شرح سنن أبي داود [573]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول عند النوم.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا عاصم عن معبد بن خالد عن سواء عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده، ثم يقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك. ثلاث مرار) ].

أورد أبو داود [ باب ما يقول عند النوم ] يعني: الذكر الذي يقوله المرء عند النوم.

أورد أبو داود جملة من الأحاديث في هذا الباب، وأولها حديث حفصة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده، وقال: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) قالها ثلاثاً، والحديث صححه الألباني بدون ذكر الثلاث، وإنما يقولها مرة واحدة وليس فيه ذكر التكرار.

وفيه: أنه ينام على شقه الأيمن، وهنا ذكر أن يده اليمنى تكون تحت خده، ومعنى ذلك أن اليمنى تحت خده الأيمن؛ لأن اليد اليمنى هي أقرب شيء إلى خده الأيمن، وقد جاء ذلك صريحاً بأنه كان ينام على شقه الأيمن وكان يضع يده تحت خده.

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

موسى بن إسماعيل مر ذكره.

[ حدثنا أبان ].

أبان بن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ حدثنا عاصم ].

عاصم بن بهدلة مر ذكره.

ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمته في مقدمة الفتح أن الجرح أو الكلام إذا كان لم يثبت فإنه لا يعول عليه وذلك بحسب الإسناد؛ لأنه ذكر في ترجمته في مقدمة الفتح أن من العلماء من تكلم فيه، ولكن جاء هذا الكلام بإسناد فيه من هو ضعيف، فقال: لا يعول عليه.

[ عن معبد بن خالد ].

معبد بن خالد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سواء ].

سواء وهو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن حفصة ].

حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

والحديث صححه الألباني بدون ذكر الثلاث وهنا فيه المقبول، ولكن له شواهد دون ذكر الثلاث.

شرح حديث البراء (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا المعتمر سمعت منصوراً يحدث عن سعد بن عبيدة قال: حدثني البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل: اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك، رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، قال: فإن مت مت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول، قال البراء : فقلت: أستذكرهن، فقلت: وبرسولك الذي أرسلت، قال: لا، وبنبيك الذين أرسلت) ].

أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن) وهذا دليل واضح على أن الإنسان يضطجع على شقه الأيمن عند نومه، وأن يكون على وضوء، حيث أمره بأن يتوضأ الوضوء الذي هو للصلاة.

قوله: [ (اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، قال البراء : فقلت: أستذكرهن) ] يعني: أعاد الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه يريد أن يتأكد من حفظه وأتى بقوله: (وبرسولك الذي أرسلت) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، وبنبيك الذين أرسلت).

قوله: [ (فإن مت مت على الفطرة واجعلهن آخر ما تقول) ] أي: أن هذا آخر ذكر يقال عند النوم.

قوله في أول الحديث: [ (اللهم أسلمت وجهي إليك) ] يعني: استسلمت لأمرك ونهيك، وانقدت لما جاء به شرعك، فأصدق الأخبار وأنفذ الأوامر وأجتنب النواهي.

قوله: [ (وفوضت أمري إليك) ] يعني: أني اعتمدت عليك وتوكلت عليك.

قوله: [ (وألجأت ظهري إليك) ] يعني: اعتمدت عليك واستندت إليك وليس إلى غيرك.

قوله: [ (رهبة ورغبة إليك) ] يعني: رغبة فيما عندك من خير، ورهبة مما عندك من العقوبة.

قوله: [ (لا ملجأ ولا منجى إلا إليك) أي: لا مفر من الله إلا إليه، وأن الإنسان لا يسلم مما هو ضار إلا بالتعويل على الله عز وجل الذي منه الضر والنفع، والذي هو خالق كل شيء وبيده كل شيء سبحانه وتعالى، وهذا كما جاء في الحديث: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).

