خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/199"> الشيخ الدكتور عمر سعود العيد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/199?sub=63654"> شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (الدرس العاشر)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وأقول في القرآن ما جاءت به آياته فهو القديم المنزل |
في بعض نسخ المنظومة: (فهو الكريم) ولعل هذا أولى وأصح كما سيأتي بيان ذلك.
قوله: (وأقول في القرآن) ذكرنا سابقاً أن القول يطلق ويراد به الاعتقاد، وهو يقول: وأعتقد في القرآن، والقرآن هو اسم للكلام الموحى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جملة المكتوب في المصاحف، المشتمل على مائة وأربع عشرة سورة، أولها سورة الفاتحة وآخرها سورة الناس، وأصبح القرآن علماً يطلق على الوحي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
واختلف أهل اللغة رحمهم الله تعالى في أصل اشتقاق هذه الكلمة، هل هي من قرأ أم من قُران؟
فإذا قيل: قرأ، تكون مهموزة، وقران سيأتي أنها ليست مهموزة، وإذا قيل: إنه اشتق من قرأ، سبب اشتقاقه يقال: إنه أول ما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم هي سورة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] وكما في قوله تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً [الإسراء:106].
والاشتقاق الثاني: أنها مأخوذة من قُران، على وزن فعال من القرن، أي: أن القرآن جمع بعضه لبعض، ويقصد به: أنها قرنت سوره وآياته بعضها ببعض، ويؤخذ من معناه: الاجتماع، فنجد أن الحروف مجتمعة، والسورة مجتمعة، والآيات مجتمعة.
ولفظ القرآن لم تطلق على كتاب من الكتب السابقة سوى ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وللقرآن أسماء كثيرة ومشتهرة وردت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولقد أوصلها السيوطي في إتقانه إلى نيف وعشرين، وإن كان جلها أوصافاً وليست أسماء، وأشهر ما أطلق على القرآن أنه التنزيل، والكتاب، والفرقان، والذكر، والوحي، وكلام الله تعالى، وشرح العلماء رحمهم الله تعالى سبب تسميته بالقرآن، والتنزيل، والفرقان وغيره، ولسنا بصدد الكلام على هذا.
يقول الشيخ رحمه الله:
وأقول في القرآن ما جاءت به |
أي: أنه عقيدته في كلام الله تعالى هو ما ورد في الآيات.
(ما جاءت به آياته) ما جاء في الآيات .. في كتاب الله تعالى، ويدلنا على المنهج الواجب في باب الأسماء والصفات، وهو ألا نثبت لله شيئاً من الأسماء ولا نثبت لله شيئاً من الصفات إلا بنص من كتاب أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والمنهج في باب الأسماء والصفات نقول: باب الأسماء والصفات من الأمور الغيبية، والأمور الغيبية لابد فيها من نص من كتابٍ أو سنة، وما لم يرد نص من كتاب أو سنة فلا يمكن أن نثبتها، ولا يمكن أن ننفيها.
(آياته) الآية: هي مقدار من القرآن مركب سواء كان تقديراً أو إلحاقاً .. تقديراً مثل: مُدْهَامَّتَانِ [الرحمن:64] معناها: هما مدهامتان، مثل قول الله تعالى: وَالْفَجْرِ [الفجر:1].. وَالضُّحَى [الضحى:1] كأنه قسم: والله أقسم بالفجر، أقسم بالضحى.
ومثل الإلحاق: الآيات التي وردت في فواتح السور، مثل: (آلم)، (آلر) هذه تسمى ملحقاً، وقالوا: إنما سميت الآية آية لأنها دليل على أنها موحى بها من عند الله تعالى.
والآية التي يوحى بها من عند الله تعالى جلها تكون إلى الأنبياء والرسل، فإن أفراد الناس لا يوحى إليهم أصلاً، وإنما يوحى للأنبياء والرسل، وتأتي الآية دليلاً على صدق هذا النبي والرسول عليه الصلاة والسلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم أوتي الآيات العظيمات الدالة على صدقه.
بالنسبة لتحديد الآية بدايتها وأولها وآخرها، هذا أمر توقيفي لا يمكن للإنسان أن يقول: هذه آية من عند نفسه، وإنما كان الصحابة يتلقون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكرت للآية إطلاقات متعددة، وذكروا أن من الإطلاقات للآية ما أطلق على المعجزة، وتطلق على القطعة من القرآن، والآية في كلام العرب يطلق ويراد بها أمارة، يقال: آية هذا الشيء أمارته، أي: علامة على هذا الشيء، ولعل كل هذه تطلق على ما ورد من هذه الآيات.
وذكر العلماء أطول آية، وهي قوله تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الفتح:25] قالوا ومثلها: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ [البقرة:102] لكن أعظم آية في كتاب الله تعالى: هي آية الكرسي، وأقصر آية في القرآن في عدد كلماتها قوله تعالى: مُدْهَامَّتَانِ [الرحمن:64] وبالنسبة لما يتعلق بالحروف المقطعة قالوا: إن أقصر آية: طه طه 1] وبالنسبة لعدد آيات القرآن فقد ذكر أبو عمرو الداني رحمه الله تعالى وهو من كبار القراء في كتابه وسماه: (العدد ) قال: أجمعوا أن عدد آيات القرآن ستة آلف آية، وما حصل من الزيادة على ذلك فقالوا: إنه اختلاف بين العلماء في تحديد أول الآية أو آخرها، بناءً على قول بعضهم: ربطناها بالمعنى، وبعضهم يقول: لا، بناءً على التلقي الذي أخذوه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بالنسبة لترتيب الآيات في المصحف فهو ترتيب توقيفي، ولا يجوز للإنسان أن يقدم آية على آية في قراءة أو في غيره بأن يقرأ القرآن منكساً، أي: مثلاً يبدأ بآخر الفاتحة، ثم يختم بالحمد لله رب العالمين.
