تفسير سورة الأنعام - الآيات [36-38]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

فتقدم معنا الكلام في الآيات السابقة التي بين فيها ربنا جل جلاله أن الكفار كذابون مفترون، وأنهم يوم القيامة حين يوقفون على النار ويعاينون العذاب، يتمنون على الله عز وجل أن يردهم إلى الدنيا؛ ليصلحوا أعمالهم، وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ [الأنعام:27]، قال الله عز وجل: بَلْ بَدَا لَهمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ [الأنعام:28]، ما كانوا يخفون من الفطرة السليمة، وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:28-31].

ثم سلى الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، الذي كان يعاني من تكذيبهم وإعراضهم وجحودهم وعنادهم، فقال الله عز وجل له: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ [الأنعام:33]، يحزنك: يسبب لك الحزن، وهو قولهم: ساحر، كاهن، شاعر، مجنون، تتنزل عليه أساطير الأولين، قال الله عز وجل: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ [الأنعام:33]، أي: هم يعلمون بأنك صادق أمين، وأنك لا تكذب على الناس فضلاً عن أن تكذب على الله عز وجل، وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33]، كما قال سبحانه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل:14]، وكما قال سبحانه على لسان موسى مخاطباً فرعون لَقَدْ عَلِمْتَ [الإسراء:102]، أي: يا فرعون ! مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا [الإسراء:102].

قال الله عز وجل: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [الأنعام:34]، كل الأنبياء الذين كانوا من قبلك قد كذبوا وأوذوا، وواجههم قومهم بالقول الفاحش، واللفظ البذيء، فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا [الأنعام:34]، كما قال في آية أخرى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173].

قوله: وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ [الأنعام:34]، أي: قضائه وقدره جل جلاله، وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ المُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ [الأنعام:34-35]، يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: إن هؤلاء الناس مهما فعلت لهم، ومهما أريتهم من الآيات، وأجرى الله على يديك من المعجزات؛ لن يؤمنوا، ماذا أنت صانع؟

هل تبتغي نفقاً في الأرض؟ أم أنك ستبتغي سلماً إلى السماء؟ كل هذا ليس بنافعهم؛ لأنهم قالوا: وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه [الإسراء:93]، وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ ...[الأنعام:7]، هكذا كانت مطالبهم، فالله عز وجل قال: وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [الأنعام:35]؛ لو أنه سبحانه وتعالى شاء مشيئة كونية قدرية، فلا راد لمشيئته، ما شاءه كوناً وقدراً لا بد أن يكون، إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40]، وهذه هي الإرادة الكونية القدرية، وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [الأنعام:35]، والهدى المراد به في هذه الآية: هدى التوفيق للإيمان، فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35]، هذه موعظة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال الله عز وجل له: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [الأنعام:36].

يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: يا محمد! سيستجيب لك ويؤمن بك وينتفع بكلامك من آتاه الله عز وجل سمعاً يستعين به على معرفة الحق والاستدلال عليه.

المراد بالموتى في الآية

والموتى بإجماع المفسرين ها هنا المراد بهم: الكفار، وهذا في القرآن كثير، يطلق الله عز وجل الموت مريداً به الكفر، قال الله عز وجل: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122]، ويقول الله عز وجل: وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:19-22]، فلا ينتفع بالنذارة والبشارة إلا من آتاه الله سمعاً فيه مؤهلات هذا الانتفاع، لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا [يس:70]، أما الكافر فهو ميت.

وقول ربنا سبحانه: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ، مقصود به: يجيب، والسين والتاء زائدتان، وهذا في كلام العرب كثير، كقول القائل:

وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب

فلم يستجبه: أي لم يجبه، إنما يستجيب: إنما يجيب، إنما ينتفع الذين يسمعون.