ثم إن البراء رضي الله عنه قال: (فقلت: أستذكرهن) يريد أن يحفظها وأن يتأكد من حفظه لها والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه وكان أن عبر بقوله: (وبرسولك الذي أرسلت) بدل: (وبنبيك الذي أرسلت) قال: (لا، وبنبيك الذي أرسلت) والمعنى واحد، ولكن من أحسن ما قيل في معناه ما قاله الحافظ ابن حجر: إن الأذكار يتمسك بها ولا يبدل لفظ منها بآخر، وإنما يحافظ على ألفاظها ويتمسك بها ولا يعدل عنها إلى ألفاظ أخرى، وإلا فإن إرسال النبي وإرسال الرسول جاء في القرآن، قال تعالى: وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ [الزخرف:6]، وقال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم:4].

تراجم رجال إسناد حديث البراء (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ...)

قوله: [ حدثنا مسدد عن المعتمر ].

مسدد مر ذكره.

والمعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ سمعت منصوراً ].

هو منصور بن المعتمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعد بن عبيدة ].

سعد بن عبيدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني البراء بن عازب ].

البراء بن عازب وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وإذا كان الإنسان على طهارة قبل النوم فلا يحتاج إلى وضوء؛ لأن المقصود أن يكون على وضوء.

معنى قوله (واجعلهن آخر ما تقول)

قوله: [ (واجعلهن آخر ما تقول) ] فلو حصل طارئ وتكلم الإنسان بعد أدائه لهذا الذكر فليس عليه إعادته؛ لأن الإنسان قد يتكرر منه ذلك، ولكن المقصود منه عندما يأتي بأذكار النوم فليكن هذا الذكر آخر ما يقوله.

ذكر مناسبة أمر النبي بالوضوء عند النوم

أما مناسبة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء عند النوم مع أن النوم ناقض للوضوء، فلا شك أن هذا من الصفة المحمودة، وليس معنى ذلك أنه سيستمر على طهارة، ولكن كونه ينام وهو على هيئة حسنة وعلى هيئة طيبة، هذا هو الذي ينبغي.

شرح حديث البراء (إذا أويت إلى فراشك...) من طريق ثانية وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن فطر بن خليفة قال: سمعت سعد بن عبيدة قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك) ثم ذكره نحوه ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه ذكر توسد اليمين، والذي قبله فيه ذكر النوم على الشق الأيمن.

يعني: هذا الحديث يدل على أنه يتوسد يمينه، والحديث السابق يدل على أنه ينام على شقه الأيمن، فيجمع الإنسان بينهما.

قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ].

هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن فطر بن خليفة ].

فطر بن خليفة صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ قال: سمعت سعد بن عبيدة قال: سمعت البراء بن عازب ].

وقد مر ذكرهما.

طريق ثالثة لحديث البراء في التطهر قبل النوم وترجمة رجال إسنادها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الملك الغزال حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش ومنصور عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا.

قال سفيان : قال أحدهما: (إذا أتيت فراشك طاهراً)، وقال الآخر: (توضأ وضوءك للصلاة)، وساق معنى معتمر ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه مثل الذي قبله مع بيان اختلاف الراويين اللذين اشتركا في روايته، وأن أحدهما عبر بأنه إذا أتى فراشه يتوضأ، والثاني عبر بأنه ينام وهو طاهر؛ فالمعنى واحد واللفظ مختلف.

قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الملك الغزال ].

محمد بن عبد الملك الغزال وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.

[ حدثنا محمد بن يوسف ].

هو محمد بن يوسف الفريابي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سفيان ].

هو سفيان الثوري .

[ عن الأعمش ومنصور ].

الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و منصور : هو ابن المعتمر الذي مر ذكره.

[ عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب ].

وقد مر ذكرهما.

شرح حديث (كان النبي إذا نام قال: اللهم باسمك أحيا وأموت ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا نام قال: اللهم باسمك أحيا وأموت، وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) ].

أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه في الذكر عند النوم وبعد القيام من النوم قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام قال: اللهم باسمك أحيا وأموت، وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور).

يعني: عندما ينام يقول هذا اللفظ؛ لأنه يحيا بقدرة الله ويموت بقدرة الله وبمشيئة الله وإرادته، والإنسان في نومه قد يعود إلى الحياة بعد أن تأخذه هذه الموتة الصغرى التي هي النوم، وقد يفارق الحياة كما جاء في القرآن: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ [الزمر:42] يعني: يتوفاها.

وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني: التي لم يقض عليها الموت في هذه النومة فإنها تعود إلى الحياة.

