سورة النساء - الآية [136]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ومع النداء السادس والعشرين في الآية السادسة والثلاثين بعد المائة من سورة النساء، قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً [النساء:136].

وفي قراءة ابن كثير و أبي عمرو بن العلاء البصري : (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نُزِّل على رسوله والكتاب الذي أُنزِل من قبل).

توجيه طلب المؤمنين للإيمان

والإشكال عند كثير من أهل التفسير في قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا [النساء:136]، كيف أنهم مؤمنون ويطالبون بالإيمان؟ فذكروا في ذلك وجوهاً:

الوجه الأول: أن المخاطب بهذه الآية هم أهل الكتاب: (يا أيها الذين آمنوا) بــموسى و عيسى (آمنوا بالله) إيماناً شرعياً صحيحاً (ورسوله) محمد صلى الله عليه وسلم، (والكتاب الذي نزل على رسوله) محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن (والكتاب الذي أنزل من قبل) أي: جنس الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله.

إذاً: الوجه الأول: أن المخاطب بهذه الآية هم أهل الكتاب.

الوجه الثاني: أن المخاطب بهذه الآية هم المنافقون: (يا أيها الذين آمنوا) بألسنتهم (آمنوا) بقلوبكم، (آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل) إيماناً يتواطأ فيه القلب مع اللسان، لا يكون إيمانكم إيماناً لسانياً لا يغني عنكم من الله شيئاً.

الوجه الثالث: أن المخاطبين بهذه الآية هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمراد بالأمر بالإيمان: الدوام عليه والثبات حتى موافاة رب العالمين جل جلاله به، كما قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1]، وهو عليه الصلاة والسلام سيد المتقين، لكن المعنى: اثبت على تقوى الله، وكقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ [المائدة:67]، وهو عليه الصلاة والسلام من يومه الأول يبلغ رسالة ربه، لكن المراد: الدوام والاستمرار.

يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله: وهو الجاري على ألسنة أهل العلم، وبناءً عليه جعلوا الآية شاهداً لاستعمال صيغة الأمر في طلب الدوام.

واستعمال صيغة الأمر في طلب الدوام يأمرنا الله عز وجل به في القرآن كثيراً، يقول لنا: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] ، ومعلوم أن المؤمن لا بد له من صلاة وزكاة، لكن المراد المداومة والاستمرار.

الوجه الرابع في قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء:136]: أن الخطاب للمؤمنين، وأن المطلوب منكم إيمان لا تشوبه كراهية بعض كتب الله، يعني: تحذيراً من ذلك؛ لئلا يدفعهم بغض اليهود الذين كانوا يساكنونهم المدينة وما بينهم من الشنآن إلى مقابلتهم بمثل ما يصرح به اليهود من تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وإنكار نزول القرآن.

يعني: اليهود قاتلهم الله كانوا ينكرون نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وينكرون نزول القرآن، فالله عز وجل حذر المؤمنين من أن يسلكوا مسلكهم، وأن يقابلوا ظلمهم بظلم مثله، وقد بدر من بعض المسلمين شيء من ذلك، حينما قال أحد اليهود وهو في السوق: (لا. والذي اصطفى موسى على البشر)، أي: يحلف بالله الذي اصطفى موسى على البشر، وهذا الكلام فيه نوع من العنصرية والعنجهية، فالمسلم رفع يده فلطمه لطمة منكرة، وقال له: (أتقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانينا؟) يعني: أنت تقول هذا الكلام والرسول صلى الله عليه وسلم موجود عندنا في المدينة، أما تعرف أنه عليه الصلاة والسلام قد اصطفاه الله على العالمين، (فجاء اليهودي يشكو للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: لا تخيروا بين الأنبياء )، وهو عليه الصلاة والسلام يعلم أنه المخير، وأنه أول شافع، وأول مشفع، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول من يأخذ بحلقة باب الجنة، وهو صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، وهو أكثر الأنبياء تابعاً، وهو إمام الأنبياء في ليلة الإسراء وخطيبهم صلوات ربي وسلامه عليه، وكلهم صلوا من ورائه وهذا دلالة على أفضليته، لكنه عليه الصلاة والسلام نهى عن التفضيل بين الأنبياء إذا كان ذلك على سبيل العصبية أو على سبيل الفخر، أو على سبيل هضم بعض الأنبياء، أو التوصل بذلك إلى الحط من أقدارهم صلوات الله وسلامه عليهم.

