واحة القرآن - سورة الناس


الحلقة مفرغة

الشيخ عبد الحي يوسف: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فسورة الناس قرينة سورة الفلق، وموضوعهما واحد: وهو إرشاد العباد إلى الاعتصام برب العباد جل جلاله، والاستعاذة به، والالتجاء إليه، واللياذ بجنابه سبحانه وتعالى، وأنه المقصود في جلب الخير، وفي دفع الشر، وأنه سبحانه وتعالى لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته لـابن عباس : ( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ).

أبا عبد الله ! أكرمكم الله. سورة الناس بدأت بما بدأت به سورة الفلق: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، فما تقول فيها؟

الشيخ محمد الخضيري: طبعاً افتتحت بـ (قل) كما قدمنا في القواقل السابقة، (قل يا أيها الكافرون)، و(قل هو الله أحد)، و(قل أعوذ برب الفلق)؛ للدلالة على الأهمية، فإنه لا يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بفعل الأمر (قل) إلا في شيء يحتاج إلى مزيد عناية واهتمام.

الفرق بين سورة الناس وسورة الفلق

الشيخ محمد الخضيري: وهنا ملاحظة شيخنا الفاضل في الفرق بين السورتين: سورة الفلق وسورة الناس، هما معوذتان، لكن إحداهما كانت في تعويذ الإنسان في شرور خارجية محيطة به، وهذه الشرور يمكن التوقي منها، والمعوذة (قل أعوذ برب الفلق) مما يدفع ذلك كله بإذن الله عز وجل، أما الشر الذي استعذنا منه في سورة الناس فهو شر من نوع خاص، ولذلك لما جاءت الاستعاذة منه جاءت بصورة مغايرة شيئاً ما، وذلك من حيث كثرة أسماء المستعاذ به توسلاً إليه بهذه الأسماء، أن يدفع عنا ذلك الشر، فكانت الاستعاذة برب الناس، ملك الناس، إله الناس، ثلاثة أسماء لله عز وجل، والمستعاذ منه واحد، وهو الشيطان (الوسواس الخناس)؛ وذلك لعظم شره، وشدة كيده، وأن الإنسان لا منجى له ولا ملجأ له من هذا الشر إلا إذا أعاذه الله عز وجل منه.

التشابه بين سورة الفاتحة وسورة الناس

الشيخ عبد الحي يوسف: ونلاحظ أبا عبد الله ! بأن هذه هي آخر سور القرآن، وأن الفاتحة هي أول سور القرآن من حيث الترتيب في المصحف، وهذه الأسماء الثلاثة المذكورة ها هنا مذكورة هناك، فهاهنا قال: (رب الناس)، (ملك الناس)، (إله الناس)، وهناك بسم الله الرحمن الرحيم، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ثم قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، فهذه تكررت، فكما يقولون: عود على بدء، كأن أول القرآن وآخره موضوع واحد، أي: تنزيه ربنا جل جلاله ووصفه بصفات الجلال والكمال، كما قال أهل التفسير: وصف ربنا جل جلاله لنفسه بأنه ملك الناس، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ [الناس:1-2]، وقالوا: ملوك الدنيا ملكهم ملك تدبير وسياسة ورعاية، أما ملك ربنا جل جلاله فهو ملك تدبير وسياسة ورعاية وقبل ذلك ملك خلق وتصرف، لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49-50]، فهو ملك خلق وتصرف، ثم ملك سياسة وتدبير، وهذا الفرق بين ملكه جل جلاله وملك غيره من خلقه.

الشيخ محمد الخضيري: وهنا بخصوص الموضوع الذي طرحت في قضية مرد العجز على الصدر؛ لأن كلام الحكيم في العادة يبتدئ بشيء، ثم يفيض فيما يريد أن يفيض فيه، ثم يعود إلى الشيء الذي ابتدأ به، وهذا قد ظهر لنا جلياً في سورة الفاتحة حسب ما أسلفت، وفي سورة الناس، فهذه الأسماء الثلاثة العظيمة التي عليها مدار أسماء الله وصفاته قد ذكرت في هاتين السورتين العظيمتين وهذه القضية موجودة في كل سورة من سور القرآن، مرد العجز على الصدر، وهذا يعتبر لوناً من ألوان البلاغة، بل إن السبع الطوال قد ردت في السبع القصار في آخر المصحف، فالناس ردت على الفاتحة، والفلق فيها الحسد والسحر، وهذا مقابل لما في البقرة، وسورة آل عمران سورة التوحيد، وسورة الإخلاص، وهكذا في كل سور القرآن، فهذا جاء في القرآن كله، وجاء في كل سورة على حدة، وهذا من أعظم ما يبين للإنسان بلاغة هذا الكتاب، وأنه كلام الله.

الشيخ عبد الحي يوسف: نعم: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].

الشيخ محمد الخضيري: وهنا ملاحظة شيخنا الفاضل في الفرق بين السورتين: سورة الفلق وسورة الناس، هما معوذتان، لكن إحداهما كانت في تعويذ الإنسان في شرور خارجية محيطة به، وهذه الشرور يمكن التوقي منها، والمعوذة (قل أعوذ برب الفلق) مما يدفع ذلك كله بإذن الله عز وجل، أما الشر الذي استعذنا منه في سورة الناس فهو شر من نوع خاص، ولذلك لما جاءت الاستعاذة منه جاءت بصورة مغايرة شيئاً ما، وذلك من حيث كثرة أسماء المستعاذ به توسلاً إليه بهذه الأسماء، أن يدفع عنا ذلك الشر، فكانت الاستعاذة برب الناس، ملك الناس، إله الناس، ثلاثة أسماء لله عز وجل، والمستعاذ منه واحد، وهو الشيطان (الوسواس الخناس)؛ وذلك لعظم شره، وشدة كيده، وأن الإنسان لا منجى له ولا ملجأ له من هذا الشر إلا إذا أعاذه الله عز وجل منه.

