تأملات في سور القرآن - النساء


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

هذه السورة المباركة وهي سورة النساء قد اشتملت على ست وسبعين ومائة آية، في عدّ أهل الكوفة، وفيها من الكلمات ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وأربعون كلمة، واشتملت على ستة عشر ألفاً وثلاثين حرفاً، يعني من وفقه الله لقراءة هذه السورة المباركة، فله من الحسنات مائة وستون ألفاً وثلاثمائة حسنة، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم.

هذه السورة المباركة تتناسب مع سورة آل عمران من عدة وجوه:

أولاً: آخر آية في سورة آل عمران: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]، وأول آية في هذه السورة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ[النساء:1]، وفي سورة آل عمران حديث عن غزوة أحد، من الآية الحادية والعشرين بعد المائة إلى قريب من نهاية السورة، وهنا في سورة النساء أيضاً الله عز وجل يفضح أحوال المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة أحد، ويخاطب المؤمنين بقوله: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً [النساء:88].

وهذه السورة أيضاً تكمل ما في سورة آل عمران، فهناك في سورة آل عمران حديث عن غزوة حمراء الأسد التي كانت بعد غزوة أحد بيوم واحد، وهاهنا في هذه السورة يقول الله عز وجل: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ[النساء:104].

هذه السورة المباركة تسمى: سورة النسـاء؛ لأن آيات كثيرة فيها تناولت أحكام النساء، سواء ما يتعلق بأحكام النكاح، في قول الله عز وجل: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ[النساء:3]، مع قوله: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً[النساء:4].

حق النساء في الميراث

وأحكام النساء فيما يتعلق بالميراث، وأن للمرأة حقاً أصيلاً لا ينبغي هضمه ولا أكله، يقول الله عز وجل: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً [النساء:7]، وللأسف ليست هذه عادة الجاهلية الأولى فقط، وإنما إلى الآن هي موجودة في بعض القرى، ولربما في كثير من القرى، إذا مات الميت فإنما يرثه أولاده الذكور، أما الإناث فلا نصيب لهن، ولا يأخذن شيئاً، وهذا على عادة أهل الجاهلية الذين كانوا يقولون: إنما نورث من يحمل السلاح ويطعن بالسنان.

المحرمات من النساء

أيضاً من أحكام النساء الواردة في هذه السورة المباركة: ما يتعلق بالمحرمات من النساء، فالمحرمات من النسب سبع، ومن الرضاع مثلهن، وكذلك المحرمات من المصاهرة أربعة: زوجات الآباء، وزوجات الأبناء، وأمهات الزوجات، وبنات الزوجات اللائي دخل بهن.

أحكام النشوز في العلاقة الزوجية

أحكام الجهاد

أيضاً في هذه السورة: حديث عن أحكام الجهاد، والأمر بقتال المشركين والكفار، فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ[النساء:74]، وبيان أن المؤمن والكافر كلاهما يقاتل، ولكن المؤمنين يقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، وهم أولياء الشيطان، فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76].

أحكام المعاملات المالية

أحكام الميراث

كذلك هذه السورة المباركة: تتناول ما يتعلق بالميراث عموماً، ويسميها أهل العلم: سورة النساء الكبرى، وسورة الطلاق يسمونها: سورة النساء الصغرى، وهذه السورة نزلت على أحوال شتى، وكان مبدأ نزولها بعد الهجرة النبوية المباركة، كما قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: (ما نزلت سورة النساء إلا وأنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومعلوم أنه ما دخل بها إلا بعد الهجرة بحوالي ثمانية أشهر، صلوات ربي وسلامه عليه.

بعض الآداب التي اشتملت عليها سورة النساء

هذه السورة المباركة: تناولت أحكاماً تتعلق بالآداب، مثلاً فيما يتعلق برد السلام: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا[النساء:86]، وكذلك الأمر بصلة الأرحام، وذلك في أول آية فيها: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ[النساء:1]، في الوصية بالنساء خيراً، وكذلك تناولت أحكاماً تتعلق بالطهارة، وتتعلق بالصلاة وغير ذلك من الأحكام.

أسأل الله أن ينفعنا ويرفعنا بالقرآن العظيم! والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.