ديوان الإفتاء [262]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد, وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

إخوتي وأخواتي! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأسعد الله أوقاتكم بالخيرات والمسرات, ومع حلقة جديدة, أسأل الله أن يجعلها نافعة مفيدة, وأنبه في بدايتها إلى أن غداً الجمعة التاسع والعشرين من المحرم, سيحصل أطول كسوف حول العالم منذ ألف عام, وسيستمر هذا الكسوف نحو من ثلاث ساعات, وسيكون إحدى عشرة دقيقة وثلاث ثواني مع شروق الشمس.

وهاهنا أنبه إلى مسائل:

المبادرة إلى فعل الطاعات عند وقوع الخسوف أو الكسوف

المسألة الأولى: بأن هذا الشهر قد شهد خسوفاً قبل خمسة عشر يوماً تقريباً والآن يشهد كسوفاً, فحدث خسوف وكسوف في شهر واحد, وكما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله, لا ينكسفان لموت ولا لحياته, وإنما هي آيات يخوف الله بها عباده ), وكما قال سبحانه: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [الإسراء:59].

ولذلك يجب علينا أن نستغفر الله عز وجل, وأن نتوب إليه, وأن نكثر من ذكره وشكره, وأن نتخلص من المظالم, وأن نحسن إلى أزواجنا وإلى أولادنا وإلى جيراننا وأرحامنا, وأن الله عز وجل فيما ولانا إياه, وأن نؤدي أمانة الله عز وجل في الصلاة والزكاة, وغيرها من التكاليف الشرعية؛ لأن هذه الآيات إنما هي تخويف من الله عز وجل لعباده.

ودونكم ما كان في الأخبار من ذلك الزلزال العظيم الذي ضرب جزر هاييتي, وأسفر عن تناثر الجثث في الشوارع, وأن تعيش العاصمة في ظلام دامس, وهذا كله بما كسبت أيدي الناس: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] , وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] , إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44].

فالمطلوب منا أن نستغفر الله عز وجل كما أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم, إذا رأينا هذه الآيات فنفزع إلى الاستغفار, ونفزع إلى الصدقة, ونفزع إلى ذكر الله عز وجل ودعائه والتضرع إليه, ونحن نقول: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان:12].

صفة صلاة الخسوف والكسوف

المسألة الثانية: شرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كسفت الشمس أو خسف القمر أن نصلي صلاة مخصوصة, تسمى صلاة الكسوف, أو صلاة الخسوف.

وهذه الصلاة قد فعلها نبينا عليه الصلاة والسلام ( لما كسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام, فخرج يجر إزاره, فصلى بالمسلمين ركعتين, في كل ركعة ركوعان, افتتح الصلاة وقرأ قراءة طويلة, ثم ركع ركوعاً طويلاً, ثم رفع رأسه فقرأ قراءة طويلة دون الأولى, ثم ركع ركوعاً دون الأول, ثم سجد سجدتين, وفعل في الثانية مثلما فعل في الأولى, ثم وعظ المسلمين موعظة بليغة, وكان مما قال: يا أمة محمد! لا أحد أغير من الله, وإن الله تعالى يغار أن يزني عبده أو تزني أمته ) , إلى آخر ما قاله صلى الله عليه وسلم.

وأخبرهم أنه رأى في مقامه ذاك الجنة والنار, وقال: ( رأيت النار فلم أر كاليوم قط منظراً أفظع عرض علي, وعرض إلي عنقود من عنب الجنة, فلو تناولته لأكلتم ما بقيت الدنيا ) , إلى آخر ما قاله صلوات ربي وسلامه عليه.

ولذلك لا بد للناس أن يقابلوا هذه الظاهرة الكونية, وهذه الآية الربانية بما سنه نبينا صلى الله عليه وسلم من الذكر والدعاء.

صلاة الكسوف في أوقات النهي

لكن لما كان الكسوف غداً إن شاء الله متوقعاً عند طلوع الشمس, ويستمر إحدى عشرة دقيقة وثلاث ثوان, فإنه لا ينبغي أن يصلى في ذلك الوقت؛ لأنه وقت النفل فيه محرم؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة حال طلوع الشمس وحال غروبها, كما في حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: ( ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن, أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع, وحين يقوم قائم الظهيرة, وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب ).

فهذا الوقت لما كانت الصلاة فيه ممنوعة, فإننا نستبدل ذلك بالدعاء, والذكر, والاستغفار, والتوجه إلى الله عز وجل ليكشف عنا ما بنا, وليتوب علينا, ويعفو عنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

تذكر صفات العظمة لله عند حدوث الزلازل والفيضانات

ثم ثالثاً: ينبغي للمسلم أن يحمد الله عز وجل على العافية, وإذا سمع بهذه الآيات الكونية من الخسوفات والزلازل والبراكين والفيضانات التي تضرب مشارق الأرض ومغاربها, وتؤدي إلى هلاك الأنفس, وإتلاف الأموال, لا بد للمسلم أن يتذكر صفات ربنا جل جلاله, أنه على كل شيء قدير, وأنه سبحانه العظيم الجليل الكبير, الذي يقول للشيء كن فيكون.