وهؤلاء الكفار كما قال الله عز وجل عن المنافقين في سورة البقرة: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:18]، وكما قال عن الكفار: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171]، وكما قال عن الكفار: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال:22]، وفي آيات أخرى من القرآن أثبت ربنا جل جلاله بأنهم ليسوا صماً بل يسمعون، وليسوا بكماً بل ينطقون، وليسوا عمياً بل يرون ويبصرون، مثلاً في قول ربنا سبحانه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ [الأنعام:25]، ها هنا دليل على أنهم يسمعون، وقول ربنا سبحانه: وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون:4]، معنى ذلك: أنهم يتكلمون، لكن لما كان سماعهم لا خير فيه، وكلامهم لا خير فيه، كان بمنزلة اللا سمع واللا كلام، ومنه قول القائل:

صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

يعني: لو سمعوا عني خيراً فكأنهم لم يسمعوا.. صم، أما إذا ذكرت عندهم بالسوء فإنهم يصغون ويسمعون ويفهمون فهماً جيداً، فجعل الله عز وجل الكفار بمنزلة الأموات.

وعيد الله للكفار

قال تعالى: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ، يقول الله عز وجل متوعداً هؤلاء الكفار: إني مميتكم ثم باعثكم وناشركم ومحاسبكم ومجازيكم على أعمالكم، يا من ضللتم في هذه الدنيا وصددتم عن سبيل الله، فمحمد صلى الله عليه وسلم ليس عليه من حسابكم شيء، إنما هو نذير.

ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ، هاهنا تقدم الجار والمجرور على الفعل، وكما يقرر علماء البلاغة، بأن المعمول إذا تقدم على عامله أفاد الحصر.

ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ، يرجعون إليه وحده جل جلاله، في ذلك اليوم لا محاسب غيره، ولا مجازي غيره، لِمَنِ المُلْكُ الْيَوْمَ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:16-17].

والموتى بإجماع المفسرين ها هنا المراد بهم: الكفار، وهذا في القرآن كثير، يطلق الله عز وجل الموت مريداً به الكفر، قال الله عز وجل: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122]، ويقول الله عز وجل: وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:19-22]، فلا ينتفع بالنذارة والبشارة إلا من آتاه الله سمعاً فيه مؤهلات هذا الانتفاع، لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا [يس:70]، أما الكافر فهو ميت.

وقول ربنا سبحانه: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ، مقصود به: يجيب، والسين والتاء زائدتان، وهذا في كلام العرب كثير، كقول القائل:

وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب

فلم يستجبه: أي لم يجبه، إنما يستجيب: إنما يجيب، إنما ينتفع الذين يسمعون.

وهؤلاء الكفار كما قال الله عز وجل عن المنافقين في سورة البقرة: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:18]، وكما قال عن الكفار: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171]، وكما قال عن الكفار: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال:22]، وفي آيات أخرى من القرآن أثبت ربنا جل جلاله بأنهم ليسوا صماً بل يسمعون، وليسوا بكماً بل ينطقون، وليسوا عمياً بل يرون ويبصرون، مثلاً في قول ربنا سبحانه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ [الأنعام:25]، ها هنا دليل على أنهم يسمعون، وقول ربنا سبحانه: وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون:4]، معنى ذلك: أنهم يتكلمون، لكن لما كان سماعهم لا خير فيه، وكلامهم لا خير فيه، كان بمنزلة اللا سمع واللا كلام، ومنه قول القائل:

صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

يعني: لو سمعوا عني خيراً فكأنهم لم يسمعوا.. صم، أما إذا ذكرت عندهم بالسوء فإنهم يصغون ويسمعون ويفهمون فهماً جيداً، فجعل الله عز وجل الكفار بمنزلة الأموات.

قال تعالى: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ، يقول الله عز وجل متوعداً هؤلاء الكفار: إني مميتكم ثم باعثكم وناشركم ومحاسبكم ومجازيكم على أعمالكم، يا من ضللتم في هذه الدنيا وصددتم عن سبيل الله، فمحمد صلى الله عليه وسلم ليس عليه من حسابكم شيء، إنما هو نذير.

ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ، هاهنا تقدم الجار والمجرور على الفعل، وكما يقرر علماء البلاغة، بأن المعمول إذا تقدم على عامله أفاد الحصر.

ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ، يرجعون إليه وحده جل جلاله، في ذلك اليوم لا محاسب غيره، ولا مجازي غيره، لِمَنِ المُلْكُ الْيَوْمَ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:16-17].