عنوان الفتوى : أحكام تغطية الإناء في الليل والكلام والضحك في الحمام
لدي بعض الأمور التي أريد أن أستفسر عنها. والداي منذ أن كنت صغيرة، وهم يرددون لي أمورا لا أجد لها دليلا صريحا.
فمثلا يقولان لي: إنه يجب علينا تغطية الآنية التي فيها طعام من وقت المغرب إلى آخر الليل، وعند التغطية قولي البسملة، وقد قالا لي إنه إن لم نفعل هذا (التغطية والبسملة)، فإن الشياطين والجن سيأكلون منه.
ليس هذا فقط، بل في وقت المغرب، وفي كل الليل يوصونني بألا أجري لأن الشياطين تنتشر في الليل، وإن اصطدمت بي، فإن الأمر خطر عليَّ. وأنا أتساءل من أين أتوا بأمور كهذه؟ فأنا بحثت، ولم أجد أيَّ حديث على صحة قولهم، وهل له أصل؟ وإن لم يكن له أيُّ أصل فهل يعد من التطير؟ وما حكم التبسم، والضحك، والبكاء في الحمام؟
أرشدوني فإني حائرة، وشكرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد جاءت السنة -على سبيل الإرشاد والندب لا على سبيل الإيجاب- بالأمر بتغطية الأواني في الليل مع ذكر اسم الله، وكف الصبيان عن الخروج عند مغيب الشمس حتى تذهب شدة الظلمة، ففي صحيحي البخاري ومسلم عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: إذا استجنح الليل، أو قال: جنح الليل، فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم، وأغلق بابك، واذكر اسم الله، وأطفئ مصباحك، واذكر اسم الله، وأوك سقاءك، واذكر اسم الله، وخمر إناءك، واذكر اسم الله، ولو تعرض عليه شيئا.
جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي: (ويسن تخمير الإناء ولو) ب (أن يعرض عليه عودا) لحديث جابر «أوك سقاك واذكر اسم الله، وخمر إناءك واذكر اسم الله، ولو أن تعرض عليه عودا» متفق عليه. قال في الآداب: ظاهره التخيير ويتوجه أن ذلك عند عدم ما يخمر به، لرواية مسلم «فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا» وحكمة وضع العود -والله أعلم- ليعتاد تخميره، ولا ينساه، وربما كان سببا لرد دبيب بحباله، أو بمروره عليه. (وإيكاء السقاء) أي ربط فمه (إذا أمسى) للخبر (وإغلاق الباب، وإطفاء المصباح) عند الرقاد إذا خيف. ولهذا قال ابن هبيرة: فأما إن جعل المصباح في شيء معلق، أو على شيء لا يمكن الفواسق والهوام التسلق فيه، فلا أرى بذلك بأسا، قاله في الآداب. (و) إطفاء (الجمر عند الرقاد مع ذكر اسم الله فيهن) أي في التخمير والإيكاء والإغلاق والإطفاء؛ للخبر. اهـ.
وراجعي الفتاوى: 31321، 391444، 295279، 152309، 121233.
فتبين أن النهي هو في وقت المغيب حتى ذهاب الظلمة، وليس في الليل كله؛ كما ذكرت بقولك: (بل في وقت المغرب، وفي كل الليل يوصونني بألا أجري )
وأما قولك: (وإن اصطدمت بي، فإن الأمر خطر عليَّ): فلم نقف على مثل هذا في النصوص.
وأما مكان قضاء الحاجة: فإن الكلام فيه لغير مصلحة مكروه كراهة تنزيهية.
جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي: (و) يكره (كلامه في الخلاء، ولو سلاما، أو رد سلام) لما روى ابن عمر قال «مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فسلم عليه -وهو يبول-، فلم يرد عليه» رواه مسلم وأبو داود، وقال يروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- «تيمم ثم رد على الرجل السلام» (ويجب) الكلام على من في الخلاء كغيره (لتحذير معصوم عن هلكة كأعمى وغافل) يحذره عن بئر، أو حية، أو نحوها،؛ لأن مراعاة حفظ المعصوم أهم.
(ويكره السلام عليه) أي على المتخلي، فلا يجب رده، ويأتي في أواخر الجنائز (فإن عطس) المتخلي (أو سمع أذانا حمد الله) عقب العطاس بقلبه (وأجاب) المؤذن (بقلبه) دون لسانه، ذكره أبو الحسين وغيره ويأتي في الأذان، ويقضي متخل ومصل.
(و) يكره (ذكر الله فيه) أي في الخلاء لما تقدم، (ولا) يكره ذكر الله في الخلاء (بقلبه) دون لسانه (وتحرم القراءة فيه، وهو) متوجه (على حاجته) جزم به صاحب النظم.
وظاهر كلام صاحب المحرر وغيره يكره، لأنه ذكر أنه أولى من الحمام، لمظنة نجاسته وكراهة ذكر الله فيه خارج الصلاة قاله في الفروع.
وفي الغنية لا يتكلم، ولا يذكر الله، ولا يزيد على التسمية والتعوذ .اهـ.
وأما الضحك فيه فقد سبق أن بينا أنه مثل الكلام، وراجعي بشأن ذلك الفتوى : 177665.
وأما التبسم فهو من الأمور التي قد تغلب الإنسان، وتصدر دون اختياره على أنه يكون بدون صوت؛ فالظاهر أنه لا حرج فيه.
وأما البكاء فيه: فلم نقف على كلام للعلماء حوله، وليس مكان قضاء الحاجة محلا للبكاء، فلعل الأولى عدم البكاء في الحمام، لا سيما أنه لا يخلو من صوت، وقد يصحبه بعض الحروف، وربما الكلمات.
والله أعلم.