فالخطاب في هذه الآية إما أن يكون لأهل الكتاب، وإما أن يكون للمنافقين، وإما أن يكون للمؤمنين على إرادة الدوام والاستمرار كما قال سبحانه: وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وإما أن يكون خطاباً للمؤمنين تحذيراً لهم من أن يسلكوا مسلك اليهود الذي آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض.

الأمر بالإيمان بالله وكتبه

ثم خاطب الله عز وجل أولئك فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ [النساء:136]، أي: إيماناً شرعياً صحيحاً بأركانه الأربعة: إيماناً بوجوده جل جلاله، وإيماناً بربوبيته أنه الخالق، وأنه الرازق، وأنه المحيي المميت النافع الضار الذي بيده ملكوت كل شيء، ثم إيماناً بألوهيته سبحانه وتعالى أنه الإله المعبود بحق، وكل ما عبد سواه فهو معبود بباطل، وأنه سبحانه وتعالى الحكم الذي له حق التشريع والتحليل والتحريم، وأنه لا يستحق العبادة أحد سواه فلا إله غيره، ثم إيماناً بأسمائه وصفاته، أنه موصوف بالكمال جل جلاله، وأنه منزه عن كل نقص، وأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى.

وقوله: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء:136]، أي: محمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله: وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ [النساء:136]، أي: القرآن وجنس الكتاب.

وقوله: وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ [النساء:136]، يشمل ذلك جميع الكتب ما علمنا منها وما لم نعلم، أي: ما سماه الله لنا في القرآن وما لم يسمه.

تنزيل كتب الأنبياء جملة واحدة غير القرآن

ونلاحظ أن الله عز وجل قال: وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ [النساء:136] ، فالأنبياء السابقون عليهم الصلاة والسلام كانت كتبهم تنزل جملة كما في قصة موسى عليه السلام: يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ * وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ [الأعراف:144-145]، فهنا رجع موسى إلى قومه وهو يحمل الألواح فيها التوراة كاملة، ولما وجد قومه يعبدون العجل ألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجره إليه.

لكن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ما أنزل الله عز وجل عليه القرآن جملة واحدة، وإنما كما قال: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً [الإسراء:106]، وقال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً [الفرقان:32]، يعني: ينزل شيئاً بعد شيء على حسب الحوادث والأحوال، فلربما تنزل منه السورة، ولربما تنزل الآيات أو الآية أو بعض آية مراعاة من الله عز وجل لحال هذه الأمة.

اختصاص أمة النبي عليه الصلاة والسلام بالإيمان كله

ثم لا بد أن نقول: إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي الأمة الوحيدة التي حققت هذا الإيمان، فما من مسلم يستطيع أن يذكر نبياً من الأنبياء بسوء، ولو فعل لقلنا له: لست بمسلم، وهكذا ما من مسلم يستطيع أن يذكر كتاباً من الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه بسوء، بل نؤمن بها كلها، قال تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285]، فنؤمن بالكتاب كله، فأي أمة أخرى سواء كانت من اليهود أو من النصارى لا يحققون هذا الشرط، فإنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.