نقول: لا، لأن القرآن معجز في ترتيبه، وفي آياته، وبالنسبة لترتيب السور فالصحيح أنه ليس توقيفياً، ومنهم من يقول: إنه توقيفي، ومن قال: ليس ترتيب السور توقيفية قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة، ولو كان توقيفياً لسردها النبي صلى الله عليه وسلم سرداً على ضوء ما ورد، ولكن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعوا على أن عثمان رتب المصحف بالترتيب الموجود بين أيدينا، وكأن جمعاً من أهل العلم قالوا: الأولى للمسلم ألا يقدم سورة على سورة، نظراً لإجماع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
هذا فيما يتعلق بـ:
وأقول في القرآن ما جاءت به آياته فهو القديم المنزل |
في كلمة: (القديم المنزل) لفظة القديم سيأتي إن شاء الله تفصيلها، وبيان معتقد أهل السنة والجماعة في كون القرآن قديم.
أقول للأحبة: إن تركيزي على بعض المسائل؛ نظراً لما تمس الحاجة إليه، فمبحث الأسماء والصفات تحتاجه الأمة، ولا يزال كثير من المسلمين يتخبطون فيه، ومبحث الصحابة لا يزال كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام يتخبطون فيه، وبقية الأبيات متعلقة باليوم الآخر فلا تحتاج إلى شيء من التفصيل؛ لأنها من المسائل الخبرية التي يتلقاها المؤمن بالتسليم، ولم يحدث فيها خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى في كثير منها، خاصة الخلاف الذي ينبني عليه تفرق وانقسام في الأمة.
توحيد الأسماء والصفات: هو الإقرار والاعتراف بأن لله تعالى الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا يشركه فيها أحد، يقول العلماء رحمهم الله تعالى: إن توحيد الأسماء والصفات ينبني على ثلاثة أصول لابد منها:
أسماء الله وصفاته توقيفية
الركن الأول: الإثبات.
الركن الثاني: النفي.
فمن أتى بالإثبات وحده دون النفي لم يأتِ بالمنهج الصحيح، ومن أتى بالنفي دون الإثبات لم يأتِ بالمنهج الصحيح، ولذلك يعتبر عقيدة أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات يقولون: إثبات ما أثبته الله لنفسه، ثم قالوا: وإثبات ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، فهل يكفي الإثبات وحده؟
نقول: لا، ثم يأتون بالركن الثاني: ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.
جاءوا بقضية الإثبات قالوا: من غير تشبيه ولا تكييف ولا تمثيل، هذا الإثبات عندهم.
ثم جاءوا إلى قضية النفي فقالوا: من غير تعطيل ولا تحريف ولا تأويل، حتى يبتعدوا عن طوائف المبتدعة من المشبهة والمعطلة، ولذلك لا إثبات إلا بنص، ولا نفي إلا بنص.
عندنا ألفاظ أطلقت على الرب لم يرد عليها دليل لا من كتاب ولا سنة، ووجدت في بعض كتب العقائد، فيقول السلف رحمهم الله تعالى: ما لم يرد نفيه ولا إثباته في كتاب ولا سنة فإنا نتوقف فيه مثل: الجسم، والحيز، والعرض، والجوهر، والجهة، كل هذه لا دليل عليها من كتاب ولا سنة، فما موقفنا منها؟
قالوا: لا نثبت ولا ننفي.
الواجب علينا أن نتوقف فنسأل القائل أو المطلق لهذا اللفظ: ماذا تقصد منه؟
فإن قصد حقاً قبل منه المعنى الحق، ونقول له: إن هذا اللفظ لم يرد في كتاب ولا سنة، فالأولى لك ألا تتكلم فيه، وإن كان مدلوله باطلاً رددنا عليه اللفظ والمعنى جميعاً، والسؤال هنا يرد: لماذا تكلم السلف فيها؟
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى تكلم فيها وغيره تكلموا فيها لأن المبتدعة تكلموا فيها، وأطلقوها بألفاظ موهمة، فلابد من التفصيل فيها، فإن قصد معنى الحق قبل المعنى الحق ورد اللفظ، وإن قصد معنىً باطلاً رد اللفظ والمعنى جميعاً، حتى لا يتورط الإنسان بشيء، فيأتيك مثلاً: الجهمي أو المعتزلي فيقول: أنا أقول: إن الله ليس بجسم، فيسألني: أنت تثبت لله الجسم؟ إذا قلت على القاعدة: الله لا نثبت له إلا ما ورد في نصٍ من كتاب وسنة، فهل ورد نص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر؟
لم يرد، فإذا قلت: إذاً أنا أقول: الله ليس بجسم، قال: إذاً أنا وإياك سواء، المعتزلي إذ يقول هذه الكلمة لا يقصد بها يقصد بها أن الله ليس له شيء من الأسماء، والجهمي يقول: ليس لله أسماء ولا صفات، فيصبح السني قد قارب أن يكون جهمياً أو معتزلياً.
