محبة النبي صلى الله عليه وسلم


الحلقة مفرغة

الحمد لله الذي أكرمنا بالإيمان، وأعزنا بالإسلام، وهدانا بالقرآن، وشرفنا بالانتساب للنبي العدنان عليه الصلاة والسلام، نحمده سبحانه وتعالى على ما أفاض من النعم، وما وقى ودفع من النقم، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه، حمداً نلقى به أجراً، ويمحو الله به عنا وزراً، ويجعله لنا عنده ذخراً.

والصلاة والسلام التامان الأكملان على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، علم الهدى، ومنار التقى، محمد خير البرية، وسيد البشرية صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين، أما بعد:

فالحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم منزلة رفيعة، والحديث عن محبته عليه الصلاة والسلام متعة عظيمة، ثم الألسنة تترطب بذكره والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وأما الآذان فتتشنف بسماع سيرته وهديه وحديثه عليه الصلاة والسلام، وأما العقول فتخضع لما ثبت من الحكم والسنة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام، وأما الجوارح والأعضاء فتنتفع وتتمتع بموافقة هديه وفعله وحاله صلى الله عليه وسلم، بل حياتنا كلها مرتبطة بهديه وسيرته وسنته عليه الصلاة والسلام.

وما عسى أن يكون الحديث عن محبته صلى الله عليه وسلم؟ وهل يمكن أن يوفى مثل هذا الموضوع حقه في سويعة من الزمان، أو في بضع محاضرات وإن كثرت؟

إن حقه وقدره ومقامه والواجب له عليه الصلاة والسلام أعظم من ذلك كله، ولكن حسبنا أن يكون لنا في مثل هذه الأوقات ما يحيي قلوبنا، وينشط عزائمنا، ويقوي هممنا، ويبعث نشاطنا، ويحرك مشاعرنا، ويؤجج عواطفنا، لنرتبط ارتباطً أوثق، ونتبع اتباعاً أكمل لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم، حتى ننال خير الدنيا والآخرة وفلاح الدنيا ونجاة الآخرة، بإذن الله عز وجل.

وعندما نظرت في هذا الموضوع رأيته كمحيط متلاطم الأمواج، قعره عميق، ودرره كثيرة وعظيمة، فعسى أن نقتبس شيئاً من ذلك وننتفع به بعون الله سبحانه وتعالى.

هاهنا وقفات نبدأها بمفهوم ومعنى محبة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ونعرج من بعد على حكم هذه المحبة، ثم نقف مع دواعيها التي تحث عليها وتقرب إليها، ثم نتوقف عند الأسباب التي تجلب تلك المحبة، لنخلص منها إلى الصور والمظاهر التي تبديها لنا وتكشفها لنا في واقع مشاعرنا وكلماتنا وأفعالنا، ثم وقفة قبل الختام في ثمار هذه المحبة وخيراتها وآثارها، لننتهي إلى المحبة بين الغلو والجفاء، ولعلنا نستطيع أن نلم بذلك وإن كان في الأمر عسر، فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال القائل:

أبر بني الدنيا وأعظم من شكر وأكرم مخلوق على سائر البشر

به الله قد أهدى إلى الناس رحمةً ومنه ضياء الحق في الكون قد ظهر

تبارك ربي إذ أعد محمداً وزكاه بالتقوى وبالعلم والخبر

ثبات اعتقاد الحق من أخلاقه وخير عباد الله أقدر من صبر

جهير بأمر الله يدعو مبشراً وينصح من لاقاه بالآي والنذر

حري بإصلاح الفساد ومرشد إلى سبل الخيرات في البدو والحضر

دعا الناس بالتوحيد والحب والوفا وجادل بالحسنى وأقنع بالأثر

ذرا الهمة القعساء بعض صفاته وأقدم مقدام وأحلم من قدر

رعاه إله الكون خير رعاية فأنبت نبتاً طيب الأصل والثمر

عليه الصلاة والسلام.

والمحبة في لغة العرب يعرفونها بضدها لوضوحها وجلائها، فإن ذهبت إلى جل المعاجم وجدتهم يقولون: المحبة ضد الكره والبغض، وأُحِبُّه أي: أوده. وشخص بعضهم هذا المعنى تشخيصاً أوسع فقال: أحببت فلاناً في الأصل بمعنى: أصبت حبة قلبه. أي: شغاف قلبه وكبد قلبه وفؤاده. والمقصود أن المشاعر تتسلل في هذه الموافقة والمجانسة والميل إلى أعماق الفؤاد وسويداء القلب فتصيب حبته، أي: جوهره وأصله ومكمنه، فتكون حينئذ ليست عرضاً ظاهراً ولا صوراً جوفاء، بل حقيقة تنبض بها خفقات القلب، وتظهر في مشاعر النفس، بل تبدو في بريق العين، وقسمات الوجه، وابتسامة الثغر، وحسن الثناء والمدح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه المحبة قال عنها ابن القيم ووافقه ابن حجر عليها: المحبة لا تحد -أي: لا يذكر لها تعريف-؛ إذ هي أمر ينبعث بالنفس يصعب التعبير عنه. ولعمري إنه لكلام دقيق، فهل تستطيع أن تقول: إني أحب فلاناً عشرة أرطال، وفلاناً عشرين رطلاً.

