أرشيف المقالات

المرأة في هذا العصر

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
المرأة في هذا العصر
 

في مسيرة التاريخ نستقرئ أنه كلما ضَعُفت الأمةُ الإسلاميةُ، وتكالَب عليها الأعداء، قَوِيَ فيها شيئان:

1- حفظ القرآن: فتجد أفراد الأمة من الصغار والكبار يُسارعون إلى حِفظ القرآن الكريم ودراسته، فيرجع حيًّا في القلوب، ويقوى حتى يقوى في السلوك.
2-دور النساء: حيث يسعين لإحياء معاني الإيمان في قلوبهن بالتعليم وكثرة العبادة، ويَنشطْنَ ويعمَلْنَ على تربية أبنائهنَّ وتوعيتهم؛ لتحصيل الأخلاق الفاضلة والصفات المتكاملة.




♦ وفي عصرنا هذا حيث العولمة التي تغزو المجتمعات الإسلامية نحتاج إلى المرأة الواعية التي تُدرك معنى العولمة، وتُدرك معنى الحياة، وتستلهم من دينها أساليب وفنون إحياء الدين في نفسها، وفي نفوس أفراد أسرتها، والحديث عن العولمة غالبًا يُذكَر معه الحديث عن سَلْب دور المرأة الأساسي في الحياة، لا سيَّما في تربية الأبناء، وإذا جرى الحديثُ حول الأجيال المسلمة وانحراف بعضها أو دخول الخلل في سلوك بعضها الآخر، أو عندما تظهر العادات المخالفة للإسلام وقِيَمِه ومُثُلِه العُليا التي يجب التعوُّد عليها - يعتذر الآباء، وتعتذر الأمهات، ويعتذر المجتمع، ويقولون: لم يَعُدْ للمنزل ذلك الدور التربوي الذي كان؛ فقد انتقلت التربية إلى: • وسائل الإعلام التي تُغذِّي حياة الناس الثقافية بوسائلها المختلفة.
 
• والمدرسة التي يقضي فيها الطالب جُلَّ وقته.
• والشارع الذي يؤثِّر بما فيه مِن الدعايات والجوِّ العامِّ، ومَنْ فيه مِن أصدقاء وزملاء.
• والمحيط الاجتماعي الذي يُحيط بالفرد في منزله وسُوقه وطريقه.
• فضلًا عن شبكة المعلومات "الإنترنت"، وما فتحته للناس من سُبُل الاطِّلاع على الثقافات المختلفة والأديان المتعدِّدة.


هذه حال العصر، فأين دورُ المرأة في خِضَمِّ تلك المتغيِّرات؟
قبل الحديث عن المرأة أذكِّر أختي القارئة بصفتين يجب أن تتمتَّع بهما المرأة المسلمة هما:

1- الصلاح.
2- القوة.

وهو ما يصفه الدكتور ماجد الكيلاني أستاذ التربية المعروف، حين يُشير إلى المرأة الفاضلة القوية، تلك المتمثِّلة في شخصية المرأة الصحابية التي شاركت الصحابيَّ بعضَ مسؤولياته في بعض الميادين، وكانت السمات المميِّزة لهذا النوع من النساء:

1- الإحاطة بعلوم غايات الحياة ووسائلها.
2- التزام المبدأ والتضحية في سبيله.
3- التزام الحجاب والفضيلة والاحتشام.

وتلك الصفات إذا توافرتْ في المرأة التي نُريد حقَّقنا بإذن الله إحداثَ التغيير الحقيقي في الحياة، والنهوض بها في سُلَّم التقدُّم والحضارة المنشودة؛ ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 34]، والمرأة المسلمة سواء في حياتها الخاصة بينها وبين ربِّها، أم في حياتها الأسرية مع إخوتها وأخواتها في ظلِّ أبويها، أم مع زوجها وأبنائها، أم في حياتها الاجتماعية مع جيرانها وصديقاتها وقريباتها - يجب أن تكتنفَها روح الإيمان والصلاح، والاتصال بالله سبحانه وتعالى، والنية الحسنة الصادقة بالمحبة، والحرص على الآخر والسعي لنفعه وفائدته.



ونحن في حاجة لامرأة متصفة بالقوة: ♦ القوة الإيمانية: بالإيمان الثابت ثبات الجبال.
♦ والقوة الإسلامية: بالتطبيق العملي لشرع الله، ونَبْذ الأهواء والشهوات.
♦ والقوة البدنية: التي أُمِرنا بالاعتناء بها.
♦ والقوة في الاختصاص: الذي اختُصَّتْ به المرأة؛ سواء في عملها المنزلي أم عملها الوظيفي.
♦ ثم قوة العفَّة والحياء والحجاب والوقار: في وجه التحلُّل والسُّفُور.

