عنوان الفتوى : الترهيب من تقبيل الأجنبي واحتضانه ومصافحته
السؤال
هل لو سلمت على أجنبي بيدي يكون زنا، مثل ما لو حضنته، أو قبلني، أو وقعنا في الفاحشة؟ هل هذا كله زنا؟ أم درجات مختلفة؟ وما الحكم لو أن رجلا أجنبيا سنه كبير احتضنني، واستحييت أن أمنعه؛ لأنه يراني مثل ابنته؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمفتى به عندنا تحريم مصافحة الرجل المرأة الأجنبية، وهو قول أكثر العلماء، وراجعي الفتويين: 1025، 371980.
والوقوع في مقدمات الزنا من النظرة واللمسة ونحوها؛ ليس كالوقوع في الزنا الحقيقي. فالزنا جرم عظيم توعد الله فاعله بالعقاب الشديد في الدنيا والآخرة، لكن جاءت الشريعة بالنهي عن الزنا، وعن مقدماته، وأسبابه.
قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء:32}، ولم يقل سبحانه ولا تزنوا. جاء في تفسير ابن كثير -رحمه الله-: يَقُولُ تَعَالَى ناهيا عباده عن الزنا، وعن مقاربته، ومخالطة أسبابه ودواعيه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً... انتهى.
وقال السعدي -رحمه الله- في تفسيره: والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه، فإن "من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه"، خصوصًا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه. انتهى.
وقد سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه المقدمات زنا على سبيل المجاز، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
قال النووي -رحمه الله- في شرحه على مسلم: معنى الحديث أن بن آدم قُدِّر عليه نصيب من الزنى. فمنهم من يكون زناه حقيقيا بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازا بالنظر الحرام، أو الاستماع إلى الزنى، وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد، بأن يمس أجنبية بيده، أو يقبلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنى، أو النظر، أو اللمس، أو الحديث الحرام مع أجنبية، ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب. فكل هذه أنواع من الزنى المجازي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه. معناه أنه قد يحقق الزنى بالفرج، وقد لا يحققه بأن لا يولج الفرج في الفرج، وإن قارب ذلك. والله أعلم. انتهى.
وهذه المقدمات درجات متفاوتة في الإثم، لكن ذلك لا يعني التهوين من أي منها، فقد جاء وعيد شديد في مجرد مسّ الأجنبية، ففي المعجم الكبير للطبراني عن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له.
قال المناوي -رحمه الله- في التيسير بشرح الجامع الصغير: واذا كان هذا في مجرد المس، فما بالك بما فوقه من نحو قبلة ومباشرة. انتهى.
فلا يجوز لكِ مصافحة أجنبي، فضلاً عن الاحتضان، أو التقبيل، سواء كان شابًّا، أو شيخًا، ولا عبرة بكونه يعاملك كابنته، ولا يجوز أن تتهاوني في هذا المنكر بدافع الخجل، أو مهابة الشخص، أو غير ذلك من الأعذار الواهية؛ فالله سبحانه وتعالى أحقّ بالخشية، والاستحياء، والحرص على مرضاته، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس. رواه الترمذي وغيره.
والله أعلم.