كلا لا تستطيع، وهل تستطيع أن تكتشف للحب سبباً؟

بعض الناس تلقاه فترى كأن فؤادك قد مال إليه، وقلبك قد هفا له، وبعض الناس قد تعاشره دهراً وما يزال في قلبك انقباض عنه، وفي نفسك وحشة منه، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فالمحبة سر من أعظم ما تتجلى به عظمة خلق الله في هذا الإنسان.

ما بين غمضة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال

فكم من محبوب لكلمة أو لموقف ربما تغير القلب عليه، ونفرت النفس منه، ولذلك هذه العواطف والمشاعر لا تضبط بهذه الكلمات والتعريفات، وإن كان قد ذكر بعض العلماء للمحبة تعريفات اصطلاحية كثيرة، من ذلك ما قاله القاضي عياض رحمه الله في شفائه: المحبة الميل إلى ما يوافق المحبوب. عندما توافقه وتجانسه وتميل إليه وتتبعه فذلك دليل المحبة، لكن لو وقفنا لوجدنا أن هذا التعريف ليس تعريفاً للمحبة، بل هو وصف لأثرها، فالمحبة انبعثت في القلب فمال الإنسان إلى من يحبه ووافقه، وهذا أمره واضح.

ثم المحبة لها جوانب، منها محبة الاستلذاذ، كحب الصور الجميلة والمناظر والأطعمة والأشربة، تلك محبة فطرية، أو تكون محبة بإدراك العقل، وتلك المحبة المعنوية التي تكون لمحبة الخصال الشريفة والأخلاق الفاضلة والمواقف الحسنة، وهناك محبة تكون كذلك لمن أحسن إليك وقدم لك معروفاً، فتنبعث المحبة حينئذ لتكون ضرباً من ضروب الحمد والشكر، فينبعث الثناء بعد ذلك ترجمة لها وتوضيحاً لمعانيها.

قال الإمام النووي رحمه الله: وهذه المعاني كلها موجودة في النبي صلى الله عليه وسلم بما جمع من الجمال الظاهري والباطني، وكمال الجلال، وأنواع الفضائل، وإحسانه إلى جميع المسلمين لهدايته إياهم إلى الصراط المستقيم، ودوام النعم، والإبعاد من الجحيم، فإن نظرت إلى وصف زينته صلى الله عليه وسلم فجمال ما بعده جمال، وإن نظرت إلى أخلاقه وخلاله فكمال ما بعده كمال، وإن نظرت إلى إحسانه وفضله على الناس جميعاً وعلى المسلمين خصوصاً فوفاء ما بعده وفاء، فمن هنا تعظم محبته صلى الله عليه وسلم، ويستولي في المحبة على كل صورها وأعظم مراتبها وأعلى درجاتها، فهو صلى الله عليه وسلم الحري أن تنبعث محبة القلوب والنفوس له في كل لحظة وثانية، وحركة وسكنة، وقول وصمت، وفي كل تقلبات حياتنا، ولذلك ينبغي أن ندرك عظمة هذه المحبة.

ويقول ابن تيمية: وليس للخلق محبة أعظم ولا أتم من محبة المؤمن لربه، وليس في الوجود ما يستحق أن يحب لذاته من كل وجه إلا الله تعالى، وكل ما يحب سواه فمحبته تبع لحبه؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يحب لأجل الله، ويطاع لأجل الله، ويتبع لأجل الله.

وذلك ما سنفيض القول فيه في بعض تلك الأحوال، وحسبي أن نعرج على هذه المعاني.

وهنا وقفة نتمم بها ما بدأناه، فنحن نتعلق ونرتبط برسول الله صلى الله عليه وسلم من جوانب شتى: في جانب العقل معرفة وعلماً، نقرأ ونحفظ سيرته وحديثه وهديه وسنته، والواجب منها والمندوب ونحو ذلك، ومحبة بالقلب، وهي عاطفة مشبوبة، ومشاعر جياشة، ومحبة متدفقة، وميل عاصف، فالنفس تتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم لما فيه من المعاني الحسية والمعنوية، ثم محبة بالجوارح تترجم فيها المحبة إلى الاتباع لسنته وعمله وفعله عليه الصلاة والسلام، فلا يمكن أن نقول: إن المحبة اتباع فحسب، فأين مشاعر القلب؟ ولا يصلح أن نقول: إنها الحب والعاطفة الجياشة، فأين صدق الاتباع؟ لا ينفع هذا وحده، فأين المعرفة والعلم التي يؤسس بها من فقه سيرته وهديه وأحواله عليه الصلاة والسلام؟

لذا فنحن نرتبط في هذه المحبة بالقلب والنفس والعقل والفكر وبسائر الجوارح والأحوال والأعمال، فتكمل حينئذ المحبة لتكون هي المحبة الصادقة الخالصة الحقيقية العملية الباطنية، فتكتمل من كل جوانبها لنؤدي بعض حق رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا.

ما عسى أن يكون حكم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الوجوب؟! فهي واجبة على كل مسلم قطعاً ويقيناً، والأدلة على ثبوت وجوبها كثيرة، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى الذي جمع فيه في آية واحدة كل محبوبات الدنيا، وكل متعلقات القلوب، وكل مطامح النفوس ووضعها في كفة، وحب الله وحب رسوله في كفة فقال: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24].

