واحة القرآن - يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم


الحلقة مفرغة

الشيخ عبد الحي يوسف: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن أول نداء من ربنا جل جلاله في كتابه الكريم وجهه لكافة الناس فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].

هذا النداء وما يحويه من دلالات، وما فيه من معان، أتناوله في حديث مع أخي الحبيب أبي عبد الله فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد العزيز خضيري ، أستاذ التفسير وعلوم القرآن.

والسؤال يا أبا عبد الله ! ما سر توجيه النداء للناس كافة؟

الشيخ محمد الخضيري: أحسنت، الحقيقة هذا السؤال أتوقع أن كل واحد ينبغي أن يسأله نفسه، وأن يفكر فيه، انظر إلى المضمون لتعرف أن النداء ينبغي أن يكون عاماً، ما هو المضمون الذي تضمنته هذه الآية؟ إنه الأمر بعبادة الله عز وجل، وإفراده بهذه العبادة، وهذا أمر لا يختص بأحد مع كون السورة وهي سورة البقرة مدنية باتفاق، فلما قال: اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، جعل النداء هنا عاماً لكل الناس.

مسوغات الأمر بالعبادة

الشيخ محمد الخضيري: ومن عجائب هذه الآية أنها ما أمرت بالعبادة دون أن تبين مسوغات الأمر بهذه العبادة، أو إفراد الرب بها، فقال تعالى: اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة:21]، فجاء بقوله: (ربكم) بما يتضمنه وصف الربوبية من جميع اللوازم: أنه الخالق، أنه الرزاق، أنه المربي أي: المتصرف في أمور الخلق، الذي ينزل عليهم الرحمات، ويجيب لهم الدعوات، ويرزقهم، ويخلقهم، وينشئهم من العدم.

وقوله: (الذي خلقكم) أيضاً من يخلق هو الذي يستحق أن يعبد، وهذه أعظم قاصمة ظهر للمشركين.

الشيخ عبد الحي يوسف: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ [الروم:40]، وهو سؤال يوجه لكل مشرك.

الشيخ محمد الخضيري: وهو ملجم؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يقول: إن هذه الأصنام تخلق أو ترزق أو تحيي أو تميت.

الشيخ عبد الحي يوسف: ولا الشمس، ولا القمر، ولا الجبال، وكل ما عبد من دون الله ما فعل شيئاً من ذلك.

الشيخ محمد الخضيري: سبحان الله! قال: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21]، وهذا شيء يتفق عليه العقلاء، ويعرفه جميع الناس، ولاحظ هنا أن الدليل الذي جاء في هذه الآية يفهمه كل أحد، فليس معقداً، ولا صعباً، بل الكبير والصغير والعالم والجاهل والذكر والأنثى يفهمونه، فهو في غاية الوضوح، وفي الوقت ذاته في غاية القرب منك، (خلقكم والذين من قبلكم) لأجل غاية واحدة، (لعلكم تتقون).

غاية العبادة ودلالة تكرار ذكر التقوى في سورة البقرة

الشيخ عبد الحي يوسف: وأنا أقول في قوله: (لعلكم تتقون)، هذه السورة قد نسميها سورة التقوى، ففي أول السورة قال: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2]، إذاً هذا إعلام بأن السورة هذه من لزمها فقد صار من أهل التقوى، وهنا هذا الموطن الثاني في هذه الآية، وفي ستة وثلاثين موطناً في هذه السورة يعاد ويكرر ذكر التقوى، ومنها في آية الصيام، وفي القصاص وفي الحج وفي الربا.

الشيخ محمد الخضيري: والغريب حتى في الصيام وفي الحج تفتتح العبادة بالتقوى، وتختم أيضاً بالتقوى، مما يدلك على أن هذه السورة من لزمها وعرفها وتعلمها وامتثل ما فيها من الأوامر، واجتنب ما فيها من النواهي، كان من المتقين.

أنسب الطرق لمحاجة من ينكر وجود الله سبحانه وتعالى

الشيخ عبد الحي يوسف: أضيف إلى ما ذكرت يا أبا عبد الله ! أن نبي الله موسى عليه السلام كان جوابه لـفرعون في سائر المواضع جواباً مفحماً مسكتاً، ففي سورة الشعراء: قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ [الشعراء:23-24]، هذا تفسير (العالمين)، رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ [الشعراء:24]، هنا فرعون لما انقطع استعان بالحاشية: قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ [الشعراء:25]، يعني: انظروا إلى ما يقول هذا الرجل، فانصرف موسى عليه السلام من فرعون إلى من حوله، فهاجمهم بالأدلة المفحمة قبل أن يسألوه، قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ [الشعراء:26]، وهنا قال: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21]، فها هنا نستفيد بأن أنسب ما يستعين به المسلم في محاجته للملاحدة، ومن ينكرون وجود الله عز وجل، ومن يشركون معه غيره، القرآن، وهناك في سورة طه لما سأل فرعون عليه لعنة الله عن الرب: قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى [طه:51-52].

