خطب ومحاضرات
تفسير سورة الأنعام - الآيات [125-128]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, كما يحب ربنا ويرضى, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فقد بين ربنا جل جلاله في هذه السورة المباركة أن المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم بعض المعجزات الحسية, قال الله عز وجل: وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ [الأنعام:37], وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [الأنعام:8], وربنا جل جلاله في قوله سبحانه: فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ [الأنعام:125] يبين أن الهداية ليست موقوفة على رؤية المعجزات, وإنما الهداية في مبتدئها وفي أساسها هي عطية من الله عز وجل, كما قال ربنا سبحانه: وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ [الأنعام:111], وكما قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [يونس:96-97], فالهداية من الله عز وجل, وهذا المعنى قد سبق تقريره في قول ربنا جل جلاله: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:122].
يقول الله عز وجل: فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ [الأنعام:125].
هذه الجملة شرطية, أداة الشرط: من, وفعل الشرط: (يرد), وجوابه: (يشرح), فمن (يرد) الله له الهداية.. من يرد الله له النجاة يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ [الأنعام:125], (يشرح): أصل الشرح: الشق, يقال شرحت اللحم إذا شققته, ويقال للقطعة من اللحم: شريحة. ومعنى الشرح يستخدم مجازاً في الإيضاح والبيان يقال: شرحت الآية إذا أوضحتها وبينت معانيها, والشرح كذلك مستخدم في انجلاء الأمر واطمئنان القلب له، وراحة البال به, وهذا المعنى وارد في قول ربنا جل جلاله في معرض الامتنان على نبيه عليه الصلاة والسلام: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1], فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى هذه الآية فيما روي عنه: ( أنه سئل عن أكيس المؤمنين فقال: أكيس المؤمنين أكثرهم للموت ذكراً, وأحسنهم لما بعده استعداداً, قيل له: يا رسول الله! فإن الله تعالى يقول: فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ [الأنعام:125] ), قال عليه الصلاة والسلام: (إذا نزل النور في القلب انشرح الصدر له وانفسح, قالوا: يا رسول الله! فما أمارة ذلك؟ قال: التجافي عن دار الغرور, والإنابة إلى دار الخلود, والاستعداد للموت قبل نزول الموت).
وفي معنى هذه الآية قول ربنا جل جلاله في سورة الزمر: أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الزمر:22], وفي معناها قول ربنا جل جلاله: وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ [الحجرات:7].
حال المؤمن الذي أراد الله له الهداية وحال الكافر والمنافق الذي أراد الله له الضلال
يقول الله سبحانه: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا [الأنعام:125], وفي قراءة نافع و أبي جعفر يزيد بن القعقاع و أبي بكر عن عاصم : يجعل صدره ضيقاً حرِجاً, وحرجاً، يقال: حرِج الشيء حرِجاً, كفرح فرحاً وقرأ الباقون بفتح الراء على أنها مصدر, يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا [الأنعام:125], نسأل الله العافية.
فمن كان مؤمناً طيباً أراد الله له الهداية؛ فإن صدره ينفتح وينشرح لتلقي أنوار الوحي, كلما تليت عليه آيات القرآن ازداد هدى, كما قال ربنا: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2], وفي مقابل هؤلاء من أراد الله له الضلالة ضاق صدره وانقبض قلبه كلما تليت عليه آيات القرآن زادته ضلالاً, كما قال ربنا سبحانه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا [محمد:16], لا ينتفعون بشيء من أنوار الوحي.
وقد مضى معنا في سورة البقرة ذلك المثلان: المثل الناري، والمثل المائي: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة:17], ثم قال: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ [البقرة:19], فآيات القرآن ظلمات على هؤلاء الكفرة والمنافقين.
ثم قال: كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125], هذه قراءة الجمهور: كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ [الأنعام:125], وأصلها: يتصعد, أسكنت التاء ثم أدغمت في الصاد, مع أن التاء من حروف الهمس والصاد من حروف الإطباق، لكن للمقاربة أدغمت: كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125], وقرأ ابن كثير رحمه الله وحده: كأنما يصعد في السماء, وقرأ أبو بكر عن عاصم : كأنما يصاعد في السماء, والصعود فيه معنى العلو الارتفاع.
فالله عز وجل يصور حالة الكافر والمنافق الذي لا ينشرح صدره لتلقي أنوار الوحي؛ لأنه إذا تليت عليه الآيات وجاءته المواعظ والزواجر ضاق صدره وانقبض قلبه, حاله كحال إنسان يصعد من هبوط إلى علو, وهذا الإنسان يعاني ما يعاني ويضيق صدره.
