عنوان الفتوى : صفة وضع القدمين أثناء السجود
السؤال
هناك حديث عائشة في سجود النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النبي كان راصًّا عقبيه في السجود، فإذا كانت السنة في سجود الصلاة رصّ العقبين فيه، فكيف يجمع بينه وبين حديث البراء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سجد استقبل بأصابعه القبلة، فتفاج. قال ابن حجر: أي وسع بين رجليه. كيف الجمع بين هذا الحديث، وحديث رص العقبين؟ وما معنى الحديث؟ وكيف يكون تطبيقه؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فذهب كثير من أهل العلم إلى استحباب تفريق القدمين أثناء السجود، بدليل حديث البراء الذي ذكرته, وهو صحيح السند كما قال الشيخ الألباني في كتابه صفة صلاة النبي -صلى الله عليه,وسلم-: حديث البراء قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ركع؛ بسط ظهره، وإذا سجد؛ وَجَّه أصابعه قِبَل القبلة؛ فتفاجَّ. أخرجه البيهقي من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عنه. وسنده صحيح. اهـ
قال ابن حجر في التلخيص الحبير: فتفاجَّ . يعني: وسع بين رجليه. اهـ
وهناك من أهل العلم من رجح سنية إلصاق القدمين أثناء السجود مثل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- حيث قال في الشرح الممتع: الذي يظهر مِن السُّنَّة أن القدمين تكونان مرصوصتين، يعني: يرصُّ القدمين بعضهما ببعض، كما في "الصحيح" من حديث عائشة حين فَقَدَتِ النَّبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فوقعت يدُها على بطن قدميه، وهما منصوبتان، وهو ساجد. واليد الواحدة لا تقع على القدمين إلا في حال التَّراصِّ. وقد جاء ذلك أيضاً في "صحيح ابن خزيمة" في حديث عائشة المتقدِّم: (أنَّ الرسولَ -صلّى الله عليه وسلّم- كان رَاصًّا عقبيه) . وعلى هذا فالسُّنَّةُ في القدمين هو التَّراصُّ، بخلاف الرُّكبتين واليدين. انتهى.
وحديث عائشة معناه أن تكون القدمان مرصوصتين: متلاصقتين. وهذا تطبيقه سهلٌ, وذلك يكون بضم إحدى القدمين إلى الأخرى أثناء السجود؛ كما بين ذلك الشيخ ابن عثيمين.
ويمكن الجمع بين حديث البراء, وحديث عائشة بالعمل بأحدهما تارة, والعمل بالآخر تارة أخرى، يقول الشيخ ابن باز في فتاوى نور على الدرب: جاء في بعض الأحاديث «أن عائشة رضي الله عنها رأت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي في الليل، قد ألصق عقبيه أحدهما بالآخر فهذا يدل على جواز مثل هذا، ولكن ظاهر السنة التفريق بينهما؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- شرع للأمة أن يجافي الرجل عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، فيظهر من هذا التوجيه الشرعي أن القدمين كذلك، أنهما يفرقان كما شرع النبي -صلى الله عليه وسلم- تفريق العضدين عن الجنبين، والبطن عن الفخذين، فالأفضل تفريقهما كل واحد على حدة، ولو ألصقها العقب بالعقب في بعض الأحيان، فالأمر في هذا واسع -إن شاء الله-. اهـ
وللشيخ ابن عثيمين كلام حسن في كيفية التوفيق بين الحالتينِ حيث يقول في فتح ذي الجلال والإكرام شرح بلوغ المرام: وماذا تكون الرجلان في هذه الحال أمفرقتين أم مضمومتين؟ قال بعض أهل العلم: تكون مفرقتين، حتى حدد بعضهم أن ذلك بمقدار شبر، ومعلوم أن التحديد يحتاج إلى توقيف، ولو قال هذا القائل: إنه يفرج بين رجليه حسب الطبيعة والناس يختلفون: بعض الناس عريض وبعضهم دقيق، يعني: لو قيل: إنه يجعل الرجلين على طبيعتهما لا يضم بعضهما إلى بعض ولا يفرج، لكن كونه يحدد بالشبر لا، ومع هذا نقول: إن ظاهر السنة أن يضم بعضهما، أي: بعض القدمين إلى بعض؛ لأنه هكذا جاء في صحيح ابن خزيمة رحمه الله، وأيضًا جاء في صحيح مسلم عن عائشة لما فقدت النبي -صلى الله عليه وسلم- وطلبته وجدته ساجدًا ناصبًا قدميه، فوقعت يدها عليهما منصوبتين، وهذا يدل على أنهما مضمومتان، وإلا لما أحاطت يدا المرأة بهما، وأبدى بعض العلماء الحكمة في ذلك وهو أن هذا أستر للعورة فيما لو كان الثوب قصيرًا، فإن صحت هذه العلة فهي، وإن لم تصح فالسنة هي المتبعة لقوله: "استقبل بأصابع رجليه القبلة". اهـ
وتراجع الفتوى: 58158.
والله أعلم.