حتمية العبودية لله وكون ذلك من مقامات الشرف والكمال

الشيخ محمد الخضيري: لاحظ في هذه الآية يا شيخ! أنه قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا [البقرة:21] على وجه الأمر؛ لأنه لا خيار للعبد في هذا الأمر، فليست العبادة محل اختيار، فأنت مربوط لهذا الرب سبحانه وتعالى، يجب عليك أن تصرف العبادة له، ليست من الأشياء الاختيارية، صحيح أن الإنسان يملك اختياراً في أن يعبد أو لا يعبد، لكنه لكي يحقق الهدف الذي خلق من أجله لا بد أن يعبد، ولا محيد للإنسان عن العبادة، بل كلما كمل هذه العبادة، وجاء بها على أتم وجوهها ترقى في مصاعد الكمال، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يصفه ربه في أجل المقامات بالعبودية فيقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ [الكهف:1]، وقال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1]، وقال فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى [النجم:10]، وقال: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36]، وقال وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [الجن:19]، وقال: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23]، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصف بالعبودية في مقامات الشرف والكمال، فهذا يدلنا على أن هذه العبودية هي أجل الأوصاف التي يستحقها الإنسان؛ ولذلك نقول: لينتبه كل إنسان يحاول أن ينتقص من مقام العبودية، ويرى أن هناك أمداً وزمناً للعبودية، إذا وصل الإنسان إليها فإنه يتحلل من هذه العبودية.

الشيخ عبد الحي يوسف: قال الله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].

الشيخ محمد الخضيري: واليقين هو الموت بإجماع المفسرين، وهذا ذكرته في التفسير على أنه من الإجماعات المنضبطة، وذكر الإجماع فيها وحكاه ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره.

الشيخ عبد الحي يوسف: وتفسرها الآية الأخرى مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:42-47]، فما بقي إلا الموت، يعني: لا تفسر لكل ذي عقل إلا بالموت.

الشيخ محمد الخضيري: و عثمان بن مظعون ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأمه لما شهدت له بالجنة: ( أما هو فقد أتاه من ربه اليقين )، ففسر اليقين هنا بالموت.

الشيخ محمد الخضيري: ومن عجائب هذه الآية أنها ما أمرت بالعبادة دون أن تبين مسوغات الأمر بهذه العبادة، أو إفراد الرب بها، فقال تعالى: اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة:21]، فجاء بقوله: (ربكم) بما يتضمنه وصف الربوبية من جميع اللوازم: أنه الخالق، أنه الرزاق، أنه المربي أي: المتصرف في أمور الخلق، الذي ينزل عليهم الرحمات، ويجيب لهم الدعوات، ويرزقهم، ويخلقهم، وينشئهم من العدم.

وقوله: (الذي خلقكم) أيضاً من يخلق هو الذي يستحق أن يعبد، وهذه أعظم قاصمة ظهر للمشركين.

الشيخ عبد الحي يوسف: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ [الروم:40]، وهو سؤال يوجه لكل مشرك.

الشيخ محمد الخضيري: وهو ملجم؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يقول: إن هذه الأصنام تخلق أو ترزق أو تحيي أو تميت.

الشيخ عبد الحي يوسف: ولا الشمس، ولا القمر، ولا الجبال، وكل ما عبد من دون الله ما فعل شيئاً من ذلك.

الشيخ محمد الخضيري: سبحان الله! قال: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21]، وهذا شيء يتفق عليه العقلاء، ويعرفه جميع الناس، ولاحظ هنا أن الدليل الذي جاء في هذه الآية يفهمه كل أحد، فليس معقداً، ولا صعباً، بل الكبير والصغير والعالم والجاهل والذكر والأنثى يفهمونه، فهو في غاية الوضوح، وفي الوقت ذاته في غاية القرب منك، (خلقكم والذين من قبلكم) لأجل غاية واحدة، (لعلكم تتقون).

الشيخ عبد الحي يوسف: وأنا أقول في قوله: (لعلكم تتقون)، هذه السورة قد نسميها سورة التقوى، ففي أول السورة قال: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2]، إذاً هذا إعلام بأن السورة هذه من لزمها فقد صار من أهل التقوى، وهنا هذا الموطن الثاني في هذه الآية، وفي ستة وثلاثين موطناً في هذه السورة يعاد ويكرر ذكر التقوى، ومنها في آية الصيام، وفي القصاص وفي الحج وفي الربا.

الشيخ محمد الخضيري: والغريب حتى في الصيام وفي الحج تفتتح العبادة بالتقوى، وتختم أيضاً بالتقوى، مما يدلك على أن هذه السورة من لزمها وعرفها وتعلمها وامتثل ما فيها من الأوامر، واجتنب ما فيها من النواهي، كان من المتقين.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
واحة القرآن - بداية سورة الأعلى 2481 استماع
واحة القرآن - سورة الليل 2433 استماع
واحة القرآن - الرجال قوامون على النساء [2] 2237 استماع
واحة القرآن - سورة الأنعام والوصايا العشر [2] 1984 استماع
واحة القرآن - ولتكن منكم أمة 1963 استماع
واحة القرآن - خواتيم آل عمران 1934 استماع
واحة القرآن - سورة الأنعام والوصايا العشر [1] 1913 استماع
واحة القرآن - سورة الفلق [2] 1800 استماع
واحة القرآن - سورة الناس 1790 استماع
واحة القرآن - سورة الكافرون 1756 استماع