قال القاضي عياض رحمه الله: فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً وبلاغةً وحجةً على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظيم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم؛ إذ قرع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله وتوعدهم بقوله: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [التوبة:24]، ثم فسقهم بتمام الآية فقال: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24]، وأعلمهم أنه ممن ضل ولم يهده الله عز وجل.

فهذه آية عظيمة تبين أهمية ووجوب هذه المحبة، ويأتينا كذلك دليل آخر وهو عظيم وموجز وبليغ في قول الحق جل وعلا: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6].

ويبين ابن القيم رحمه الله الدلالة على وجوب هذه المحبة في هذه الآية من وجوه كثيرة، ضمنها أمرين اثنين: الأول: أن يكون أحب إلى العبد من نفسه؛ لأن الأولوية أصلها الحب، ونفس العبد أحب إليه من غيره، ومع هذا يجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أولى به منها، أي: أولى به من نفسه وأحب إليه منها. فبذلك يحصل له اسم الإيمان، ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمال الانقياد والطاعة والرضا والتسليم، وسائر لوازم المحبة من الرضا بحكمه والتسليم لأمره وإيثاره على ما سواه.

الثاني: أن لا يكون للعبد حكم على نفسه أصلاً، بل الحكم على نفسه للرسول صلى الله عليه وسلم، يحكم عليها أعظم من حكم السيد على عبده أو الوالد على ولده، فليس له في نفسه التصرف إلا ما تصرف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أولى به من نفسه، أي: بما جاء به الله عز وجل وبلغه من آياته وأقامه ونشره من سنته صلى الله عليه وسلم، والآيات في هذا كثيرة.

أخي الكريم! الإيجاز هو مقصدنا في هذا، وإلا فإن قوله سبحانه وتعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] من الأدلة العظيمة الشاهدة على وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً لا نزاع أن محبة الله واجبة، وأن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته هو طريق إلى محبة الله كما سيأتي في قوله: (من أحبني فقد أحب الله) والآيات أكثر من أن تحصى في هذا المقال.

وأما أحاديث صلى الله عليه وسلم فصريحة جلية واضحة في الدلالة على وجوب هذه المحبة، ومن ذلك حديث أنس رضي الله عنه عند البخاري ، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وأهله ووالده وولده والناس أجمعين)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

وكلنا يعرف الحديث الصحيح المشهور في قصة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما قال عمر : (يا رسول الله! لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا -والذي نفسي بيده- حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال عمر : فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال: عليه الصلاة والسلام: الآن يا عمر).

ولم يكن قول عمر الأول أنه ليس محباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه على حقيقته، إنما أخبر عن مقتضى الطبع، الأصل الطبعي في الإنسان أن أحب شيء إليه نفسه، فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بالمصطلح الإيماني أقر عمر بالمعنى الإيماني وبأنه يفضل ويحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه، فقال له حينئذ صلى الله عليه وسلم: (الآن يا عمر).

ومما يستدل به كذلك من هذه الأحاديث قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس رضي الله عنه: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).

ثم إن حب الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار كما ذكر ذلك الإمام الخطابي ، ولذلك عمر في جوابه الأول ذكر الطبع، ثم بعد ذلك ذكر فيه الاختيار الذي هو مقتضى الإيمان.

ومن هنا ذكر العلماء أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم على ضربين: أحدهما فرض، وهو المحبة التي تقتضي الإيمان بنبوته وبعثته، وتتلقى ما جاء به بالمحبة والقبول والرضا والتسليم، وثانيهما محبة مندوبة، وهي تقصي أحواله، ومتابعة سنته، والحرص على التزام أقواله وأفعاله قدر المستطاع والجهد والطاقة.

ومن الأدلة كذلك ما ثبت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم المشهور المحفوظ: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار).

ومن الأحاديث حديث أنس عن الرجل الذي جاء سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! متى الساعة؟ فأعرض عنه النبي عليه الصلاة والسلام، ثم عاد إليه فقال: ما أعددت لها. قال: حب الله ورسوله. فقال: فإنك مع من أحببت)، وفي الرواية الأخرى قال الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنك مع من أحببت. قال: أنس فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم).

ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو حديث جميل أخرجه مسلم في صحيحه، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله). هذا الحديث ربما من اجتهد وجاهد قد يكون مقصوداً به؛ لأنه يخبر عمن جاء بعده، فيقول عليه الصلاة والسلام: (من أشد الناس حباً لي ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله).

وحديث ابن عباس أيضاً قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي) رواه الترمذي في سننه وحسنه، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي .

