أرشيف المقالات

أشرف انتقام وأمضى سلاح - سهام علي

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
الحياة الزوجية في أمثل حالاتها لا تخلو أبدًا من مشكلات أو منغصات، والسبب واضح ومعروف للجميع، فاختلاف الطباع والطبائع والأمزجة والميول والنشأة والأفكار كلها عوامل مهما تقاربت – فهي تظل مختلفة.
وهذه حقيقة لا مراء فيها، فإذا كان لا يوجد داخل الأسرة الواحدة شخصان متماثلان، فما بالنا بشخصين من أسرتين مختلفتين، بل قد يكونان من مجتمعين مختلفين تماما.
إضافة إلى اختلاف النوع – الذي هو عامل التجاذب والتقارب – فكون هذا رجل وتلك امرأة؛ فإن هذا في حد ذاته في أحيان كثيرة يجعل أدوات الحوارالمشترك مفقودة.
فالمرأة لها خصوصياتها واهتماماتها ومشاعرها التي يعجز الرجل بحكم تركيبه النفسي والجسماني المختلف – عن فهم الكثير منها واستيعابه.
والمهم ألا تكون هناك فرصة لتلك المشكلات أن تكبر أوتتعاظم فتصل الحياة الزوجية إلى طريق مسدود.
والأمر متوقف بالدرجة الأولى على فهم كلا الزوجين لمدى قدسية هذا الرباط، وليس هناك أبلغ من وصف الله سبحانه وتعالى له (بالميثاق الغليظ) مما يستوجب على كلا الزوجين أن يكون لديهما العزم الصادق والنية المخلصة على بذل أقصى ما في الوسع لاستمرار هذه العلاقة والحرص على المضي بها حتى النهاية، لأن حلها لايعود غالبا على الطرفين إلا بالخسارة الجسيمة حتى أن الله عز وجل جعله أبغض الحلال لديه.
 
والمرأة بطبيعة الحال هي الطرف الأكثر فعالية في المحافظة على هذه العلاقة بحكم تكوينها الفطري، لأن المرأة سوية الفطرة تكون شديدة الارتباط بالأسرة، شديدة النفورمن فكرة استبدال زوج مكان زوج، ولذا فهي الأكثر استعدادا للتضحية والتحمل.
وقد حباها المولى جل وعز قدرات خاصة تستطيع بها مواجهة المشكلات الزوجية والتعامل معها بمرونة ولين وسماحة، وهذا هوبيت القصيد كما يقال، فالقدرة على التسامح والصفح ونسيان الإساءة - هي أفضل وسيلة لحل المشكلات التي تحدث، بل وتجنب المزيد منها مستقبلا، وليس الإصرار على رد الإساءة بأشد منها أو مثلها، بل يكون رد الإساءة بالإحسان هو أمضى سلاح يمكن أن تستخدمه المرأة إن أرادت الانتقام والثأر لكرامتها من الزوج لأنها حينئذ ستملكه تماما.
 
وهذا يذكرنا بالمقولة الذهبية لتلك الأم الحكيمة التي كانت تنصح ابنتها يوم زفافها(كوني له أمة يكن لك عبدا فأي انتقام أشرف من أن تمتلك المراة قلب زوجها بالتزام القواعد الخلقية التي وضعها الإسلام من لطف في المعاملة، وحسن المعاشرة، والتزام الاحترام، ومراعاة المشاعر والأحساسيس، والعمل على بث الثقة في النفس وفي الآخرين، وبعث جو البهجة والسرور في البيت، واتخاذ مبدأ التضحية والايثار شعارا لهذه العلاقة، والعمل على تهيئة أسباب الراحة والسكينة فيكون اسعاد هذا الزوج هدفا وغاية ما دام فيما وبما يرضي الله.
أما الكلمة الطيبة فلها مفعول السحر في النفس وليس هناك أروع من وصفه تعالى في قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ .
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}
[سورة إبراهيم آية: 25,24].
 
و تجدر الإشارة إلى أهمية الإقبال على هذه العلاقة بروح التفاؤل وعدم التأثر بالتجارب الفاشلة ومقاومة الوساوس التي تفسد ولا تصلح سواء أكانت من الذات أم من الآخرين، والتغلب عليها بمزيد من التودد والتقرب؛ فما من صخرة صماء إلا فتتتها قطرات الماء المتتابعة المستمرة.
فإذا بلغت المرأة هذا المبلغ من البذل والعظاء فلن يجد الرجل بدا ممن التراجع والندم على كل إساءة، بل أدنى تقصير.
فإذا كان الحكيم العليم قد جعل التسامح والصفح مبدأ لكل العلاقات الإنسانية؛ فالعلاقة الزوجية أولى وأحوج فقد قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [سورة فصلت آية: 34].
سهام علي

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن