شرح ألفية ابن مالك [1]


الحلقة مفرغة

قال محمد هو ابن مالك أحمد ربي الله خير مالك

مصلياً على النبي المصطفى وآله المستكملين الشرفا

وأستعين الله في ألفيه مقاصد النحو بها محويه

تقرب الأقصى بلفظ موجز وتبسط البذل بوعد منجز

وتقتضي رضا بغير سخط فائقة ألفية ابن معط

وهو بسبق حائز تفضيلا مستوجب ثنائي الجميلا

والله يقضي بهبات وافره لي وله في درجات الآخره

أهمية علم النحو

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

نبدأ هذه الجلسات في النحو بألفية ابن مالك ، وهي وإن كانت منتهى الطلب في النحو ، لكن نظراً إلى أنكم والحمد لله قد أخذتم من النحو شيئاً كثيراً جعلناها هي المبتدأ.

والحقيقة أن علم النحو مهم جداً لما فيه من الفوائد الكثيرة.

فمن فوائده تقويم اللسان وتقويم البنان، أي: تقويم اللسان عند النطق، وتقويم البنان عند الكتابة.

والنطق وإن كان الناس يتخاطبون فيما بينهم باللغة العامية فيعذرون؛ لأنك لو أردت أن تخاطب العامي باللغة العربية الفصحى لقال: هذا رجل أعجمي! لأنه لا يفهم اللغة العربية الفصحى إلا من ندر، لكن الكتابة التي يكون بالنحو تقويمها هي المهمة بالنسبة لطلبة العلم؛ لأن بعض الطلبة يكتب ما يكتب من الجواب على الأسئلة أو البحوث فتجد عنده من اللحن ما تكاد تقول: إنه في أول الدراسة، مع أنه قد يأخذ الشهادة العالية بعد شهر أو شهرين، وهذه محنة لما نعيشها اليوم.

وبعض الطلبة إذا تكلم في الحديث أو تكلم في الفقه أو في التفسير وجدت كلامه جيداً، لكن عندما يكتب تجد عنده أخطاء، ربما يقول: باضت الدجاجةَ البيضةُ، فيجعل الدجاجة بيضة للبيضة، وتجد أشياء غريبة.

لهذا أرى أنه يتعين على الطلبة الآن أن يتعلموا النحو وأن يمرنوا ألسنتهم وأقلامهم عليه حتى لا تسوء سمعتهم بين الناس.

ومن فوائد علم النحو: أنه يعين على فهم الكتاب والسنة؛ لأنه يعرف به الفاعل من المفعول به، ويعين على فهم المعنى، فكم من آية اختلف المعنى بإعرابها، فمثلاً قال تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة:6] أو (وأرجلِكم) فيختلف المعنى باختلاف الإعراب.

اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1] أو (والأرحامِ) فيختلف المعنى، فأنت إذا فهمت النحو أعانك على فهم المعنى، حتى تُنَزِّل الآيات والأحاديث على المراد بها.

ومن فوائد علم النحو: إحياء اللغة العربية الفصحى، ولاشك أن إحياء اللغة العربية الفصحى وانتشارها بين الناس يؤدي إلى أن يسهل فهم الكتاب والسنة على كثير من الناس.

وبهذا نعلم أن من قام بنشر اللغة غير العربية بين العامة فقد جنى على نفسه وعلى لغته وعلى من علمه تلك اللغة، نسمع أن من سفهائنا من يعلم صبيانه بدلاً من أن يقول: إذا دخلت على بيت أو على جماعة فقل: السلام عليكم، وإذا أردت أن تنصرف فقل: السلام عليكم؛ يقول: إذا دخلت فقل: باي باي! أو إذا انصرفت فقل: باي باي!سبحان الله! عندك لغة عربية ودعاء بالسلام فتجعل هذا الشيء بدلاً منه؟!

فلهذا أقول: إن تعلم اللغة العربية يؤدي إلى سهولة التخاطب بها، والتخاطب بها يعين الإنسان على معرفة الكتاب والسنة.