وكلنا محب لرسول الله صلى الله عليه وسلم محبة وجوب، ومحبة اختيار وتعظيم له عليه الصلاة والسلام، وأمر هذا الوجوب لا يحتاج إلى الأدلة، ولكننا نريد أن نعظم هذه المحبة في قلوبنا ونحن نرى الآيات التي تتلى إلى قيام الساعة توجب هذه المحبة وتبرزها عظيمة عالية في مقامها مقترنة بمحبة الله عز وجل، بل راجحة بكل ما تتعلق به القلوب من أنواع المحاب الدنيوية في شتى صورها وأنواعها، فعلنا حينئذ ندرك هذا، وندرك أيضاً عظمة هذا الوجوب عندما ندرك هذه النصوص القاطعة الواضحة في أن محبته ينبغي أن تكون أعظم من محبة النفس التي بين جنبيك، وأنفاسك التي تتردد، وقلبك الذي يخفق، فضلاً عن محبة الزوجة والأبناء، أو الأمهات والآباء، فما أعظم هذه المحبة التي هي أعظم محبة لمخلوق من بني آدم في الدنيا وفي الخليقة كلها، وهي التي استحقها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، ووجبت على كل مؤمن مسلم لله سبحانه وتعالى.

لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

إننا قطعاً لن نقول هذا السؤال وكأننا لا نريد هذه المحبة، ونسأل: (لماذا) على سبيل عدم الرغبة، كلا، وإنما نريد مرة أخرى أن نهيج القلوب والمشاعر لهذه المحبة، وأن نؤكدها ونحرص على غرسها في سويداء القلوب والنفوس حتى تتحقق بها المشاعر، وتنصبغ بها الحياة، وتكون هي السمت والصبغة التي يكون عليها المسلم في سائر أحواله بإذن الله عز وجل.

تبعية محبة النبي صلى الله عليه وسلم لمحبة الله تعالى

نحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه حبيب الله عز وجل، فمن أحب الله أحب كل من أحبه الله، وأعظم محبوب من الخلق لله عز وجل هو رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ولكن صاحبكم خليل الرحمن) يعني نفسه صلى الله عليه وسلم، والخلة هي أعلى درجات المحبة؛ لأنها تتخلل في القلب وفي كل شيء في هذا الإنسان، فتصبح كل خلية ونفس وكلمة منك وعاطفة منك تخفق بهذه المحبة وتؤكدها؛ لأنها محبة لمن أحبه الله عز وجل واصطفاه من بين خلقه جميعاً، كما أخبر عليه الصلاة والسلام: (فأنا خيار من خيار من خيار) فهو صفوة الله من خلقه أجمعين، وكما ورد في الحديث الذي صححه أهل العلم أنه قال عليه الصلاة والسلام: (إني من نكاح وليس من سفاح) وذلك في كل الأصلاب منذ الخليقة الأولى، حتى من لم يكن مسلماً، فلم يكن من أجداده كلهم ولا في نسبه ولا في أصله عليه الصلاة سفاح، بل كله نكاح صحيح، وذلك من طيب محتده، وعراقة أصله، وطهارته التي اصطفاه الله عز وجل لأجلها واختاره ووضعه لها عليه الصلاة والسلام.

كمال رأفته ورحمته بأمته

لأن الله سبحانه وتعالى أظهر لنا كمال رأفته وعظيم رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته، ونحن نحب الإنسان إذا وجدناه بنا رحيماً، وعلينا شفيقاً، ولنفعنا مبادراً، ولعوننا مجتهداً، حينها نحبه من أعماق قلوبنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أعظم من رحمنا ورأف بنا، وإن كان بيننا وبينه هذه القرون المتطاولة: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

ولو أردنا أن نذكر أمثلة لذلك لطال بنا المقام، فرسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث كان يقول: (لولا أن أشق على أمتي)، وهناك كثير من الأحاديث التي ورد فيها رقته ورحمته بأمته كما ورد في وفد مالك بن الحويرث وقومه لما جاءوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قالوا: كنا شبية متقاربين، فمكثنا في المدينة نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الراوي: فلما رأى أنا قد اشتقنا لأهلنا -وكان أرحم بنا من أنفسنا- قال: (ارجعوا إلى أهليكم، وليؤمكم أكبركم، وعلموا من وراءكم) رحمة منه بهم عليه الصلاة والسلام، وكان إذا سمع بكاء الصبي يخفف من صلاته رأفة وشفقة على قلب أمه به، وذلك من كمال رحمته وشفقته عليه الصلاة والسلام.

في يوم حنين قسمت الغنائم، ووجد بعض الأنصار في أنفسهم شيئاً؛ لأن الرسول لم يقسم لهم وقسم للمؤلفة قلوبهم، فلما جاءهم إلى مكانهم ذكر لهم عليه الصلاة والسلام بعض فضله عليهم بما فضله الله عز وجل عليهم، قال: (ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ ثم ذكر غير ذلك وكله يقول فيه: ألم آتكم؟ ألم آتكم. ثم قال: (أجيبوني) فسكت الأنصار، فقال: (أما لو شئتم لقلتم ولصدقتم: أتيتنا طريداً فآويناك، وأتيتنا فقيراً فأغنيناك. ثم قال: ألا ترضون أن يرجع الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم، الناس شعار والأنصار دثار، لو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، فبكى الصحابة حتى اخضلت لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً) وهذا من أعظم ما يظهر فيه كذلك من أثر أو داعي محبة النبي صلى الله عليه وسلم.

كمال نصحه لأمته وعنايته بهم

حتى قال الصحابة كما روي ذلك عن بعضهم في سنن أبي داود قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة) أي: حتى قضاء الحاجة. علم أمته كل شيء، وكان عليه الصلاة والسلام لا يدع فرصة إلا ويعلمهم، ولا يدع فرصة إلا ويقول: (ليبلغ الشاهد الغائب) حتى جئنا إلى أيامنا هذه وإلى ما بعدها وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، نراه في يقظته ومنامه، وحله وترحاله، وسلمه وسفره، بل نحن نعرف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من سيرته أكثر مما نعرفه عن أنفسنا، من يعرف منا عن صغره؟ من يعرف منا حاله في نومه أو يقظته؟ رصدت حياته صلى الله عليه وسلم، ورصد لنا وصفه، وكم شعرةً بيضاء في لحيته، كل ذلك في وصف دقيق بليغ حتى كأن كل شيء في حياته ولد في وضح النهار.

خصائصه وخصاله العظيمة

ويكفينا في ذلك قول الله عز وجل: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] وكم اجتمع فيه عليه الصلاة والسلام ما تفرق من وجوه الفضائل والأخلاق والمحاسن في الخلق كلهم! فكان هو مجتمع المحاسن عليه الصلاة والسلام.

حسبنا ذلك في هذه الدواعي وإلا فالأمر كثير، فإن الذين مالت قلوبهم وملئت حباً لرسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه إنما سبى قلوبهم واستمال أنفسهم بما كان عليه من الخلق وحسن المعاملة وكمال الرحمة وعموم الشفقة وحسن القول، إلى غير ذلك مما هو معلوم من شمائله عليه الصلاة والسلام.

نحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه حبيب الله عز وجل، فمن أحب الله أحب كل من أحبه الله، وأعظم محبوب من الخلق لله عز وجل هو رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ولكن صاحبكم خليل الرحمن) يعني نفسه صلى الله عليه وسلم، والخلة هي أعلى درجات المحبة؛ لأنها تتخلل في القلب وفي كل شيء في هذا الإنسان، فتصبح كل خلية ونفس وكلمة منك وعاطفة منك تخفق بهذه المحبة وتؤكدها؛ لأنها محبة لمن أحبه الله عز وجل واصطفاه من بين خلقه جميعاً، كما أخبر عليه الصلاة والسلام: (فأنا خيار من خيار من خيار) فهو صفوة الله من خلقه أجمعين، وكما ورد في الحديث الذي صححه أهل العلم أنه قال عليه الصلاة والسلام: (إني من نكاح وليس من سفاح) وذلك في كل الأصلاب منذ الخليقة الأولى، حتى من لم يكن مسلماً، فلم يكن من أجداده كلهم ولا في نسبه ولا في أصله عليه الصلاة سفاح، بل كله نكاح صحيح، وذلك من طيب محتده، وعراقة أصله، وطهارته التي اصطفاه الله عز وجل لأجلها واختاره ووضعه لها عليه الصلاة والسلام.

لأن الله سبحانه وتعالى أظهر لنا كمال رأفته وعظيم رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته، ونحن نحب الإنسان إذا وجدناه بنا رحيماً، وعلينا شفيقاً، ولنفعنا مبادراً، ولعوننا مجتهداً، حينها نحبه من أعماق قلوبنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أعظم من رحمنا ورأف بنا، وإن كان بيننا وبينه هذه القرون المتطاولة: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

ولو أردنا أن نذكر أمثلة لذلك لطال بنا المقام، فرسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث كان يقول: (لولا أن أشق على أمتي)، وهناك كثير من الأحاديث التي ورد فيها رقته ورحمته بأمته كما ورد في وفد مالك بن الحويرث وقومه لما جاءوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قالوا: كنا شبية متقاربين، فمكثنا في المدينة نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الراوي: فلما رأى أنا قد اشتقنا لأهلنا -وكان أرحم بنا من أنفسنا- قال: (ارجعوا إلى أهليكم، وليؤمكم أكبركم، وعلموا من وراءكم) رحمة منه بهم عليه الصلاة والسلام، وكان إذا سمع بكاء الصبي يخفف من صلاته رأفة وشفقة على قلب أمه به، وذلك من كمال رحمته وشفقته عليه الصلاة والسلام.

في يوم حنين قسمت الغنائم، ووجد بعض الأنصار في أنفسهم شيئاً؛ لأن الرسول لم يقسم لهم وقسم للمؤلفة قلوبهم، فلما جاءهم إلى مكانهم ذكر لهم عليه الصلاة والسلام بعض فضله عليهم بما فضله الله عز وجل عليهم، قال: (ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ ثم ذكر غير ذلك وكله يقول فيه: ألم آتكم؟ ألم آتكم. ثم قال: (أجيبوني) فسكت الأنصار، فقال: (أما لو شئتم لقلتم ولصدقتم: أتيتنا طريداً فآويناك، وأتيتنا فقيراً فأغنيناك. ثم قال: ألا ترضون أن يرجع الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم، الناس شعار والأنصار دثار، لو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، فبكى الصحابة حتى اخضلت لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً) وهذا من أعظم ما يظهر فيه كذلك من أثر أو داعي محبة النبي صلى الله عليه وسلم.

