واحة القرآن - سورة الأنعام والوصايا العشر [2]


الحلقة مفرغة

الشيخ محمد الخضيري: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

في الحلقة الماضية تحدثنا عن آيات الوصايا في آخر سورة الأنعام، هذه الآيات العظيمة التي افتتحها الله عز وجل بقوله: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151] إلى آخر الوصايا العشر العظيمة في هذه الآيات الثلاث الكريمات، ونسيت أن أقول لكم وأذكر في الحلقة الماضية أن ابن مسعود وهو من هو في علمه ومنزلته ومكانته في الإسلام كان يقول: من أحب أن ينظر إلى وصية محمد التي عليها خاتمه فليقرأ هؤلاء الآيات. وذكر الآيات الثلاث ففي ختام سورة الأنعام.

وهذه الآيات تضمنت عشر وصايا، أخذنا في الحلقة الماضية ثلاث وصايا منهن، واليوم نتم ما تيسر منها، وكنا قد توقفنا عند قول الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151].

الشيخ عبد الحي يوسف: وأنا أريد قبل أن نذهب إلى الوصية الرابعة أن أقف مرةً أخرى عند قول الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ [الأنعام:151]؛ لأن بعض الناس في الجاهلية المعاصرة ما افترقوا كثيراً عن الجاهلية الأولى، فيضيق صدره إذا رزق بالأنثى، كما قال ربنا: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ [النحل:58-59]، وهذه عادة من عادات الجاهلية، حتى أن بعضهم -والعياذ بالله- كان له بنت يقال لها: مودة، فأراد أن يسافر، فجعلت تودعه وتدعو له بطول العمر، فقال:

مودة تهوى عمر شيخ يسره لها الموت قبل الليل لو أنها تدري

يخاف عليها جفوة الناس بعده ولا ختن يرجى أود من القبر

يعني: يقول: أحب الأصهار إلي القبر، يعني كما قال الآخر:

إني وإن سيق إلي المهر عبد وألفان وذود عشر

أحب أصهاري إلي القبر.

فيا من تجزع من البنات اعلم بأن الخير قد يكون فيهن، واعلم بأن القرآن الكريم ذكر من النساء آسيا و مريم، وبالمقابل ذكر من الرجال فرعون و هامان و قارون و أبا لهب ، وغيرهم ممن ملئوا الأرض ظلماً وجوراً.

الشيخ عبد الحي يوسف: وبعد أن نهى الله عز وجل عن قتل الأولاد وهو نهي خاص عمم فقال: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ [الأنعام:151]، وهذا من عطف العام على الخاص.

الشيخ محمد الخضيري: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ [الأنعام:151]، وهي كل نفس معصومة، والأنفس المعصومة هي تلك الأنفس التي حرم الله عز وجل أن يعتدى عليها بالقتل.

المستحق للقتل

الشيخ محمد الخضيري: قوله: إِلاَّ بِالْحَقِّ [الأنعام:151]، أي: إلا بالشرع، قتلاً بحق، وهو أن يرتد الإنسان ويكفر بعد إيمان، أو يقتل نفساً محرمةً عمداً عدواناً فيستحق بذلك القتل، أو يزني بعد إحصان، ومثلها أيضاً الجرائم التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم كقتل الساحر، وكذلك من وقع على ذات محرم، ومن عمل عمل قوم لوط، وقطع الطريق، وعند بعض أهل العلم السارق في الخامسة يقتل، والشارب في الرابعة يقتل، وما أشبه ذلك.

التحذير من الاستهانة بالدماء

الشيخ محمد الخضيري: ونحن بهذا نحذر كثيراً، وهذا أمر قد حذرت منه الشرائع كلها من تهاون بعض الناس في أمر الدماء، فإن ( المسلم لا يزال في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أعظم المجامع في يوم عرفة: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، ويرفع إصبعه ثم ينكت بها على الناس )، فقد كان يشير بها إلى الناس عليه الصلاة والسلام؛ لعظم حرمة الدماء.

الشيخ عبد الحي يوسف: ونلاحظ بأن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في الصحيحين لما حذر من الكبائر قرن بين الشرك والقتل، وجعل بينهما السحر، قال عليه الصلاة والسلام: ( اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر )، والسحر نوع من الشرك، ثم قال: ( وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ).

الشيخ محمد الخضيري: قوله: إِلاَّ بِالْحَقِّ [الأنعام:151]، أي: إلا بالشرع، قتلاً بحق، وهو أن يرتد الإنسان ويكفر بعد إيمان، أو يقتل نفساً محرمةً عمداً عدواناً فيستحق بذلك القتل، أو يزني بعد إحصان، ومثلها أيضاً الجرائم التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم كقتل الساحر، وكذلك من وقع على ذات محرم، ومن عمل عمل قوم لوط، وقطع الطريق، وعند بعض أهل العلم السارق في الخامسة يقتل، والشارب في الرابعة يقتل، وما أشبه ذلك.

الشيخ محمد الخضيري: ونحن بهذا نحذر كثيراً، وهذا أمر قد حذرت منه الشرائع كلها من تهاون بعض الناس في أمر الدماء، فإن ( المسلم لا يزال في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أعظم المجامع في يوم عرفة: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، ويرفع إصبعه ثم ينكت بها على الناس )، فقد كان يشير بها إلى الناس عليه الصلاة والسلام؛ لعظم حرمة الدماء.

الشيخ عبد الحي يوسف: ونلاحظ بأن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في الصحيحين لما حذر من الكبائر قرن بين الشرك والقتل، وجعل بينهما السحر، قال عليه الصلاة والسلام: ( اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر )، والسحر نوع من الشرك، ثم قال: ( وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ).

الشيخ عبد الحي يوسف: وبعد أن حذرنا ربنا جل جلاله من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، أتى بالوصية الخامسة فقال: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام:151].

