الأخبار والآراء
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
(مملكة مراكش ومؤتمر الجزيرة)
كتبنا في العدد الخامس عشر من سنة المنار الأولى الذي صدر في 9 صفر
سنة 1316 أي منذ ثمان سنين كاملة إنذارًا لسلطان مراكش بأن طوفان أوربا لا بد
أن يفيض على بلاده فيغمرها إذا هو لم يبادر إلى إصلاح شأنها بالتربية والتعليم
اللذين تقتضيهما حالة العصر لا سيما تعليم الفنون العسكرية والمدنية والاقتصادية ,
ونصحنا له بأن يستعين على ذلك بسلطان الدولة العثمانية. ثم أعدنا النُّذُر والنصائح ولكن القوم في غمرة ساهون، لا يتوبون ولا هم يذَّكَّرون، وإنما يعتمدون على أهل القبور في دفع الضر أو تحويله عنهم.
كما علمت من التجائهم إلى قبر سيدي إدريس عندما أرادت فرنسا الافتيات عليهم وجؤارهم عنده بكلمة: (يا لطيف) مائة ألف مرة! .
وقد كان من أسباب استدراجهم في اعتقادهم ما كان من عاهل الألمان يومئذ وإيعازه إلى السلطان عبد العزيز بطلب عرض إصلاح مراكش على مؤتمر أوربي فانعقد المؤتمر في الجزيرة من حواضر أسبانيا فاتفق أعضاؤه على وجوب إنشاء مصرف (بنك) لتلك المملكة وإنشاء شرطة (بوليس) يدير أمرها ضباط أوربيون.
أما المصرف فلابتلاع أموال الحكومة وأما الشرطة فلتأمين تجارة أوربا التي يبتلعون بها أموال الأهالي ويتمكنون بها من إدارة البلاد ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون. وقد طال التنازع بين فرنسا وألمانيا في شأن حصص كل دولة في المصرف وفي كون ضباط الشرطة من الفرنسيس والأسبانيين أم من سائر الدول وفي رئيس هؤلاء الضباط ونحو ذلك مما لا غرض لنا في بيان جزئياته لأننا لا نكتب لأجل إحصاء وقائع التاريخ ولا لأجل تفكيه القراء , إن نكتب إلا لأجل بيان طرق العبرة للمسلمين. مهما اختلف القوم وتنازعوا فهم أقرب إلى الاتفاق على التوفيق بين مصالحهم المتعارضة منا على مصالحنا المتحدة.
وكل ما يتفقون عليه فهو إضعاف لسلطتنا بل تقليص لظلها عن بلادنا ولو بالتدريج الذي هو خير لهم إذ لا يحتاجون فيه إلى بذل دمائهم وأموالهم.
ومن غريب جهلنا أن نعد أنفسنا ظافرين كما طلبوا منا تجديد نفوذ لهم في بلادنا وإزالة نفوذ لنا منها فنالوا بعضه كما جرى لنا في مسألتي كريت ومكدونية , وكما سيجري في مراكش بعد هذا المؤتمر الذي يجعل لهم حقًا رسميًا في القبض على إدارة البلاد وأموالها. إذا أرجعت المسببات إلى أسبابها تبين أن الذي حال بين أهل مراكش وبين الانتفاع بما ذكرناهم وذكرهم به غيرنا هو الجمود على التقاليد والاتكال على أصحاب القبور فهاتان العلتان هما المانعتان من فهم الحق ومن كل تغيير يدعى إليه المقلد للآباء، المفوض أموره إلى من اتخذهم أولياء. *** (مسألة العقبة) كان أهل الرأي في الدولة وأصحاب النفوذ في المابين يرون منذ شرع في سكة الحجاز الحديدية أن من الضروري إحداث ناشط لها ينتهي بفرضة العقبة في البحر الأحمر وقال بعضهم: إذا عجزنا عن إيصال السكة إلى الحرمين فإن ربحنا من السكة لا يكون قليلاً إذا استعضنا على ذلك بإيصالها إلى العقبة.
وقد اجتهد الصدر الأعظم ومختار باشا الغازي وعزت باشا العابد وصادق باشا العظم اجتهادًا عظيمًا في إقناع السلطان بوجوب إنشاء هذا الناشط منذ سنين فكان يأبى ذلك ويحتج بأن هذا يكون وسيلة لتداخل الإنكليز في بلاد العرب , فلما أعياه أمر ثورة اليمن اقتنع بأن إخضاع تلك الولاية وتمكين السلطة فيها من بعض فوائد ناشط العقبة من سكة الحديد فأمر به وأرسلت الجنود العثمانية إلى العقبة لتمهيد العمل. فلما رأت إنكلترا ذلك خافت من الدولة على مصر أضعاف ما كان يخاف منها السلطان على بلاد العرب.
واعتقدت أنه ما دفع السلطان على هذا العمل إلا ألمانيا الدائبة في مناهضة إنكلترا وأنه لا يبعد أن يتفق السلطان مع عاهل الألمان على الزحف على مصر بعد وصول الناشط إلى العقبة فأرادت بناء معاقل عسكرية هناك باسم مصر فكانت الدولة بالمرصاد , فمنعت الجنود المصرية من البناء بالتهديد , فأنشأت إنكلترا تعارض الدولة بأن جنودها احتلت نقطة مما كانت سمحت به لمصر من أرض سيناء واشتدت في ذلك بلسانها وبلسان الحكومة الخديوية التي تنطق بوحيها.
على أن إنكلترا قد غيرت حدود مصر في شبه جزيرة سيناء في الخرائط الجغرافية التي جددتها للمدارس المصرية منذ بضع سنين.