تأملات في سور القرآن - الحج


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

قول ربنا جل جلاله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1]، فغاية ما فيه كما يقول العلامة ابن عاشور رحمه الله: أنه خطاب للجميع، لأهل مكة ولغيرهم.

وبين ربنا جل جلاله في هذه السورة الدليل الناصع على أن البعث والنشور حق؛ استدلالاً بالنشأة الأولى؛ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ[الحج:5]، إلى أن قال سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [الحج:6-7].

قصة الغرانيق المختلقة

في هذه السورة موضع واحد ينبه عليه، في قول ربنا جل جلاله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ[الحج:52]، حيث يذكر بعض أهل التفسير بأن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يقرأ على الناس سورة النجم، فألقى الشيطان على لسانه كلمات فيها مدح للأصنام، وفي بعض الروايات أن الشيطان هو الذي حاكى بصوته صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيزعمون بأن نبينا عليه الصلاة والسلام لما تلا: أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [النجم:19-20]، ألقى الشيطان على لسانه: وإنهن لهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى.

الأدلة على بطلان قصة الغرانيق

وهذه القصة دندن حولها المستشرقون، وأقاموا عليها قصوراً وعلالي، ولكنها باطلة: من ناحية الإسناد، ومن ناحية المتن، أما الإسناد فهذه القصة لم ترو في كتاب من دواوين السنة المشهورة، وحتى في الكتب التي رويت فيها ما رويت بإسناد متصل أصلاً.

ثم إن كلمة الغرانيق: جمع غرنوق، أو جمع غرنيق، تطلق في لغة العرب على الطائر الأبيض الجميل، وما عهد أن العرب يمدحون أصنامهم بهذا الوصف.

ومما يدل على بطلانها أيضاً: أن بعد هذه الآيات تسفيهاً للأصنام وتسفيهاً لمن يعبدونها، يقول الله عز وجل: إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى [النجم:23]، إلى أن قال: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى * وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً [النجم:27-28]، فهؤلاء العرب الذين كانوا يسمعون القرآن لا شك أنهم يفهمون ويدركون المعاني، ولا يمكن أن يقبلوا مدحاً لأصنامهم ثم ذماً لها فيما بعد.

ومما يدل على بطلان هذه القصة أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم فيما يبلغه عن الله عز وجل، ولو كنا نصدق أن الشيطان يستطيع أن يلقي على لسانه كلمات لا يريدها، أو أن الشيطان يحاكي بصوته صوته حتى يشتبه على الناس، إذاً: ما بقي لأحد كرامة ولا عصمة، وقد قال ربنا جل جلاله: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل:99]، أي: ليس للشيطان سلطان على الصالحين فضلاً عن الأنبياء والمرسلين، فضلاً عن أشرفهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم.

ولذلك ثبت في صحيح البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة النجم فبلغ: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:62]، سجدوا كلهم، المسلمون والمشركون، حتى إن الوليد بن المغيرة -وكان شيخاً كبيراً قد أسن- ما استطاع أن يسجد فأخذ كفاً من تراب، فوضع عليها رأسه.

وقد يستغرب بعض الناس! ويقول: كيف يسجد المشركون، وهذه الآيات تذمهم وتعيبهم؟! فنقول: سجدوا لفصاحة القرآن، سجدوا لسلطان القرآن، سجدوا لسلاسة أسلوبه وإحكام نظمه وروعة معانيه؛ ولأن التالي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ما سمع صوت أجمل ولا أحسن من صوته صلوات ربي وسلامه عليه.

في هذه السورة موضع واحد ينبه عليه، في قول ربنا جل جلاله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ[الحج:52]، حيث يذكر بعض أهل التفسير بأن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يقرأ على الناس سورة النجم، فألقى الشيطان على لسانه كلمات فيها مدح للأصنام، وفي بعض الروايات أن الشيطان هو الذي حاكى بصوته صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيزعمون بأن نبينا عليه الصلاة والسلام لما تلا: أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [النجم:19-20]، ألقى الشيطان على لسانه: وإنهن لهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تأملات في سور القرآن - هود 2434 استماع
تأملات في سور القرآن - يس 2201 استماع
تأملات في سور القرآن - النور 2103 استماع
تأملات في سور القرآن - المائدة 2004 استماع
تأملات في سور القرآن - النساء 1776 استماع
تأملات في سور القرآن - الواقعة 1758 استماع
تأملات في سور القرآن - غافر 1661 استماع
تأملات في سور القرآن - المجادلة 1652 استماع
تأملات في سور القرآن - الشورى 1560 استماع
تأملات في سور القرآن - يونس 1520 استماع