والفواحش جمع فاحشة، والعرف قيدها بالفواحش المتصلة بالأعراض، لكنها في شرع الله عز وجل أعم من ذلك، فهي تشمل كل ما حرمه الله عز وجل، فالزنا واللواط والسحاق -عياذاً بالله- فواحش، وكذلك السرقة فاحشة، وقتل النفس المعصومة فاحشة، وأكل الربا فاحشة.

الشيخ محمد الخضيري: فكل ما يستبشع ويفحش أو يشتد قبحه فهو فاحشة.

الشيخ عبد الحي يوسف: بل أكثر من ذلك، فإن العرب قد تطلق الفحش على البخل.

الشيخ محمد الخضيري: بل جاء ذكر هذا في القرآن: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268]، قال العلماء: المراد بالفحشاء هنا البخل.

الشيخ عبد الحي يوسف: نعم.

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد

الفاحش: البخيل المسيك.

الحكمة من التعبير بالقرب في قوله تعالى: (ولا تقربوا الفواحش)

الشيخ عبد الحي يوسف: وها هنا قال الله عز وجل: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ [الأنعام:151]، وهذه الفواحش ما نهانا ربنا جل جلاله عن فعلها، وإنما نهانا عن قربانها.

الشيخ محمد الخضيري: وهذا سر عظيم.

الشيخ عبد الحي يوسف: وفي الآية التي مضت في حلقة سابقة قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، فالله عز وجل لما حرم الزنا قال: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32]، أي: لا تسلكوا السبل المؤدية إليه، ولا تحوموا حوله، ولذلك حرم ربنا إطلاق البصر، وحرم ربنا الخضوع بالقول، وحرم إبداء الزينة، وحرم الخلوة، وحرم جل جلاله ما يكون بين الرجال والنساء من التوسع ورفع الكلفة.

الشيخ محمد الخضيري: وحرم أيضاً أو حذر من دخول الحمو على المرأة.

الشيخ عبد الحي يوسف: وهذا الذي أعنيه: ( إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ )، بعض الناس يرفع الكلفة تماماً، فيأتي في أي وقت، ويؤذن له في كل سبيل، ( قال صلى الله عليه وسلم: الحمو -الذي هو قريب الزوج كأخيه ونحوه- الموت )، يعني: هذا أشد من غيره.

الشيخ محمد الخضيري: لأن دخوله غير مستنكر.

الشيخ عبد الحي يوسف: نعم، وغير متهم.

المراد بظاهر الفواحش وباطنها

الشيخ عبد الحي يوسف: قال الله عز وجل: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ [الأنعام:151]، سواء كانت هذه الفواحش علانيةً كحال بعض الناس -والعياذ بالله- الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل أمتي معافىً إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة: أن يعمل الرجل العمل بالليل فيستره الله، فيصبح يكشف ستر الله عليه، يقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا )، وهذا نراه، فبعض الناس مجاهر والعياذ بالله.

وقوله: (وما بطن) فبعض الناس يفعل الفاحشة وهو غافل عن ختام الآية هناك في غض البصر: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30].

يا أبا عبد الله ! دائماً الشيخ الأمين رحمه الله يضرب مثالاً، يقول: لو أن ملكاً باطشاً، سافكاً للدماء، أقام الناس في ساحة، ثم بعد ذلك أتى بحريمه وبناته، وعنده السياف بين يديه، والنطع مبسوط، فهل يجرؤ واحد من الناس أن يرمي لواحدة من حريمه بورقة، أو يشير إليها بعين وهو يعلم العاقبة؟ فكيف بالله رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، الذي يحذر ويقول: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام:151].

الشيخ عبد الحي يوسف: وها هنا قال الله عز وجل: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ [الأنعام:151]، وهذه الفواحش ما نهانا ربنا جل جلاله عن فعلها، وإنما نهانا عن قربانها.

الشيخ محمد الخضيري: وهذا سر عظيم.

الشيخ عبد الحي يوسف: وفي الآية التي مضت في حلقة سابقة قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، فالله عز وجل لما حرم الزنا قال: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32]، أي: لا تسلكوا السبل المؤدية إليه، ولا تحوموا حوله، ولذلك حرم ربنا إطلاق البصر، وحرم ربنا الخضوع بالقول، وحرم إبداء الزينة، وحرم الخلوة، وحرم جل جلاله ما يكون بين الرجال والنساء من التوسع ورفع الكلفة.

الشيخ محمد الخضيري: وحرم أيضاً أو حذر من دخول الحمو على المرأة.

الشيخ عبد الحي يوسف: وهذا الذي أعنيه: ( إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ )، بعض الناس يرفع الكلفة تماماً، فيأتي في أي وقت، ويؤذن له في كل سبيل، ( قال صلى الله عليه وسلم: الحمو -الذي هو قريب الزوج كأخيه ونحوه- الموت )، يعني: هذا أشد من غيره.

الشيخ محمد الخضيري: لأن دخوله غير مستنكر.

الشيخ عبد الحي يوسف: نعم، وغير متهم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
واحة القرآن - بداية سورة الأعلى 2476 استماع
واحة القرآن - سورة الليل 2430 استماع
واحة القرآن - الرجال قوامون على النساء [2] 2234 استماع
واحة القرآن - ولتكن منكم أمة 1961 استماع
واحة القرآن - خواتيم آل عمران 1931 استماع
واحة القرآن - سورة الأنعام والوصايا العشر [1] 1910 استماع
واحة القرآن - سورة الفلق [2] 1798 استماع
واحة القرآن - سورة الناس 1787 استماع
واحة القرآن - يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم 1784 استماع
واحة القرآن - سورة الكافرون 1752 استماع