يقول سيد قطب رحمه الله: والإيمان بالكتاب كله بوصف أن الكتب كلها كتاب واحد في الحقيقة هو السمة التي تنفرد بها هذه الأمة المسلمة؛ لأن تصورها لربها الواحد ومنهجه الواحد وطريقه الواحد هو التصور الذي يستقيم مع حقيقة الألوهية، ويستقيم مع وحدة البشرية، ويستقيم مع وحدة الحق الذي لا يتعدد، والذي ليس وراءه إلا الضلال، قال تعالى: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يونس:32]. فهذه هي سمة هذه الأمة المباركة.

قال الله عز وجل: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً [النساء:136]، أي: خرج عن طريق الهدى وبعد عن القصد كل البعد؛ لأن الكفر ببعضه كفر بكله، ومن المعلوم أن اليهود -عليهم لعائن الله- ما فرقوا بين الرسل فقط بل حتى بين الملائكة، فالملائكة عندهم فيهم رأي، ولذلك لما جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا له: ( يا محمد! إنا سائلوك عن أمور إن أجبتنا فأنت رسول، فقال لهم: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى إن أنا أخبرتكم لتتبعنني على ديني؟ قالوا: بلى. وأخذ عليهم العهود والمواثيق، فطرحوا عليه أسئلة: ما الطعام الذي حرمه إسرائيل على نفسه؟ وما لون ماء الرجل وماء المرأة؟ وهل ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ ومن وليك من الملائكة؟) هذه أربعة أسئلة: ( قال لهم: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى إن أنا أخبرتكم لتؤمنن بي ولتتابعنني على ديني؟ قالوا: بلى. قال: أما تعلمون أن إسرائيل عليه السلام قد كان أحب الطعام إليه لحم الإبل، وأحب الشراب ألبانها، فمرض مرضاً شديداً فنذر لله إن عافاه أن يحرم أحب الطعام والشراب على نفسه؟ قالوا: بلى. قال: اللهم اشهد. ثم قال: أسألكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تجدون في كتابكم أن ماء الرجل غليظ أبيض، وأن ماء المرأة رقيق أصفر؟ قالوا: بلى. قال: اللهم اشهد. قال: أسألكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تجدون أنه إذا سبق ماء الرجل أشبه الولد أباه، وإذا سبق ماء المرأة أشبه الولد أمه؟ قالوا: بلى)، بقي سؤال واحد على طريقة المصابرة كما يقولون، (قالوا له: الآن أخبرنا من وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك) يعني: نوع من المحاصرة، (فقال لهم عليه الصلاة والسلام: إن وليي جبريل وما بعث الله نبياً إلا وهو وليه، قالوا: جبريل ذاك عدونا، لو كان غيره لاتبعناك )، يعني: ليست هذه هي المشكلة بيننا وبينك، فإن الذي ذهب هذا كله مقبول وموافق عليه.

فاليهود قبحهم الله بما طبعوا عليه من عنصرية وعنجهية عندهم رأي في الأنبياء، عندهم رأي في الملائكة، عندهم رأي في الكتب، أما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم يؤمنون بالكتاب كله، وبالرسل كلهم، وبالملائكة كلهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

والإشكال عند كثير من أهل التفسير في قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا [النساء:136]، كيف أنهم مؤمنون ويطالبون بالإيمان؟ فذكروا في ذلك وجوهاً:

الوجه الأول: أن المخاطب بهذه الآية هم أهل الكتاب: (يا أيها الذين آمنوا) بــموسى و عيسى (آمنوا بالله) إيماناً شرعياً صحيحاً (ورسوله) محمد صلى الله عليه وسلم، (والكتاب الذي نزل على رسوله) محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن (والكتاب الذي أنزل من قبل) أي: جنس الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله.

إذاً: الوجه الأول: أن المخاطب بهذه الآية هم أهل الكتاب.

الوجه الثاني: أن المخاطب بهذه الآية هم المنافقون: (يا أيها الذين آمنوا) بألسنتهم (آمنوا) بقلوبكم، (آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل) إيماناً يتواطأ فيه القلب مع اللسان، لا يكون إيمانكم إيماناً لسانياً لا يغني عنكم من الله شيئاً.