فالإنسان يعتمد على الله ويجعل كل شيء بيد الله عز وجل، ويعظم الله عز وجل ويعلم بأن كل شيء بقدرته ومشيئته وإرادته، وهو المحيي والمميت، والإنسان يعلم أنه بنومه قد يحيا بعد هذه النومة وقد يموت.

قوله: [ (وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) ] وهذا فيه أن النوم يطلق عليه الموت، كما في الآية التي ذكرتها: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا يعني: والتي لم يتوفها الله في منامها.

فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42]، وهي التي حصلت لها الحياة يرسلها إلى الأجل الذي يأتي فيه الموت.

وقد جاء في الحديث: (النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون).

قوله: [ (وإليه النشور) ] أي: أن الناس يبعثون من قبورهم، ويكونون في المكان وهو الصعيد الذي يأتي الله عز وجل لفصل القضاء بينهم فيحاسبهم، ويذهبون إلى منازلهم من الجنة أو النار.

تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي إذا نام قال: اللهم باسمك أحيا وأموت ...)

قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ].

أبو بكر بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا وكيع ].

هو وكيع بن الجراح مر ذكره.

[ عن سفيان عن عبد الملك بن عمير ].

سفيان مرّ ذكره، وعبد الملك بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ربعي ].

هو ربعي بن حراش وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حذيفة ].

هو حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.

ويمكن للإنسان أن يجمع بين هذه الأذكار عند نومه، لكن كون الإنسان يذكر بعضها لا بأس بذلك؛ وهذه الأذكار في الغالب تكون في النوم الذي يكون بالليل.

شرح حديث (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره؛ فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم ليضطجع على شقه الأيمن ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره) يعني: الإنسان يكون عليه إزار، وينفض فراشه بداخلة الإزار مما يلي جسده.

وقيل: إن الحكمة في ذلك أنه قد يكون عليه شيء من وسخ أو هوام، أو شيء من ذلك.

قوله: [ (فإنه لا يدري ما خلفه عليه) ].

يعني: بعد أن تركه وقبل أن يرجع إليه لا يدري أي شيء خلفه، ومن المعلوم أن هذا يتعلق بهوام أو بغبار أو وسخ وما إلى ذلك.

فعلى الإنسان أن ينفض فراشه سواء كان فيه شيء أو لم يكن فيه شيء.

وأما بالنسبة للجن فإن التسمية والتعوذ بالله يطردان الجن، وإنما المقصود من ذلك أن يكون هناك غبار أو هوام أو وسخ أو شيء من ذلك.

قوله: [ (ثم ليضطجع على شقه الأيمن) ].

وهذا مثل الذي مرّ في حديث البراء : (ثم ليضطجع على شقه الأيمن)، وقد جاء في الروايات الأخرى أنه يجعل يده تحت خده.

قوله: [ (ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه) ].

يعني: وضعت جنبي في النوم، ورفعته بعد النوم، كل ذلك بمشيئة الله وإرادته، مثل قوله: (بك أحيا وبك أموت).

قوله: [ (إن أمسكت نفسي فارحمها) ].

يعني: إن أنت قبضتها في هذه النومة وخرجت من الدنيا بالموت في حال النوم فارحمني برحمتك.

قوله: [ (وإن أرسلتها فاحفظها) ] يعني: لم يحصل لها الموت، بل عادت وحصلت لها الحياة، وحصل لها الانتباه من النوم، فالمطلوب أن يحفظها بما يحفظ به عباده الصالحين، وذلك بالاستقامة على أمر الله وطاعة الله وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، حتى يموت الإنسان وهو على حالة طيبة.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره ...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ].

هو أحمد بن عبد الله بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا زهير ].

هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبيد الله بن عمر ].

عبيد الله بن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ].

سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

وهو كذلك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة رضي الله عنه ، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث (أن النبي كان يقول إذا أوى إلى فراشه: اللهم رب السماوات ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب ح وحدثنا وهب بن بقية عن خالد نحوه عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه: اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، زاد وهب في حديثه: اقض عني الدين وأغنني من الفقر) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (كان إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن..) هذا تمهيد وتوسل إلى الله عز وجل بصفاته وأفعاله؛ ومن الأمور المطلوبة في الدعاء أن الإنسان عندما يدعو يتوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته، أو بتقديم حمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا من أسباب قبول الدعاء.

