الزخرفيون
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
نمط من الخلق لا يلتفت انتباهه إلا للزخارف المبهرة، ولا ينجذب بصره إلا لزينة براقة أو زخرف لامع، إنهم قوم يقيسون الحق والباطل من خلال مقياس العظمة الدنيوية والمكانة المادية، والمنصب الفخم والثراء الفاحش والنعيم الزائل..سورة الزخرف تعرض نماذج صارخة لتلك العقليات السطحية، والأنماط المادية التي تحكم على الأمور دائمًا من خلال المظهر الخارجي، أو عرض الدنيا الحقير وحسب: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31].
وهل هذه هي المشكلة؟
هل قضيتكم أنه ليس من زعماء مجتمعكم أو من عظماء ماديتكم السطحية؟ وهل أنتم من تقررون وتقسمون رحمة الله؟ {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} [الزخرف من الآية:32]، نفس المنطق المريض في كل زمان ومكان، منطق الحكم من خلال الظاهر، وحتى هذا المنطق فمنقوص فاسد.
من قال أن المستكبرين المختالين في الأرض بمشيتهم المغرورة وزخرفهم الزائل هم الأعظم والأفضل؟
من قال أن معيار القوة والثراء هو المعيار الوحيد للحكم على الأشخاص؟ إنه كذلك لدى هذا النمط السطحي المستخف، النمط الذي تبهره زينة قارون وقوة عاد وعلو النمرود، النمط الذي يستخفه فرعون ومنطقه المعروض في نفس السورة، إذ ينادي ويقول: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي} [الزخرف من الآية:51]، هذا هو ما أرادهم أن ينتبهوا إليه ثم سألهم {أَفَلا تُبْصِرُونَ}.
ترسيخ للحكم البصري المظهري والتقييم القائم على أساس الرؤية الخارجية وحسب، ولذلك كان القياس الذي ظنه منطقيًا، {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ .
فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف:52-53]، لقد قاس على نفس المعيار الذي ينبهر به خفيفو العقول في كل زمان، معيار المظهر الخارجي وزخرف الفعل والقول..
ومن يقيس على هذا الأساس يستحق بجدارة أن يتسلط عليه فرعون وأمثاله، فهم ممن قال الله فيهم في السورة نفسها: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف:54]، قوم فاسقون بمعيارهم الفاسد وحكمهم المنقوص، وتصورهم المريض الذي هيأ لهم ولأمثالهم أنهم يقسمون رحمة ربك، يعطونها لمن أعجبهم ويمنعونها من حقروه، ولم تبهرهم زينته وتخطف أبصارهم لمعة مكانته..
ولقد نسوا أو تناسوا أن الله هو من قسم بين الناس معيشتهم ورفع بعضهم فوق بعض درجات وأن: {رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف من الآية:32].