إذاً.. نسألك أنت أيها الجهمي ما تقصد بالجسم؟
فإن قال: أقصد به أن الله ليس له أسماء ولا صفات أصلاً، قلنا له: هذا الكلام باطل، فنحن نقول: الله له أسماء وصفات تليق بجلاله وعظمته، مما دل عليه الكتاب والسنة، ولكن لفظ الجسم لا أطلقه على الله تعالى لأنه لا دليل عليه.
نتساءل: لماذا باب الأسماء والصفات توقيفي؟
السبب: لأن الله سبحانه وتعالى أعلم بنفسه من خلقه، ومن أصدق من الله قيلاً، ومن أهدى من الله سبيلاً، ومن أصدق من الله حديثاً، والرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه أعلم الخلق بالله سبحانه وتعالى بما يجب له وما يمتنع عليه وما يجوز له، ولا يمكن لأحد كائناً من كان أن يأتي من عقله بشيء من هذه الأسماء والصفات.
ومن رحمة الله تعالى بنا أنه لم يكل هذا المبحث إلى عقول الناس، بل جعل ما ورد من كتاب وسنة فقط، ولو كان لعقول الناس ما نستطيع، نأخذ بعقل من؟
أنأخذ بعقل المعتزلي، أو الجهمي، أو الأشعري، أو الماتريدي، أو الكلابي، أو الكرامي، أو نأخذ بعقول السلف؟
نقول: من رحمة الله تعالى أن جعل هذا الأمر توقيفياً، ولم يجعل لعقول الناس مجالاً في ذلك.
نفي الشبيه والمثيل لله تعالى
نتساءل .. لماذا؟
قالوا: أصلاً الضحك من صفات المخلوقين، ونحن لا يمكن أن نثبته، نقول: لا، الأصل إذا أثبت الله لنفسه شيئاً من الأسماء والصفات لا ندخل في عقولنا قضية المماثلة أبداً بوجه من الوجوه، فما ثبت في كتاب وسنة أثبتناه لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته سبحانه وتعالى.
ونجد أن الله سبحانه وتعالى قد سمى نفسه بأسماء وسمى خلقه بأسماء، ووصف نفسه بصفات ووصف خلقه بصفات، ومع ذلك لا يمكن أن يرد في العقل مقتضى المماثلة أو المشابهة، ولهذا إذا جئنا إلى قضية التسلسل كأنه تدرج، فأتينا مثلاً عندنا أشاعرة ، ثم معتزلة ، ثم جهمية ، ثم فلاسفة ، وإن كان هذا التسلسل الذي أذكره ليس تسلسلاً تاريخياً، فـالأشاعرة يثبتون لله سبع صفات، والمعتزلة تثبت الأسماء دون الصفات، والجهمية لا تثبت الأسماء ولا الصفات، والفلاسفة لا يثبتون الإثبات ولا ينفون النفي، فتأتي مثلاً المعتزلة تناقش الأشاعرة فتقول لهم: ماذا تثبتون؟
قالوا: نثبت لله سبع صفات فقط. إذاً هذه السبع هل هي على ما يليق بجلال الله وعظمته أم أنها تشابه صفات المخلوقين؟
سيقولون: لا تشابه صفات المخلوقين، فيثبتون الحياة والعلم والقدرة، ويثبتون لله تعالى السمع والبصر والكلام، ويثبتون لله الإرادة، سبع صفات، فيقولون: هذه على ما يليق بجلال الله وعظمته، قالوا لهم: الغضب، الضحك، اليد، القدم؟
قالوا: لا، هذه تشابه المخلوق، قالوا: كما أنكم تقولون: اليد والغضب هي للمخلوقين، فالمخلوق له سمع وإرادة وقدرة وله علم وحياة.
لماذا لا تقولون: هذه تشابه؟ فإما أن يقولوا: إن الصفات التي لم يثبتوها لا تشابه المخلوقين فينطلقون لـأهل السنة ، وإما أن يقولوا: الصفات التي أثبتوها تشبه صفات المخلوقين فينتقلون ليصبحوا معتزلة ، فأصبح الأشاعرة في برزخ، فلا هم إلى أهل السنة ولا هم إلى المعتزلة.
جاءتهم الجهمية وناقشت المعتزلة فقالت: ما منهجكم؟
قالوا: نثبت الأسماء دون الصفات، قالت لهم الجهمية : لماذا لا تثبتون الصفات لله؟
قالوا: لأن الصفات تقتضي المشابهة.
قالوا: وكذلك الأسماء الواردة في المخلوقين تسمى بهذه الأسماء قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ [يوسف:51] سمي هذا الرجل عزيزاً، وهذا من أسماء الله تعالى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [إبراهيم:4] فقالوا لهم: إما أن تثبتوا الصفات أو تنفوها فتكونوا مثلنا جهمية .
وجاءت الفلاسفة فناقشت هؤلاء الجهمية ، فقالوا لهم: أنتم لا تثبتون لله لا أسماء ولا صفات، وبناءً عليه شبهتم الله بالمعدوم، فالذي لا أسماء له ولا صفات يكون معدوماً.
ما رأيكم أنتم أيها الفلاسفة ؟
قالوا: نحن تورطنا ورطة ماذا نعمل.. فقالوا: إذا أثبتنا لله الأسماء والصفات شبهنا الله بالمخلوق، وإذا نفينا عنه الأسماء والصفات شبهنا الله بالمعدوم، فنقول: الله لا حي ولا ميت، ولا سميع ولا غير سميع، ولا متكلم ولا غير متكلم، فنفر من هاتين الصفتين، قالوا لهم: وقعتم في شر مما فررتم منه، والنتيجة: أنكم شبهتم الله بالممتنع.
