عنوان الفتوى : هل كثرة الاستغفار سبب لتحقيق الدعوات المستحيلة؟
السؤال
هل من الممكن توضيح موضوع القدَر، والدعاء، والاستغفار؟ وهل الدعاء والاستغفار يُغيِّران أمورًا أم لا؟ وهل كثرة الاستغفار سبب لتحقيق الدعوات المستحيلة؟ وهل له عدد معين؟ وهل يجوز الاستغفار لشخص غريب؟ وهل هو مثل الدعاء، وتقول الملائكة: ولك بالمثل أم لا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالقدر معناه: أن كل شيء يقع بتقدير الله تعالى؛ فالله علم الأشياء قبل وقوعها، وكتبها، وخلقها وأوجدها، وشاءها، وانظري الفتوى: 20434.
والدعاء يغير القضاء المُعَلَّق، لا القضاء المُبرم الأزلي، وانظري التفصيل في الفتوى: 422482.
والدعاء سبب عظيم في تحصيل ما يريده العبد، ولو ظنه صعبًا؛ فالله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض، ولا في السماء، والمهم هو أن لا يعتدي الداعي في دعائه، وانظري الفتوى: 411400، والفتوى: 424099.
ولا ندري ما تعنيه السائلة بالدعاء لشخص غريب:
فإن كانت تعني به شخصًا لا تعرفه، فيجوز للمسلم أن يدعو لشخص لا يعرفه، وقد جاء في الحديث: من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات، كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة. رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، وفي الحديث الآخر: مَنْ دَعَا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ. رواه مسلم.
قال النووي في شرحه: وفي هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب، ولو دعا لجماعة من المسلمين، حصلت هذه الفضيلة، ولو دعا لجملة المسلمين، فالظاهر حصولها أيضًا. اهــ.
وقولك: هل الاستغفار سبب لتحقيق الدعوات المستحيلة؟
فالاستغفار سبب لتحصيل كل خير في الدنيا والآخرة، وسبب من أسباب استجابة الدعاء، كما بيناه في الفتوى: 372073.
ولا ندري ما تعنيه السائلة بقولها: "مستحيلة":
فإن كانت تعني ما يصعب عليها تحصيله، ولكنه مما جرت العادة بأن يستجيب الله فيه لعباده، فلا إشكال في جواز الدعاء به، وأن الاستغفار سبب لتحصيله -إن شاء الله-.
وإن كانت مما لا يستجاب فيه للعباد؛ لكونه من الاعتداء في الدعاء، فهذا لا يجوز الدعاء بتحصيله، كما أشرنا آنفًا في الفتوى عن الاعتداء في الدعاء.
والاستغفار المطلق، ليس له عدد معين، ففي الحديث: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، وَأَكْثِرْنَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ. رواه ابن ماجه، وفي صحيح البخاري مرفوعًا: وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً.
فيشرع للمسلم الإكثار منه، لكن في المواطن التي جاءت السنة فيها بتحديد عدد معين من السنة أن يستغفر فيها بذلك العدد الوارد، ومن ذلك عقب الانتهاء من السلام، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّم استغفر ثلاثًا، ففي صحيح مسلم: عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ، اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَقَالَ: اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: كَيْفَ الْاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ.
فمثل هذه المواطن من السنة أن يستغفر بقدر ما ورد في الأحاديث فيها.
والله أعلم.