سورة التحريم - الآية [8]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين.

حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

إخوتي وأخواتي! أسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ومع النداء التاسع والثمانين في الآية الثامنة من سورة التحريم، وهو قول ربنا الرحمن الرحيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8]، في هذه الآية المباركة أعاد ربنا جل جلاله خطاب المؤمنين، وأعاد نداءهم بعدما ناداهم أولاً حين قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6]، هذا أسلوب لتكرار النداء.

أمر المؤمنين بالتوبة من الذنوب إذا تلبسوا بها؛ لأن ذلك من إصلاح أنفسهم بعد أن أمروا بأن يجنبوا أنفسهم وأهليهم ما يزج بهم في عذاب النار؛ لأن اتقاء النار يتحقق باجتناب ما يرمي بهم فيها، وقد يذهلون عما فرط من سيئاتهم فهدوا إلى سبيل التوبة التي يمحون بها ما فرط من سيئاتهم.

القراءات الواردة في الآية

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً[التحريم:8] هذه قراءة الجمهور بفتح النون على معنى الوصف، (نصوح) على وزن فعول، كصبور وشكور.

وقرأ أبو بكر عن عاصم بضم النون: توبوا إلى الله توبة نصوحاً، على أنه مصدر نصح، كالقعود مصدر قعد.

وزعم الأخفش أن الضم غير معروف؛ لكن القراءة حجة عليه.

معاني مفردات الآية

ينادينا ربنا بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا[التحريم:8]، التوبة: العزم على عدم العود إلى العصيان مع الندم على ما فرط منه فيما مضى، وقد ذكرت في القرآن مراراً، كما في قوله تعالى عن الوالد عليه السلام: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [البقرة:37]، وكما في قوله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وفي قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء:17].

قال تعالى: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ[التحريم:8]، عداها بحرف: إلى؛ لأنها في معنى الرجوع؛ لأن: تاب، أخو: ثاب.

قال تعالى: تَوْبَةً نَصُوحاً[التحريم:8]، النصوح ذا النصح، والنصح: الإخلاص في العمل والقول، أي: الصدق في إرادة النفع بذلك، ووصف التوبة بالنصوح مجاز، جعلت التوبة التي لا تردد فيها ولا تخالطها نية العودة إلى العمل المتوب منه بمنزلة الناصح لغيره؛ ففي هذه اللفظة استعارة، ولم تلحق بها هاء التأنيث المناسبة لتأنيث الموصوف به التوبة لأن فعول بمعنى: فاعل يلازم الإفراد والتذكير.

قال العلماء: التوبة النصوح هي: أن يقلع عن الذنب في الحاضر ويندم على ما سلف منه في الماضي ويعزم على ألا يفعل في المستقبل، ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه.

وقال البغوي رحمه الله: واختلفوا في معناها؛ فقال عمر و أبي و معاذ رضي الله عنهم: التوبة النصوح: أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع.

وقال الحسن : هي أن يكون العبد نادماً على ما مضى مجمعاً على ألا يعود فيه.

وقال الكلبي : أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن.

وقال سعيد بن المسيب : توبة تنصحون بها أنفسكم.

وقال القرظي : التوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيء الإخوان.

قال الله عز وجل: عَسَى رَبُّكُمْ[التحريم:8]، (عسى) الرجاء هنا مستعمل في الوعد الصادر عن المتفضل جل جلاله على طريقة الاستعارة، وذلك التائب لا حق له في أن يعفى عنه ما اقترف؛ لأن العصيان قد حصل وإنما التوبة عزم على عدم العودة إلى الذنب؛ ولكن لما صاحبها ندم وخوف بعث على العزم فدل ذلك على ذكاء النفس، جعل الله جل جلاله جزاءه أن يمحو عنه ما سلف من الذنوب تفضلاً منه سبحانه، فذلك معنى الرجاء المستفاد من قوله تعالى: (عسى).

والإتيان هنا بلفظة الرب مضافة إلى ضمير المخاطبين إشعار بأنه جل جلاله يتولى عباده بنعمه ورحمته ومغفرته وتفضله.

وقوله: أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ[التحريم:8]، تكفير السيئات: غفرانها.

وقوله: وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ[التحريم:8]، وعد من الله تعالى للتائبين بدخول الجنة كما قال سبحانه: إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً [مريم:60].

وقوله: وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ[التحريم:8]، هذه الأنهار الموعود بها قد بين ربنا جل جلاله أنواعها في قوله سبحانه: فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ [محمد:15]، نسأل الله أن يجعلنا من أهلها.

ثم قال: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ[التحريم:8]، (يوم) ظرف متعلق بقوله تعالى: وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ أي: يدخلكم جنات في ذلك اليوم الذي لا يخزي الله فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا تخلص إلى الثناء على الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين معه حين ينفي ربنا جل جلاله تعرضهم للخزي، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم مع الذين آمنوا لتشريف المؤمنين؛ لأن الله جل جلاله يريد أن يشرف هؤلاء المؤمنين فيذكر معهم خير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

والخزي هو: عذاب النار، حكى ربنا جل جلاله عن الخليل عليه السلام أنه دعا ربه فقال: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ [الشعراء:87]، وانتفاء الخزي يومئذ يستلزم الكرم، إذ لا واسطة بينهما؛ لأن الله تعالى قال: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185].

قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ[التحريم:8]، ذكر الصلة إيذان بأن سبب انتفاء الخزي عنهم هو إيمانهم، ومعية المؤمنين للنبي صلى الله عليه وسلم صحبتهم إياه.

وقوله: نُورُهُمْ يَسْعَى[التحريم:8]، (نورهم) الضمير عائد على النبي عليه الصلاة والسلام والذين آمنوا معه، والإضافة هنا إضافة تعيين وتخصيص، المراد بها لازم معناها وهو اختصاص النور بهم في ذلك اليوم بحيث يميزه الناس من بين الأنوار يومئذ.

وسعي النور: امتداده وانتشاره، شبه ذلك باشتداد مشي الماشي وذلك أنه يحف بهم حيثما انتقلوا تنويهاً بشأنهم، كما تنشر الأعلام بين يدي الأمير والقائد، وكما تساق الجياد بين يدي الخليفة.

قال تعالى: بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [التحريم:8]، خص بالذكر الأمام واليمين من بين الجهات -لم يذكر الخلف ولم يذكر الشمال-؛ لأن النور إذا كان بين أيديهم تمتعوا بمشاهدته، وشعروا بأنه كرامة لهم؛ ولأن الأيمان هي التي تمسك بها الأمور النفيسة وبها بايع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإيمان والنصر.

وهذا النور -نسأل الله أن يجعلنا من أهله- نور حقيقي يجعله الله للمؤمنين يوم القيامة.

والباء للملابسة: (بأيمانهم)، ويجوز أن تكون بمعنى (عن) فيكون المعنى (عن أيمانهم).

يَقُولُونَ)) جملة حالية من الضمير في قوله تعالى: نُورُهُمْ))، (يقولون) أي المؤمنون، (ربنا أتمم لنا نورنا) وإتمام النور: إدامته أو الزيادة منه، وكذلك الدعاء بطلب المغفرة لهم هو لطلب دوام المغفرة، وهذا كله أدب مع الله، وتواضع له، مثلما قيل في استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم سبعين مرة، فهو عليه الصلاة والسلام يستغفر وقد علم يقيناً بأن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ لكن من باب الأدب مع الله والتواضع معه جل في علاه.

ثم قال سبحانه: إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8]، تذييل مشعر بتعليل الدعاء وهو كناية عن رجاء إجابتهم له.

المعنى الإجمالي للآية

يخاطبنا ربنا جل جلاله: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، ارجعوا من ذنوبكم إلى طاعة الله وإلى ما يرضيه عنكم رجوعاً لا تعودون فيه أبداً، عسى ربكم - أيها المؤمنون - أن يمحوا سيئات أعمالكم التي سلفت منكم، وأن يدخلكم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار، يوم لا يخزي الله النبي محمداً صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه وهم في ذلك اليوم يسعى نورهم أمامهم، وبأيمانهم كتبهم، يسألون ربهم أن يبقي لهم نورهم فلا يطفئه حتى يجوزوا ذلك الصراط، وذلك حين: يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد:13].

يا ربنا أتمم لنا نورنا، واستر علينا ذنوبنا، ولا تفضحنا بها بعقوبتك إيانا عليها، إنك على إتمام نورنا وغفران ذنوبنا وغير ذلك من الأشياء ذو قدرة عظيمة.

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً[التحريم:8] هذه قراءة الجمهور بفتح النون على معنى الوصف، (نصوح) على وزن فعول، كصبور وشكور.

وقرأ أبو بكر عن عاصم بضم النون: توبوا إلى الله توبة نصوحاً، على أنه مصدر نصح، كالقعود مصدر قعد.

وزعم الأخفش أن الضم غير معروف؛ لكن القراءة حجة عليه.

ينادينا ربنا بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا[التحريم:8]، التوبة: العزم على عدم العود إلى العصيان مع الندم على ما فرط منه فيما مضى، وقد ذكرت في القرآن مراراً، كما في قوله تعالى عن الوالد عليه السلام: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [البقرة:37]، وكما في قوله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وفي قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء:17].

قال تعالى: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ[التحريم:8]، عداها بحرف: إلى؛ لأنها في معنى الرجوع؛ لأن: تاب، أخو: ثاب.

قال تعالى: تَوْبَةً نَصُوحاً[التحريم:8]، النصوح ذا النصح، والنصح: الإخلاص في العمل والقول، أي: الصدق في إرادة النفع بذلك، ووصف التوبة بالنصوح مجاز، جعلت التوبة التي لا تردد فيها ولا تخالطها نية العودة إلى العمل المتوب منه بمنزلة الناصح لغيره؛ ففي هذه اللفظة استعارة، ولم تلحق بها هاء التأنيث المناسبة لتأنيث الموصوف به التوبة لأن فعول بمعنى: فاعل يلازم الإفراد والتذكير.

قال العلماء: التوبة النصوح هي: أن يقلع عن الذنب في الحاضر ويندم على ما سلف منه في الماضي ويعزم على ألا يفعل في المستقبل، ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه.

وقال البغوي رحمه الله: واختلفوا في معناها؛ فقال عمر و أبي و معاذ رضي الله عنهم: التوبة النصوح: أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع.

وقال الحسن : هي أن يكون العبد نادماً على ما مضى مجمعاً على ألا يعود فيه.

وقال الكلبي : أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن.

وقال سعيد بن المسيب : توبة تنصحون بها أنفسكم.

وقال القرظي : التوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيء الإخوان.

قال الله عز وجل: عَسَى رَبُّكُمْ[التحريم:8]، (عسى) الرجاء هنا مستعمل في الوعد الصادر عن المتفضل جل جلاله على طريقة الاستعارة، وذلك التائب لا حق له في أن يعفى عنه ما اقترف؛ لأن العصيان قد حصل وإنما التوبة عزم على عدم العودة إلى الذنب؛ ولكن لما صاحبها ندم وخوف بعث على العزم فدل ذلك على ذكاء النفس، جعل الله جل جلاله جزاءه أن يمحو عنه ما سلف من الذنوب تفضلاً منه سبحانه، فذلك معنى الرجاء المستفاد من قوله تعالى: (عسى).

والإتيان هنا بلفظة الرب مضافة إلى ضمير المخاطبين إشعار بأنه جل جلاله يتولى عباده بنعمه ورحمته ومغفرته وتفضله.

وقوله: أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ[التحريم:8]، تكفير السيئات: غفرانها.

وقوله: وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ[التحريم:8]، وعد من الله تعالى للتائبين بدخول الجنة كما قال سبحانه: إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً [مريم:60].

وقوله: وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ[التحريم:8]، هذه الأنهار الموعود بها قد بين ربنا جل جلاله أنواعها في قوله سبحانه: فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ [محمد:15]، نسأل الله أن يجعلنا من أهلها.

ثم قال: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ[التحريم:8]، (يوم) ظرف متعلق بقوله تعالى: وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ أي: يدخلكم جنات في ذلك اليوم الذي لا يخزي الله فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا تخلص إلى الثناء على الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين معه حين ينفي ربنا جل جلاله تعرضهم للخزي، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم مع الذين آمنوا لتشريف المؤمنين؛ لأن الله جل جلاله يريد أن يشرف هؤلاء المؤمنين فيذكر معهم خير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

والخزي هو: عذاب النار، حكى ربنا جل جلاله عن الخليل عليه السلام أنه دعا ربه فقال: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ [الشعراء:87]، وانتفاء الخزي يومئذ يستلزم الكرم، إذ لا واسطة بينهما؛ لأن الله تعالى قال: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185].

قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ[التحريم:8]، ذكر الصلة إيذان بأن سبب انتفاء الخزي عنهم هو إيمانهم، ومعية المؤمنين للنبي صلى الله عليه وسلم صحبتهم إياه.

وقوله: نُورُهُمْ يَسْعَى[التحريم:8]، (نورهم) الضمير عائد على النبي عليه الصلاة والسلام والذين آمنوا معه، والإضافة هنا إضافة تعيين وتخصيص، المراد بها لازم معناها وهو اختصاص النور بهم في ذلك اليوم بحيث يميزه الناس من بين الأنوار يومئذ.

وسعي النور: امتداده وانتشاره، شبه ذلك باشتداد مشي الماشي وذلك أنه يحف بهم حيثما انتقلوا تنويهاً بشأنهم، كما تنشر الأعلام بين يدي الأمير والقائد، وكما تساق الجياد بين يدي الخليفة.

قال تعالى: بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [التحريم:8]، خص بالذكر الأمام واليمين من بين الجهات -لم يذكر الخلف ولم يذكر الشمال-؛ لأن النور إذا كان بين أيديهم تمتعوا بمشاهدته، وشعروا بأنه كرامة لهم؛ ولأن الأيمان هي التي تمسك بها الأمور النفيسة وبها بايع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإيمان والنصر.

وهذا النور -نسأل الله أن يجعلنا من أهله- نور حقيقي يجعله الله للمؤمنين يوم القيامة.

والباء للملابسة: (بأيمانهم)، ويجوز أن تكون بمعنى (عن) فيكون المعنى (عن أيمانهم).

يَقُولُونَ)) جملة حالية من الضمير في قوله تعالى: نُورُهُمْ))، (يقولون) أي المؤمنون، (ربنا أتمم لنا نورنا) وإتمام النور: إدامته أو الزيادة منه، وكذلك الدعاء بطلب المغفرة لهم هو لطلب دوام المغفرة، وهذا كله أدب مع الله، وتواضع له، مثلما قيل في استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم سبعين مرة، فهو عليه الصلاة والسلام يستغفر وقد علم يقيناً بأن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ لكن من باب الأدب مع الله والتواضع معه جل في علاه.

ثم قال سبحانه: إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8]، تذييل مشعر بتعليل الدعاء وهو كناية عن رجاء إجابتهم له.