الإنهاءات (3)
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
فقه التقاضي الحلقة (87)
الإنهاءات (3)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله - مستمعي الأفاضل - في برنامجكم: "فقه التقاضي"، وكنا في حلقات مضت شرعنا في الباب الرابع عشر من نظام المرافعات، الذي يتحدث عن تسجيل الأوقاف والإنهاءات، في ثلاثة فصول، أنهينا أولها الذي عنوانه: "تسجيل الأوقاف والإنهاءات"، وثانيها: "الاستحكام"، وهو موضوعنا في هذه الحلقة.
ويبدأ هذا الفصل بالمادة الحادية والخمسين بعد المائتين، التي تعرِّف الاستحكام، وتبرز حقيقته، ونصها:
(الاستحكام: هو طلب صك بإثبات تملك عقار في غير مواجهة خصم ابتداءً، ولا يمنع من سماع الدعوى بالحق متى وجدت).
وواضح من نص المادة أن المقصود بالاستحكام: وثيقة رسمية صادرة من المحكمة المختصة تثبت ملكية العقار.
وأشير هنا إلى أن الجاري في المملكة العربية السعودية في إثبات ملكية العقار بالوثائق الرسمية ابتداءً له أحد طريقين: إما أن تثبت الملكية بصك صادر من كتابة العدل، وهي العقارات التي درجت لمالكها عبر المنح أو الإقطاع، وغالبًا ما يكون في الأراضي المخططة مسبقًا، وإما أن تثبت الملكية بصك صادر من المحكمة المختصة إثر تملكٍ سابق للعقار عن طريق الإحياء أو الإرث ونحوهما، وهو ما يسمى حجة الاستحكام، وغالبًا ما يكون في الأراضي غير المخططة مسبقًا.
وحجة الاستحكام تصدر من المحكمة المختصة؛ لأن فيها إثباتًا بالشهادة، وقد تكون محل خصومة، ونظر الخصومات من اختصاص المحاكم، كما أن فيها إجراءات أناطها النظام بالمحاكم.
والاستحكام في اللغة له معانٍ كثيرة، منها: التمكن والتوثق، يقال: "استحكم الأمرُ أو الشَّيءُ: تمكَّن، احتكم، توثَّق وصار محكمًا"؛ [معجم اللغة العربية المعاصرة 1/537].
وحجج الاستحكام من الأعمال التي كثرت فيها التعليمات والإجراءات المنظمة، ويدرك القضاة لها خطرها؛ لِما فيها من قوة التملك، ولسعي طالبيها في التكسب بالعقار أحيانًا بعد إثبات ملكيته، وهي مظنة المشاحة والمخاصمة، كما أن إثبات الملكية عبر حجة الاستحكام يتطلب إجراءاتٍ دقيقةً واستطلاعَ رأي الجهات الحكومية ذات العلاقة بالأراضي لسؤالها عما لديها حيال الموقع المراد إثبات تملكه بالاستحكام؛ إذ ربما يكون طلبُ المنهي حجةَ الاستحكام على أرضٍ مملوكة لجهة حكومية، أو تحت يدها، أو تكون مختصةً بها، فضلًا عن كون الأرض محل الطلب محل نزاع بين أشخاص على تملكها، وهذا كثير أيضًا.
ولنعُد إلى المادة الحادية والخمسين بعد المائتين، ونصها:
(الاستحكام: هو طلب صك بإثبات تملك عقار في غير مواجهة خصم ابتداءً، ولا يمنع من سماع الدعوى بالحق متى وجدت).
وواضح من نص المادة أن حجة الاستحكام تكون مقدمة من طرف واحد، وقد يكون شخصًا واحدًا أو أكثر فيما لو كان العقار مملوكًا بالاشتراك في إرثٍ وإحياءٍ ونحوه.
وواضحٌ أيضًا أن حجة الاستحكام لا تمنع من سماع الدعوى ضد صاحبها؛ لأنها وثيقة إثبات، وقد يكون لدى الخصم ما هو أقوى من هذه الوثيقة، أو يقدح في صحتها، كما لو أثبت الخصم المدعي أنه أحق بالأرض التي صدرت عليها حجة الاستحكام، إما لسبقه بالإحياء، أو التملك بالشراء ونحوه.
