاذب يحدث بين الأجرام والفلكات السماوية منتقدا بذلك أرسطو الذي يعتبر أن تلك الأجرام لا تملك خفة أو جاذبية. ومحمد بن جابر بن سنان البتاني (ت 929هـ)، ألف جداول لمدارات الشمس والقمر، أكد فيها أن ما ذكره بطليموس عن منحى شذوذ الشمس متغير وليس ثابتا، كما عمل على حساب وقت أول ظهور للهلال بعد القمر الجديد، وقياس طول السنة الشمسية والسنة الفلكية، وتوقع زمن الخسوف. اخترع علماء الفلك العرب آلات ومعدات لم تعرف من قبلهم، استعانوا فيها في مراصدهم، منها آلة الربع المجيب، الربع المقنطر، ذات الشعبتين، ذات السمت والارتفاع، الحلقة الاعتدالية، مزاول لقياس الوقت.
وطوروا الأسطرلاب اليوناني بما يتفق مع اكتشافاتهم الفلكية، فصنعوا الأسطرلاب الكروي والأسطرلاب الزورقي. أتقنوا صناعة الجداول الرياضية العددية (الأزياج) لأنها من أهم مستلزمات الرصد الفلكي، فبواسطتها تحدد مواقع الكواكب وأوضاعها من حيث الارتفاع والانخفاض والميول والحركات في أفلاكها. رصد العالم الفلكي المصري علي بن رضوان في عام 1006م، أكثر المستعرات العظمى سطوعا في التاريخ، ووصف بدقة النجم المؤقت، فقال أنه أكبر بمرتين أو ثلاث من قرص الزهرة، أما سطوعه فيعادل ربع سطوع القمر. وهكذا نرى أن للعرب فضلا في تطوير وتصحيح مفاهيم علم الفلك.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير