تفسير سورة الكهف - الآيات [27-29]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقناً عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

يقول تعالى: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً * وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً * وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً [الكهف:27-29].

يقول الله عز وجل مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً [الكهف:27].

هذا الخطاب جاء عقيب الآيات التي تناولت خبر أصحاب الكهف مفصلاً، يأمر الله فيه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يواظب على درس هذا القرآن وتلاوته، وألا يتأثر بأسئلة المشركين ودعواهم؛ فإنهم كانوا يكثرون من طرح الأسئلة، وإيراد الإشكالات، وكانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ [يونس:15]، وأمره الله عز وجل أن يجيبهم بقوله: مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [يونس:15].

يقول الله عز وجل: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً [الكهف:27]. ‏

معنى التلاوة والوحي وكيفية نزول الوحي على رسول الله

قوله: (اتل) التلاوة: هي القراءة اللفظية، كما قال سبحانه في وصف عباده المؤمنين: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً [الأنفال:2]، فـ(تليت) بمعنى قرئت، (اتل ما أوحي إليك)، أي: اتل الوحي الذي أنزله الله إليك.

والوحي في لغة العرب: هو الإلهام في خفاء، والوحي كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كصلصلة الجرس، أو كدوي النحل، أو يأتيه عياناً في صورة بشر، أو يأتيه مناماً، أو يأتيه إلهاماً يلقي في روعه ما شاء الله أن يلقي.

مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ [الكهف:27]، أي: القرآن، والإضافة للتشريف.

معنى التبديل وحفظ القرآن منه

قوله تعالى: لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ [الكهف:27]، التبديل: هو التغيير بالزيادة والنقص، فالله عز وجل ينفي استطاعة أحد من خلقه أن يبدل شيئاً من كلماته القدرية أو الشرعية، كما قال سبحانه: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ [الأنعام:115]، وقال: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [الأنعام:34]؛ فلا يستطيع أحد أن يبدل عدلها جوراً، ولا أن يبدل صدقها كذباً.

المقصود بالملتحد في آية: (ولن تجد من دونه ملتحداً)

قوله: وَلَنْ تَجِدَ [الكهف:27] أي: يا محمد! مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً [الكهف:27]، (ملتحداً) هذه الكلمة أصلها اللام والحاء والدال، كلمة اللحد التي تدل على الميل، ومنه قيل للشق الذي في جانب القبر: لحداً، ومنه قيل لمن مال عن عبادة الله إلى عبادة غيره: ملحد، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا [فصلت:40]، وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]، فاللحد الميل، و(ملتحداً) بمعنى ملتجأ؛ لأن من التجأت إليه فقد ملت إليه، فالله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: لن تجد غير الله من تلجأ إليه وتميل، أو تعتصم به وتستجير، وفي معنى هذه الآية قول الله عز وجل: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً [الجن:21-22].

الحث على تلاوة القرآن وفضل تلاوته

وفي معنى هذه الآية التي هي قول الله: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ [الكهف:27] قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة:67].

وفي معنى هذه الآية قوله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].

وكذلك قول الله عز وجل: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ [النمل:91-92].

وقوله تعالى: وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً [المزمل:4].

ففي هذه الآيات كلها يأمر الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يجهد بالليل والنهار سراً وعلانية، في تلاوة هذا الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن يقرأه على الناس، وأن يعلمهم أحكامه؛ لأنه الكتاب الذي فيه خير الدنيا والآخرة.

وليس الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، وإنما الأمر لنا جميعاً، فنحن المسلمون مأمورون بأن نتلو هذا الوحي، وأن نقرأه.

وقد بين ربنا جل جلاله عاقبة تلاوته، وقال سبحانه: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [البقرة:121]؛ فالذي يتلو هذا القرآن يرزقه الله الإيمان، ويزيده منه.

وبين ربنا سبحانه ما أعد لهم من الأجر والثواب؛ فقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:29-30].

وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعد الله من الأجر والثواب لمن واظبوا على تلاوة هذا الكتاب، فثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )، وثبت عنه أنه قال: ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ).

