عنوان الفتوى : الحكمة من إباحة التعدد للرجل دون المرأة
السؤال
من حقوق الزوج على زوجته: تسليم المرأة نفسها، إذا استوفى عقد النكاح شروطه، ووقع صحيحًا؛ فإنه يجب على المرأة تسليم نفسها إلى الزوج، وتمكينه من الاستمتاع بها؛ لأنه بالعقد يستحق الزوج تسليم العوض، وهو الاستمتاع بها، كما تستحق المرأة العوض، وهو المهر، فإن كان الزواج هو عقد عوضيه: المال، والمتعة، فماذا نسميه؟
مشكلتي لا تكمن في أن الزوجين يمارسان الجنس معًا، بل إن الشهوة غريزة في كل البشر، ولا بد من تصريفها، ومن الرقي أن يتم هذا التصريف بين شخصين متحابين فقط، وليس مع عدة أشخاص مختلفين، ولكن لماذا يحدث ذلك بهذه الصورة الغريبة، فيكون الجنس بين الزوجين مقابل المال؟ ولماذا يحلّ للرجل دون المرأة أن يكون متعدد العلاقات الزوجية؟ أليست هذه أنانية من الرجل، وتملك للمرأة في نفس الوقت؟! وكيف سنتمكن بعد ذلك من إقناع النساء اللائي يكرهن الجنس، ويرين أن فيه احتقارًا للمرأة أن اعتقادهنّ خاطئ، وأن المرأة ليست أداة جنسية، بل شريكة جنسية، رغم أن الشرع يقصر زواج المرأة على رجل واحد فقط، ويحرمها حتى من ممارسة الجنس مع غلمانها، ويبرر ذلك بأن فيه "امتهان للمرأة"، ويصفها بأنها "ستتنقل بين رجل وآخر"، بينما لا يعد زواج الرجل بعدة زوجات معًا امتهانًا له، ولا لهنّ، ولا أن ممارسته مع عدد لا نهائي من الجواري امتهان له، بل إن قدرته على الممارسة معهنّ جميعًا من كمال رجوليته؟ ألا تخبرنا تلك الأحكام أن ديننا الحنيف يعد المرأة مفعولًا بها، وأداة جنسية، وعليها أن تباع لمالك واحد فقط؛ لئلا تكون لعبة للجميع، حتى وإن كانت هي أصلًا سيدة الرجل الذي تمارس معه، كما يخبرنا أن الرجل هو الفاعل، والمتحكم، والمشتري؛ ولذلك يمكنه تملك العديد من النساء على قدر ماله، وقوته الجنسية؟!
تعللون الزواج بأن كثرة العلاقات الجنسية يؤدي إلى انتقال الأمراض، أليس في تنقل الرجل بين عدة نساء نقل للأمراض إليهنّ وبينهنّ؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة على ما أوردت من إشكالات، نود أن ننبه إلى أمرين:
الأول: أن على المسلم والمسلمة إذا احتاج إلى السؤال عما يجهل، فليسأل مستفسرًا يريد الاستفادة، لا أن يسأل منتقدًا ومعترضًا، قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل:43}، وحديث جبريل الطويل الذي رواه مسلم في صحيحه يعلّمنا الأدب عند السؤال والطلب؛ حيث جاء في صورة إنسان، وجلس أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسة المتأدِّب، وسأله بكل تواضع.
الثاني: أن على المؤمن والمؤمنة التسليم لله عز وجل في أحكامه الشرعية؛ لقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب:36}، ولا بأس بعد الرضى بالتسليم بالبحث عن الحكمة:
فإن وجدها، ازداد بها يقينًا، وإن لم يجدها، فهو على ذلك الرضى والتسليم؛ لأن هذا مقتضى الإيمان، قال سبحانه: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء:65}.
وبعد هذه المقدمة، نقول: إن قصر الحكمة من تشريع المهر للمرأة على الرجل عند الزواج على مجرد كونه عوضًا، مجانب للصواب، ومن يفهم هذا الفهم، ففهمه قاصر، ففي فرض المهر للمرأة، رفع لشأنها، وتكريم لها، كما سبق أن بيناه في الفتوى: 174175.
وكذلك الحال بالنسبة لتشريع وإباحة التعدد للرجال، وراءه كثير من الحكم، والتي قد أوضحناها في الفتوى: 2286، 2600، 71992.