معنى الرجس في القرآن
قال تعالى: كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:125], الرجس: قال مجاهد : هو العذاب, وقال عبد الرحمن بن زيد : هو الشيطان, قال العلامة ابن عاشور رحمه الله: والرجس في القرآن مستعمل لسائر الأدناس حسية ومعنوية, ومنه قول الله عز وجل في الخمر: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90], وقال الله عز وجل في الخنزير: فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145].
الهداية والضلال من الله تعالى
وقوله: كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:125]. هذه الآية تقرر المعنى الذي مضى بيانه مراراً من أن الهداية والضلال كله من الله عز وجل: مَنْ يَشَإِ اللهُ يُضْللهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام:39], مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف:17], مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:178].
يقول الله سبحانه: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا [الأنعام:125], وفي قراءة نافع و أبي جعفر يزيد بن القعقاع و أبي بكر عن عاصم : يجعل صدره ضيقاً حرِجاً, وحرجاً، يقال: حرِج الشيء حرِجاً, كفرح فرحاً وقرأ الباقون بفتح الراء على أنها مصدر, يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا [الأنعام:125], نسأل الله العافية.
فمن كان مؤمناً طيباً أراد الله له الهداية؛ فإن صدره ينفتح وينشرح لتلقي أنوار الوحي, كلما تليت عليه آيات القرآن ازداد هدى, كما قال ربنا: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2], وفي مقابل هؤلاء من أراد الله له الضلالة ضاق صدره وانقبض قلبه كلما تليت عليه آيات القرآن زادته ضلالاً, كما قال ربنا سبحانه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا [محمد:16], لا ينتفعون بشيء من أنوار الوحي.
وقد مضى معنا في سورة البقرة ذلك المثلان: المثل الناري، والمثل المائي: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة:17], ثم قال: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ [البقرة:19], فآيات القرآن ظلمات على هؤلاء الكفرة والمنافقين.
ثم قال: كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125], هذه قراءة الجمهور: كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ [الأنعام:125], وأصلها: يتصعد, أسكنت التاء ثم أدغمت في الصاد, مع أن التاء من حروف الهمس والصاد من حروف الإطباق، لكن للمقاربة أدغمت: كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125], وقرأ ابن كثير رحمه الله وحده: كأنما يصعد في السماء, وقرأ أبو بكر عن عاصم : كأنما يصاعد في السماء, والصعود فيه معنى العلو الارتفاع.
فالله عز وجل يصور حالة الكافر والمنافق الذي لا ينشرح صدره لتلقي أنوار الوحي؛ لأنه إذا تليت عليه الآيات وجاءته المواعظ والزواجر ضاق صدره وانقبض قلبه, حاله كحال إنسان يصعد من هبوط إلى علو, وهذا الإنسان يعاني ما يعاني ويضيق صدره.
قال تعالى: كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:125], الرجس: قال مجاهد : هو العذاب, وقال عبد الرحمن بن زيد : هو الشيطان, قال العلامة ابن عاشور رحمه الله: والرجس في القرآن مستعمل لسائر الأدناس حسية ومعنوية, ومنه قول الله عز وجل في الخمر: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90], وقال الله عز وجل في الخنزير: فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145].
وقوله: كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:125]. هذه الآية تقرر المعنى الذي مضى بيانه مراراً من أن الهداية والضلال كله من الله عز وجل: مَنْ يَشَإِ اللهُ يُضْللهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام:39], مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف:17], مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:178].
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير من سورة الأعلى إلى سورة البلد | 2551 استماع |
تفسير من سورة الفيل إلى سورة الكوثر | 2541 استماع |
تفسير سورة الكهف - الآيات [98-106] | 2513 استماع |
تفسير سورة الكهف - الآيات [27-29] | 2380 استماع |
تفسير سورة الكهف - الآيات [21-24] | 2371 استماع |
تفسير سورة الأنعام - الآية [151] | 2299 استماع |
تفسير سورة الأنعام - الآيات [27-35] | 2267 استماع |
تفسير سورة الكهف - الآيات [71-78] | 2175 استماع |
تفسير سورة الأنعام - الآيات [115-118] | 2091 استماع |
تفسير سورة الكهف - الآيات [30-36] | 2054 استماع |