هل يمكن أن يتصور الإنسان أنه يوجد إله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا حي ولا ميت، ولا موجود ولا معدوم، هذا شيء ممتنع.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: إن المبتدعة لا يفرون من محذورٍ مما دلت عليه النصوص فيما يتوهمون إلا وقعوا في مثله أو في شر من مما فروا منه، وهذا جزاء من أعرض عن الكتاب والسنة.
يخشى من تشبيه الله بالإنسان أو بالحي فيشبه الله بالجماد، ويخشى من تشبيه الله بالجماد فيشبه الله بالمعدوم، ويخشى من تشبيه الله بالمعدوم فيقع فيشبه الله بالممتنع، فخير له أن يبقى على ما دلت عليه النصوص ويقول: الله ليس كمثله شيء سبحانه وتعالى.
هناك قد يرد في الذهن -وهذا ما وقع المبتدعة فيه على وجه العموم- وهو أنهم وجدوا أن النصوص دلت على أن الله سميع والإنسان سميع: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] والله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:2].
فقالوا: مادام أن الله له سمع والمخلوق له سمع، يجب أن ننزه الله، والنتيجة: الله ليس له سمع ولا بصر، وهذا كلام باطل، فأنت إذ تثبت نصاً لم تثبته من عند نفسك، وإنما الله هو الذي أثبته لنفسه، وبناء عليه نقول: يوجد -وهذا كلام لطيف جداً ذكره شيخ الإسلام وأومأ إليه جمع من أئمة أهل السنة - اشتراك بين أسماء الله وأسماء خلقه، بل بين صفات الله تعالى وصفات خلقه، وهذا الاشتراك في أمرين:
الاشتراك الأول: في اللفظ، عندنا (سمع الله) يقول: وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1] وذكر الله عن الإنسان أنه يسمى سميعاً بصيراً، هذا اشتراك في اللفظ.
الاشتراك الثاني: في المعنى المطلق الكلي العام، وهذا لا يوجد إلا في الأذهان فقط، فمثلاً: إذا قلت: سمع، ستجد يتبادر إلى الذهن مفهوم مدلول السمع ما هو، يتبادر إلى الذهن نفهم معناه، هذا الذي يتبادر إلى الذهن قالوا: هذا هو المطلق الكلي العام، هذا إذا قلنا: سمع، أين موقع هذه اللفظة؟ أو ما يرد في الذهن فقط، لكن في الخارج لا يوجد عندنا شيء، ولكن عند الإضافة يقول شيخ الإسلام : وعند الإضافة والتخصيص يتميز ذلك، فإذا قلت: سمع الله، ليس هناك مجال للاشتراك، ولا يمكن أن يشابه سمع المخلوق، وإذا قلت: سمع الإنسان، لا يمكن أن يشابه سمع الله أبداً، وإذا قلت: سمع الحيوان لا يمكن أن يشابه سمع الإنسان ولا سمع الله تعالى، فإذا فهم هذا لم يحدث عنده أدنى لبس أبداً.
ما فائدة وجود المعنى المطلق الكلي العام؟
فائدته أن يفهم الإنسان مطلق الألفاظ والنصوص الواردة عليه، ولو لم يوجد المعنى المطلق لأصبحت نصوص الكتاب والسنة نصوصاً جوفاء لا نعرف مدلولها أصلاً كما تقوله المفوضة من المبتدعة، فإنهم يقولون: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] لا نعرف ما معنى السمع، ولا نعرف ما معنى البصر، ولا نعرف ما معنى الحياة، ولا الإرادة، ولا القدرة، ولا غيره، إذاً ما هو مدلوله فإن الله وصف نفسه بها؟
قالوا: الله أعلم بها، نفوض معناها إلى الله، وهذا كلام باطل، وهم بهذا صدوا القلوب عن معرفة الرب سبحانه وتعالى بأسمائه وبصفاته، ولا شك أن في هذا اتهاماً لخطاب الشارع، بأنه ليس مفهوماً ولا مدلول له ولا يعرف إطلاقاً، ولذلك يحتاج إلى شيء من التفصيل والإيضاح.. وغيره.
ولذلك قال بعض المبتدعة مقالتهم الباطلة وإن كان هذا ليس قول المفوضة، قالوا: علم السلف أسلم، وعلم الخلف أعلم وأحكم، وهذا كلام باطل لا شك فيه، يقولون: علم السلف أسلم، بمعنى: أن السلف رحمهم الله ورضي عنهم إذا جاءتهم النصوص يقولون: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، لا يتعرضون للكيف ولا للتفصيل ولا لغيره، فقط يقول لك: آمن بها وبما دلت عليه لأن النص دل عليه، والخلف قالوا: أعلم وأحكم لأن لهم دراية ومعرفة أفضل مما عند سلف الأمة، ولا شك أن هذا الكلام باطل لا شك في بطلانه، فإن السلف علمهم أسلم وأعلم وأحكم وأدرى بمدلول النصوص ومعرفة خطاب الشارع من هؤلاء الخلف المبتدعة الذين لم يفهموا ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
صفات الله كمال من جميع الوجوه
يقول العلماء رحمهم الله تعالى: إن أصل الصفات تنقسم إلى أقسام متعددة:
القسم الأول: صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، مثل: الحياة، والعلم، والقدرة.