نشأة علم النحو

وعلم النحو إنما احتاج الناس إليه حين بدأ اللسان يختلف، ويقال: إن أول من ابتكره أبو الأسود الدؤلي في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك حينما دخل على ابنته وهي مضطجعة على فراشها تنظر إلى السماء وإلى المصابيح في الدجى، فقالت: يا أبت، ما أحسنُ السماء؟ فأجابها: نجومها.

لأن قولها: ما أحسنُ السماء، يعني: أي شيء أحسن في السماء؟ فقال: نجومها، وهي لا تريد هذا، إنما تريد أن تتعجب من حسن السماء، فقالت: لست أريد هذا، إنما أريد أن أتعجب من حسنها. قال: يا بنية! افتحي فاك فقولي: ما أحسنَ السماءَ!

لأنها إذا قالت: ما أحسنَ السماء! صارت الجملة جملة تعجب، وهذا هو المراد.

فذهب أبو الأسود الدؤلي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخبره الخبر، وكأنه يقول: أدرك الناس لا يفسد لسانهم، فوضع له شيئاً من القواعد وقال له: انح هذا المنحى، فسمي علم النحو.

وعلم النحو وعلم الصرف صنوان يكمل أحدهما الآخر، لكن الناس إلى علم النحو أحوج منهم إلى علم الصرف؛ لأن علم النحو هو الذي تتغير به الكلمات كثيراً، وعلم الصرف تبقى الكلمة على ما هي عليه في اللغة لا تتغير سواء كانت فاعلاً أو مفعولاً أو مجروراً، لكن علم النحو هو الذي يكثر فيه التغيير، ولهذا كانت حاجة الناس إليه أعظم من حاجتهم إلى علم الصرف.

مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة والأرجح منهما

وقد كان هذا العلم علماً مستقلاً، وكما نعلم أن الشيء أول ما يخرج يكون ضعيفاً، ثم انتشر بين العلماء وصار له أئمة ومشايخ وأتباع، وصار فيه مناظرات ومجادلات كثيرة، وانقسم العلماء فيه إلى قسمين: علماء الكوفة وزعيمهم الكسائي ، وعلماء البصرة وزعيمهم سيبويه ، ولكل منهم نظرات في علم النحو، وغالب ما يذهب إليه البصريون التقعيد والحفاظ على القواعد، وأما الكوفيون فهم يتساهلون في هذا الباب، وأنا إلى رأيهم أميل مني إلى رأي البصريين.

فأقول: القاعدة عندي: إذا اختلف الكوفيون والبصريون في مسألة فاتبع الأسهل فإنه أسهل، أي: ليس فيه تعقيد؛ لأن هذا ليس أمراً شرعياً يثبت بالأدلة الشرعية حتى ننظر ونتعب، فمادام هذا جائزاً عند جماعة من العلماء فلنتبعه، وتتبع الرخص في هذا الباب جائز ولا حرج فيه؛ لأن تتبع الرخص في هذا الباب أسهل، وسيمر بنا إن شاء الله تعالى مسائل كثيرة نجد أن البصريين فيها متشددون وأن الكوفيين متساهلون.

وإذا رأيتم أن نقرأ المقدمة -لأن فيها فائدة- فهو حسن.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

نبدأ هذه الجلسات في النحو بألفية ابن مالك ، وهي وإن كانت منتهى الطلب في النحو ، لكن نظراً إلى أنكم والحمد لله قد أخذتم من النحو شيئاً كثيراً جعلناها هي المبتدأ.

والحقيقة أن علم النحو مهم جداً لما فيه من الفوائد الكثيرة.

فمن فوائده تقويم اللسان وتقويم البنان، أي: تقويم اللسان عند النطق، وتقويم البنان عند الكتابة.

