واحة القرآن - ولتكن منكم أمة


الحلقة مفرغة

الشيخ عبد الحي يوسف: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:

إخوتي وأخواتي! قد جاء الله بنا إلى هذه البلاد مهاجر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي قال فيها: ( اخرجوا إلى أرض الحبشة؛ فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد )، وكما قال الصحابة رضي الله عنهم: فنزلنا على خير جار. وهو النجاشي أصحمة رحمه الله وأكرمه، جئنا إلى بلاد النجاشي دعوةً إلى الله عز وجل، وتبشيراً بدينه، وزيارةً لإخواننا في الله من مسلمي هذه البلاد.

وأبدأ هنا بقول ربنا جل جلاله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104].

ماذا يحضرك يا أبا عبد الله بخصوص هذه الآية في هذه البلاد؟

الشيخ محمد الخضيري: أولاً: المسلم لا يقصر الخير على نفسه، بل إن الله سبحانه وتعالى إذا أعطاه وحباه هذا الخير الذي هو أعظم ما يمتن الله به على عبده يقال له: اشكر هذه النعمة، فقم داعياً ومذكراً، وهذا واجب؛ ولذلك جاءت الآية بصيغة الإيجاب (ولتكن)، وليست المسألة فضلة يفعلها الإنسان إن شاء، ويتركها إن شاء، بل يجب على كل مسلم أن يقوم بما يستطيع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بلغوا عني ولو آية )، وقال الله جل وعلا في آخر سورة النحل وهي سورة مكية: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، وذكر في آخر سورة يوسف منهج الأنبياء ومنهجه عليه الصلاة والسلام عندما قال قُلْ [يوسف:108] أي: لجميع الناس هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]، فمن اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا شك ولا بد أن يكون له حظ في هذه الدعوة، وأن يقوم بهذا الواجب، وقد لا يكون عالماً، لكنه يعلم ما تعلمه، وكل مسلم قد تعلم أشياء يتعبد الله سبحانه وتعالى بها، ألا يعرف الواحد منا وجوب الصلاة؟ ألا يعرف أن الصلاة مثلاً قد أقيمت فيذكر الناس ويدعوهم إليها؟ ولذلك لما نزل قول الله عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33]، قالت عائشة : هذه الآية نزلت في المؤذنين. إذاً المؤذن داعية.

الشيخ عبد الحي يوسف: هم داخلون فيها دخولاً أولياً.

الشيخ محمد الخضيري: نعم دخولاً أولياً؛ لأنهم يدعون إلى الله، وقولهم أحسن القول؛ لأن الله قال: (ومن أحسن) أي: لا أحد أحسن قولاً من هؤلاء الذين يدعون إلى الله.

الشيخ عبد الحي يوسف: وقال صلى الله عليه وسلم: ( اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين ) إذاً: من فوائد هذه الآية: أن المسلم إذا هدي إلى خير لا يقصره على نفسه.

حرص النبي على هداية الغلام اليهودي

الشيخ عبد الحي يوسف: ويحضرني هنا حادثتان من السيرة النبوية.

الحادثة الأولى: دخول النبي صلى الله عليه وسلم على اليهودي وهو في سياق النزع، حين قال له: ( يا غلام! قل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فنظر الغلام إلى أبيه كالمستشير فقال: أطع أبا القاسم، فنطق الغلام بها، ثم خرجت روحه، فخرج صلى الله عليه وسلم فرحاً مسروراً يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار )، سبحان الله، ماذا استفاد صلى الله عليه وسلم من كون هذا الإنسان أسلم، الدعوة ما استفادت منه، يعني: لا صار جندياً في الجيش، ولا صانعاً لسلاح، ولا داعيةً إلى الله، بل فارق الدنيا، ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من محبته للناس يخرج فرحاً مسروراً.

حرص مصعب بن عمير على هداية سعد بن معاذ

الشيخ عبد الحي يوسف: الحادثة الثانية: لما جاء مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه إلى المدينة داعياً بأمر رسول الله، ورسولاً من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقف عليه رجلٌ مشاتماً: يا شريد! يا طريد! جئت تفتن صبياننا، وتغير ديننا، وتعيب آلهتنا، والله لئن لم تنته لأفعلن بك ولأفعلن، فـمصعب رضي الله عنه كان يملك أن يسكت، وكان يملك أن يذهب، لكنه رضي الله عنه قال له: اجلس واسمع، فإن أحببت ما نقول قبلته، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره. فقال الرجل: لقد زدت على النصف، فجلس واستمع لحديث مصعب ، ومصعب رضي الله عنه صدق الله فيه، يقول الصحابة: فوالله لقد عرفنا الإسلام في وجهه قبل أن ينطق، من تهلل وجهه رضي الله عنه، ولذلك مجرد أن انتهى قال الرجل: ما أحسن هذا الكلام وأطيبه، ماذا يصنع من أراد الدخول في دينكم؟ ثم كان هذا الرجل داعياً إلى الله، وهو سعد بن معاذ رضي الله عنه، حيث ذهب إلى قومه، وقال لهم -وهذا من محبة الخير-: ما تقولون فيّ؟ قالوا له: أنت أيمننا نقيبةً، وأطولنا يداً، قال لهم: فإن كلامي من كلامكم حرام حتى تدخلوا في دين محمد. قال: فما بقي أحد من بني حارثة إلا وقد دخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة.