القسم الثاني: صفات نقص لا كمال فيها أبداً، مثل: العجز، إنسان عاجز يقال: والله ما شاء الله هذه صفة جميلة أنه عاجز، ليس فيه كمال أبداً، ومثله: الموت صفة نقص.
القسم الثالث: صفات مترددة بين الكمال والنقص، مثل: المكر، الكيد، الخداع، الاستهزاء، فترددها بين الكمال والنقص إذا كانت في باب المقابلة كانت كمالاً، وإذا أخذت وحدها كانت نقصاً، ومن الأمثلة على ذلك: إذا قيل: ترى فلاناً هذا يمكر، وهذا مخادع، هذا يعتبر نقصاً وليست كمالاً، لكن إذا قيل: ترى فلاناً هذا يخادع المخادعين كلهم، يدل على أن عنده نوعاً من الكمال، ولهذا جاءت في باب المقابلة في النصوص: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال:30] هؤلاء يمكرون بالمؤمنين لكن الله يمكر بهم كانت صفة كمال، وتجد اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة:15] جاءت في باب المقابلة وكانت كمالاً: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً [الطارق:15-16] جاءت مقابلة وكانت كمال.
القسم الرابع: صفات كمال في الخالق، ولكنها صفة نقص في المخلوق، مثل: صفة الكبرياء، الله هو المتكبر، لكن المخلوق إذا قيل: فلان متكبر هذه صفة نقص، لكنها في الخالق سبحانه وتعالى كمال.
القسم الخامس: صفة نقص في الخالق، وإن كان فيها نوع كمال في المخلوق، مثل: الصاحبة والولد، إذا جئنا نقول: والله فلان متزوج له أربع سنوات مسكين ولم يأته أولاد، يجئ إنسان يقول: الحمد لله ليس عندي أولاد، الله ليس له أولاد وأنا ما عندي أولاد هل يمتدح بهذا؟ لا.
لعل كون الولد والصاحبة يفهم منها احتياج الإنسان وضعفه وحاجته، الإنسان ضعيف، يحتاج إلى هذه الأمور، ويفهم منها نوع نقص، لكنا نعتبر هذا من الكمال النسبي.
عندنا قاعدة لـأهل السنة والجماعة ذكرها وأومأ إليها شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وقد أخذت عن طريق التتبع للنصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: وهي أن النصوص وردت بالإثبات المفصل وبالنفي المجمل، ويقصد به: أنك إذا أردت أن تمدح أحداً فماذا تقول له؟ هل تأتي تقول: والله إنك إنسان؟ هذا إثبات، لكن إذا قلت: أنت طالب مجتهد فاضل حافظ، تجد كل ما أعطيته صفة انشرح صدره وفرح لذلك، هذا يسمى إثباتاً مفصلاً؛ لأنك تثبت، والله سبحانه وتعالى قال: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الحشر:24] إلى غير ذلك فهذا إثبات مفصل.
لكن النفي المجمل مثل -ولله المثل الأعلى- إذا قلنا لطالب: لا يوجد في القاعة طالب مثلك أبداً، تراه يستريح جداً جداً، لكنك إذا أردت أن تنفي عنه نفياً مجملاً فقلت له: أنت طالب -من النفي المفصل- أفضل من الكرسي، وأفضل من الطاولة، وأنت أحسن، مثلما قيل: أنت أفضل من الزبال والحمال والعامل وخير من الكلب والحمار، يضيق صدره، هل المعنى صحيح أم باطل؟
المعنى صحيح، لكنه بهذا الأسلوب ليس مدحاً.
ولذلك قيل من اللطائف: أن أعرابياً جاء يمدح الخليفة، فقال له في مدحه:
أنت كالكلب في الوفاء وكالتيس في قرع الخطوب |
ما عنده إلا تيوس وكلاب، فأراد أن يمدح الخليفة بهذا، فغضب وكاد أن يفتك به، فقيل له: انتظر عليه وأمهله فجعله في القصر، في قصر الملك سنة، ثم جاء مادحاً للخليفة وأثنى عليه بقصيدة:
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري |
جاء بالغزلان وبالرصافة وبالقصور وبغيره؛ لأنه عاش في جو غير الجو الذي هو فيه، وإذا أردت أن تمدح شخصاً فخذ هذه القاعدة بالمدح والإثبات له، فإنه يكون بالإثبات المفصل وبالنفي المجمل، مثال الإثبات المفصل: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ [الحشر:22-23].
ومثال النفي المجمل: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4] كذلك: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [النحل:74].. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] كل هذه تسمى نفياً مجملاً.
إذاً.. لا يمكن أن نتصور شيئاً من ذلك، قال العلماء رحمهم الله تعالى: قد يرد النفي مفصلاً، والأصل أن النفي مجمل، قالوا: لأمرين، ولعل المثال عليه: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:3-4] هذا نفي مفصل، ومَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً [الجن:3] هذا نفي مفصل، قالوا: العلة في ذلك:
أولاً: للرد على بعض من الطوائف المنحرفة، حين قالت اليهود: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30] والنصارى: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30] حيث قالوا: لإبطال عقائد كانت موجودة مثل العقائد التي كانت عند مشركي العرب، بأنهم قالوا: إن الملائكة هم بنات الله تعالى، وإلا فإن الأصل الإثبات المفصل والنفي المجمل.