والنطق وإن كان الناس يتخاطبون فيما بينهم باللغة العامية فيعذرون؛ لأنك لو أردت أن تخاطب العامي باللغة العربية الفصحى لقال: هذا رجل أعجمي! لأنه لا يفهم اللغة العربية الفصحى إلا من ندر، لكن الكتابة التي يكون بالنحو تقويمها هي المهمة بالنسبة لطلبة العلم؛ لأن بعض الطلبة يكتب ما يكتب من الجواب على الأسئلة أو البحوث فتجد عنده من اللحن ما تكاد تقول: إنه في أول الدراسة، مع أنه قد يأخذ الشهادة العالية بعد شهر أو شهرين، وهذه محنة لما نعيشها اليوم.

وبعض الطلبة إذا تكلم في الحديث أو تكلم في الفقه أو في التفسير وجدت كلامه جيداً، لكن عندما يكتب تجد عنده أخطاء، ربما يقول: باضت الدجاجةَ البيضةُ، فيجعل الدجاجة بيضة للبيضة، وتجد أشياء غريبة.

لهذا أرى أنه يتعين على الطلبة الآن أن يتعلموا النحو وأن يمرنوا ألسنتهم وأقلامهم عليه حتى لا تسوء سمعتهم بين الناس.

ومن فوائد علم النحو: أنه يعين على فهم الكتاب والسنة؛ لأنه يعرف به الفاعل من المفعول به، ويعين على فهم المعنى، فكم من آية اختلف المعنى بإعرابها، فمثلاً قال تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة:6] أو (وأرجلِكم) فيختلف المعنى باختلاف الإعراب.

اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1] أو (والأرحامِ) فيختلف المعنى، فأنت إذا فهمت النحو أعانك على فهم المعنى، حتى تُنَزِّل الآيات والأحاديث على المراد بها.

ومن فوائد علم النحو: إحياء اللغة العربية الفصحى، ولاشك أن إحياء اللغة العربية الفصحى وانتشارها بين الناس يؤدي إلى أن يسهل فهم الكتاب والسنة على كثير من الناس.

وبهذا نعلم أن من قام بنشر اللغة غير العربية بين العامة فقد جنى على نفسه وعلى لغته وعلى من علمه تلك اللغة، نسمع أن من سفهائنا من يعلم صبيانه بدلاً من أن يقول: إذا دخلت على بيت أو على جماعة فقل: السلام عليكم، وإذا أردت أن تنصرف فقل: السلام عليكم؛ يقول: إذا دخلت فقل: باي باي! أو إذا انصرفت فقل: باي باي!سبحان الله! عندك لغة عربية ودعاء بالسلام فتجعل هذا الشيء بدلاً منه؟!

فلهذا أقول: إن تعلم اللغة العربية يؤدي إلى سهولة التخاطب بها، والتخاطب بها يعين الإنسان على معرفة الكتاب والسنة.

وعلم النحو إنما احتاج الناس إليه حين بدأ اللسان يختلف، ويقال: إن أول من ابتكره أبو الأسود الدؤلي في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك حينما دخل على ابنته وهي مضطجعة على فراشها تنظر إلى السماء وإلى المصابيح في الدجى، فقالت: يا أبت، ما أحسنُ السماء؟ فأجابها: نجومها.

لأن قولها: ما أحسنُ السماء، يعني: أي شيء أحسن في السماء؟ فقال: نجومها، وهي لا تريد هذا، إنما تريد أن تتعجب من حسن السماء، فقالت: لست أريد هذا، إنما أريد أن أتعجب من حسنها. قال: يا بنية! افتحي فاك فقولي: ما أحسنَ السماءَ!

لأنها إذا قالت: ما أحسنَ السماء! صارت الجملة جملة تعجب، وهذا هو المراد.

فذهب أبو الأسود الدؤلي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخبره الخبر، وكأنه يقول: أدرك الناس لا يفسد لسانهم، فوضع له شيئاً من القواعد وقال له: انح هذا المنحى، فسمي علم النحو.

