مضايا وجرف الصخر؛ التجويع ثم التهجير منذ تل الزعتر
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
يعرف فلسطينيو لبنان جيدًا معنى الحصار والتجويع على أيدي النظام السوري والميليشيات الطائفية، ففي منتصف السبعينيات حاصرت ميليشيات مارونية بدعم من قوات النظام السوري مخيم تل الزعتر الشهير، الذي ألف محمود درويش من أجله قصيدة "أحمد العربي". وبعد أشهر من الصمود توفي آلاف المدنيين وسقط المخيم. "المخيم ضم عددًا من الفقراء من الأكراد والشيعة إلى جانب الفلسطينيين"، لترتكب مجزرة بآلاف المدنيين العزل الذين بقوا على قيد الحياة.
أبعدت الميليشيات المارونية هذا التجمع السكاني وسوته بالأرض، وأخرجتهم من مناطقها المسيحية في تغيير ديمغرافي معلن، كان بشير الجميل يفاخر بمنطلقاته العنصرية على الملأ حين يقول: "سأحول مخيمات الفلسطينيين إلى كراج سيارات أو حديقة حيوانات"!
في تل الزعتر ظلت الدول العربية عاجزة لأشهر عن أي فعل، بل إن قوات الردع العربية هي من أبرمت اتفاقًا يقضي بانسحاب المقاتلين وسكان المخيم ودخول الميليشيات المارونية، وبحسب سكان عاصروا تلك الحقبة، فإن قوات الردع العربي عجزت حتى عن حماية المنسحبين من المدنيين، الذين اعتقلوا وتمت تصفيتهم. وبعدها بعشر سنوات تقريبًا، أي في أواسط الثمانينيات، تعرضت مخيمات فلسطينية كالرشيدية وغيره لحصار وتجويع، هذه المرة من ميليشيات شيعية، على رأسها حركة أمل، وأكل السكان الحشرات والقطط وصمدوا لأشهر.
من الميليشيات الطائفية المارونية والشيعية في لبنان إلى ميليشيات العراق..
فبعد احتلال بغداد، شرعت الحكومة العراقية وميليشياتها بعمليات تغيير ديمغرافي في أنحاء بغداد، بحيث تقلص عدد السكان السنّة في بغداد إلى نصف عددهم قبل الاحتلال، وهجرت أحياء كاملة، خصوصًا في نصف بغداد الشرقي؛ الرصافة.
واستمرت عمليات التغيير في بغداد وحزامها ومحافظة ديالى، وصولًا إلى عمليات التهجير الكبرى في عمليات الحشد الشيعي ضد المدن والبلدات السنية خلال المعارك مع تنظيم الدولة، فقد هجرت عشرات القرى في ديالى ومحيط بعقوبة ذات التركيبة المختلطة من أكراد شيعة وعرب سنة، واعترف محافظ ديالى السابق، بأن الساسة السنة عجزوا عن وقف عمليات التغيير الديمغرافي في ديالى، ثم بدأت تلك القوات في عمليات تطهير لحزام بغداد الذي تسكنه تجمعات عشائرية سنية.
وكانت العملية الأكبر في مدينة جرف الصخر، التي تسكنها عشائر الجنابيين التي عرفت بمقاومتها الشرسة للقوات الأمريكية في هذه المنطقة التي تضم اللطيفية واليوسفية والمحمودية، حتى سميت مثلث الموت ، وتعرضت إحدى الفتيات القاصرات وهي عبير الجنابي للاغتصاب من جندي أمريكي حوكم لاحقًا في الولايات المتحدة.
وسيطرت قوات الحشد الشيعي بعد معارك طاحنة مع تنظيم الدولة على جرف الصخر، وبعد سيطرتها بعام كامل وحتى يومنا هذا منعت تلك القوات وبأوامر من قادة الميليشيات المتنفذين في الحكومة، السكان من العودة، بل إن قوات بدر اغتالت أحد شيوخ الجنابيين الذين تجرأوا وطالبوا بإعادة السكان، اغتيل الشيخ العشائري الذي كان قبل أيام في مكتب نائب رئيس الوزراء المحسوب على السنة صالح المطلك، واغتيل سبعة من أفراد حمايته، وترك ابن أخيه النائب في البرلمان العراقي ليذهب ويقول لزملائه السياسيين السنة ألا تخوضوا في موضوع إعادة سكان جرف الصخر مجددا!
وبعد جرف الصخر، تحاول قوات الحشد تكرار الأمر نفسه في تكريت وبيجي، حصار وتهجير ثم تشييع، فلم يعد من سكان تلك المدن إلا القليل، ومعظمهم ممن يرتبطون بصلات مع قادة الصحوات الموالية للحكومة العراقية، مبان رسمية حولت لحسينيات، لتمتد كسلسلة عنقودية من سامراء لتكريت حتى بيجي يجري العمل على تغيير تركيبتها المذهبية والسكانية.
ومن لبنان والعراق حتى سوريا ، فقبل مضايا كانت الزبداني والقصير ويبرود، كلها بلدات تولى حزب الله السيطرة عليها بشكل أساس مع قوات النظام السوري، في مخطط واضح لصناعة جيب نقي طائفيًا من أي وجود سني، وخصوصًا الشريط الممتد من دمشق حتى حمص وحماة وصولًا إلى اللاذقية، وسط عجز حكومي عربي لافت، عن أي تحرك.
هذا في الوقت الذي تمكنت فيه إيران والمنظومة الطائفية التي تقودها من توفير مقومات الصمود للقرى الشيعية المحاصرة في ريفي حلب وادلب، نبل والزهراء وكفريا والفوعة، حتى إن عرسًا جماعيًا أقيم بالأمس في مدينة نبل الشيعية المحاصرة بريف حلب الشمالي، وتوسطت صورة خامنئي قاعة الحفل، في إشارة رمزية لفرق الحال بين المدن المحاصرة، والتي تحظى بدعم الدولة الإيرانية الشيعية، وبين من تنتظر دعم الدول العربية السنية حتى تموت جوعًا ثم تتهجر كمضايا، وقبلها تل الزعتر وجرف الصخر والقصير ويبرود والزبداني!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم:وائل عصام