ولذا فإن الدعوى تُسمع ضد صاحب حجة الاستحكام، سواء كانت الدعوى خلال نظر المحكمة في إجراءات حجة الاستحكام وقبل صدور الحكم بها، أو كانت الدعوى بعد صدور الحجة لصاحبها، وبعد سماع ما لدى الطرَفين تحكم المحكمة بما يظهر لها.
ولذا جاء في اللائحة التنفيذية للمادة أن حجة الاستحكام لا تمنع من سماع الدعوى ولو كانت الحجة مكتسبة القطعية.
وأن المعارضة بعد خروج حجة الاستحكام واكتسابها القطعية تعتبر دعوى مستقلة تقام في بلد المدعى عليه.
وتضيف اللائحة: إذا ظهر للقاضي أثناء المرافعة ما يستوجب إعادة النظر في حجة الاستحكام الصادرة من غيره بالإلغاء أو التعديل أو التكميل، فإن عليه النظر في ذلك وإنهاءه بالوجه الشرعي، ورفع ما يجريه إلى محكمة التمييز، وهي التي تتولى إلغاء الصكوك؛ لأن القاضي ممنوع من التعرض لحُكم من سبقه، والنظر في الصكوك السابقة ومدى سلامتها داخل في اختصاص محكمة التمييز.
وأما إذا كان طلب التعديل أو التكميل في أمر لا يؤثر على مساحة الحجة أو الأطوال أو المجاورين، فلا يرفع إلى محكمة التمييز ما لم يكن هناك معارض.
وأما إذا طلب تعديل المساحة بزيادة عما اشتمل عليه صك الاستحكام أو ما تفرع عنه من إفراغ، فيطبق بشأنه إجراءات حجة الاستحكام؛ وذلك لأن استدخال مساحة جديدة في صك الاستحكام يتطلب إعمال جميع الإجراءات الواردة في الاستحكام؛ لأنها بمثابة طلب استحكام جديد.
وأما صكوك الاستحكام التي لم تشتمل على أطوال ومساحة، وهي غالبًا من الصكوك القديمة، ففي هذه الحالة تستوفى بإجراءات جديدة وَفْق تعليمات حجج الاستحكام، وتلحق تلك الإجراءات في الضبط وصكوك الاستحكام، أما وثائق التملك وصكوك الخصومة فلا يلحق بها شيءٌ من ذلك.
وأما المادة الثانية والخمسون بعد المائتين، فتبين الذي يحق له طلب الاستحكام، ونصها:
(مع مراعاة قواعد تملك غير السعوديين للعقار، لكل من يدعي تملُّك عقار - سواء كان ذلك أرضًا أو بناءً - حقُّ طلب صك استحكام من المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها ذلك العقار).
وتوضح اللائحة التنفيذية للمادة أنه يحق لأحد الشركاء في عقار طلب حجة استحكام له ولشركائه، ولو لم يكن معه وكالة من بقية الشركاء، سواء أكان الاشتراك عن طريق الإرث أم غيره.
كما تؤكد أن حجة الاستحكام لا تصدر إلا من المحكمة التي يقع العقار في نطاق اختصاصها المكاني.
وأن حجة الاستحكام في العقار الموروث تصدر باسم الورثة إن أمكن، وإلا صدرت باسم مورثهم، أما العقار الذي انتقل إلى المنهي وشركائه من غير طريق الإرث فتصدر الحجة باسم كافة الشركاء مع إيضاح نصيب كل شريك.
وتوضح أيضًا أن البناء لا يحتاج إلى إثبات إذا كان تابعًا للأرض المملوكة بصك مستكمل للإجراءات، ويكتفى بالإقرار به - أي البناء - من البائع والمشتري عند البيع.
مستمعي الأفاضل:
بقيت جملة من الأحكام والإجراءات المتعلقة بالاستحكام، أعدكم باستكمالها في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.
وحتى ذلك الحين أستودعكم الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.