وعلم النحو وعلم الصرف صنوان يكمل أحدهما الآخر، لكن الناس إلى علم النحو أحوج منهم إلى علم الصرف؛ لأن علم النحو هو الذي تتغير به الكلمات كثيراً، وعلم الصرف تبقى الكلمة على ما هي عليه في اللغة لا تتغير سواء كانت فاعلاً أو مفعولاً أو مجروراً، لكن علم النحو هو الذي يكثر فيه التغيير، ولهذا كانت حاجة الناس إليه أعظم من حاجتهم إلى علم الصرف.

وقد كان هذا العلم علماً مستقلاً، وكما نعلم أن الشيء أول ما يخرج يكون ضعيفاً، ثم انتشر بين العلماء وصار له أئمة ومشايخ وأتباع، وصار فيه مناظرات ومجادلات كثيرة، وانقسم العلماء فيه إلى قسمين: علماء الكوفة وزعيمهم الكسائي ، وعلماء البصرة وزعيمهم سيبويه ، ولكل منهم نظرات في علم النحو، وغالب ما يذهب إليه البصريون التقعيد والحفاظ على القواعد، وأما الكوفيون فهم يتساهلون في هذا الباب، وأنا إلى رأيهم أميل مني إلى رأي البصريين.

فأقول: القاعدة عندي: إذا اختلف الكوفيون والبصريون في مسألة فاتبع الأسهل فإنه أسهل، أي: ليس فيه تعقيد؛ لأن هذا ليس أمراً شرعياً يثبت بالأدلة الشرعية حتى ننظر ونتعب، فمادام هذا جائزاً عند جماعة من العلماء فلنتبعه، وتتبع الرخص في هذا الباب جائز ولا حرج فيه؛ لأن تتبع الرخص في هذا الباب أسهل، وسيمر بنا إن شاء الله تعالى مسائل كثيرة نجد أن البصريين فيها متشددون وأن الكوفيين متساهلون.

وإذا رأيتم أن نقرأ المقدمة -لأن فيها فائدة- فهو حسن.

الحياة العلمية في عصر ابن مالك

[بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد.

مقدمة: الحالة العلمية في عصر ابن مالك .

يمتاز عصر ابن مالك بكثرة ما ألف فيه من كتب في مختلف العلوم والفنون، ويرجع ذلك إلى ما كان يغدقه الملوك على العلماء من المال، وإلى ما كان للعلماء من المنزلة الرفيعة والتوقير لدى السلاطين والحكام، وإلى ما كان من رغبة بعض هؤلاء الملوك في إنشاء الخزانات الخاصة وحمل العلماء على تأليف الكتب برسمها.

هذا إلى كثرة إنشاء المدارس وإقبال الطلاب عليها، هذه الحالة التي جعلت العلماء ينكبون على التأليف والتدوين حتى كان ما ألفوه أعظم ثروة علمية للغة والدين والآداب.

ولعل كثرة إنشاء المدارس وإقبال الطلاب عليها وتخصيص المدرسين لها؛ لعل ذلك كان سبباً في أن يصبح التعليم صناعة خاصة تحمل العلماء على التفكير في تسهيل العلم على طلابه، وتيسير السبيل عليهم للإحاطة بشوارده، ولعله كان سبباً في أَنْ أكثرَ العلماءُ من نظم العلوم المختلفة، بل من نظم المنظومات المختلفة في العلم الواحد، فإنه من الثابت أن النظم أسرع في الحفظ وأبقى في الذهن من النثر.

وإذا علمت أن ابن مالك أندلسي المولد والنشأة، وأن أهل الأندلس إذ ذاك أشد أهل الأرض حباً للعلم وتفانياً في تحصيله وتوقيراً لأهله، وأن ابن مالك ميال بطبعه إلى النظم فلم يكن يعاني في قوله مشقة، ولا يصادفه في إنشائه عنت؛ إذا عرفت ذلك أمكنك أن تدرك السر فيما وصل إليه ابن مالك من العلم والفضل].

ترجمة ابن مالك ناظم الألفية

[هو الإمام أبو عبد الله محمد جمال الدين بن عبد الله بن مالك الطائي نسباً الجياني منشأً الدمشقي إقامة ووفاة الشافعي النحوي.

