مع القرآن(من الأحقاف إلى الناس) - وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} :الكون كله علويه وسفليه خاضع لإرادته مكلف بتوحيد عبادتهخلق الله عز وجل الخلق لغاية واحدة هي إفراده وحده بالعبادة الظاهرة والباطنة , فكل عبادات الجوارح الظاهرة له وحده وينبغي نفيه عن غيره, وكل عبادات القلب الباطنة له وحده وينبغي نفيها عن غيره , فكما لا يسجد لغيره ولا يتحاكم لغير شريعته ولا يطاع إلا هو سبحانه , فأيضاً لا يشكر ويحمد سواه ولا يكون الولاء المطلق إلا له ولا يكون الاتباع إلا لكلماته , ولا يبغض المرء إلا أعداء الله ومخالفيه.فالعبادة : ظاهرة وباطنة مثبتة له منفية عمن سواه , ولو كان سواه هو هواك ورغباتك فالله أولى بك من نفسك.لا يريد من الناس رزقاً ولا منفعة , إنما هم الفقراء إليه وهو الرزاق الجواد الكريم سبحانه ذو القوى والقدر.قال تعالى:{ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } } [الذاريات 56-58]قال السعدي في تفسيره:هذه الغاية، التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته، المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وذلك يتضمن معرفة الله تعالى، فإن تمام العبادة، متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة لربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم.فما يريد منهم من رزق وما يريد أن يطمعوه، تعالى الله الغني المغني عن الحاجة إلى أحد بوجه من الوجوه، وإنما جميع الخلق، فقراء إليه، في جميع حوائجهم ومطالبهم، الضرورية وغيرها، ولهذا قال: { {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} } أي: كثير الرزق، الذي ما من دابة في الأرض ولا في السماء إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، { {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } } أي: الذي له القوة والقدرة كلها، الذي أوجد بها الأجرام العظيمة، السفلية والعلوية، وبها تصرف في الظواهر والبواطن، ونفذت مشيئته في جميع البريات، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يعجزه هارب، ولا يخرج عن سلطانه أحد، ومن قوته، أنه أوصل رزقه إلى جميع العالم، ومن قدرته وقوته، أنه يبعث الأموات بعد ما مزقهم البلى، وعصفت بترابهم الرياح، وابتلعتهم الطيور والسباع، وتفرقوا وتمزقوا في مهامه القفار، ولجج البحار، فلا يفوته منهم أحد، ويعلم ما تنقص الأرض منهم، فسبحان القوي المتين.#أبو_الهيثم#مع_القرآن