حتى قال الصحابة كما روي ذلك عن بعضهم في سنن أبي داود قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة) أي: حتى قضاء الحاجة. علم أمته كل شيء، وكان عليه الصلاة والسلام لا يدع فرصة إلا ويعلمهم، ولا يدع فرصة إلا ويقول: (ليبلغ الشاهد الغائب) حتى جئنا إلى أيامنا هذه وإلى ما بعدها وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، نراه في يقظته ومنامه، وحله وترحاله، وسلمه وسفره، بل نحن نعرف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من سيرته أكثر مما نعرفه عن أنفسنا، من يعرف منا عن صغره؟ من يعرف منا حاله في نومه أو يقظته؟ رصدت حياته صلى الله عليه وسلم، ورصد لنا وصفه، وكم شعرةً بيضاء في لحيته، كل ذلك في وصف دقيق بليغ حتى كأن كل شيء في حياته ولد في وضح النهار.

ويكفينا في ذلك قول الله عز وجل: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] وكم اجتمع فيه عليه الصلاة والسلام ما تفرق من وجوه الفضائل والأخلاق والمحاسن في الخلق كلهم! فكان هو مجتمع المحاسن عليه الصلاة والسلام.

حسبنا ذلك في هذه الدواعي وإلا فالأمر كثير، فإن الذين مالت قلوبهم وملئت حباً لرسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه إنما سبى قلوبهم واستمال أنفسهم بما كان عليه من الخلق وحسن المعاملة وكمال الرحمة وعموم الشفقة وحسن القول، إلى غير ذلك مما هو معلوم من شمائله عليه الصلاة والسلام.

نذكر هنا مظاهر المحبة وعلامتها، فلكل شيء دليل ولكل ادعاء برهان، ولكل حقيقة في الباطن أثر وبرهان وصورة في الظاهر، ولنذكر بعض هذه المعاني العظيمة المهمة من مظاهر وعلامات محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

اتباعه والأخذ بسنته صلى الله عليه وسلم

تعصي الإله وأنت تزعم حبـه هذا لعمري في القياس شنيع

لو كان حبك صادقاً لأطعتـه إن المحب لمن يحب مطيع

قال ابن الجوزي مستشهداً بقول مجنون ليلى :

إذا قيل للمجنون ليلـى ووصلها تريد أم الدنيا وما في طواياها

لقال غبار من تراب ديارها أحب إلى نفسي وأشفى لبلواها

قال ابن الجوزي : وهذا مذهب المحبين للأخلاء.

فكل محب يكون أدنى شيء من محبوبه أعظم إليه من كل شيء في دنياه، فكان أدنى شيء من الله ومن رسوله أعظم وأحب إلى كل مؤمن من كل شيء في دنياه، وحسبنا في ذلك ما جاء في كتاب الله في قصة يوسف عليه السلام: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف:33] أحب السجن لأنه في مرضاة الله، وفيه العصمة من معصية الله، ولا أحد يحب السجن لظلمته وأسره وقيده لكنه كان محبوباً لقلبه لمّا كان فيه محبة ربه وسلامته من معصيته.

وهكذا نجد النصوص تتضافر في ذلك، فتأمل هذا الحديث الذي يرويه أنس رضي الله عنه كما عند الترمذي -وقال عنه: حسن غريب- قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأنس نعلم من هو، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين، يقول أنس : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي قط لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: لم لم تفعله؟ كيف كان يأمره وينهاه وهو خادمه؟ كيف لم يقل له: لم فعلت. أو: لم لم تفعل؟ لو أردنا أن نفعل ذلك مع أحد من خدمنا لا نستطيع أن نفعل ذلك ولو عشرة أيام، وليس عشر سنوات! هذا أنس يقول: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بني! إن قدرت أن تصبح وتمسي وليس في قلبك غش لأحد فافعل. ثم قال لي: يا بني! وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة) معادلة واضحة، والمحبة في هذا الاتباع ظاهرة.

قال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم كلاماً جميلاً، قال: فمن أحب الله ورسوله محبةً صادقةً من قلبه أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكره الله ورسوله، ويرضى ما يرضى الله ورسوله، ويسخط ما يسخط الله ورسوله، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض، فإن عمل بجوارحه شيئاً يخالف ذلك بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله، أو ترك بعض ما يحب الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه دل ذلك على نقص محبته الواجبة، فعليه أن يتوب من ذلك ويرجع إلى تكثير المحبة الواجبة.

وهنا ملحوظة مهمة، قال: من عصى أو قصر في واجب نقصت محبته ولم يَزد. وبعض الناس يتعجل فيرى العاصي فيقول: إنه مبغض لرسول الله، أو كاره لرسول الله. وتلك تهمة عظيمة وفرية كبيرة، حسبك في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم في قصة الرجل الذي كان يشرب الخمر فأتي به فجلد، ثم مرة أخرى شرب فأتي به فجلد، ثم ثالثة فأتي به فجلد، فقال رجل من الصحابة: (لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به!) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله) فأثبت له النبي المحبة مع وقوعه في كبيرة من الكبائر، فلا تهجم على الناس بنفي المحبة؛ فإنها نفي إيمان وإخراج من الملة إن كنت تقصد نزعها بالكلية، والعياذ بالله.