ولد رحمه الله سنة (600هـ) بجيان إحدى مدن الأندلس، ثم رحل إلى دمشق واستزاد فيها من العلم، وأقام بها مدة يصنف ويشتغل بالتعليم حتى أدركته منيته لاثنتي عشرة خلت من شعبان سنة (672هـ.

مشايخ ابن مالك

[مشايخه:

ابتدأ ابن مالك حياته بالأندلس، فأخذ عن شيوخه ما أخذ، وكانت دمشق مركزاً علمياً يحج وتضرب إليه آباط الإبل].

قوله: (يحج) يعني: يقصد، فالحج هنا يراد به المعنى اللغوي.

[فسمت بـابن مالك همته إلى ورود منابعها الصافية، فرحل إليها وأخذ عن أئمتها، وكان من مشايخه فيها وفي الأندلس مكرم وأبو صادق الحسن بن صباح ، وأبو الحسن السخاوي .

وممن أخذ عنهم العربية بجيان: أبو المظفر ثابت بن محمد بن يوسف بن خياط الكلاعي من أهل لبلبة، وقرأ كتاب سيبويه على أبي عبد الله بن مالك المرشاني .

ومن مشايخه أيضاً: ابن يعيش شارح المفصل، وتلميذه ابن عمران ، وتلميذه ابن عمرون ، ويقال إنه جلس عند أبي علي الشلوبين بضعة عشر يوماً، ونقل التبريزي في أواخر شرح الحاجبية أنه جلس في حلقة ابن الحاجب واستفاد منه، وأخذ القراءة عن أبي العداس أحمد بن نوار وأتقنها حتى صار إماماً فيها، وصنف فيها قصيدة دالية مرموزة في قدر الشاطبية.

تلاميذ ابن مالك

[تلاميذه:

وتخرج به جماعة منهم الإمام النووي ، وروى عنه ولده بدر الدين محمد وشمس الدين بن جعوان ، وشمس الدين بن أبي الفتاح ، وابن العطار ، وزين الدين أبو بكر المزي ، والشيخ أبو الحسين اليويني شيخ المؤرخ الذهبي ، وأبو عبد الله الصيرفي ، وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ، وشهاب الدين بن غانم وناصر الدين بن شافع ، وخلق سواهم.

وروى عنه الألفية شهاب الدين محمود ، ورواها الصفدي خليل عن شهاب الدين محمود قراءة ، ورواها إجازة عن ناصر الدين شافع بن عبد الظاهر ، وعن شهاب الدين بن غانم بالإجازة عنهما عنه].

أخلاق ابن مالك

[أخلاقه:

كان على جانب عظيم من الدين والعبادة وكثرة النوافل وحسن السمت، وكمال العقل والعفة.

ومن مظاهر إخلاصه لله في عمله ما قيل من أنه كان يخرج على باب مدرسته ويقول: هل من راغب في علم الحديث أو التفسير أو كذا أو كذا، قد أخلصتها من ذمتي، فإذ لم يجد قال: خرجت من آفة الكتمان.

وكان سليم الخلال رزيناً حيياً وقوراً، جم التواضع على كثرة علمه، شغوفاً بالإفادة شديد الحرص على العلم والتعليم.

كان إماماً فذاً في علوم العربية، فقد صرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وأربى على المتقدمين، وكان إليه المنتهى في اللغة، وكان في النحو والتصريف البحر الزاخر والطود الشامخ حتى كانت شهرته على الخصوص بهما، وجل تأليفه فيهما.

ومن رسوخ قدمه في النحو أنه كان يقول عن ابن الحاجب وهو أحد أئمة العربية: إنه أخذ نحوه عن صاحب المفصل وصاحب المفصل نحوي صغير.

وإذا علمت أنه يقول هذا في حق الزمخشري وهو إمام عصره في اللغة والنحو والبيان والتفسير والحديث، وكانت تشد إليه الرحال في كل فن منها؛ إذا علمت هذا علمت مقدار علم ابن مالك وفضله.