فإن زلزالاً قد يضرب بلداً, وفي لمح البصر يقتل ألوفاً, بل عشرات الألوف, وتهدم المباني, حتى ذكروا بأن القصر الرئاسي في هاييتي تهدم, وأصبح كأمس الدابر.

يكون هذا كله في لحظات معدودات دلالة على قدرته الباهرة جل جلاله, وعلى أنه سبحانه قادر على أن يأخذ العباد أخذ عزيز مقتدر, لكنه حليم, كريم, رءوف رحيم, وكما قال سبحانه: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ [النحل:61] , وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا [فاطر:45].

أهمية المبادرة بالتوبة إلى سبحانه وتعالى

يا إخوتي ويا أخواتي! التوبة واجبة من كل ذنب, والناس يعصون ويذنبون, وكلنا ذاك الإنسان, ما منا أحد يخلو من معاصي, أو يخلو من آثام وذنوب, لكن السعيد الموفق هو من رجع إلى الله عز وجل وتاب وأناب, وقد قال سبحانه: ( يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي, يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم استغفرتني, غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ), وهو سبحانه وتعالى يعاملنا بحلمه, وبفضله.

وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: ( حملة العرش ثمانية, أربعة يسبحون الله فيقولون: سبحانك على حلمك بعد علمك, وأربعة يقولون: سبحانك على عفوك بعد مقدرتك ), وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17].

فهذا الحلم وهذا العفو من ربنا جل جلاله, الرءوف الرحيم الغفور: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [غافر:3], ينبغي أن يدفعنا إلى أن نسارع بالتوبة, وأن نعجل بالأوبة, وأن نستغفر الله عز وجل قبل أن يحال بيننا وبين الاستغفار, إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:17-18].

التحذير من الغفلة والبعد عن الله

ما أكثر المظالم في دنيا الناس, كم من إنسان يظلم زوجته, ويظلم جيرانه, ويظلم أرحامه, كم من إنسان يأكل أموال الناس بالباطل, كم من إنسان يسعى بالفساد في الأرض, كم من إنسان يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا, كم من إنسان مقصر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, إلى غير ذلك من الآفات والمصائب التي هي سبب لهذه الكوارث التي تنزل بالناس, وهذه القوارع التي تحل قريباً من دارهم.

وقليل من يتذكر ويتعظ, وقليل من يفكر في نفسه ويرجع الأمر إليها: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165]. الله جل جلاله كما قال عن نفسه: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46], لا يظلم سبحانه وتعالى, حاشاه وهو القائل: ( يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي, وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ) .

المطلوب منا إخوتي وأخواتي! أن نرجع الله عز وجل ونفيء إلى ديننا, وأن نعظم أمر ربنا, وأن نحيي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الكوارث, وإلا فإن أهل الغفلة لا ينتبهون, كما قال ربنا سبحانه: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:105-106] .

( وكان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا رأى الغيم, يدخل ويخرج ويتغير وجهه, فتقول له عائشة : يا رسول الله! إن الناس إذا رأوا الغيم استبشروا؟! فقال لها: يا عائشة ! وما يدريني, فإن قوماً قالوا: هذا عارض ممطرنا, قال الله: بل هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ [الأحقاف:24-25] ) . فالمطلوب منا أن نعتبر بهذه الآيات وأن نتعظ.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يكشف عنا العذاب, وأن يتوب علينا توبة نصوحاً يرضيه عنا, اللهم إنا نسألك خير المسألة, وخير الدعاء وخير الثواب, وخير العلم وخير العمل, وخير الحياة وخير الممات, وثبتنا وثقل موازيننا, وحقق إيماننا, وارفع درجاتنا, وتقبل صلاتنا, واغفر خطيئاتنا, ونسألك الدرجات العلى من الجنة, اللهم آمين.

المسألة الأولى: بأن هذا الشهر قد شهد خسوفاً قبل خمسة عشر يوماً تقريباً والآن يشهد كسوفاً, فحدث خسوف وكسوف في شهر واحد, وكما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله, لا ينكسفان لموت ولا لحياته, وإنما هي آيات يخوف الله بها عباده ), وكما قال سبحانه: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [الإسراء:59].

ولذلك يجب علينا أن نستغفر الله عز وجل, وأن نتوب إليه, وأن نكثر من ذكره وشكره, وأن نتخلص من المظالم, وأن نحسن إلى أزواجنا وإلى أولادنا وإلى جيراننا وأرحامنا, وأن الله عز وجل فيما ولانا إياه, وأن نؤدي أمانة الله عز وجل في الصلاة والزكاة, وغيرها من التكاليف الشرعية؛ لأن هذه الآيات إنما هي تخويف من الله عز وجل لعباده.

ودونكم ما كان في الأخبار من ذلك الزلزال العظيم الذي ضرب جزر هاييتي, وأسفر عن تناثر الجثث في الشوارع, وأن تعيش العاصمة في ظلام دامس, وهذا كله بما كسبت أيدي الناس: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] , وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] , إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44].

فالمطلوب منا أن نستغفر الله عز وجل كما أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم, إذا رأينا هذه الآيات فنفزع إلى الاستغفار, ونفزع إلى الصدقة, ونفزع إلى ذكر الله عز وجل ودعائه والتضرع إليه, ونحن نقول: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان:12].