قوله: [ (اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء) ] فكل هذا ثناء على الله عز وجل، فهو رب السماوات ورب الأرضين، ورب كل شيء، وهذا عام؛ لأنه يشمل السماوات والأرض، ويشمل غيرهما.

قوله: [ (ورب كل شيء) ] أي: رب السماوات والأرضين ومن في السماوات ومن في الأرضين من المخلوقات، فكلها أشياء، فهو ثناء على الله عز وجل وتعظيم له سبحانه وتعالى.

قوله: [ (فالق الحب والنوى) ] يعني: يفلق الحب لإخراج النبات منه، كما ينثر الحب عند الزرع في الأرض ثم تحرث الأرض ويسقى بالماء، فتنفتح الحبة وتنفلق ويظهر منها الزرع، وكذلك النوى عندما يكون في الأرض ويسقى بالماء فإن تلك النواة تنشق ويظهر منها أصل النخلة وتنشأ حتى تكون نخلة كاملة.

والحب هو ما يتعلق بالزرع، والنوى هو ما يتعلق بالنخل، والله عز وجل هو الذي أوجد هذا، وهو الذي بيده كل شيء سبحانه وتعالى، فلو شاء أن الحبة أو النواة لا تنفلق لم يحصل الانفلاق، وإذا شاء أن يحصل انفلاقها ويحصل نبات الزرع وخروج النخل من تلك النواة فعل ذلك؛ لأن كل شيء بيده ومشيئته، فإن شاء أن تحصل النتائج من وراء هذا السقي والزرع ظهرت، وإن شاء ألا تحصل الفوائد والنتائج حصل ما أراده الله وقضاه.

قوله: [ (منزل التوراة والإنجيل والقرآن) ] وهذه الثلاثة الكتب: التوراة المنزل على موسى، والإنجيل المنزل على عيسى، والقرآن المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

وخصت هذه الكتب الثلاثة من بين الكتب المتقدمة؛ لأنها أشهرها وأهمها وأعظمها، وهي التي يأتي ذكرها كثيراً في القرآن، ولم يذكر القرآن كتباً أخرى سوى التوراة والإنجيل إلا صحف إبراهيم وموسى وإلا زبور داود عليه الصلاة والسلام، فصحف إبراهيم وموسى جاءت في موضعين: في سورة النجم، وفي سورة الأعلى، وزبور داود جاء في موضعين: في سورة النساء وفي سورة الإسراء، وأما التوراة فجاءت في مواضع كثيرة بلفظ الكتاب وبلفظ التوراة، وكتاب عيسى عليه الصلاة والسلام جاء بلفظ الإنجيل كثيراً في القرآن، والقرآن هو خير الكتب وأفضلها وخاتمها.

قوله: [ (أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته) ].

يعني: جاء المطلوب الذي مهد له بهذا التمهيد؛ لأن ما تقدم هو ثناء على الله عز وجل وتعظيم للوصول إلى ما يريده وما يطلبه من الله، وهو الاستعاذة بالله من كل ما فيه شر، فالله عز وجل هو آخذ بناصية كل مخلوق، وهو الذي بيده أمره وبيده التصرف فيه، وهو الذي يجعله يضر ويجعله لا يضر، ومن أعظم الوقاية من الضرر سؤال الله عز وجل ودعاؤه.

قوله: [ (أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء)، وهذه أسماء أربعة من أسماء الله عز وجل قد جاءت في هذا الحديث، وقد جاءت في أول سورة الحديد.