وكان في الحديث واسع الاطلاع، وكان أكثر ما يستشهد بالقرآن، فإذ لم يكن فيه شاهد عدل إلى الحديث، وإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى أشعار العرب، وقد اعترف له فضلاء زمانه بالتقدم والفضل، فكان إماماً في العادلية، وكان إذا صلى فيها يشيعه قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان إلى بيته تعظيماً له].

مؤلفات ابن مالك

[مؤلفاته:

ألف ابن مالك كتباً كثيرة:

منها: ألفية ابن مالك ، وسماها الخلاصة، وإنما اشتهرت بالألفية لأنها ألف بيت، جمع فيها مقاصد العربية من نحو وصرف.

ثانياً: تسهيل الفوائد وتمهيد المقاصد. وهو مختصر كتاب له اسمه: كتاب الفوائد في النحو.

ثالثاً: لامية الأفعال، أو كتاب المفتاح في أبنية الأفعال، ويقال لها لامية ابن مالك .

رابعاً: الكافية الشافية، وهي أرجوزة في النحو في ألفين وسبعمائة وسبعة وخمسين بيتاً، ومنها لخص ألفيته هذه.

خامساً: عدة الحافظ وعمدة اللافظ في النحو.

سادساً: سبك المنظوم وفك المختوم في النحو.

سابعاً: إيجاز التعريف في علم التصريف.

ثامناً: شواهد التوضيح وتصحيح مشكلات الجامع الصحيح.

تاسعاً: كتاب العروض.

عاشراً: تحفة المودود في المقصور والممدود. وهي قصيدة همزية جمع فيها الألفاظ التي آخرها ألف تشتبه أن تكون مقصورة أو ممدوة.

الحادي عشر: الألفاظ المختلفة، مجموع مترادفات.

الثاني عشر: الاعتضاد في الفرق بين الصاد والضاد، قصيدة مشروحة.

الثالث عشر: الإعلام بمثلث الكلام. أرجوزة في نحو ثلاثة آلاف بيت، ذكر فيها الألفاظ التي لكل منها ثلاثة معان باختلاف حركاتها، ورتب تلك الألفاظ على الأبجدية، فهي كالمعجم للمثلثات].

الكلام على الألفية

[الألفية:

تقدم ابن مالك في عمل ألفية نحوية ابن معط ، ثم جاء ابن مالك فنظم ألفيته هذه، وفيها يقول:

فائقة ألفية ابن معط .

وتمتاز ألفية ابن مالك عن ألفية ابن معط بأنها من بحر واحد هو كامل الرجز، وتلك من السريع والرجز، وأنها أكثر أحكاماً منها.

وللجلال السيوطي ألفية زاد فيها على هذه كثيراً، وقال في أولها:

فائقة ألفية ابن مالك ].

لكن السيوطي رحمه الله يقول:

فائقة ألفية ابن مالك

لكونها واضحة المسالك

وليست أوضح من ألفية ابن مالك ، فهي لا تكاد يفهم منها شيء.

و للأجهوري المالكي ألفية زاد فيها على السيوطي وقال: فائقة ألفية السيوطي .

والذي نستطيع أن نقوله: إن ألفية ابن مالك هي التي كتب لها البقاء وعم الانتفاع بها، فهي مراد لكل مريد للعربية، وهي التي تناولها كثير من العلماء بالشرح والتبسيط والتوضيح.

شراح الألفية

[شراح الألفية:

حازت ألفية ابن مالك عناية الكثيرين من أئمة النحو، فتناولوها بالشرح والتفسير، ومن شراحها المؤلف وابنه بدر الدين محمد وبرهان الدين إبراهيم الأبناسي الهاشمي، وبهاء الدين بن عقيل، والشيخ عبد الله الأودكاوي وبدر الدين الحسن المصري المعروف بـابن أم قاسم، ونور الدين أبو الحسن الأشمورني، والمختار بن بونه ، وزين الدين عبد الرحمن المعروف بـالعيني ، وأبو زيد عبد الرحمن المكودي ، وأبو محمد القاسم الرعيني الأندلسي ، وشمس الدين أبو عبد الله الهواري الأندلسي وغيرهم].