ومن ناحية أخرى فمن مسؤوليات المرأة بناءُ حياةٍ سعيدةٍ في ذاتها المسعِدة لكلِّ فردٍ من أفراد الأسرة؛ ابتداءً من الزوج، ومرورًا بالأبناء، وانتهاءً بالواجب الاجتماعي العام، تحقيقًا لواجب الاستخلاف في الأرض لإقامة شرع الله سبحانه وتعالى ونُصرة دينه، وإذا كان الإسلام يحرص على أن يختار الرجلُ زوجته من ذوات الدين، وأن يكون القبول بالزوج مشروطًا بكونه مِن أصحاب الدين، فليس المقصود بطبيعة الحال مجرد القيام بشعائر الإسلام، وإنما المقصودُ أن يصبغَا حياتهما بصبغة الإسلام؛ بحيث يكون كلُّ ما في المنزل وما يصدر عنه مؤسَّسًا على الدين:
• لباس المرأة، ولباس زوجها وأبنائها.
· أثاث المنزل وما فيه من أدوات.
· الطعام والشراب والنوم.
· وسائل الترفيه والآداب العامة المطلوبة.
· إحياء السُّنَن النبوية والشرائع الإسلامية؛ كالعقيقة والأضحية وغيرهما، ونبذ العادات الدخيلة التي يرفضها الإسلام...

ويظهر دور المرأة في عصرنا هذا في جَذْب أفراد الأسرة إلى المنزل، وأهمُّ ما يجذب:


♦ المحبَّة وروح الودِّ والرحمة: فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يختار الرجلُ المرأةَ الودودَ، فلا بد أن يَظهر الودُّ والرحمةُ بين الزوجين في المنزل، تَرحمُه ويَرحمُها، وتُحسِن إليه ويُحسِن إليها، في كلمة طيبة، ولمسة حانية، ومعاملة حسنة، وكذلك مع الأولاد، فيحسُّون بالمحبة ويشعرون بها، فتنسجم أركان الأسرة.



تلك المحبة ستتطوَّر لتُصبِح رابطًا قويًّا يُمثِّل الرابطة الإيمانية في المجتمع المسلم التي وصفها الرسولُ صلى الله عليه وسلم بقوله: ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مَثَلُ الجسدِ، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالسَّهَر والحُمَّى))[1]، فتُصبح الأسرة نواةَ البناء الإسلامي الشامخ الذي هو كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضُه بعضًا، وتلك هي أهمُّ مقوِّمات صُمود المجتمع في ظلِّ العولمة والغزو الفكري الثقافي، تلك المحبة يجب أن تحرص عليها المرأة، بل تسعى إلى إشاعتها بين أفراد أسرتها الصغيرة، وأفراد أسرتها الكبيرة؛ حيث أهل الزوج وأهل الزوجة في رباطٍ أخوي إيماني مملوء بصِدْق المحبة وصدق الأُلْفة، فإذا فعلتْ ذلك ضمنتْ أهمَّ نقاط ارتباط الأسرة حول منزلها وانشغالهم بها عما سواها مِن عوامل الإفساد الخارجي والغزو المختلف.



♦ ثم تدعم تلك المحبة بحُسن الربط العملي التنفيذي، عناية بمظهرها وزينتها في المنزل لتُحقِّق قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا نَظرَ إليها سَرَّتْه))[2].

♦ وبحسن تدبير وترتيب المنزل؛ حتى لا يُصبح شاذًّا عن الجمال والترتيب العام الذي يُشاهد في أروقة المجتمع ومؤسساته المختلفة التجارية والشعبية.
♦ ثم بإحسان المطعم والمشرب، فيجدون ما يسرُّ ويُرضي، فلا يَتوق الفرد للبحث عمَّا يشتهيه خارج المنزل، وما يرتبط بذلك مِن صُحْبة سيئةٍ وعاداتٍ قبيحةٍ.
♦ ومع ذلك تهتمُّ بحُسْن المقابلة لزوجها وأبنائها عند مقدمهم، فلا تُبادِرهم بالمشكلات، ولا تبدؤهم بالهُموم والمعضلات.
♦ ومع ذلك تجمع العناية بالأبناء، وحُسْن رعايتهم في مظهرهم، وصحَّة أجسادهم.
♦ ثم بمشاركة أفراد الأسرة في هموم المنزل بما لا يُنفِّرهم، حتى يَزيد لديهم الولاءُ ويقوى الانتماءُ.

إنَّ كلَّ شيء في العولمة يدعو إلى التمزُّق الأُسري والتفرُّق والتشتُّت، ويزداد مع ذلك الطلاق، فلتحرص المرأة المسلمة على تخطِّي عقبات الوِفاق بكمال الذكاء وحُسْن التصرُّف، فتغلب العولمة وهي امرأةٌ، وتُسهم في قوة الإسلام وهي امرأةٌ واحدةٌ.




[1] أخرجه البخاري: ك: "الأدب"، ب: "رحمة الناس والبهائم"، ح: "6011"، ومسلم: ك: "البر والصلة"، ب: "تراحم المؤمنين..."، ح: "2586" من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.



[2] أخرجه أبو داود: ك: "الزكاة"، ب: "في حقوق المال"، ح: "1664" من حديث ابن عباس رضي الله عنه، وضعَّفه الشيخ الألباني رحمه الله في "الضعيفة" (1319)، وفي "ضعيف الجامع الصغير" (1643).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