الشيخ عبد الحي يوسف: ونلاحظ أبا عبد الله ! بأن هذه هي آخر سور القرآن، وأن الفاتحة هي أول سور القرآن من حيث الترتيب في المصحف، وهذه الأسماء الثلاثة المذكورة ها هنا مذكورة هناك، فهاهنا قال: (رب الناس)، (ملك الناس)، (إله الناس)، وهناك بسم الله الرحمن الرحيم، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ثم قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، فهذه تكررت، فكما يقولون: عود على بدء، كأن أول القرآن وآخره موضوع واحد، أي: تنزيه ربنا جل جلاله ووصفه بصفات الجلال والكمال، كما قال أهل التفسير: وصف ربنا جل جلاله لنفسه بأنه ملك الناس، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ [الناس:1-2]، وقالوا: ملوك الدنيا ملكهم ملك تدبير وسياسة ورعاية، أما ملك ربنا جل جلاله فهو ملك تدبير وسياسة ورعاية وقبل ذلك ملك خلق وتصرف، لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49-50]، فهو ملك خلق وتصرف، ثم ملك سياسة وتدبير، وهذا الفرق بين ملكه جل جلاله وملك غيره من خلقه.

الشيخ محمد الخضيري: وهنا بخصوص الموضوع الذي طرحت في قضية مرد العجز على الصدر؛ لأن كلام الحكيم في العادة يبتدئ بشيء، ثم يفيض فيما يريد أن يفيض فيه، ثم يعود إلى الشيء الذي ابتدأ به، وهذا قد ظهر لنا جلياً في سورة الفاتحة حسب ما أسلفت، وفي سورة الناس، فهذه الأسماء الثلاثة العظيمة التي عليها مدار أسماء الله وصفاته قد ذكرت في هاتين السورتين العظيمتين وهذه القضية موجودة في كل سورة من سور القرآن، مرد العجز على الصدر، وهذا يعتبر لوناً من ألوان البلاغة، بل إن السبع الطوال قد ردت في السبع القصار في آخر المصحف، فالناس ردت على الفاتحة، والفلق فيها الحسد والسحر، وهذا مقابل لما في البقرة، وسورة آل عمران سورة التوحيد، وسورة الإخلاص، وهكذا في كل سور القرآن، فهذا جاء في القرآن كله، وجاء في كل سورة على حدة، وهذا من أعظم ما يبين للإنسان بلاغة هذا الكتاب، وأنه كلام الله.

الشيخ عبد الحي يوسف: نعم: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].

الشيخ عبد الحي يوسف: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ [الناس:1-2]، أي: المتصرف، المدبر، الخالق، السيد، الذي يتولاهم بالنعم بعد أن أوجدهم من العدم.

إِلَهِ النَّاسِ [الناس:3]، الإله قالوا: على وزن فعال بمعنى مفعول أي: مألوه، مثل لباس وكتاب وإمام بمعنى مؤتم به، ها هنا الله جل جلاله إله، بمعنى أنه مألوه، أي: معبود، وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف:84]، أي: معبود في السماء وفي الأرض، وهناك قراءة غير متواترة (أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وإلاهتك) أي: وعبادتك، ولكن القراءة المتواترة وَآلِهَتَكَ [الأعراف:127] أي: معبوداتك من دون الله عز وجل.

وقيل: الإله هو الذي يأله فيه المخلوقون، أي: يتحيرون في إدراك حقيقته وكنهه جل جلاله، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ [الناس:1-3].

الشيخ عبد الحي يوسف: وبعد أن ذكر هذه الأوصاف، والأسماء الثلاثة العظيمة، ذكر مستعاذاً منه واحداً.

الشيخ محمد الخضيري: وذلك لشدة شره، وعظم كيده، وأنه لا يمكن للإنسان أن يتوقى منه، وهو الشر الوحيد من بين هذه الشرور التي ذكرت في السورتين، والذي يستطيع الولوج إلى داخل النفس الإنسانية، وفي الحديث: ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم )، والإنسان قد يتوقى من الحاسد، وقد يتوقى من الساحر، وقد يتوقى من الليل، بأسباب مادية لكن الشيطان لا يمكن أن يتوقى منه، فأمره بيد الله عز وجل، ولن يعيذك منه إلا الله، ولذلك لما ذكر كيد الشرير من بني الإنسان، أمر الإنسان فقال: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:34-35].

الشيخ عبد الحي يوسف: وقال: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ [المؤمنون:96]، وقال: خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199].

الشيخ محمد الخضيري: لكن لما جاء إلى كيد الشيطان وشره لم يأمر إلا بشيء واحد وهو الاستعاذة، قال: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:36] وأكد على ذلك.

الشيخ عبد الحي يوسف: والذي في سورة الأعراف وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200]، وفي سورة المؤمنون: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون:97-98]، وفي سورة فصلت: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:36]، قال: لأن الشيطان مخلوق لله، فهو وحده سبحانه القادر عليه، وهو بمنزلة الكلب، فلو أن كلباً نبح عليك، وكشر عن أنيابه فشغلت بضربه بالحجارة، وركله برجلك، يطول الأمر معه، ولربما تنجح أو لا تنجح، لكن لو استعنت بصاحبه لأشار إليه فسكت، أو نهره بكلمات معينة فانصرف عنك وهذا هو شأن إبليس.