الوجه الثالث: أن المخاطبين بهذه الآية هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمراد بالأمر بالإيمان: الدوام عليه والثبات حتى موافاة رب العالمين جل جلاله به، كما قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1]، وهو عليه الصلاة والسلام سيد المتقين، لكن المعنى: اثبت على تقوى الله، وكقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ [المائدة:67]، وهو عليه الصلاة والسلام من يومه الأول يبلغ رسالة ربه، لكن المراد: الدوام والاستمرار.

يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله: وهو الجاري على ألسنة أهل العلم، وبناءً عليه جعلوا الآية شاهداً لاستعمال صيغة الأمر في طلب الدوام.

واستعمال صيغة الأمر في طلب الدوام يأمرنا الله عز وجل به في القرآن كثيراً، يقول لنا: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] ، ومعلوم أن المؤمن لا بد له من صلاة وزكاة، لكن المراد المداومة والاستمرار.

الوجه الرابع في قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء:136]: أن الخطاب للمؤمنين، وأن المطلوب منكم إيمان لا تشوبه كراهية بعض كتب الله، يعني: تحذيراً من ذلك؛ لئلا يدفعهم بغض اليهود الذين كانوا يساكنونهم المدينة وما بينهم من الشنآن إلى مقابلتهم بمثل ما يصرح به اليهود من تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وإنكار نزول القرآن.

يعني: اليهود قاتلهم الله كانوا ينكرون نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وينكرون نزول القرآن، فالله عز وجل حذر المؤمنين من أن يسلكوا مسلكهم، وأن يقابلوا ظلمهم بظلم مثله، وقد بدر من بعض المسلمين شيء من ذلك، حينما قال أحد اليهود وهو في السوق: (لا. والذي اصطفى موسى على البشر)، أي: يحلف بالله الذي اصطفى موسى على البشر، وهذا الكلام فيه نوع من العنصرية والعنجهية، فالمسلم رفع يده فلطمه لطمة منكرة، وقال له: (أتقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانينا؟) يعني: أنت تقول هذا الكلام والرسول صلى الله عليه وسلم موجود عندنا في المدينة، أما تعرف أنه عليه الصلاة والسلام قد اصطفاه الله على العالمين، (فجاء اليهودي يشكو للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: لا تخيروا بين الأنبياء )، وهو عليه الصلاة والسلام يعلم أنه المخير، وأنه أول شافع، وأول مشفع، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول من يأخذ بحلقة باب الجنة، وهو صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، وهو أكثر الأنبياء تابعاً، وهو إمام الأنبياء في ليلة الإسراء وخطيبهم صلوات ربي وسلامه عليه، وكلهم صلوا من ورائه وهذا دلالة على أفضليته، لكنه عليه الصلاة والسلام نهى عن التفضيل بين الأنبياء إذا كان ذلك على سبيل العصبية أو على سبيل الفخر، أو على سبيل هضم بعض الأنبياء، أو التوصل بذلك إلى الحط من أقدارهم صلوات الله وسلامه عليهم.

فالخطاب في هذه الآية إما أن يكون لأهل الكتاب، وإما أن يكون للمنافقين، وإما أن يكون للمؤمنين على إرادة الدوام والاستمرار كما قال سبحانه: وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وإما أن يكون خطاباً للمؤمنين تحذيراً لهم من أن يسلكوا مسلك اليهود الذي آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
سورة التحريم - الآية [8] 2639 استماع
سورة المجادلة - الآية [11] 2578 استماع
سورة آل عمران - الآية [102] 2538 استماع
سورة المائدة - الآية [105] 2524 استماع
سورة النساء - الآية [19] 2348 استماع
سورة البقرة - الآية [104] 2313 استماع
سورة الأحزاب - الآيات [70-71] 2306 استماع
سورة التوبة - الآية [119] 2296 استماع
سورة البقرة - الآية [182] 2231 استماع
سورة التغابن - الآية [14] 2191 استماع