الإكثار من ذكره والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

لا شك أن من أحب إنساناً أكثر من ذكر محاسنه، فتجد بعض الناس إذا أحب إنساناً لا يجلس مجلساً إلا ويقول: انظروا ماذا فعل فلان، فلان قال كذا وكذا، فلان جزاه الله خيراً، فلان لا يمكن أن نقدر قدره. ونحن ينبغي أن نطيب ونعطر مجالسنا في كل وقت وحين بذكر مآثر النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وأحواله وشمائله، وهذا الذكر هو الذي يهيج هذه المحبة ويبعثها، وكثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تحرك هذا المعنى، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] وفي ذلك امتثال لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم المؤذن فقولواً مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً).

وحديث أبي بن كعب رضي الله عنه شهيد، قلت: (يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت. قلت: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير قلت: النصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خي.، قلت: الثلثين؟ قال: ما شئت؟ وإن زدت فهو خير. قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذاً تكفى همك ويغفر ذنبك) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه وصححه، والحاكم في مستدركه، ووافقه الذهبي .

قال الشراح: كان أبي له ورد من الدعاء دائماً، فكان يصلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن آداب الدعاء أن يقدم بين يديه الحمد والثناء على الله والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: كم أجعل لك من ذلك؟ قال: زد حتى لو كان الدعاء كله الحمد والثناء والصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنه وإن قل الدعاء يكون فيه ما وعد النبي به صلى الله عليه وسلم (إذاً تكفى همك ويغفر ذنبك).

تمني لقائه والشوق إليه

ومن علامات محبته عليه الصلاة والسلام تمني رؤيته والشوق إليه، وقد كان ذلك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رأوه لكنهم إذا افتقدوه اشتاقوا إليه، وهذا الشوق شوق حقيقي، ويعلم من كان يحب زوجته وأبناءه كيف يكون حاله إذا اغترب عنهم، إذا أراد أن يخلد إلى نومه تجلت له صورهم، وتذكر أحوالهم، وكأنما يسمع أصواتهم في أذنيه، ويراهم يتلاعبون ويتحركون بين يديه، وما تزال زفراته تتابع وعبراته تتوالى شوقاً إلى لقياهم، فإذا التقى بهم ربما طاش عقله وتخلى عن وقاره، فهفا إليهم معانقاً ومحباً، تلك بعض مشاعر المحبة في درجة الدنيا، وأعظم من هذه الدرجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في محبته، كما روى مسلم : (من أشد الناس حباً لي ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني، ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

وبلال رضي الله عنه قصته شهيرة يوم ذهب إلى بلاد الشام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان بلال يبكي ويقول: لم أطق أن أبقى في المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا أراد أن يؤذن فإذا جاء لقوله: (أشهد أن محمداً رسول الله) تخنقه عبرته فيبكي رضي الله عنه، فمضى إلى الشام وذهب مع المجاهدين، ورجع بعد سنوات، ثم دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحان وقت الأذان فأذن بلال ، فبكى وأبكى الصحابة بعد انقطاع طويل غاب فيه صوت مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذكروا بلالاً وأذانه، وتذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر في هذا يطول.

وكان رضي الله عنه عند وفاته تبكي زوجته بجواره فيقول: (لا تبكي؛ غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه) فكان يشتاق للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو واحد من المبشرين بالجنة كما ثبت ذلك في الحديث لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بلال ! ما تصنع لربك؟ قال: لا شيء إلا أني إذا أحدثت توضأت، وإذا توضأت صليت، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشة نعليك) وهكذا روي عن حذيفة بن اليمان ، وعمار بن ياسر رضي الله عنهم أجمعين، وذكر القاضي عياض في (الشفا) أنه قال كل منهم:

غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه

وهذا الشوق في حياة الصحابة يظهر لنا صور محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

محبة الكتاب الذي أنزل عليه ولأمته

إن النبي صلى الله عليه وسلم قد اختص بمعجزته الخالدة إلى قيام الساعة، وهي كلام الله عز وجل، وكتابه العظيم كتاب الله الذي فيه الهدى والنور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في القرآن كالحال المرتحل، لا يختم حتى يبدأ ختمةً جديدة، وكان كما قالت عائشة : (خلقه القرآن) فمن أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب القرآن والتعلق به.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعدما أورد بعض أحاديث محبة النبي صلى الله عليه وسلم: ودخل في جملة محبته صلى الله عليه وسلم حب آله، ونحن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وقال: إن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطيباً بماءٍ يدعى خماً بين مكة والمدينة وأسمع، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد: ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، ثم حث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. فقيل لـزيد : ومن أهل بيته يا زيد ! أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قيل: من هم؟ قال: آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس هؤلاء حرموا الصدقة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهم آله) والحديث أخرجه مسلم في صحيحه، والأحاديث في هذا كثيرة ولها دلالات عظيمة، ولذا فقد ذكر أهل العلم في هذا المعنى أقوالاً كثيرة، وقال ابن تيمية رحمه الله: وآل محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين حرمت عليهم الصدقة، هكذا قال الشافعي وأحمد بن حنبل وغيره من العلماء، والأحاديث في فضلهم مبسوطة كما أن نساء النبي من آله كما في قوله جل وعلا: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ [الأحزاب:32] وقوله: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6] وقوله عز وجل: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا [الأحزاب:53].