ذكر بعض أهل العلم إيماءً لطيفاً وإن كان ليس على إطلاقه: أن توحيد الأسماء والصفات هو الذي انقسمت فيه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، ولكن الحقيقة ليس على إطلاقه، فإن هناك مسائل خلاف أعظم من مسائل باب الأسماء والصفات، ومن الأمثلة على ذلك: طائفة الخوارج عندها انحراف، وطائفة الرافضة عندها انحراف في مسائل، وإن كان يوجد عندهم انحراف في الأسماء والصفات، ولكن كان الانحراف عندهم في باب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وكان عندهم انحراف في ألوهية الله تعالى وفي ربوبيته، إذ يعتقدون أن أئمتهم يعلمون ما كان وما يكون إلى قيام الساعة، وأنه لا يحدث في الكون شيء إلا بعلمهم واطلاعهم، بل ولهم شيء من التدبير فيه، ولا شك أن هذا القول قول باطل بأن الانقسام كله في باب الأسماء والصفات ليس على إطلاقه، وإنما في الجملة وقع الخلاف فيه قوياً، والأصل عندنا أن نرجع إلى مسائل الاعتقاد على ضوء ما ذكره أو ما قسمه أصحاب الملل والفرق في كتبهم، فنجد أن التقسيم جزء منه يرجع إلى الأسماء والصفات، وجزء يرجع إلى الصحابة، وجزء يرجع إلى مسائل القضاء والقدر، وجزء يرجع إلى مسائل الإيمان، وغيرها من المسائل التي حدث الانحراف فيها.
الأصل الأول: أن أسماء الله وصفاته كلها توقيفية، لا يجوز إطلاق شيء منها على الله تعالى في الإثبات والنفي إلا بنصٍ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول العلماء رحمهم الله تعالى تفريعاً لهذا الأساس: باب الأسماء والصفات ينبني على ركنين:
الركن الأول: الإثبات.
الركن الثاني: النفي.
فمن أتى بالإثبات وحده دون النفي لم يأتِ بالمنهج الصحيح، ومن أتى بالنفي دون الإثبات لم يأتِ بالمنهج الصحيح، ولذلك يعتبر عقيدة أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات يقولون: إثبات ما أثبته الله لنفسه، ثم قالوا: وإثبات ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، فهل يكفي الإثبات وحده؟
نقول: لا، ثم يأتون بالركن الثاني: ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.
جاءوا بقضية الإثبات قالوا: من غير تشبيه ولا تكييف ولا تمثيل، هذا الإثبات عندهم.
ثم جاءوا إلى قضية النفي فقالوا: من غير تعطيل ولا تحريف ولا تأويل، حتى يبتعدوا عن طوائف المبتدعة من المشبهة والمعطلة، ولذلك لا إثبات إلا بنص، ولا نفي إلا بنص.
عندنا ألفاظ أطلقت على الرب لم يرد عليها دليل لا من كتاب ولا سنة، ووجدت في بعض كتب العقائد، فيقول السلف رحمهم الله تعالى: ما لم يرد نفيه ولا إثباته في كتاب ولا سنة فإنا نتوقف فيه مثل: الجسم، والحيز، والعرض، والجوهر، والجهة، كل هذه لا دليل عليها من كتاب ولا سنة، فما موقفنا منها؟
قالوا: لا نثبت ولا ننفي.
الواجب علينا أن نتوقف فنسأل القائل أو المطلق لهذا اللفظ: ماذا تقصد منه؟
فإن قصد حقاً قبل منه المعنى الحق، ونقول له: إن هذا اللفظ لم يرد في كتاب ولا سنة، فالأولى لك ألا تتكلم فيه، وإن كان مدلوله باطلاً رددنا عليه اللفظ والمعنى جميعاً، والسؤال هنا يرد: لماذا تكلم السلف فيها؟
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى تكلم فيها وغيره تكلموا فيها لأن المبتدعة تكلموا فيها، وأطلقوها بألفاظ موهمة، فلابد من التفصيل فيها، فإن قصد معنى الحق قبل المعنى الحق ورد اللفظ، وإن قصد معنىً باطلاً رد اللفظ والمعنى جميعاً، حتى لا يتورط الإنسان بشيء، فيأتيك مثلاً: الجهمي أو المعتزلي فيقول: أنا أقول: إن الله ليس بجسم، فيسألني: أنت تثبت لله الجسم؟ إذا قلت على القاعدة: الله لا نثبت له إلا ما ورد في نصٍ من كتاب وسنة، فهل ورد نص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر؟
لم يرد، فإذا قلت: إذاً أنا أقول: الله ليس بجسم، قال: إذاً أنا وإياك سواء، المعتزلي إذ يقول هذه الكلمة لا يقصد بها يقصد بها أن الله ليس له شيء من الأسماء، والجهمي يقول: ليس لله أسماء ولا صفات، فيصبح السني قد قارب أن يكون جهمياً أو معتزلياً.
إذاً.. نسألك أنت أيها الجهمي ما تقصد بالجسم؟
فإن قال: أقصد به أن الله ليس له أسماء ولا صفات أصلاً، قلنا له: هذا الكلام باطل، فنحن نقول: الله له أسماء وصفات تليق بجلاله وعظمته، مما دل عليه الكتاب والسنة، ولكن لفظ الجسم لا أطلقه على الله تعالى لأنه لا دليل عليه.
