سورة المائدة - الآية [105]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ومع النداء الثاني والأربعين في الآية الخامسة بعد المائة من سورة المائدة، قول ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة:105].

هذه الآية أشكلت على كثير من الناس، حتى اتخذها بعضهم ذريعة ودليلاً لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى في داخل بيته، فإذا خوطب بأنه مقصر استدل بهذه الآية: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105].

سبب نزول الآية

وأما سبب نزولها فقد قال أبو السعود رحمه الله تعالى: نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة، وكانوا يتمنون إيمانهم وهم من الضلال، بحيث لا يكادون يرعوون عنه بالأمر والنهي، يعني: كان المسلمون وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحسرون على إعراض المعرضين وتكذيب المكذبين، وقد خاطبه ربه جل جلاله بقوله: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3]، وبقوله: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر:8]، فلما كان المسلمون يتحسرون على هؤلاء الكفار أنزل الله هذه الآية: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105].

معاني مفردات الآية

قوله تعالى: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ [المائدة:105]، أي: الزموا إصلاح أنفسكم، وأنفسكم منصوبة على الإغراء.

ولقد قيل لـابن عمر رضي الله عنهما: ( لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه؛ فإن الله تعالى ذكره يقول: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، فقال ابن عمر : إنها ليست لي ولا لأصحابي؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم).

قول الله عز وجل: لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، أي: لا يضركم الضلال إذا كنتم مهتدين، ومعلوم أن من أنواع الاهتداء: أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حسب طاقته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ).

وقوله: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ [المائدة:105]، إلى الله، لا إلى أحد سواه، (مرجعكم): أي: رجوعكم يوم القيامة.

وقوله: فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة:105]، أي: يخبركم جل جلاله بما كنتم عليه من أعمال الهداية والضلال.

المعنى الإجمالي للآية

والمعنى الإجمالي لهذه الآية: يا أيها الذين آمنوا الزموا إصلاح أنفسكم، واعملوا على خلاصها من عذاب الله، وانظروا فيما يقربها من ربها، ولا يضركم من كفر وسلك غير سبيل الحق إن أنتم اهتديتم وآمنتم بربكم، وهذا في الزمان الذي لا يسمع فيه لأمر آمر ولا لنهي ناه، ويدل على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال: ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت هوىً متبعاً وشحاً مطاعاً ودنيا مُؤْثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، فإن من بعدكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين يعملون مثل عملكم، قالوا: يا رسول الله! كأجر خمسين عاملاً منهم؟) -يعني: ظن الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق لسانه بغير ما أراد عندما قال: (للصابر منهم يومئذ أجر خمسين منكم، فقالوا: أجر خمسين عاملاً منهم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا. كأجر خمسين عاملاً منكم؛ فإنكم تجدون على الخير أعواناً ولا يجدون )، وهذا الحديث رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب صحيح.

توجيه قول الله تعالى: (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)

وقوله: لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، أي: بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال أبو بكر رضي الله عنه: ( والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليستعملن عليكم شراركم فليسومنكم سوء العذاب، ثم ليدعو الله خياركم فلا يستجاب لهم. وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه، والظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم منه بعقاب ).

وهذه الآية إما أن تحمل على الزمان الذي لا يستمع فيه لأمر ولا نهي، وليس هو زماننا والحمد لله، فما زال المسلمون بخير، فكثير من العصاة والغافلين والضالين إذا وجد من يذكره بالله تذكر.

أو أن الآية تحمل على ما بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعني: أنت وجدت إنساناً على خطأ أو مجموعة من الناس يتناقشون في أمر ما، فنصحتهم وأمرتهم ونهيتهم، لكن وجدت منهم إعجاباً بآرائهم وإيثاراً لأهوائهم، ففي هذه الحالة يجوز لك أن تستدل بقوله تعالى: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105].

وقد أخرج نعيم بن حماد في الفتن، وابن جرير و البيهقي في الشعب عن أبي العالية قال: (كنا عند عبد الله بن مسعود ، فوقع بين رجلين بعض ما يكون بين الناس، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر، فقال آخر إلى جنبه: عليك نفسك، فإن الله تعالى يقول: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ [المائدة:105]). هذا هو الفهم الخاطئ (عليك نفسك)، يعني: دع الاثنين يتقاتلان، ولربما يسفك أحدهما دم الآخر: عليك نفسك.. معناها فسدت الأرض، فلو أن كل إنسان قال: علي نفسي، ودعني من الناس؛ فإن الأرض تفسد. فهذا الرجل يريد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، والآخر يقول له: عليك نفسك، فقال ابن مسعود: (مه! -يعني: كف عن هذا الكلام- لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إن القرآن أنزل حين أنزل، ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، قصص الغابرين، ومنه ما وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه آي يقع تأويلهن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنين، كما في قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ [النور:55]، وهذه ما حصلت إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بسنين، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم، ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة، كأشراط الساعة وعلاماتها، ومنه آي يقع تأويلهن عند الحساب يوم القيامة، مثل ما ذكر من أمر الجنة والنار، فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة، ولم تلبسوا شيعاً، فلم يذق بعضكم بأس بعض فأمروا وانهوا، فإذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبستم شيعاً، وذاق بعضكم بأس بعض فكل امرئ ونفسه، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية).

وأما سبب نزولها فقد قال أبو السعود رحمه الله تعالى: نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة، وكانوا يتمنون إيمانهم وهم من الضلال، بحيث لا يكادون يرعوون عنه بالأمر والنهي، يعني: كان المسلمون وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحسرون على إعراض المعرضين وتكذيب المكذبين، وقد خاطبه ربه جل جلاله بقوله: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3]، وبقوله: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر:8]، فلما كان المسلمون يتحسرون على هؤلاء الكفار أنزل الله هذه الآية: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105].