الشيخ عبد الحي يوسف: ويحضرني هنا حادثتان من السيرة النبوية.

الحادثة الأولى: دخول النبي صلى الله عليه وسلم على اليهودي وهو في سياق النزع، حين قال له: ( يا غلام! قل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فنظر الغلام إلى أبيه كالمستشير فقال: أطع أبا القاسم، فنطق الغلام بها، ثم خرجت روحه، فخرج صلى الله عليه وسلم فرحاً مسروراً يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار )، سبحان الله، ماذا استفاد صلى الله عليه وسلم من كون هذا الإنسان أسلم، الدعوة ما استفادت منه، يعني: لا صار جندياً في الجيش، ولا صانعاً لسلاح، ولا داعيةً إلى الله، بل فارق الدنيا، ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من محبته للناس يخرج فرحاً مسروراً.

الشيخ عبد الحي يوسف: الحادثة الثانية: لما جاء مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه إلى المدينة داعياً بأمر رسول الله، ورسولاً من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقف عليه رجلٌ مشاتماً: يا شريد! يا طريد! جئت تفتن صبياننا، وتغير ديننا، وتعيب آلهتنا، والله لئن لم تنته لأفعلن بك ولأفعلن، فـمصعب رضي الله عنه كان يملك أن يسكت، وكان يملك أن يذهب، لكنه رضي الله عنه قال له: اجلس واسمع، فإن أحببت ما نقول قبلته، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره. فقال الرجل: لقد زدت على النصف، فجلس واستمع لحديث مصعب ، ومصعب رضي الله عنه صدق الله فيه، يقول الصحابة: فوالله لقد عرفنا الإسلام في وجهه قبل أن ينطق، من تهلل وجهه رضي الله عنه، ولذلك مجرد أن انتهى قال الرجل: ما أحسن هذا الكلام وأطيبه، ماذا يصنع من أراد الدخول في دينكم؟ ثم كان هذا الرجل داعياً إلى الله، وهو سعد بن معاذ رضي الله عنه، حيث ذهب إلى قومه، وقال لهم -وهذا من محبة الخير-: ما تقولون فيّ؟ قالوا له: أنت أيمننا نقيبةً، وأطولنا يداً، قال لهم: فإن كلامي من كلامكم حرام حتى تدخلوا في دين محمد. قال: فما بقي أحد من بني حارثة إلا وقد دخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة.

الشيخ محمد الخضيري: الحقيقة أن هذه الآية كأنها إيجاب عام للأمة كلها أن توجد من يقوم بهذه الفرائض، ويحتسب فيها، وينتصب لها، ويتخصص فيها، يعني: يجب عليكم يا أمة الإسلام مع أنه وجوب عام أن تدعوا إلى الله، وتأمروا بالمعروف، وتنهوا عن المنكر، إلا أن هذا قد لا يتمكن منه كل أحد في كل وقت، إذاً: فأقيموا منكم أمةً تتفرغ لهذا العمل، وتقوم به، وتسعى في الأرض بالصلاح والإصلاح.

وهنا في قوله تعالى: يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]، قد يسأل سائل: لماذا قدمت الدعوة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ فنقول: أصل الإنسان يأتي في ضلال، قال تعالى: إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72]، فهنا يدعى إلى دار النور، وهي حظيرة الإسلام، فإذا دعي فإنه لا يسلم أن يكون عنده تقصير في بعض الواجبات، فهنا يؤمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وهذا سر تقديم الدعوة إلى الله على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
واحة القرآن - بداية سورة الأعلى 2480 استماع
واحة القرآن - سورة الليل 2433 استماع
واحة القرآن - الرجال قوامون على النساء [2] 2237 استماع
واحة القرآن - سورة الأنعام والوصايا العشر [2] 1983 استماع
واحة القرآن - خواتيم آل عمران 1933 استماع
واحة القرآن - سورة الأنعام والوصايا العشر [1] 1912 استماع
واحة القرآن - سورة الفلق [2] 1800 استماع
واحة القرآن - سورة الناس 1790 استماع
واحة القرآن - يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم 1785 استماع
واحة القرآن - سورة الكافرون 1755 استماع