أرشيف المقالات

أليس الصبح بقريب؟!

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
أليس الصبح بقريب؟!

وهل سمعت بظلٍّ غير منتقل؟
قانون ثابت، وسنة مستقرة، صاغهما الشاعر في شطر بيت، بكلمات لا تحتاج تفسيرًا!
فدورة الحياة كانتقال الظل، صعود وهبوط، شدة ورخاء، خوف وأمن، فقر وغنى.
فلا بد بعد الليل من صبح مُسفِر، ولا بد بعد العسر من يسر مُبهج!
 
وشدتنا هذه ليست بدعًا من الشدائد والكروب، فسيسفر صبحها لا شك، وتزول غصصها وآلامها لا محالة، فلا تكن في ذلك من الممترين.
 
فلا يشغلنك كثيرًا متي يسفر صبح الأزمة، وترقَّب متى يسفر صبحك أنت ....
نعم صبحك أنت!
فما جدوى أن يسفر صبح الشدة، وليلك ممدود لم يسفر صبحه.
ولكن أتعرف متى تشرق شمسك ويُسفِر صبحك؟!
 
♦ سيَسفِر صبحك إذا خرجت من عزلتك وأنت أكثر إنسانية، وأعمق شعورًا بآلام من حولك، تقاسمهم همومهم، وتشاركهم أفراحهم وأتراحهم، وترى في القيام بحقوق الضعفاء والمكروبين فرصة لإثبات إنسانيتك، وأنك ما زلت حي القلب سليم الضمير.
 
♦ وعندما تتغيَّر نظرتك لمعنى النعمة، فتراها أوسع بكثير من مال تكنزه، أو جاه تُحصِّله، أو مركز اجتماعي ترى به نفسك أفضل ممن حولك، فالطمأنينة نعمة، وراحة البال نعمة، ونسمة الهواء، ومجلس السَّمَر مع الأصحاب، والشعور بالأمان، والصحة والعافية، كلها نعم تستحق الشكر الدائم والثناء الموصول.
 
♦ وحينما تزداد قربًا من أهل بيتك، زوجك وأولادك، إخوانك وأرحامك، وتتوثق عنايتك بآمالهم وأشواقهم، ويتأكَّد لديك أن تلك الدائرة القريبة هي الأَوْلى بِبِرِّك وحبك واهتمامك، وأنهم المعيار الذي تَقيس به تفوقك وامتيازك في هذه الحياة، "فخيركم خيركم لأهله".
 
♦ ووقتما تقتنع أن عاداتك القاهرة، ومألوفاتك المتحكِّمة ليست سوى قيود وهمية، يمكنك التحرُّر منها، والتمرُّد عليها إذا صحَّ عزمُك وصدقت نيتُك، فالدخان، والمقهى، والسهر، والكسل، وإدمان الهاتف، كلها أوهام ضعيفة قَوَّتْها الممارسة اليومية، وصدق من قال: العوائد طبائع ثَوانٍ.
 
♦ ويوم تخرج من عزلتك وقد أحسنتَ استثمار وقت فراغك، فاكتسبت مهاراتٍ جديدة، وعاداتٍ نافعة، فحسَّنْتَ مستواك في قراءة القرآن وحفظتَ شيئًا منه، أو أعددت خطة قرائية بسيطة، أو ألزمت نفسك بأذكار الصباح والمساء، وأوراد الذكر، أو ارتقيت بمستواك في استخدام الحاسوب، أو أعددت مشاركات جادة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو غير ذلك.
 
♦ وعندما تؤمن أن العلم النافع، والبحث العلمي الجاد قيمة لا بد من الاحتفاء بها، والاعتزاز بأصحابها، وبخاصة وقت الأزمات حين يتوارى أصحاب القضايا الصغيرة، والاهتمامات التافهة، والشهرة الموهومة الكَذُوب.
 
♦ وحين تزداد إيمانًا بأن الكفر غباء والإلحاد لقيط، فالإيمان - والإيمان وحدَه - هو القادر أن يُبحِر بقاربك ويوصلك إلى برد اليقين، وبرِّ الأمان، وقد تلاعبتْ به أمواجُ المحن، وعصفت به رياح الشدائد والخطوب.
 
♦ سيُسفِر صبحك عندما ترى نفسك ضعيفًا أمام قدرة الله مهما قويتَ، فقيرًا أمام ربك مهما اغتنيتَ، وأنك في قبضة مَلِكٍ لا يكون في ملكه إلا ما أراد، فعندها ينكمش كبرك حذرًا وإجلالًا، وينفسح أملك طمعًا ورجاءً.
 
♦ وحينما تفارق عزلتك وأنت أكثر سكينة وطمأنينة، تمشي على الأرض هونًا، وترى الدنيا أقل من أن نتهالك عليها أو نتقاطع من أجلها، لكنك مع ذلك تراها أجمل ما تكون، وأزهى ما تبدو في يد الصالح الذي يسخِّرها في خدمة الدين ونُصرة الحق.
 
♦ سيُسفِر صبحك يوم تعيش مستعدًّا للقاء الموت في أي وقت، غير هيَّاب من لقاء رب رحيم، وقد قضيت رحلتك على هذه الأرض تَحْذَر الآخرةَ وترجو رحمةَ ربك، تنصر الحق وتخذل الباطل، وتقدِّم من الأعمال ما يُشَوِّقك إلى جنة عرضها كعرض السماء والأرض.
 
عندها تشرق شمس سعدك، ويُسْفِر صبحُ حياتك الجديدة، فلا تُبَالِ بعدها أَسْفَرَ صبحُ الأزمة أم لم يُسفر!
 
فقد آن أن تزول التباريح، وتنطفئ المصابيح، ولسان حالك يقول وأنت تخطو أُولى خطواتك خارجًا من عزلتك:
طلعَ الصباحُ فأطْفِؤوا القنديلا

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١