وفيه أيضاً توضيحها وبيانها؛ لأنه قال: (أنت الأول فليس قبلك شيء)، فهو أول ليس قبله شيء، وكل شيء تابع له، وكل شيء عقبه، والأولية المطلقة إنما هي لله عز وجل، وكل من سوى الله كان عدماً فأوجده وخلقه بعد أن لم يكن، والله عز وجل هو الذي كان بلا بداية، وهو الذي يدوم بلا نهاية سبحانه وتعالى؛ ولهذا ذكر هذين الاسمين المتقابلين: الأول الذي ليس قبله شيء، ويقابله الآخر الذي ليس بعده شيء، وأنه الباقي الذي يدوم وغيره لا يدوم، وإن حصلت إدامة فإنما هي من الله عز وجل كما يكون في الجنة والنار وأهليهما، فإنه ليس لهما إلا العدم؛ ولكن الله عز وجل هو الذي شاء أن يحصل بقاؤهما، وأن يحصل استمرارهما، فبقاء الله عز وجل لازم لذاته، وأما بقاء الجنة والنار فهو مكتسب، والله تعالى هو الذي أكسبهما ذلك، ولو شاء أن ينهيهما لفعل سبحانه وتعالى.

قوله: [ (وأنت الظاهر فليس فوقك شيء) ] يعني: أن الله عز وجل ليس فوقه شيء؛ لأنه عالٍ على كل شيء، فله علو القدر وعلو القهر وعلو الذات، فهو عال فوق كل شيء قاهر له، وهو فوق كل شيء في المنزلة والنفوس، فلا يكون أحد مقدم عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله .) ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الله، وإنما يُحَب غير الله وفقاً لما جاء عن الله، فيكون التفاضل بين الخلق بالمحبة لله والفضل، وكل ذلك راجع إلى ما جاء عن الله عز وجل من بيان التفاضل، ومن يكون أفضل ومن يكون أعظم محبة، وأن محبة الله عز وجل مقدمة على كل شيء، وكل شيء محبوب فإنما هو تابع لمحبته، سواء كان ذلك المحبوب أشخاصاً أو أفعالاً، فإنها تُحب من أجل أن الله تعالى شرعها ورغب فيها، ومن كانت له مكانة وله فضل فيحب لفضله ولتفضيل الله عز وجل إياه.

قوله: [ (وأنت الباطن فليس دونك شيء) ] يعني: أن الله عز وجل مطلع على كل شيء، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ولكن ليس معنى ذلك أنه يكون حالاً في المخلوقات وأن المخلوقات تحويه، فالله أعلى وأجل من أن يحويه شيء مخلوق، بل هو مباين للمخلوقات؛ ولكن مع كونه عالياً على المخلوقات فإنه مطلع على كل شيء ولا يخفى عليه شيء ولا يحجب عنه شيء سبحانه وتعالى، بل كل شيء أمامه وتحت قهره ونظره وسمعه، لا يخفى عليه دبيب النمل في الظلام وعلى الصخور الصماء، ولا يخفى عليه دقيق ولا جليل، بل هو مطلع على كل شيء، وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يعلم السر وما كان أخفى من ذلك.

زاد أحد الشيخين لـأبي داود وهو وهب بن بقية الواسطي : [ (اقض عني الدين وأغنني من الفقر) ] يعني: أن الإنسان يدعو ربه أن يسلم من الدين، وأن يحصل له الغنى من الفقر، فيكون غنياً وإن لم يكن عنده غنى اليد، ولكن غنى النفس، وإذا كان غنى النفس موجوداً، فإن هذا هو الغنى الحقيقي، وإذا كانت النفس ليست غنية فلو كانت اليد مليئة فإنها تكون فقيرة، وتراها تبحث و

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول عند النوم.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا عاصم عن معبد بن خالد عن سواء عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده، ثم يقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك. ثلاث مرار) ].

أورد أبو داود [ باب ما يقول عند النوم ] يعني: الذكر الذي يقوله المرء عند النوم.

أورد أبو داود جملة من الأحاديث في هذا الباب، وأولها حديث حفصة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده، وقال: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) قالها ثلاثاً، والحديث صححه الألباني بدون ذكر الثلاث، وإنما يقولها مرة واحدة وليس فيه ذكر التكرار.

وفيه: أنه ينام على شقه الأيمن، وهنا ذكر أن يده اليمنى تكون تحت خده، ومعنى ذلك أن اليمنى تحت خده الأيمن؛ لأن اليد اليمنى هي أقرب شيء إلى خده الأيمن، وقد جاء ذلك صريحاً بأنه كان ينام على شقه الأيمن وكان يضع يده تحت خده.