تفسير سورة الكهف - الآيات [17-20]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقناً عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

يقول تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا * وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا * وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا * وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف:17-21].

تقدم معنا الكلام في خبر الفتية أصحاب الكهف الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى.

وخلاصة ما قيل: أن هؤلاء الفتية المؤمنين قاموا في وجه ملك جبار ظالم، كان يدعو قومه إلى عبادة الأصنام، فقاموا بكلمة الحق وقالوا: رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً [الكهف:14]، وعابوا على قومهم أنهم اتخذوا آلهةً من دون الله، دون أن يكون لهم حجة ولا برهان، ولا دليل ولا سلطان، وأنهم في هذا قد افتروا على الله كذباً؛ فهؤلاء الفتية الصالحون تهددهم الملك الجبار وتوعدهم، وأمهلهم مدةً، إما أن يرجعوا إلى دينه الباطل الذي هو عليه، وإلا فإنه قاتلهم؛ فلجئوا إلى الله عز وجل ودعوه، ورجوه أن يهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأن ينشر عليهم من رحمته، فأرشدهم ربهم جل جلاله إلى أن يتخذوا كهفاً في الجبل مأوىً لهم ومسكناً، بعيداً عن سلطان ذلك الملك الظالم، فلما أووا إلى ذلك الكهف نشر عليهم ربهم من رحمته، وهيأ لهم من أمرهم مرفقاً؛ فضرب عليهم النوم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، فكل هذه المدة الطويلة كانوا نياماً، ومعهم كلبهم، ثم بعد ذلك بعثهم الله عز وجل ليتساءلوا بينهم، وجعلهم آيةً في الأولين والآخرين. ‏

ميل الشمس عن أصحاب الكهف

ثم يفصل الله في خبرهم، فيقول سبحانه: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ [الكهف:17].

والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي نزلت الآيات تأييداً له، وإثباتاً لنبوته حين أجاب المشركين واليهود الذين سألوه عن فتية خرجوا في الدهر الأول ما خبرهم؟ كما قال الله له: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً [الكهف:9]، هنا يقول له: لو قدر لك أن ترى هؤلاء الفتية وهم في كهفهم لرأيت الشمس (تزاور) وهي قراءة عاصم و حمزة و الكسائي ، الكوفيين الثلاثة، (تزاور) وأصلها تتزاور بتاءين، فحذفت إحدى التاءين تخفيفاً، وقراءة ابن عامر و يعقوب : (تزور)، (وترى الشمس إذا طلعت تزْوّر)، بوزن تحمر، تزور أي: تنقبض، وقرأ الباقون: (وترى الشمس إذا طلعت تزاور)، وأصلها: تتزاور، فأدغمت إحدى التاءين في الزاي؛ لقربهما في المخرج، إذاً عندنا ثلاث قراءات في هذه اللفظة: وترى الشمس إذا طلعت تزاور، وترى الشمس إذا طلعت تزور، وترى الشمس إذا طلعت تزاور، وأصلها من مادة الزور: الزاي والواو والراء، وهي تدل على الميل؛ ولذلك قيل للجزء الذي في أعلى الصدر: زور؛ لأن فيه ميلاً، وكذلك قيل للزائر: زائراً أو زوراً، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإن لزورك عليك حقاً )، أي: لضيفك؛ لأنه يميل إلى المزور، ومنه قيل لشهادة الزور: زوراً؛ لأن فيها ميلاً من الحق إلى الباطل.

وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ [الكهف:17] أي: تميل وتنقبض، ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ [الكهف:17] (تقرضهم) قيل: من القرض، بمعنى القطع والصرم، فتقرضهم أي: تصرمهم وتقطعهم، أو بمعنى تتركهم، كما قال ابن عباس .

تحديد جهة باب الكهف

يقول ابن كثير رحمه الله: وفي هذا دليل على أن هذا الكهف كان بابه إلى ناحية الشمال؛ لأنه لو كان إلى ناحية الشرق لما دخلت الشمس حال غروبها، ولو كان ناحية الغرب لما دخلت الشمس حالة شروقها، ولو كان ناحية القبلة -أي: في الجنوب بالنسبة لبلد ابن كثير وهي دمشق- لما دخلت الشمس حال الشروق ولا حال الغروب؛ فلم يبق إلا أن فتحة الكهف كانت ناحية الشمال، فالله عز وجل برحمته جعل الشمس لا تدخل إلى ذلك الكهف؛ لئلا تؤثر في أبدانهم إلا بمقدار ما تصح الهواء وتجدده، كرامةً لهؤلاء الفتية، وترى الشمس إذا طلعت تميل عن كهفهم حال طلوعها ذات اليمين، وإذا غربت تميل حال غروبها ذات الشمال، وهم حال نومهم في فجوة منه، أي: في متسع من ذلك الكهف، ينامون في وسطه، الفجوة: المتسع، جمعها: فجاء، ومنه حديث أسامة بن زيد في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كان يسير العنق؛ فإذا وجد فجوةً نص )، ومعنى: (كان يسير العنق) أي: السير الحثيث بالنسبة للناقة بما لا يرهقها، فإذا وجد فجوةً شد على هذه الناقة بحيث تسرع أقصى ما تستطيع.

الحكمة من عدم وصول الشمس إلى أصحاب الكهف

يقول الله عز وجل: ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ [الكهف:17]، أي: من آيات الله سبحانه وتعالى أنه يمنع الشمس من أن تصل إلى هؤلاء الفتية؛ لئلا يؤذيهم حرها، يقول العلامة الشيخ الشنقيطي رحمه الله: قال بعض المفسرين: إن ذلك الكهف كان فيه حواجز طبيعية تمنع وصول الشمس، ويدل على أن هذا القول ليس بصحيح قوله تعالى: ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ [الكهف:17]؛ لأنه لو كان هناك حواجز طبيعية لما كان في الأمر غرابة، ولا كان فيه معجزة، لكن المعجزة أن يكون مدخل الكهف ليس عليه حاجز ولا مانع، ومع ذلك الشمس لا تصل إلى هؤلاء الفتية. والآيات: جمع آية، وهي في اللغة تطلق على العلامة كما في قول الله عز وجل: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ [البقرة:248]، وتطلق الآية في اللغة كذلك على جماعة الناس، فيقال: جاء القوم بآيتهم، أي: بجماعتهم وكلهم، وأما الآية في القرآن فهي تطلق على آيات الله الكونية، كما في قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190].

وتطلق كذلك على آيات الله الشرعية، أي: الآيات المقروءة، ومنه قوله تعالى: قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ [الطلاق:10-11]، أي: آيات القرآن، فالآية في اللغة بمعنى العلامة أو الجماعة، والآية في القرآن بمعنى آيات الله الكونية، أو آيات الله الشرعية المقروءة.

الهداية والضلالة بيد الله سبحانه

ثم ختم الآية بقوله: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً [الكهف:17]، فهنا جملتان شرطيتان: في الجملة الأولى: أداة الشرط (من)، وفعل الشرط (يهدي)، وجوابه (فهو المهتدي)، وفي الجملة الثانية: فعل الشرط (يضلل)، وجوابه (فلن تجد له ولياً مرشداً)، فالله جل جلاله يخبر أن الهداية والإضلال منه جل جلاله، فهو خالقهما، من شاء هداه، ومن شاء أضله، من شاء أرشده، ومن شاء أغواه، ولا يسأل عما يفعل، وقد دل على هذا المعنى آيات كثيرة في القرآن كقول الله عز وجل: وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً [المائدة:41].

وقول الله عز وجل في الأنعام: فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125]، وقوله في الأعراف: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:178]، وقوله سبحانه في النحل: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [النحل:37]، وقوله في الإسراء: وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً [الإسراء:97]، وقوله سبحانه في القصص: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56].

وتقدم معنا أن الإنسان إذا بذل الأسباب ليجد الهداية فالله عز وجل سيهديه، كما قال سبحانه: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف:13]، أي: لما آمنوا بالله عز وجل ثبتهم وأيدهم، وبالمقابل من سار في طريق الغواية فإن الله عز وجل يضله، ويجعله ينتكس، قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5]، وقال سبحانه: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة:10]، والله عز وجل لا يظلم الناس شيئاً؛ فلن تجد له من دون الله من يواليه ويرشده ويصوبه، قال تعالى: وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً [الكهف:17].

ثم يفصل الله في خبرهم، فيقول سبحانه: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ [الكهف:17].

والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي نزلت الآيات تأييداً له، وإثباتاً لنبوته حين أجاب المشركين واليهود الذين سألوه عن فتية خرجوا في الدهر الأول ما خبرهم؟ كما قال الله له: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً [الكهف:9]، هنا يقول له: لو قدر لك أن ترى هؤلاء الفتية وهم في كهفهم لرأيت الشمس (تزاور) وهي قراءة عاصم و حمزة و الكسائي ، الكوفيين الثلاثة، (تزاور) وأصلها تتزاور بتاءين، فحذفت إحدى التاءين تخفيفاً، وقراءة ابن عامر و يعقوب : (تزور)، (وترى الشمس إذا طلعت تزْوّر)، بوزن تحمر، تزور أي: تنقبض، وقرأ الباقون: (وترى الشمس إذا طلعت تزاور)، وأصلها: تتزاور، فأدغمت إحدى التاءين في الزاي؛ لقربهما في المخرج، إذاً عندنا ثلاث قراءات في هذه اللفظة: وترى الشمس إذا طلعت تزاور، وترى الشمس إذا طلعت تزور، وترى الشمس إذا طلعت تزاور، وأصلها من مادة الزور: الزاي والواو والراء، وهي تدل على الميل؛ ولذلك قيل للجزء الذي في أعلى الصدر: زور؛ لأن فيه ميلاً، وكذلك قيل للزائر: زائراً أو زوراً، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإن لزورك عليك حقاً )، أي: لضيفك؛ لأنه يميل إلى المزور، ومنه قيل لشهادة الزور: زوراً؛ لأن فيها ميلاً من الحق إلى الباطل.

وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ [الكهف:17] أي: تميل وتنقبض، ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ [الكهف:17] (تقرضهم) قيل: من القرض، بمعنى القطع والصرم، فتقرضهم أي: تصرمهم وتقطعهم، أو بمعنى تتركهم، كما قال ابن عباس .

يقول ابن كثير رحمه الله: وفي هذا دليل على أن هذا الكهف كان بابه إلى ناحية الشمال؛ لأنه لو كان إلى ناحية الشرق لما دخلت الشمس حال غروبها، ولو كان ناحية الغرب لما دخلت الشمس حالة شروقها، ولو كان ناحية القبلة -أي: في الجنوب بالنسبة لبلد ابن كثير وهي دمشق- لما دخلت الشمس حال الشروق ولا حال الغروب؛ فلم يبق إلا أن فتحة الكهف كانت ناحية الشمال، فالله عز وجل برحمته جعل الشمس لا تدخل إلى ذلك الكهف؛ لئلا تؤثر في أبدانهم إلا بمقدار ما تصح الهواء وتجدده، كرامةً لهؤلاء الفتية، وترى الشمس إذا طلعت تميل عن كهفهم حال طلوعها ذات اليمين، وإذا غربت تميل حال غروبها ذات الشمال، وهم حال نومهم في فجوة منه، أي: في متسع من ذلك الكهف، ينامون في وسطه، الفجوة: المتسع، جمعها: فجاء، ومنه حديث أسامة بن زيد في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كان يسير العنق؛ فإذا وجد فجوةً نص )، ومعنى: (كان يسير العنق) أي: السير الحثيث بالنسبة للناقة بما لا يرهقها، فإذا وجد فجوةً شد على هذه الناقة بحيث تسرع أقصى ما تستطيع.

يقول الله عز وجل: ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ [الكهف:17]، أي: من آيات الله سبحانه وتعالى أنه يمنع الشمس من أن تصل إلى هؤلاء الفتية؛ لئلا يؤذيهم حرها، يقول العلامة الشيخ الشنقيطي رحمه الله: قال بعض المفسرين: إن ذلك الكهف كان فيه حواجز طبيعية تمنع وصول الشمس، ويدل على أن هذا القول ليس بصحيح قوله تعالى: ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ [الكهف:17]؛ لأنه لو كان هناك حواجز طبيعية لما كان في الأمر غرابة، ولا كان فيه معجزة، لكن المعجزة أن يكون مدخل الكهف ليس عليه حاجز ولا مانع، ومع ذلك الشمس لا تصل إلى هؤلاء الفتية. والآيات: جمع آية، وهي في اللغة تطلق على العلامة كما في قول الله عز وجل: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ [البقرة:248]، وتطلق الآية في اللغة كذلك على جماعة الناس، فيقال: جاء القوم بآيتهم، أي: بجماعتهم وكلهم، وأما الآية في القرآن فهي تطلق على آيات الله الكونية، كما في قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190].

وتطلق كذلك على آيات الله الشرعية، أي: الآيات المقروءة، ومنه قوله تعالى: قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ [الطلاق:10-11]، أي: آيات القرآن، فالآية في اللغة بمعنى العلامة أو الجماعة، والآية في القرآن بمعنى آيات الله الكونية، أو آيات الله الشرعية المقروءة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير من سورة الأعلى إلى سورة البلد 2545 استماع
تفسير من سورة الفيل إلى سورة الكوثر 2534 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [98-106] 2505 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [27-29] 2377 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [21-24] 2368 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآية [151] 2295 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآيات [27-35] 2262 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [71-78] 2127 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآيات [115-118] 2087 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [30-36] 2048 استماع