نتساءل: لماذا باب الأسماء والصفات توقيفي؟
السبب: لأن الله سبحانه وتعالى أعلم بنفسه من خلقه، ومن أصدق من الله قيلاً، ومن أهدى من الله سبيلاً، ومن أصدق من الله حديثاً، والرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه أعلم الخلق بالله سبحانه وتعالى بما يجب له وما يمتنع عليه وما يجوز له، ولا يمكن لأحد كائناً من كان أن يأتي من عقله بشيء من هذه الأسماء والصفات.
ومن رحمة الله تعالى بنا أنه لم يكل هذا المبحث إلى عقول الناس، بل جعل ما ورد من كتاب وسنة فقط، ولو كان لعقول الناس ما نستطيع، نأخذ بعقل من؟
أنأخذ بعقل المعتزلي، أو الجهمي، أو الأشعري، أو الماتريدي، أو الكلابي، أو الكرامي، أو نأخذ بعقول السلف؟
نقول: من رحمة الله تعالى أن جعل هذا الأمر توقيفياً، ولم يجعل لعقول الناس مجالاً في ذلك.
الأصل الثاني من الأصول عند أهل السنة والجماعة : أن الله سبحانه وتعالى في كل ما ثبت له من الأسماء والصفات لا يماثل شيئاً من خلقه أبداً، ما ورد من الأسماء والصفات لله تعالى لا يماثل أحداً من خلقه أبداً، بل كل ما ورد من الأسماء والصفات فهو مختص به، مثل: (يضحك الله لرجلين يقتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة) فيه إثبات الضحك لله تعالى بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] إثبات اليد، فلا يأتيني أحد من الأشاعرة أو من المعتزلة أو الجهمية أو غيره ويقول: نعوذ بالله لا يمكن أن نثبت لله الضحك.
نتساءل .. لماذا؟
قالوا: أصلاً الضحك من صفات المخلوقين، ونحن لا يمكن أن نثبته، نقول: لا، الأصل إذا أثبت الله لنفسه شيئاً من الأسماء والصفات لا ندخل في عقولنا قضية المماثلة أبداً بوجه من الوجوه، فما ثبت في كتاب وسنة أثبتناه لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته سبحانه وتعالى.
ونجد أن الله سبحانه وتعالى قد سمى نفسه بأسماء وسمى خلقه بأسماء، ووصف نفسه بصفات ووصف خلقه بصفات، ومع ذلك لا يمكن أن يرد في العقل مقتضى المماثلة أو المشابهة، ولهذا إذا جئنا إلى قضية التسلسل كأنه تدرج، فأتينا مثلاً عندنا أشاعرة ، ثم معتزلة ، ثم جهمية ، ثم فلاسفة ، وإن كان هذا التسلسل الذي أذكره ليس تسلسلاً تاريخياً، فـالأشاعرة يثبتون لله سبع صفات، والمعتزلة تثبت الأسماء دون الصفات، والجهمية لا تثبت الأسماء ولا الصفات، والفلاسفة لا يثبتون الإثبات ولا ينفون النفي، فتأتي مثلاً المعتزلة تناقش الأشاعرة فتقول لهم: ماذا تثبتون؟
قالوا: نثبت لله سبع صفات فقط. إذاً هذه السبع هل هي على ما يليق بجلال الله وعظمته أم أنها تشابه صفات المخلوقين؟
سيقولون: لا تشابه صفات المخلوقين، فيثبتون الحياة والعلم والقدرة، ويثبتون لله تعالى السمع والبصر والكلام، ويثبتون لله الإرادة، سبع صفات، فيقولون: هذه على ما يليق بجلال الله وعظمته، قالوا لهم: الغضب، الضحك، اليد، القدم؟
قالوا: لا، هذه تشابه المخلوق، قالوا: كما أنكم تقولون: اليد والغضب هي للمخلوقين، فالمخلوق له سمع وإرادة وقدرة وله علم وحياة.
لماذا لا تقولون: هذه تشابه؟ فإما أن يقولوا: إن الصفات التي لم يثبتوها لا تشابه المخلوقين فينطلقون لـأهل السنة ، وإما أن يقولوا: الصفات التي أثبتوها تشبه صفات المخلوقين فينتقلون ليصبحوا معتزلة ، فأصبح الأشاعرة في برزخ، فلا هم إلى أهل السنة ولا هم إلى المعتزلة.
جاءتهم الجهمية وناقشت المعتزلة فقالت: ما منهجكم؟
قالوا: نثبت الأسماء دون الصفات، قالت لهم الجهمية : لماذا لا تثبتون الصفات لله؟
قالوا: لأن الصفات تقتضي المشابهة.
قالوا: وكذلك الأسماء الواردة في المخلوقين تسمى بهذه الأسماء قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ [يوسف:51] سمي هذا الرجل عزيزاً، وهذا من أسماء الله تعالى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [إبراهيم:4] فقالوا لهم: إما أن تثبتوا الصفات أو تنفوها فتكونوا مثلنا جهمية .
وجاءت الفلاسفة فناقشت هؤلاء الجهمية ، فقالوا لهم: أنتم لا تثبتون لله لا أسماء ولا صفات، وبناءً عليه شبهتم الله بالمعدوم، فالذي لا أسماء له ولا صفات يكون معدوماً.