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ).

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها ).

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب، وطعمها حلو -أي: أنه طيب ظاهراً وباطناً- ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها، وطعمها حلو )، أي: أنه طيب باطناً بخلاف ظاهره.. إلى غير ذلك من النصوص التي تبين فضل تلاوة هذا الكتاب العزيز.

مواظبة النبي على قراءة القرآن

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل بهذه الآية؛ فكان يقرأ القرآن على كل أحواله، وما كان يمنعه من القرآن شيء إلا الجنابة، وكان عليه الصلاة والسلام يقرأ القرآن في مجامع الناس، وفي مواسمهم، وفي بيت الله الحرام، وفي كل مكان، وكان يغشى بهذا القرآن المشركين، والمنافقين، واليهود.. وغيرهم، ولا يتأثر صلوات ربي وسلامه عليه بتكذيب المكذبين، وإعراض المعرضين، حتى إنه عليه الصلاة والسلام مر على ملأ من الخزرج وهم جلوس، فوقف يقرأ عليهم القرآن، فقال له عبد الله ابن سلول لعنه الله: يا هذا! لا أحسن مما تقول إن كان حقاً، فلا تغشنا به في مجالسنا، اجلس في مسجدك، فمن جاءك فاتل عليه. وانظر إلى مثل هذا اللؤم من هذا الكفار الأثيم، ومع ذلك لم يتوان رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تنفيذ أمر الله عز وجل.

التحذير من تبديل كلمات الله أو إخفاء شيء منها

وفي قول الله عز وجل: وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً [الكهف:27]، معنى التهديد لكل من أراد أن يبدل كلمات الله، أو أن يخفي شيئاً مما أوحاه الله، ومثله قول ربنا تبارك وتعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [الحاقة:44-47].

قوله: (اتل) التلاوة: هي القراءة اللفظية، كما قال سبحانه في وصف عباده المؤمنين: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً [الأنفال:2]، فـ(تليت) بمعنى قرئت، (اتل ما أوحي إليك)، أي: اتل الوحي الذي أنزله الله إليك.

والوحي في لغة العرب: هو الإلهام في خفاء، والوحي كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كصلصلة الجرس، أو كدوي النحل، أو يأتيه عياناً في صورة بشر، أو يأتيه مناماً، أو يأتيه إلهاماً يلقي في روعه ما شاء الله أن يلقي.

مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ [الكهف:27]، أي: القرآن، والإضافة للتشريف.

قوله تعالى: لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ [الكهف:27]، التبديل: هو التغيير بالزيادة والنقص، فالله عز وجل ينفي استطاعة أحد من خلقه أن يبدل شيئاً من كلماته القدرية أو الشرعية، كما قال سبحانه: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ [الأنعام:115]، وقال: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [الأنعام:34]؛ فلا يستطيع أحد أن يبدل عدلها جوراً، ولا أن يبدل صدقها كذباً.

قوله: وَلَنْ تَجِدَ [الكهف:27] أي: يا محمد! مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً [الكهف:27]، (ملتحداً) هذه الكلمة أصلها اللام والحاء والدال، كلمة اللحد التي تدل على الميل، ومنه قيل للشق الذي في جانب القبر: لحداً، ومنه قيل لمن مال عن عبادة الله إلى عبادة غيره: ملحد، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا [فصلت:40]، وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]، فاللحد الميل، و(ملتحداً) بمعنى ملتجأ؛ لأن من التجأت إليه فقد ملت إليه، فالله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: لن تجد غير الله من تلجأ إليه وتميل، أو تعتصم به وتستجير، وفي معنى هذه الآية قول الله عز وجل: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً [الجن:21-22].




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير من سورة الأعلى إلى سورة البلد 2546 استماع
تفسير من سورة الفيل إلى سورة الكوثر 2534 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [98-106] 2506 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [21-24] 2368 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآية [151] 2295 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآيات [27-35] 2263 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [71-78] 2127 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآيات [115-118] 2087 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [30-36] 2049 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [79-82] 1951 استماع