وأكثر شروحها ذيوعاً وانتشاراً شرح ابن عقيل وشرح الأشموني .

أما أوضح المسالك فليس بشرح؛ لأنه لا يذكر الأبيات ويشرحها.

قرأنا المقدمة، وكان مما مر علينا أن من تلاميذ ابن مالك النووي رحمه الله، وقد ذكر بعض العلماء أن قول ابن مالك في باب المبتدأ والخبر:

(ورجل من الكرام عندنا)

يقصد به النووي، وذكر النووي رحمه الله في باب صفة الصلاة عند الكلام على حكم الكلام في الصلاة؛ ذكر ابن مالك ووصفه بأنه: (شيخنا الذي انتهت إليه في عصرنا الإمامة في اللغة العربية) فأثنى عليه كثيراً، وهذه شهادة من النووي رحمه الله لـابن مالك .

[بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد.

مقدمة: الحالة العلمية في عصر ابن مالك .

يمتاز عصر ابن مالك بكثرة ما ألف فيه من كتب في مختلف العلوم والفنون، ويرجع ذلك إلى ما كان يغدقه الملوك على العلماء من المال، وإلى ما كان للعلماء من المنزلة الرفيعة والتوقير لدى السلاطين والحكام، وإلى ما كان من رغبة بعض هؤلاء الملوك في إنشاء الخزانات الخاصة وحمل العلماء على تأليف الكتب برسمها.

هذا إلى كثرة إنشاء المدارس وإقبال الطلاب عليها، هذه الحالة التي جعلت العلماء ينكبون على التأليف والتدوين حتى كان ما ألفوه أعظم ثروة علمية للغة والدين والآداب.

ولعل كثرة إنشاء المدارس وإقبال الطلاب عليها وتخصيص المدرسين لها؛ لعل ذلك كان سبباً في أن يصبح التعليم صناعة خاصة تحمل العلماء على التفكير في تسهيل العلم على طلابه، وتيسير السبيل عليهم للإحاطة بشوارده، ولعله كان سبباً في أَنْ أكثرَ العلماءُ من نظم العلوم المختلفة، بل من نظم المنظومات المختلفة في العلم الواحد، فإنه من الثابت أن النظم أسرع في الحفظ وأبقى في الذهن من النثر.

وإذا علمت أن ابن مالك أندلسي المولد والنشأة، وأن أهل الأندلس إذ ذاك أشد أهل الأرض حباً للعلم وتفانياً في تحصيله وتوقيراً لأهله، وأن ابن مالك ميال بطبعه إلى النظم فلم يكن يعاني في قوله مشقة، ولا يصادفه في إنشائه عنت؛ إذا عرفت ذلك أمكنك أن تدرك السر فيما وصل إليه ابن مالك من العلم والفضل].

[هو الإمام أبو عبد الله محمد جمال الدين بن عبد الله بن مالك الطائي نسباً الجياني منشأً الدمشقي إقامة ووفاة الشافعي النحوي.

ولد رحمه الله سنة (600هـ) بجيان إحدى مدن الأندلس، ثم رحل إلى دمشق واستزاد فيها من العلم، وأقام بها مدة يصنف ويشتغل بالتعليم حتى أدركته منيته لاثنتي عشرة خلت من شعبان سنة (672هـ.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح ألفية ابن مالك [68] 3431 استماع
شرح ألفية ابن مالك [2] 3265 استماع
شرح ألفية ابن مالك [15] 3127 استماع
شرح ألفية ابن مالك[65] 2988 استماع
شرح ألفية ابن مالك[55] 2950 استماع
شرح ألفية ابن مالك [67] 2920 استماع
شرح ألفية ابن مالك [7] 2917 استماع
شرح ألفية ابن مالك [24] 2909 استماع
شرح ألفية ابن مالك [9] 2826 استماع
شرح ألفية ابن مالك [66] 2810 استماع