ما رأيكم أنتم أيها الفلاسفة ؟
قالوا: نحن تورطنا ورطة ماذا نعمل.. فقالوا: إذا أثبتنا لله الأسماء والصفات شبهنا الله بالمخلوق، وإذا نفينا عنه الأسماء والصفات شبهنا الله بالمعدوم، فنقول: الله لا حي ولا ميت، ولا سميع ولا غير سميع، ولا متكلم ولا غير متكلم، فنفر من هاتين الصفتين، قالوا لهم: وقعتم في شر مما فررتم منه، والنتيجة: أنكم شبهتم الله بالممتنع.
هل يمكن أن يتصور الإنسان أنه يوجد إله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا حي ولا ميت، ولا موجود ولا معدوم، هذا شيء ممتنع.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: إن المبتدعة لا يفرون من محذورٍ مما دلت عليه النصوص فيما يتوهمون إلا وقعوا في مثله أو في شر من مما فروا منه، وهذا جزاء من أعرض عن الكتاب والسنة.
يخشى من تشبيه الله بالإنسان أو بالحي فيشبه الله بالجماد، ويخشى من تشبيه الله بالجماد فيشبه الله بالمعدوم، ويخشى من تشبيه الله بالمعدوم فيقع فيشبه الله بالممتنع، فخير له أن يبقى على ما دلت عليه النصوص ويقول: الله ليس كمثله شيء سبحانه وتعالى.
هناك قد يرد في الذهن -وهذا ما وقع المبتدعة فيه على وجه العموم- وهو أنهم وجدوا أن النصوص دلت على أن الله سميع والإنسان سميع: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] والله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:2].
فقالوا: مادام أن الله له سمع والمخلوق له سمع، يجب أن ننزه الله، والنتيجة: الله ليس له سمع ولا بصر، وهذا كلام باطل، فأنت إذ تثبت نصاً لم تثبته من عند نفسك، وإنما الله هو الذي أثبته لنفسه، وبناء عليه نقول: يوجد -وهذا كلام لطيف جداً ذكره شيخ الإسلام وأومأ إليه جمع من أئمة أهل السنة - اشتراك بين أسماء الله وأسماء خلقه، بل بين صفات الله تعالى وصفات خلقه، وهذا الاشتراك في أمرين:
الاشتراك الأول: في اللفظ، عندنا (سمع الله) يقول: وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1] وذكر الله عن الإنسان أنه يسمى سميعاً بصيراً، هذا اشتراك في اللفظ.
الاشتراك الثاني: في المعنى المطلق الكلي العام، وهذا لا يوجد إلا في الأذهان فقط، فمثلاً: إذا قلت: سمع، ستجد يتبادر إلى الذهن مفهوم مدلول السمع ما هو، يتبادر إلى الذهن نفهم معناه، هذا الذي يتبادر إلى الذهن قالوا: هذا هو المطلق الكلي العام، هذا إذا قلنا: سمع، أين موقع هذه اللفظة؟ أو ما يرد في الذهن فقط، لكن في الخارج لا يوجد عندنا شيء، ولكن عند الإضافة يقول شيخ الإسلام : وعند الإضافة والتخصيص يتميز ذلك، فإذا قلت: سمع الله، ليس هناك مجال للاشتراك، ولا يمكن أن يشابه سمع المخلوق، وإذا قلت: سمع الإنسان، لا يمكن أن يشابه سمع الله أبداً، وإذا قلت: سمع الحيوان لا يمكن أن يشابه سمع الإنسان ولا سمع الله تعالى، فإذا فهم هذا لم يحدث عنده أدنى لبس أبداً.
ما فائدة وجود المعنى المطلق الكلي العام؟
فائدته أن يفهم الإنسان مطلق الألفاظ والنصوص الواردة عليه، ولو لم يوجد المعنى المطلق لأصبحت نصوص الكتاب والسنة نصوصاً جوفاء لا نعرف مدلولها أصلاً كما تقوله المفوضة من المبتدعة، فإنهم يقولون: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] لا نعرف ما معنى السمع، ولا نعرف ما معنى البصر، ولا نعرف ما معنى الحياة، ولا الإرادة، ولا القدرة، ولا غيره، إذاً ما هو مدلوله فإن الله وصف نفسه بها؟
قالوا: الله أعلم بها، نفوض معناها إلى الله، وهذا كلام باطل، وهم بهذا صدوا القلوب عن معرفة الرب سبحانه وتعالى بأسمائه وبصفاته، ولا شك أن في هذا اتهاماً لخطاب الشارع، بأنه ليس مفهوماً ولا مدلول له ولا يعرف إطلاقاً، ولذلك يحتاج إلى شيء من التفصيل والإيضاح.. وغيره.
ولذلك قال بعض المبتدعة مقالتهم الباطلة وإن كان هذا ليس قول المفوضة، قالوا: علم السلف أسلم، وعلم الخلف أعلم وأحكم، وهذا كلام باطل لا شك فيه، يقولون: علم السلف أسلم، بمعنى: أن السلف رحمهم الله ورضي عنهم إذا جاءتهم النصوص يقولون: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، لا يتعرضون للكيف ولا للتفصيل ولا لغيره، فقط يقول لك: آمن بها وبما دلت عليه لأن النص دل عليه، والخلف قالوا: أعلم وأحكم لأن لهم دراية ومعرفة أفضل مما عند سلف الأمة، ولا شك أن هذا الكلام باطل لا شك في بطلانه، فإن السلف علمهم أسلم وأعلم وأحكم وأدرى بمدلول النصوص ومعرفة خطاب الشارع من هؤلاء الخلف المبتدعة الذين لم يفهموا ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.