وأما تعدد الرجال على المرأة الواحدة، فمع ما فيه من امتهان حقيقي للمرأة؛ فإنه لا يصلح أن تقوم عليه المجتمعات، ولا لبناء الروابط الأسرية عليه، جاء في بحث: (تعدد الزوجات في الإسلام) للدكتور محمد بن مسفر الزهراني/ والمنشور في العدد السادس والثلاثين من مجلة البحوث الإسلامية: سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه، جعلت نظام الزوج الواحد والزوجة الواحدة يصلح لكل من الرجل والمرأة. وجعلت نظام تعدد الأزواج، لا يصلح للمرأة، بينما جعلت نظام تعدد الزوجات مناسبًا جدًّا للرجل؛ فالمرأة - كما هو معروف- لها رحم واحد، فلو تزوجت بأكثر من رجل؛ لأتى الجنين من دماء متفرقة، فيتعذر عند ذلك تحديد الشخص المسؤول عنه اجتماعيًّا واقتصاديًّا وقانونيًّا. بينما صلحت طبيعة الرجل لأن يكون له عدة زوجات، فيأتي الجنين من نطفة واحدة؛ وبالتالي يكون والد هذا الجنين معروفًا ومسؤولًا عنه مسؤولية كاملة في جميع الأحوال. وتقوم المسؤولية الاجتماعية في نظام تعدد الزوجات على أساس رابطة الدم، وهي رابطة طبيعية متينة، بينما يفتقر نظام تعدد الأزواج إلى أساس طبيعي، تبنى عليه الروابط الاجتماعية؛ لأن الإنسان بغير اقتصار المرأة على زوج واحد لا يستطيع أن يعرف الأصل الطبيعي له ولأولاده.
كما أن تعدد الأزواج يمنع المرأة من أداء واجبات الزوجة بصورة متساوية وعادلة بين أزواجها؛ سواء أكان ذلك في الواجبات المنزلية، أو في العلاقات الجنسية، وبخاصة وأنها تحيض لمدة خمسة، أو سبعة أيام في كل شهر، وإذا حملت تمكث تسعة أشهر في معاناة جسدية تحول دون القيام بواجباتها نحو الرجال الذين تزوجوها. وعند ذلك سيلجأ الأزواج - بلا شك - إلى الخليلات من بنات الهوى، أو يطلقونها، فتعيش حياة قلقة غير مستقرة.
وختامًا؛ فإن المجتمع لا يستفيد شيئًا من نظام تعدد الأزواج للمرأة بعكس نظام تعدد الزوجات للرجل، الذي يتيح فرص الزواج أمام كثير من العانسات، والمطلقات، والأرامل. هذا إلى جانب أنه لو أبيح للمرأة أن تتزوج ثلاثة أو أربعة رجال؛ لزاد عدد العانسات زيادة كبيرة، وأصبح النساء في وضع اجتماعي لا يحسدن عليه.
وهكذا فإنه ليس من العدالة في شيء أن يباح للمرأة أن تعدد أزواجها؛ بحجة مساواتها بالرجل. وليس عدلًا كذلك أن يحرم الرجل من صلاحيته في أن يعدد زوجاته بدعوى مساواته بالمرأة في حق الزواج.
وسنرى في الصفحات القليلة لهذا البحث أن الله سبحانه وتعالى قد أعطى الرجل صلاحية تعدد الزوجات؛ لخير المرأة، ومن أجل إسعادها، وزيادة فرص الزواج أمامها. اهـ.
وأما مسألة انتقال الأمراض بسبب تعدد الزوجات، فأمر يأباه واقع البشرية من قديم، فقد قام نظام تعدد الزوجات منذ القدم، وفعله أنبياء الله ورسله، فضلًا عن سائر الناس، واستقامت عليه معايشهم، فأين هذا مما يصيب المجتمعات المتفسخة المنحلة من أمراض بسبب الإباحية التي يعيشونها!؟
والحقيقة أن عكس ذلك هو الصحيح، جاء في البحث المشار إليه سابقًا: (تعدد الزوجات في الإسلام): ومما لا شك فيه أن نظام تعدد الزوجات - كما رأينا - يحفظ المجتمعات الإنسانية من الفساد الخلقي الذي يؤدي إلى انتشار البغاء، وكثرة اللقطاء، ويحمي الناس من الإصابات بالأمراض التناسلية التي تنتشر الآن على نطاق واسع، ومنها الزهري، ومرض انعدام المناعة (الإيدز). اهـ.
ويحسن مراجعة البحث بطوله للفائدة، ففيه مسائل وفوائد تعين السائلة، وغيرها على فهم القضية بنظر علمي اجتماعي، ونقض الأفكار المشوشة المضطرة، التي تخالف العقل والشرع معًا.
والله أعلم.