والأحاديث في فضائل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته عظيمة.

حب صحابته والترضي عنهم

من حب النبي عليه الصلاة والسلام حب صحابته، ومن أبغض أحداً من صحابته فهو كاذب في حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أبغض بعضاً أو كلاً أو واحدةً من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذب في محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأعظم على الله وعلى رسوله الفرية، وكان من حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)، وفي حديث أنس الصحيح: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار).

فحب الصحابة وحب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان ومن محبة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أبو زرعة الرازي في كلامه على معتقد أهل السنة والجماعة: إذا رأيت أحداً ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما نقل ذلك كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والطعن بهم أولى، وهم زنادقة.

قال الخطيب البغدادي رحمه الله: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم بنص القرآن في آيات كثيرة، منها: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18] إلى غير ذلك من الآيات.

قال ابن حجر : اتفق أهل السنة على أن جميع الصحابة عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة. وقال صاحب العقيدة الطحاوية رحمه الله: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نشك في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من أبغضهم ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإحسان وبغضهم كفر وطغيان.

فهذا من علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم الظاهرة البينة، وهي مما ينبغي أن يكون معلوماً ومعروفاً، والأمر في ذلك كثير وعظيم.

تعصي الإله وأنت تزعم حبـه هذا لعمري في القياس شنيع

لو كان حبك صادقاً لأطعتـه إن المحب لمن يحب مطيع

قال ابن الجوزي مستشهداً بقول مجنون ليلى :

إذا قيل للمجنون ليلـى ووصلها تريد أم الدنيا وما في طواياها

لقال غبار من تراب ديارها أحب إلى نفسي وأشفى لبلواها

قال ابن الجوزي : وهذا مذهب المحبين للأخلاء.

فكل محب يكون أدنى شيء من محبوبه أعظم إليه من كل شيء في دنياه، فكان أدنى شيء من الله ومن رسوله أعظم وأحب إلى كل مؤمن من كل شيء في دنياه، وحسبنا في ذلك ما جاء في كتاب الله في قصة يوسف عليه السلام: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف:33] أحب السجن لأنه في مرضاة الله، وفيه العصمة من معصية الله، ولا أحد يحب السجن لظلمته وأسره وقيده لكنه كان محبوباً لقلبه لمّا كان فيه محبة ربه وسلامته من معصيته.

وهكذا نجد النصوص تتضافر في ذلك، فتأمل هذا الحديث الذي يرويه أنس رضي الله عنه كما عند الترمذي -وقال عنه: حسن غريب- قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأنس نعلم من هو، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين، يقول أنس : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي قط لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: لم لم تفعله؟ كيف كان يأمره وينهاه وهو خادمه؟ كيف لم يقل له: لم فعلت. أو: لم لم تفعل؟ لو أردنا أن نفعل ذلك مع أحد من خدمنا لا نستطيع أن نفعل ذلك ولو عشرة أيام، وليس عشر سنوات! هذا أنس يقول: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بني! إن قدرت أن تصبح وتمسي وليس في قلبك غش لأحد فافعل. ثم قال لي: يا بني! وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة) معادلة واضحة، والمحبة في هذا الاتباع ظاهرة.

قال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم كلاماً جميلاً، قال: فمن أحب الله ورسوله محبةً صادقةً من قلبه أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكره الله ورسوله، ويرضى ما يرضى الله ورسوله، ويسخط ما يسخط الله ورسوله، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض، فإن عمل بجوارحه شيئاً يخالف ذلك بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله، أو ترك بعض ما يحب الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه دل ذلك على نقص محبته الواجبة، فعليه أن يتوب من ذلك ويرجع إلى تكثير المحبة الواجبة.

وهنا ملحوظة مهمة، قال: من عصى أو قصر في واجب نقصت محبته ولم يَزد. وبعض الناس يتعجل فيرى العاصي فيقول: إنه مبغض لرسول الله، أو كاره لرسول الله. وتلك تهمة عظيمة وفرية كبيرة، حسبك في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم في قصة الرجل الذي كان يشرب الخمر فأتي به فجلد، ثم مرة أخرى شرب فأتي به فجلد، ثم ثالثة فأتي به فجلد، فقال رجل من الصحابة: (لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به!) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله) فأثبت له النبي المحبة مع وقوعه في كبيرة من الكبائر، فلا تهجم على الناس بنفي المحبة؛ فإنها نفي إيمان وإخراج من الملة إن كنت تقصد نزعها بالكلية، والعياذ بالله.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة اسٌتمع
رمضان ضيفنا المنتظر 2909 استماع
المرأة بين الحرية والعبودية 2732 استماع
فاطمة الزهراء 2699 استماع
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها 2630 استماع
المرأة والدعوة [1] 2544 استماع
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم 2534 استماع
غزوة أحد مواقف وصور 2534 استماع
قراءة في دفاتر المذعورين 2488 استماع
خطبة عيد الفطر 2469 استماع
التوبة آثار وآفاق 2453 استماع